تبيان الصلاة المجلد 8

اشارة

نام كتاب: تبيان الصلاة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: بروجردى، آقا حسين طباطبايى

تاريخ وفات مؤلف: 1380 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 8

ناشر: گنج عرفان للطباعة و النشر

تاريخ نشر: 1426 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

شابك:- 51- 93362- 964

مقرر: گلپايگانى، على صافى

تاريخ وفات مقرر: 1430 ه ق

المقصد السادس في صلاة الجماعة

اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 7

في صلاة الجماعة

اعلم أنّ الناظر إلى كتب السير و التواريخ المتعرضة لسيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، يعلم أن أمر صلاة الجماعة يكون مقرونا بأصل الصّلاة، فشرع الجماعة مقارنا مع تشريع أصل الصّلاة و من راى عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و اشتغاله بالصّلاة، راه في الجماعة كما يظهر من القضية المعروفة من رؤية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مشغولا بالصّلاة و خلفه ابن عمّه و امرأته، و هما على عليه السّلام، و خديجة عليها السّلام، يصلّون صلاة الجماعة، و بعد ما هاجر إلى المدينة أيضا أول صلاة صلّيها في قباء- و هو محل قرب المدينة المنورة- صلّيها بالجماعة، فيكون أمر صلاة الجماعة من الوضوح بمثابة أمر أصل الصّلاة، فلا خفاء في أصل مشروعية صلاة الجماعة.

ثمّ اعلم أن التكلم في صلاة الجماعة يقع في طى مقدمة و مقاصد إن شاء الله تعالى:

[المقدمة]

أمّا المقدمة: ففي ماهية صلاة الجماعة.

اعلم أن ماهية صلاة الجماعة و حقيقتها على ما يفهم من لفظها، هى صلاة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 8

تحصل مع الجماعة في قبال صلاة الفرادى، فصلاة الجماعة و إن كان يصلى كل واحد من الإمام و المأموم صلاة، و بهذا الاعتبار تكون صلوات، و لكن باعتبار كون صلاة كل من الإمام و المأمومين مرتبطا بالاخرى، يكون كل صلاة من صلواتهم كبعض الصّلاة، و تعدّ هذه الصلوات المتعددة صلاة واحدة، فنفهم أن في هذه حيث واحدة اعتبارية و حيث أن المقوم لهذه الصّلاة هو الإمام و المأموم ففي ماهيتها يعتبر وجود إمام و يأتي ما يعتبر فيه إن شاء اللّه.

و هل يعتبر

في بقاء ماهية الجماعة مجرد حدوث هذه الصّلاة مع الإمام و ان لم يكن بقاء، أو يعتبر في ماهيتها وجوده إلى اخرها؟

يمكن أن يقال: بعدم اعتبار بقاء ذلك في بقاء ماهية الجماعة، و لأجل هذا قلنا بأن بعض الروايات الواردة في الاستخلاف لو عرض لإمام الجماعة عارض، لا يدل على صيرورة صلاة المأمومين في الآن الفاصل بين طرو العارض لإمام الأوّل و بين استخلاف للإمام الثانى فرادى، بل باقية على الجماعة، غاية الأمر تكون صلاة جماعة بلا إمام في هذا الحال، و هذا غير مضرّ بصدق الجماعة.

و لهذا قلنا: إنّ ما أفاده الشيخ رحمه اللّه في الخلاف «1» من دعوى الاجماع على امكان نقل نية الفرادى إلى الجماعة، و من الجماعة إلى الفرادى، يكون من باب التمسك بروايات الاستخلاف، لأنّه قال: ذكرنا الأخبار المربوطة بمسألة الاستخلاف، و نقل نية الفرادى إلى الجماعة، و بالعكس في كتابنا الكبير، و لم يذكر في التهذيب غير روايات الاستخلاف، فمراده من الاجماع هو هذه النصوص.

______________________________

(1)- الخلاف، ج 1، ص 551؛ التهذيب، ج 3، ح 842- 844.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 9

و الحق عدم دلالتها على ما أفاده من جواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى و بالعكس، لأنّه كما قلنا لا يدل هذه الأخبار على صيرورة صلاة المأمومين بعد عروض عارض للإمام و قبل استخلاف شخص اخر، فرادى حتّى يتمسّك بهذه الأخبار على جواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى و بالعكس، إذ يمكن أن تكون الجماعة باقية في هذا الحال و لو لم يكن إمام فيها، كما أنّ بعض الأخبار الدالة على جواز تقديم المأموم التشهّد الثانى على الإمام، لا يدل على صيرورة صلاته في هذا الحال فرادى، بل يمكن

بقاء القدوة في هذا الحال و لكن أجاز المعصوم عليه السّلام في هذه الرواية تقديم التشهّد على تشهد الإمام، كما أنّ بعض الأخبار الواردة في صلاة الخوف لا يدل على عدم بقاء الجماعة، و قد ذكرنا مفصلا هذه الجهة في نية الصّلاة.

و من الخصوصيات الدخيلة في ماهية صلاة الجماعة، هى كون كل جماعة يتشكل منها الجماعة في الجملة، و يأتي تفصيله إن شاء اللّه فلا بدّ فيها من وجود إمام و مأموم.

و من الخصوصيات وجود واحدة مكانية، و زمانية بين الإمام و المأموم، و بين بعض المأمومين مع بعض من اعتبار كونهم في مكان واحد، و عدم فصل بينهم، و عدم حائل و من حيث موقفهم، و من حيث كون زمان صلواتهم واحدا بتفصيل يأتي إن شاء اللّه.

و من الخصوصيات الّتي يقع الكلام فيها إن شاء اللّه هى أنّه هل يعتبر معية بين الإمام و المأموم من حيث أفعال الصّلاة، بأن يكبّرا معا، يسجدان معا، أو يعتبر تأخر ما بين أفعال المأموم و الإمام، و غير ذلك.

و من جملة الخصوصيات هل يعتبر في صدق صلاة الجماعة أن يكون المأموم

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 10

و الإمام كلاهما قاصدان للجماعة، أو يعتبر هذا القصد للمأموم فقط؟ يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

إذا عرفت هذه المقدمة نشرع بعونه تعالى في المطالب الّتي ينبغى أن يبحث عنه، فنقول بعونه تعالى.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 11

المطلب الأوّل: في الصلوات الّتي شرع فيها الجماعة بنحو الوجوب أو الاستحباب.

اشارة

و فيه جهات:

الجهة الأولى:

الجماعة مشروعة في الصلوات اليومية مسلّما في الجمعة بنحو الوجوب، و في غيرها بنحو الاستحباب.

أمّا وجوبها في الجمعة فللأخبار الدالة على أن الجمعة لا بدّ و أن تنعقد جماعة مع اجتماع شرائطها، و أمّا في غير صلاة الجمعة فقد تجب لعارض كما إذا نذر إتيان صلاة الغداة مثلا جماعة، و مثله العهد و اليمين و لو نذر إتيان صلاة جماعة فلو أتى فرادى لا يصح لأنّ اتيانها فرادى يوجب عدم قدرته على امتثال النذر فلا تكون هذه الصّلاة مقرّبا، فلا تقع صحيحة، و فى غير ذلك فلا تجب الجماعة في الصلوات اليومية من الغداة و العشاءين و الظهر في غير يوم الجمعة، أو فيها مع عدم اجتماع وجوب صلاة الجمعة و العصر، أمّا من العامة فقد حكي عن الظاهرية وجوب الجماعة فيها أيضا، و أمّا عندنا فلا إشكال في استحبابها و عدم وجوبها، غاية الأمر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 12

أن الجماعة فيها من المستحبات الأكيدة و في بعض منها اكد.

الجهة الثانية:

في الصلوات الفرائض غير اليومية هل تجب الجماعة أو لا؟

اعلم أنّة في صلاة الآيات شرعت الجماعة، لكن على وجه الاستحباب لا الوجوب لعدم دليل على أزيد من استحبابها.

الجهة الثالثة:

في مشروعية الجماعة و عدمها في العيدين: اعلم أن الجماعة في العيدين مع اجتماع شرائط وجوبهما فوجوب الجماعة فيهما و إن قيل، لكن ذلك غير مسلم، و فيه كلام، و أمّا مشروعيتها على نحو الاستحباب فلا اشكال فيه.

الجهة الرابعة:

مشروعية الجماعة في صلاة الطواف محل إشكال، بل الأقوى عدمها، لأنّ ما استدل به على مشروعية الجماعة فيها غير تمام. أمّا رواية الّتي رواها حريز عن زرارة و الفضيل قالا: قلنا له: الصّلاة في جماعة فريضة هى؟ فقال: فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها، و لكنّها سنّة، من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له- «1» فلا تدلّ على مشروعية الجماعة في صلاة الطواف، لأنّ قوله عليه السّلام (و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها و لكنه سنّة) بقرينة صدر الرواية لا يشمل إلا فرائض اليومية.

بيانه أن قول السائل (الصّلاة في جماعة فريضة هى) ناظر إلى السؤال عن وجوب صلاة الجماعة و عدمه في خصوص الفرائض اليومية، لا عن مطلق الصلوات، و الشاهد على ذلك جواب الإمام عليه السّلام (الصّلاة فريضة و ليس الاجتماع بمفروض) فإن كان سؤال السائل عن مطلق الصلوات، فلا يناسب الجواب بأنّ

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 13

(الصّلاة فريضة) لأنّ مطلق الصلوات ليس بمفروض، فيكون نظر السائل إلى خصوص فرائض اليومية، فقال عليه السّلام في جوابه (الصّلاة فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها) أى: ليس في كل صلوات اليومية الجماعة فريضة.

فكان في ذهن السائل وجوب الجماعة في الصّلاة الجمعة، فسئل من أن هذا الحكم يكون في مطلق الصلوات اليومية، فقال عليه السّلام

(ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها و لكنه سنة) أى: الاجتماع سنة في مطلق الصلوات اليومية و ليس بمفروض في كله، فلا يكون السؤال عن مطلق الصلوات يومية و غيرها، حتّى يقال: بأن قوله عليه السّلام (و لكنه سنة) يدلّ على مشروعية الجماعة و استحبابها في صلاة الطواف.

فالرواية لا تدلّ على مشروعية الجماعة في صلاة الطواف. «1»

الجهة الخامسة:

في صلاة الجنازة: إن الجماعة فيها مشروعة و يدل عليه الأخبار، فارجع أبواب الجنازة من الوسائل، فإن فيها ما يدلّ على ذلك.

______________________________

(1)- (أقول ما أفاده مد ظله العالى من أن قوله عليه السّلام (الصّلاة فريضة) يدلّ على عدم كون السؤال عن مطلق الصّلاة في محله، و لكن يوجب ذلك عدم امكان الاستشهاد بالرواية لمشروعية الجماعة في النافلة، و أمّا في الفرائض فيمكن الاستدلال بها، لأنّ من جواب الإمام عليه السّلام من أنّ (الصّلاة فريضة) يكشف عن كون السؤال عن الجماعة في الفرائض، سواء كانت يومية أو غيرها لا خصوص اليومية، فجواب الإمام عليه السّلام بأنّه (ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها و لكنه سنة) فتدلّ الرواية على مشروعية الجماعة في صلاة الطواف، لأنها فريضة أيضا، نعم لو استكشف كون نظر السائل إلى خصوص فرائض اليومية، و يكون الألف و اللام في قوله (الصّلاة فريضة) للعهد و المعهود خصوص اليومية، تمّ ما أفاده مد ظله العالى في بيان مفاد الرواية فتأمّل) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 14

الجهة السادسة: هل الجماعة مشروعة في النوافل أم لا؟

اعلم أن في صلاة الاستسقاء من النوافل شرعت الجماعة فيها، للدليل الوارد فيها، و أمّا في غيرها من النوافل غير صلاة الغدير، فالجماعة فيها غير مشروعة عندنا لعدم دليل على مشروعيتها فيها، و من بدع الثانى تشريعه الجماعة في نوافل شهر رمضان روايات فارجع الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان من الوسائل، مضافا إلى أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، مع كمال اهتمامه بصلوة الجماعة، لا يرى منه أن يصلى نافلة بجماعة، بل كان يصليها في البيت، ثمّ يذهب إلى المسجد، لأنّ يصلى الفريضة جماعة، و أمّا في صلاة الغدير، و إن صار محل الكلام،

و لكن مشروعية الجماعة فيها غير معلوم.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 15

المطلب الثانى: في قصد الامام الإمامة

اشارة

هل يعتبر في تحقق الجماعة قصد الإمام الإمامة بحيث لو لم يقصدها لا تنعقد الجماعة، أم لا يعتبر ذلك؟

اعلم أن عدم اعتبار قصد الإمام الإمامة في تحقق الجماعة ممّا يكون مسلّما عندنا و إن كان محل الخلاف عند العامة.

و أمّا اعتبار قصد الايتمام على المأموم في صيرورة صلاته صلاة الجماعة فمما لا إشكال فيه، لأنّ ذلك معلوم من الصدر الأوّل إلى الآن، و كون عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم على طبقه، و لا يعدّ الشخص داخلا فى الجماعة و مأموما للإمام إلا اذا قصد الجماعة و الايتمام و القدوة به.

[النبوي لا يدلّ على اعتبار نيّة الجماعة من المأموم]

و ما قيل من أنّه يدلّ على ذلك قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في النبوى المنقول عن طرق العامة (انما جعل الإمام إماما ليؤتم به الخ) بدعوى أن معنى الايتمام به هو قصد الاقتداء به، مدفوع بأن هذه الرواية ليست فى مقام ذلك، بل الرواية ناظرة إلى جهة اخرى، و هى أن أفعاله لا بد و أن يقع متفرّعا على افعال الإمام، لأنّ في الرواية على نقل بعض

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 16

صحاحهم الستة «1» هكذا (انّما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا كبّر فكبّروا، و اذا ركع فاركعوا، و إذا سجد فاسجدوا) و بنقل اخر تكون هكذا (انما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فاذا كبر فكبروا و لا تكبروا قبل أن يكبر و إذا ركع فاركعوا و لا تركعوا قبل أن يركع) و هذا يدلّ على ما قلنا خصوصا بنقل إلى مكان قبل منهم، فهذه الرواية غير مربوطة بالمقام. «2»

و على كل حال بعد فرض اعتبار قصد الائتمام على المأموم يقع الكلام في جهة اخرى و

هى أن الجماعة هل تكون وصفا لنفس الصّلاة بتمامها، أو تكون وصفا لأبعاض الصّلاة أيضا؟

و بعبارة اخرى يعتبر في تحقق الجماعة الّتي يشرعها اللّه تعالى أن يكون

______________________________

(1)- صحيح البخارى، ج 1، ص 190؛ سنن ابن ماجه، ج 1، ص 392؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 113؛ سنن ابى داود، ح 1، كتاب الصّلاة، ص 164؛ سنن النسائي، ج 2، ص 90؛ سنن الترمذي، ج 1، ص 376.

(2)- (أقول: لم لم يتمسّك سيدنا الاعظم مد ظله العالى على اعتبار قصد المأموم الايتمام في تحقق الجماعة بالنسبة إليه بأن وجه اعتبار القصد هو أن الايتمام من العناوين القصدية، لا يتحقق مصداقه الا بالقصد، و لعل من تمسك بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم (انما جعل الإمام إماما ليؤتم به) لاعتبار قصد الايتمام هو ما قلنا من أنّه يستفاد من هذه الرواية أنّه لا بدّ من وجود إمام يؤتم به، و لا يحصل الايتمام إلا بالقصد.

و أما ما أفاده مد ظله العالى من أنّ اعتبار قصد المأموم الايتمام يستفاد من عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بمعنى أن من صدر الأوّل كان العمل على ذلك.

ففيه أنّه أىّ طريق في كون العمل على قصد ذلك، و القدر المعلوم من العمل هو الاجتماع و جعل واحد إماما في الجماعة، و متابعة الجماعة عنه في أفعال الصّلاة، و أمّا كون القصد معتبرا في تحقق ذلك، فلا طريق إليه من عملهم، فتأمّل) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 17

المأموم قاصدا للايتمام و الاقتداء و الدخول في الجماعة من أوّل الصّلاة إلى اخر موضع يتمكن من حفظ الايتمام به، أو لا يلزم ذلك، بل يمكن التبعيض بمعنى أن

يجعل بعض صلواته بالقصد و المتابعة جماعة و بعضها فرادى، مثلا يقصد بركعة منها الجماعة و بما بقيها الفرادى، مثلا يرى الشخص صلاة جماعة متشكلة فيبنى و يقصد أن يأتمّ بالإمام في ركعة واحدة أو ركعتين من صلاته الظهر مثلا و يقصد إتيان ما بقى من صلاته أى ثلاث ركعات أو ركعتين منها فرادى، أو أن الشخص يكون مثلا في الصّلاة فرادى فرأى في أثناء صلاته انعقاد جماعة و قد صلّى ركعة من صلاته، فيقصد في ما بقى من صلاته الاقتداء، أو لا يصح ذلك.

[هل يصح جعل صلاة واحدة بعضها فرادى و بعضها جماعة]

اشارة

و الحاصل هل يصح جعل صلاة واحدة بعضها فرادى و بعضها الجماعة إمّا بالقصد إلى ذلك قبل الشروع في الصّلاة و إمّا أن يبدو له ذلك في أثناء الصّلاة، مثل أن نبى في أول الصّلاة و يقصد الاقتداء إلى اخر الصّلاة، ثمّ في أثنائها يبدو له و يقصد الفرادى أو بالعكس.

فإن قلنا بكون الجماعة وصفا للصّلاة لا لأبعاضها فلا يصح ذلك. و إن قلنا بكونها وصفا لأبعاض الصّلاة فيجوز ذلك. فالكلام يقع تارة في جواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى و عدمه، و تارة في جواز نقل نية الفرادى إلى الجماعة، و المهم هو التعرض لصورة الأولى، لأنّ نوع القائلين بالجواز يقولون في الصورة الأولى فنقول:

اعلم أنّه لا يرى التعرض لهذه المسألة في كلمات القدماء رحمه اللّه المقتصرين في كتبهم على ذكر الفتاوى المتلقاة عن المعصومين عليهم الصّلاة و السلام، غير الشيخ رحمه اللّه مع تأليف بعض كتبه على طريقة القدماء، و لكن صنّف كتاب المبسوط و تعرض فيها للمسائل التفريعية كما قال رحمه اللّه في أوّله ما حاصله: (إنى بعد ما رايت أن

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 18

للعامة

كتبا و تعرضوا للتفريعات، كنت أحب أن اصنّف كتابا مشتملة على التفريعات، و لكن ما تمكنت من ذلك إلى الآن فشرعت في ذلك المقصود و صنفت كتابنا المبسوط بنهجهم، حتّى لا يقولون بأن فقه الشيعة لم يكن فيه التفريعات، ففي هذا الكتاب ذكرت التفريعات و استفدت حكمها من النصوص، فإنا مع كوننا من أهل النص و المقتصرين على ما ورد في القرآن و عن النبي و العترة المعصومين عليهم الصلوات و السلام، لا أهل القياس و الاستحسان و الرأي كما هو دأبهم، استفدت الأحكام التفريعية من النصوص).

فكتاب مبسوطه رحمه اللّه يكون على هذا الوجه و تعرض لهذه المسألة فيه، و لم يقل فيه بالجواز مطلقا، و في كتاب مسائل الخلاف في مواضع، و قال فيه بالجواز.

و قد بينا أن ما قال في الخلاف من الإجماع على جواز ذلك، ليس المراد منه إلا ما استفاده من أخبار الاستخلاف، و قد تعرضنا مفصلا في نية الصّلاة لبعض الأخبار المتوهمة دلالتها على جواز ذلك من الأخبار الواردة في الاستخلاف، و جواز تقديم التشهّد للمأموم، و ما ورد في ضمن صلاة الخوف، فان كلها قابلة الحمل على بقاء الجماعة في هذه الفروض، لا صيرورة الصّلاة فرادى، حتّى يتمسّك بها على جواز عدول نقل نية الجماعة إلى الفرادى أو البناء على ذلك من أول الشروع في الصّلاة.

[في ذكر الاقوال في المسألة]
اشارة

و على كل حال اعلم أن الأقوال في المسألة ثلاثة:

القول الأوّل: جواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى و بالعكس

مطلقا و هو مختار الشيخ في الخلاف.

القول الثانى: عدم جواز ذلك

مطلقا كما قال به صاحب المدارك و الذخيرة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 19

على نحو المختار، أو على سبيل الإشكال.

القول الثالث: التفصيل

بين ما إذا كان نيته من أول الصّلاة إتيان صلاته بعضها جماعة و بعضها الاخر فرادى، و بين ما إذا كان نيته من الصّلاة الجماعة إلى اخر الصّلاة لكن يبدو له في أثناء الصّلاة أن يقصد الفرادى و يتمّ صلاته فرادى، فلا يجوز في الأوّل و يجوز في الثانى.

أمّا القول الثالث أعنى التفصيل فلا يكون له وجه، لأنّه إن كانت الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة، فلا فرق بين ما إذا قصد الفرادى في أول الصّلاة أو يبدو له ذلك في أثنائها، و كذا إن امكن استفاده صيرورة الصّلاة فرادى من أخبار الاستخلاف، أو من جواز تقديم التشهد، أو من بعض ما ورد في صلاة الخوف فأيضا لا فرق بين كون المصلّى قاصدا لذلك في أول الصّلاة أو يبدو له ذلك في أثنائها.

ثمّ بعد عدم وجه للقول بالتفصيل، فهل نقول بالقول الأوّل أو بالثانى، أمّا وقوع الجماعة في أبعاض الصّلاة في الشرع في الجملة مسلّم، مثل ما إذا اقتدى الحاضر بالمسافر، ففي الزائد على ركعتين يكون صلاة المأموم فرادى، فوقع بعض الصّلاة جماعة و بعضها فرادى (لكن الكلام يكون في ما يمكن حفظ القدوة و الايتمام و أنّه هل يصح مع ذلك قصد الفرادى أم لا؟ فمثل اقتداء الحاضر بالمسافر خارج عن محل الكلام، لأنّ مع تمامية صلاة الإمام لا مجال للمأموم أن يحفظ القدوة، بل محل الكلام هو أنّه هل تحقق الاقتداء المعتبر في صيرورة صلاة المأموم جماعة و مرتبطا بصلوة الإمام يحصل بجعل المأموم صلاته بالقصد مرتبطا بصلاته ما دام متمكنا، او لا يلزم ذلك،

بل في كل جزء من الصّلاة إذا قصد يصير هذا الجزء جماعة و يترتب عليه آثارها).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 20

[في نقل الاقوال في جواز العدول من الجماعة الى الفرادى]

اعلم أن في صورة شروع المصلّى في صلاته فرادى، ثمّ في الاثناء يعدل نيته بالجماعة، فهو ممّا يكون دعوى كونه على خلاف طريقة المتشرعة، و على ما هو المعهود من الجماعة في الإسلام، غير مجازقة.

أمّا في نقل نية الجماعة إلى الفرادى فقد تعرضنا له في نية الصّلاة مفصلا فراجع، و نذكر هنا أيضا للفائدة، و لربط هذه المسألة بصلوة الجماعة، فنقول بعونه تعالى:

إن الأقوال في المسألة ثلاثة: الجواز مطلقا، و عدمه مطلقا، و التفصيل بين ما إذا قصد الشخص الفرادى من أول الصّلاة، و بين ما إذا كان في أول الصّلاة قاصدا للجماعة و القدوة إلى اخرها، ثمّ يبدو له في أثنائها أن يعدل من الجماعة إلى الفرادى،

[الأدلة على جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى]
اشارة

و قبل التكلم في ما هو الحق في المقام نقول: بأنّه استدل على الجواز بامور

منها الإجماع

و قد عرفت في مطاوى كلماتنا أن هذا الإجماع ليس بحجة، لعدم كونه كاشفا عن وجود نص في المسألة، لأنّ الشيخ رحمه اللّه هو أول من تعرض للمسألة و إن ادعى الاجماع و اخبار هم في الخلاف على الجواز، إلا أنّه بعد ما قال (بأنا ذكرنا أخباره في كتابنا الكبير) أى: في التهذيب، و بعد ما لا نرى نقل رواية تدلّ على هذا الحكم إلا أخبار الاستخلاف.

و قد عرفت أن الاستدلال على الجواز بهذه الأخبار، و اخبار جواز تقديم السلام، و أخبار صلاة ذات الرقاع غير تمام، لعدم دلالة هذه الأخبار على صيرورة صلاة المأموم فرادى في صورة عروض عارض للامام فيستخلف غيره، أو في صورة تقديم المأموم سلامه، أو في صلاة ذات الرقاع، فالتمسك بالاجماع، مع عدم تعرض القدماء رحمه اللّه غير الشيخ رحمه اللّه و وضع تعرض الشيخ يكون بالنحو الّذي ذكرنا أى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 21

في كتاب الخلاف و المبسوط فهو لم يتعرض للمسألة في كتابه المعد لنقل الفتاوى المتلقاة، مثل كتاب النهاية، لا يصحّ لأنّ الاجماع ما دام لا يكون كاشفا عن وجود نص لا يكون حجّة.

و منها الأصل

، و الغرض منه إن كان أصالة الإباحة بمعنى إنا نشك في أن العدول من الجماعة إلى الفرادى جائز أم لا؟ فاصالة الإباحة تقتضى جوازها، و إن كان الغرض منه الإباحة الوضعية، فمعناها عدم اشتراط كون الصّلاة جماعة من أولها إلى اخرها في صيرورتها جماعة.

و منها: [عدم وجوب صلاة الجماعة ابتداء و استدامة]

ما يظهر من المحقق رحمه اللّه في المعتبر، و هو أن الجماعة لا تجب ابتداء، فكذلك لا تجب استدامة، و استدل به العلّامة رحمه اللّه في التذكرة.

و منها ما في التذكرة أيضا من دلالة رواية واردة في طرق العامة

، يستفاد منها أن معاذ بن جبل كان يقوم في محلته، ففي يوم اقتدى به رجل، فطالت صلاة معاذ فتخلّف عن الجماعة و أتى بصلاته منفردا، فقال له معاذ: نافقت، فبلغت هذه القصة بالنبى صلّى اللّه عليه و آله و سلم، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمعاذ: إنّك رجل فتّان و لم يقل: إن صلاة هذا الشخص الاذي تمّ صلاته فرادى باطل.

و منها استصحاب جواز الانفراد

، فإن قبل الشروع في الصّلاة كان له أن يصلى فرادى فيستصحب.

و منها التمسك بما ورد من الروايات في باب الاستخلاف

، و جواز تسليم المأموم قبل الإمام، و صلاة ذات الرقاع.

[وجوه عدم جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى]
اشارة

و في قبال ذلك فقد ذكر بعض وجوها لعدم جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى:

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 22

و منها عدم تاثير قصد الانفراد لو نوى ذلك في الأثناء

، مع فرض قصد الجماعة من أول الصّلاة.

و منها أنّه يجب تكليفا استدامة نية الاقتداء

، فإذا كان ذلك واجبا يحرم قصد الإفراد من باب أن الأمر بالشي ء يقتضي النهى عن ضده.

و منها أنّه يجب استدامة النية وضعا

بمعنى كون ذلك شرطا في صحة الصّلاة.

و منها كون ذلك شرطا في صحة الجماعة

و صيرورة الصّلاة جماعة لا في أصل الصّلاة، فبناء على اشتراط الصّلاة به، تبطل الصّلاة رأسا حتى لو عمل قبل نقل النية من الجماعة إلى الفرادى ما يعتبر في صلاة الفرادى وجودا و عدما من القراءة، و عدم زيادة الركوع و السجود فمع ذلك تبطل الصّلاة بقصده الفرادى، و أمّا بناء على اشتراط الجماعة بها لا تبطل أصل الصّلاة، بل تفسد الجماعة بمعنى عدم ترتب آثار الجماعة فقط لو عمل عمل الفرادى.

[مناقشة المسألة]

إذا عرفت ذلك كله نقول: إن ما ينبغى أن يقال في المقام هو منشأ الإشكال في المسألة، و ما يليق أن يتكلم حوله، و هو أنّ المبنى للمسألة هو ما أشرنا إليه في صدر المسألة من أنّه هل يكون الجماعة وصفا للصّلاة بمجموعها، أو هى وصف لأبعاضها، بمعنى أنّه هل يعتبر في صيرورة الصّلاة صلاة جماعة بحيث يترتب عليها آثارها هو كون المأموم مقتديا و مؤتما بالإمام ما أمكن له الايتمام و الاقتداء، و لا يتخلف عنه مهما أمكن، أولا يعتبر ذلك في صدق الاقتداء و الايتمام المعتبر في الجماعة، بل في كل بعض من أبعاض الصّلاة و جزء من اجزائها إذا تحقق القدوة و الايتمام تصير الصّلاة جماعة بهذا المقدار، و يترتب آثار الجماعة في هذا المقدار.

فإن قلنا بالأوّل: فلا يصح قصد الانفراد و العدول من الجماعة إليه، و إن قلنا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 23

بالثانى فيصح نقل نية الجماعة إلى الفرادى، فما بيّنا هو الميزان في إمكان الالتزام بجواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى و عدمه، فالجواز و عدمه متفرع على ذلك، لا على ما استدل به الطرفين، لأنّ تمامية استدلال كل من الطرفين و عدمها مربوط بما قلنا.

فإن قلنا:

بأن الجماعة وصف لأبعاض الصّلاة لا لمجموع الصّلاة، فلا يبقى مجال لما استدل به القائل بعدم الجواز من عدم تاثير قصد الانفراد لو نواه، لأنّه على فرض كون الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة يؤثر قصد الانفراد.

و كذلك ما قيل من وجوب استدامة النية تكليفا قول لا وجه له، لعدم وجوب ذلك بناء على كون الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة.

و كذلك ما قيل من كون بقاء القدوة شرطا في أصل الصّلاة أو الجماعة، لأنّه على فرض كون الجماعة وصفا للأبعاض معلوم عدم اشتراط ذلك.

و إن قلنا بالعكس أى: بكون الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة، فلا يبقى مجال للاستدلال بجواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى بأصالة الإباحة، لأنّه مع فرض كون الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة، فلا مجال للاصل.

و كذلك لا مجال للاستدلال على الجواز بأن الجماعة لا تجب ابتداءً فلا تجب استدامة، لأنّه مع فرض كون الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة، فلا تصير الصّلاة جماعة إلا ببقاء القدوة إلى اخرها.

و كذلك لا مجال للتمسك على الجواز باستصحاب الانفراد لأنّ مع وصف كون الدليل مساعدا على كون الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة لا للأبعاض، فلا مجال للاستصحاب.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 24

فيظهر لك ممّا مرّ أنّه لا بد لمن يكون في سدد فهم كون العدول من الجماعة إلى الفرادى جائزا أم لا، من فهم أن الجماعة الّتي شرعت في الشرع، و لا بدّ فيها من أن يقتدى المأموم و يجعل نفسه تابعا للامام هل تكون وصفا لمجموع الصّلاة بحيث لا تتحقق الجماعة و لا يترتب أثرها إلا إذا كان المأموم مقتديا و مؤتمّا بالإمام من أول الصّلاة إلى اخر ما يمكن له ذلك، أو لا تكون كذلك، بل هى وصف لأبعاض بحيث

يكون أثر الجماعة مترتبا في كل جزء من أجزاء الصّلاة يكون المأموم فيه مقتديا بالإمام، و إن لم يكن مقتديا و مؤتما به في غيره من أجزاء الصّلاة.

[ظهور أمرين لك فى المسألة]
اشارة

و ممّا مر منا من أن جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى و عدمه، متفرع على كون الجماعة وصفا لجميع الصّلاة، أو لأبعاض الصّلاة، يظهر لك أمران:

الأمر الأول:

أن هذا النزاع غير متفرع على كون صلاة الفرادى و الجماعة حقيقتان و طبيعتان متغايرتان، او هما حقيقة واحدة و طبيعة فاردة، فإن قلنا بالأوّل فلا يجوز العدول، و إن قلنا بالثاني فيجوز ذلك، كما ربما توهّم كون جوازه و عدمه متفرعا على ذلك.

وجه عدم كون جواز العدول من نية الجماعة إلى الفرادى متفرعا على ذلك، هو ما قلنا: من أن الجماعة إن كانت وصفا لمجموع الصّلاة فلا يجوز ذلك، سواء كانت الفرادى و الجماعة حقيقتان أو حقيقة واحدة، و إن كانت قابلة لكونها وصفا لأبعاض الصّلاة فيجوز ذلك، سواء كانتا حقيقة واحدة أو حقيقتان.

و اعلم بأنّ من يتوهّم كونهما حقيقتين و طبيعتين، إن كان نظره في ذلك إلى أن الجماعة و الفرادى، كالظهر و العصر من كونهما طبيعتين، مع قطع النظر عن اعتبار القصد فيهما فالفرادى و الجماعة ليستا كالظهرية و العصرية.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 25

و إن كان نظره في كون الجماعة و الفرادى طبيعتين هو احتياج كل منهما إلى القصد، بمعنى أن الصّلاة الواقعة خارجا لا تصير منطبقا لعنوان صلاة الجماعة و لا الفرادى إلا بالقصد.

فنقول: إن الجماعة و إن كانت بالنسبة إلى المأموم محتاجة إلى القصد أى:

صلاة المأموم لا تصير جماعة إلا بأن يقصد الجماعة، و لكن الفرادى غير موقوف بالقصد، بمعنى عدم احتياج صيرورة الصّلاة الواقعة خارجا مصداق صلاة الفرادى، إلى قصد الفرادى، بل مجرد قصد الصلاتية تجعلها صلاة فرادى، فكلّما أتى المكلف بصلوة تقع فرادى إذا لم ينو بها الجماعة، لا بمعنى

دخل عدم قصد الجماعة في صيرورة الصّلاة فرادى، بل بمعنى أنّه لا يعتبر في صيرورة الصّلاة فرادى إلا قصد الصّلاة، فعلى هذا لا يمكن أن يقال: بكون الجماعة و الفرادى طبيعتين باعتبار احتياج كل منهما إلى القصد، لما عرفت من عدم احتياج صلاة الفرادى بالقصد، فالحق كون الجماعة و الفرادى طبيعة واحدة.

و لكن مع ذلك يكون للنزاع في جواز نقل نية الجماعة إلى الفرادى مجال باعتبار ما قلنا من أنّه يجوز إن كانت الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة، و لا يجوز إن كانت وصفا لمجموع الصّلاة.

الأمر الثاني:

بعد ما قلنا: من أن منشأ الإشكال في جواز العدول و عدمه هو كون الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة أو لأبعاضها، يظهر لك أن التفصيل في المسألة بين ما إذا نوى الانفراد في أثناء الصّلاة في أول الصّلاة فلا يجوز العدول، و بين ما إذا يبدو له ذلك في أثنائها فيجوز كما يظهر من بعض المتاخرين، لا وجه له.

أمّا ما ذكر وجها لهذا التفصيل فهو ما يظهر من كلام آية اللّه الحائرى رحمه اللّه في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 26

كتاب صلاته، و ظاهر كلامه و إن كان غير واف بما نقول، لأنّ ظاهر كلامه هو عدم شمول الإطلاقات الواردة في الجماعة للصورة الأولى و شمولها للصورة الثانية، و لكن نحن نقول في بيانه: و ربما يكون نظره بذلك أيضا و هو أن في الصورة الّتي يدخل المصلى في الصّلاة ناويا للجماعة من أول الصّلاة إلى اخرها، ثمّ يبدو له نقل نيته من الجماعة إلى الفرادى في أثناء الصّلاة، يجوز ذلك و يشملها الاطلاقات، لأنّ في هذه الصورة يكون عمل المصلي: صلاته بالجماعة منبعثا عن القصد بذلك، فصلاته صارت جماعة لكونه

قاصدا لها من أول الأمر فالصّلاة وقعت من أول أمرها منطبق عنوان الجماعة، لكون المصلّى ناويا للاقتداء و الايتمام و المتابعة، فمع فرض كون المصلى ناويا للجماعة حين الشروع بالصّلاة، فتصير صلاته جماعة و تشملها الإطلاقات الواردة في الجماعة، فمتى يكون باق بهذه النية فهو في جماعة، و متى يبدو له في الأثناء العدول إلى الانفراد فتصير صلاته فرادى قهرا.

و أمّا في الصورة الأولى أى: الصورة التى من نيته الانفراد في الأثناء من أول الصّلاة، فلا تشمل صلاته الإطلاقات، لأنّ في هذه الصورة لا تكون صلاته منبعثا عن قصد الجماعة في تمام صلاته، بل قاصدا للجماعة في بعض الصّلاة فلا تشملها الاطلاقات.

فالفرق بين الصورتين هو كون الداعى إلى الصّلاة في صورة عدم كونه قاصدا للفرادى من أول صلاته هو الجماعة أى: الاقتداء و المتابعة و الايتمام في تمام الصّلاة و ان تبدّل نيته في أثناء إلى الفرادى، إلا أن هذا غير مضر بصدق الجماعة و شمول الاطلاقات لهذه الصّلاة، لأنّ الجماعة صارت سببا لانبعاث المصلّى.

و أمّا فى ما قصد الانفراد من أوّل الصّلاة فلا يكون قصد الجماعة في تمام

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 27

الصّلاة سببا لانبعاثه نحو العمل.

[في ذكر اشكال و دفعه]

إن قلت: إنّه في صورة عدم قصد الانفراد من أول الصّلاة و طرو هذا القصد في أثنائها يكون المصلّى في إتيان ما بقى من الصّلاة غير منبعث عن قصد التبعية و الجماعة.

قلت إن ما بقى من الصّلاة بعد قصد الفرادى و إن يقع فرادى، لكن بعد كون الصّلاة من أول الأمر متصفة بالجماعة، لكون الانبعاث نحو ها بهذا الداعى فصارت الصّلاة جماعة، و يجعل هذا القصد الحاصل أول الصّلاة الصّلاة جماعة و إن يبدو له الانفراد

في أثنائها، فتشمل الإطلاقات الواردة في الجماعة هذه الصّلاة.

فمنشأ التفصيل بين الصورتين هو أن في صورة قصد الانفراد من أول يكون المصلّى منبعثا نحو العمل بقصد الجماعة في بعض الصّلاة، و قصد الفرادى في بعضها، و في هذه الصورة لا تتصف الصّلاة بالجماعة حتّى تشملها الإطلاقات، و أمّا في صورة يبدو له قصد الانفراد في الأثناء، مع فرض كونه من أول الصّلاة قاصدا لإتيان صلاته جماعة إلى اخرها، فحيث أن انبعاث المصلّى نحوها يكون بهذا القصد أى: قصد الجماعة و التبعية من أول الصّلاة إلى اخرها، فتتصف الصّلاة بمجرد الشروع فيها بالجماعة، لأنّه قاصد لها، فتشملها الاطلاقات، و عدم بقائه على هذا القصد و العدول في الأثناء لا ينقلب ما وقع من الصّلاة متصفة بالجماعة عما هى عليها، هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه هذا التفصيل. «1»

و أمّا وجه فساد هذا التفصيل و عدم تمامية ما ذكر وجها له، هو أن المعتبر في

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للعلامة الحائرى رحمه اللّه، ص 455.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 28

صيرورة صلاة المأموم جماعة، كما أشرنا إليه، كون المأموم مؤتما بالإمام و تابعا له، فلا تصير صلاته جماعة إلا بتحقق القدوة و الايتمام فما هو المعتبر هو تحقق القدوة و الايتمام في صيرورة الصّلاة جماعة، غاية الأمر أنّه بعد كون الاقتداء من العناوين القصدية لعدم تحققه في الخارج إلا بالقصد، مثل سائر العناوين القصدية الّتي لا يصير الخارج منطبق عنوانها الا بالقصد، لا بدّ في تحقق عنوانه من قصده، فقصد الاقتداء لا موضوعية له أصلا، و لا دخل له في صلاة الجماعة إلا من حيث دخل أمر اخر فيها، و هو الاقتداء و الايتمام، فوجود القصد يكون

مؤثرا من باب تحقق عنوان الاقتداء به، لا من باب موضوعية نفسه، فصدق الجماعة على صلاة يتوقف على تحقق الاقتداء و الايتمام، فإن كان الايتمام محققا فتكون الصّلاة جماعة و إلّا فلا، فلو قصد الشخص الاقتداء من أول الصّلاة إلى اخرها و استمر هذا القصد تصير الصّلاة جماعة، لكن لا من باب أنّه قصد الاقتداء من أول الصّلاة، بل من باب تحقق الاقتداء، و أمّا لو قصد الاقتداء في أول الصّلاة و في الأثناء عدل من هذه النية إلى نية الفرادى، فلم يتحقّق عنوان الاقتداء في مجموع الصّلاة و إن قصد ذلك في أولها، لأنّ تحقّق هذا العنوان موقوف على بقاء هذا القصد إلى الآخر و لو بنحو الاستدامة الحكمية.

فعرفت ممّا قلنا أن مجرد قصد الاقتداء و لو لم يبق هذا القصد لا يكفى في صيرورة تمام الصّلاة متصفة بالجماعة، بل لا بدّ من بقاء القصد إلى الآخر حتّى في مجموع الصّلاة عنوان الاقتداء المعتبر في صيرورة صلاة المأموم جماعة، و إذا لم يتحقق عنوان الاقتداء في مجموع الصّلاة، بل بقى في بعض الصّلاة في صورة العدول إلى الفرادى في الاثناء، فصيرورة الصّلاة جماعة في مقدارها الّذي كان مع قصد

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 29

الاقتداء حتّى تشملها الإطلاقات، و عدم صيرورتها جماعة حتّى لا تشملها الاطلاقات متفرع على ما قلنا من أن الجماعة وصف لخصوص مجموع الصّلاة، أو وصف لأبعاض الصّلاة، فان كان الأوّل فلا تصح قصد الفرادى، و لا تشمل الإطلاقات هذه الصّلاة، و إن كان الثانى تشملها الإطلاقات الواردة في الجماعة.

[في أن التفصيل لا وجه له]

فظهر لك أن التفصيل لا وجه له، لأنّه إن صارت الجماعة قابلة لأن تصير وصفا لأبعاض الصّلاة، فلا فرق بين كون

نية المصلّى من أول الصّلاة العدول من الجماعة إلى الفرادى أو يبدو له ذلك في الأثناء، و إن لم يكن كذلك، بل كانت الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة، فلا يجوز قصد الانفراد سواء كان ذلك من نيّته من أوّل الصّلاة أو يبدو له في الأثناء، فيدور هذا النزاع أى جواز العدول و عدمه مدار كون الجماعة وصفا للأبعاض أو لمجموع الصّلاة. «1»

[وجوه التمسك بجواز العدول من الجماعة إلى الفرادى]
اشارة

اذا عرفت ذلك نقول: قد يتمسّك بجواز العدول من الجماعة إلى الفرادى بوجوه:

______________________________

(1)- (أقول: اعلم أنّه ليس في الجماعة إطلاقات يمكن التشبث بها في مقام الشّك في دخل قيد و عدمه، حتّى يقال: بأن في صورة كون المصلّى قاصدا للفرادى من أول الصّلاة لا تشملها الإطلاقات و إن يبدو له ذلك في الأثناء تشملها الإطلاقات، لأنّ الإطلاقات الواردة ليست إلا في مقام بيان الثواب على الجماعة لا في مقام بيان هذه الجهات، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ما روى في طرق العامة (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به الخ) لا يكون إلا في مقام بيان لزوم الايتمام به في ما يأتم به و لا يكون في مقام بيان أنّه هل يعتبر كون الايتمام في تمام الصّلاة أو يكفى في البعض، مضافا إلى أنّه إن كان فيه إطلاق من هذا الحيث، فلا فرق بين كون نية الفرادى من الأوّل أو يبدو له في الاثناء، مع أنّه يمكن دعوى دلالته على عدم جواز نقل نية الفرادى، لأنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به) بدعوى دلالته على كون لازم الجماعة بحسب وضعه في الشرع أن يؤتم المأموم بالإمام في الصّلاة لا في أبعاضها فتأمّل)

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 30

الوجه الأوّل [لجواز العدول من الجماعة الى الفرادى]
الآية الشريفة الواردة في صلاة الخوف

، و هى قوله تعالى:

وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلٰاةَ فَلْتَقُمْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذٰا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرٰائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طٰائِفَةٌ أُخْرىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وٰاحِدَةً وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كٰانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ أَعَدَّ لِلْكٰافِرِينَ عَذٰاباً مُهِيناً «1»

[في ذكر الروايات فى الباب]

اذا ضمّت هذه الآية الشريفة مع الروايات الواردة في صلاة الخوف و ما نقل من قضية غزوة ذات الرقاع الّتي نذكرها.

منها ما رواها عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام (إنّه قال: صلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بأصحابه في غزوة ذات الرقاع صلاة الخوف ففرق اصحابه فرقتين، فأقام فرقه بإزاء العدو، و فرقة خلفه، فكبر و كبروا، فقرأ و انصتوا، و ركع و ركعوا، فسجد و سجدوا، ثمّ استمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قائما و صلّوا لأنفسهم ركعة، ثمّ سلم بعضهم على بعض، ثمّ خرجوا إلى أصحابهم، فأقاموا بإزاء العدو، و جاء أصحابهم فقاموا خلف رسول اللّه فكبر و كبروا و قرء فانصتوا، و ركع فركعوا، و سجد فسجدوا، ثمّ جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فتشهد ثمّ سلّم عليهم، فقاموا ثمّ قضوا لأنفسهم ركعة ثمّ سلم بعضهم على بعض، و قد قال اللّه لنبيه: فإذا كنت فيهم فأقمت لهم فلتقم طائفة منهم معك، و ذكر الآية، فهذه صلاة الخوف الّتي أمر اللّه بها نبيه، و قال: من صلّى المغرب في خوف بالقوم صلّى

بالطائفة الأولى ركعة، و بالطائفة الثانية

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 102.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 31

ركعتين). «1»

و منها ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (إنّه قال: إذا كانت صلاة المغرب في الخوف فرقهم فرقتين فيصلى بفرقة ركعتين، ثمّ جلس بهم، ثمّ أشار إليهم بيده فقام كل انسان منهم فيصلى ركعة، ثمّ سلموا فقاموا مقام أصحابهم و جاءت الطائفة الاخرى، فكبروا و دخلوا في الصّلاة و قام الإمام، فصلى بهم ركعة، ثمّ سلم، ثمّ قام كل رجل منهم فصلى ركعة، فشفعها بالتى صلّى مع الإمام، ثمّ قام فصلى ركعة ليس فيها قراءة، فتمت الإمام ثلاث ركعات، و للاولين ركعتان في جماعة و للآخرين واحدة فصار للاولين التكبير و افتتاح الصّلاة، و للاخرين التسليم). «2»

و منها ما رواها زرارة و محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: إذا حضرت الصّلاة في الخوف فرّقهم فرقتين الإمام، فرقة مقبلة على عدوهم، و فرقه خلفه كما قال اللّه تعالى، فيكبر بهم، ثمّ يصلى بهم ركعة، ثمّ يقوم بعد ما يرفع رأسه من السجود فيمثل قائما، و يقوم الذين صلوا خلفه ركعة فيصلى كل انسان منهم لنفسه ركعة، ثمّ يسلم بعضهم على بعض، ثمّ يذهبون إلى أصحابهم فيقومون مقامهم، و يجي ء الآخرون و الإمام قائم، فيكبرون و يدخلون في الصّلاة خلفه، فيصلى بهم ركعة، ثمّ يسلم، فيكون للاولين استفتاح الصّلاة بالتكبير، و للآخرين التسليم من الإمام، فإذا سلم قام كل إنسان من الطائفة الاخيرة فيصلى لنفسه ركعة واحدة، فتمت للإمام ركعتان و لكل انسان من القوم ركعتان واحدة في جماعة و الاخرى

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من

الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 32

واحدانا). «1»

بدعوى دلالة الآية الشريفة و الأخبار المذكورة على كون صلاة الطائفة الأولى و الثانية في ركعة جماعة و في ركعة فرادى، فيستفاد من هذه الكيفية في صلاة الجماعة حال الخوف، جواز كون بعض الصّلاة جماعة و بعضها فرادى، و نقل النية من الجماعة إلى الفرادى، لأنّ الطائفة الأولى في الركعة الثانية يتمون صلاتهم فرادى، و كذلك الطائفة الثانية.

هذا وجه الاستدلال بهذه الأخبار على جواز نقل نية الجماعة بالفرادى.

[في نقل الروايات الدالّة على بقاء الجماعة]

أقول إن الأخبار الواردة في صلاة الخوف مختلفة لسانا، فبعضها يكون ظاهرا في ما ذكر، أى: في صيرورة صلاة المأمومين من الطائفة الأولى و الطائفة الثانية في الركعة الثانية من صلاتهما فرادى، و لكن لسان بعضها ربما لا يساعد ذلك، بل يدلّ على بقاء الجماعة لكل من الطائفتين في كل من ركعتى صلاتهما، فنذكرها مزيدا للفائدة.

منها ما رواها حماد عن الحلبى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صلاة الخوف.

قال: يقوم الإمام و يجي ء طائفة من أصحابه، فيقومون خلفه و طائفة بإزاء العدو، فيصلى بهم الإمام ركعة، ثمّ يقوم و يقومون معه فيمثل قائما، و يصلون هم الركعة الثانية، ثمّ يسلم بعضهم على بعض، ثمّ ينصرفون فيقومون في مقام اصحابهم و يجي ء الآخرون، فيقومون خلف الإمام، فيصلى بهم الركعة الثانية، ثمّ يجلس الإمام فيقومون هم، فيصلّون ركعة اخرى، ثمّ يسلم عليهم، فينصرفون بتسليمه. قال: و في

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 33

المغرب مثل ذلك يقوم الإمام و طائفة فيقومون خلفه، ثمّ يصلى بهم ركعة، ثمّ يقوم و يقومون فيمثل الإمام قائما و

يصلون الركعتين، فيتشهدون و يسلم بعضهم على بعض، ثمّ ينصرفون فيقومون في موقف اصحابهم و يجي ء الآخرون و يقومون في موقوف اصحابهم خلف الإمام، فيصلى بهم ركعة يقرأ فيها، ثمّ يجلس فيتشهد، يقوم و يقومون معه، و يصلى بهم ركعة اخرى، ثمّ يجلس و يقومون هم فيتمون ركعة اخرى، ثمّ يسلّم عليهم). «1»

و منها ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن صلاة الخوف كيف هى؟ فقال: يقوم الإمام فيصلى ببعض أصحابه ركعة، و يقوم في الثانية و يقوم أصحابه و يصلّون الثانية، و يخففون و ينصرفون، و يأتي أصحابهم الباقون، فيصلون معه الثانية، فاذا قعد في التشهّد قاموا فصلّوا الثانية لانفسهم، ثمّ يقاعدون فيتشهدون معه، ثمّ يسلّم و ينصرفون معه). «2»

[فى الروايتين احتمالان]
اشارة

و يحتمل فى الروايتين احتمالان:

الاحتمال الأوّل:

هو أنّ كلا من الطائفتين تكون صلاتهم من أولها إلى اخرها جماعة، و الشاهد عليه قوله في الرواية الأولى بالنسبة إلى الطائفة الثانية (فينصرفون بتسليمه) و كذلك قوله عليه السّلام في ذيلها (فيصلى بهم ركعة يقرأ فيها، يجلس فيتشهد، ثمّ يقوم و يقومون معه، و يصلى بهم ركعة اخرى، ثمّ يجلس و يقومون هم فيتمون ركعة اخرى، ثمّ يسلم عليهم) و في الرواية الثانية (ثمّ يقاعدون فيتشهدون

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب صلاة الخوف من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 34

إن قلت إن صلاة الطائفة الأولى من المأمومين صار في الركعة الثانية فرادى كما هو مقتضى ظاهر الرواية.

قلت: لا ظهور للروايتين في ذلك، بل غاية ما تدلان عليه هو أن الطائفة الأولى من المأمومين في صلاة الخوف بعد ما اقتدى بالإمام فيصلون الركعة الأولى متابعا للإمام في الافعال، و في الركعة الثانية يمثل الإمام قائما و المأمومون يتمون صلاتهم، و يسلم بعضهم على بعض و يذهبون و يجيئون الطائفة الثانية، فعلى الفرض يكون الإمام في الصّلاة بعد، فكما أن المحتمل كون تقديمهم الركعة الباقية من صلاتهم بعنوان الفرادى، يحتمل كونهم باقين في الجماعة و مقتدين بالامام إلى اخر صلاتهم، غاية الأمر سوغ تقديم الأفعال للمأمومين على إمامهم في الجماعة في مورد صلاة الخوف. «1»

الاحتمال الثاني:

كون مفاد هاتين الروايتين، مثل ما يقابلها من الروايات، و هو جواز التبعيض في الاقتداء و الجماعة في الصّلاة، بمعنى كون مفاد هما هو أن ركعة من صلاة كل من الطائفتين في صلاة الخوف تكون فرادى، لأنّ بالنسبة إلى الطائفة الأولى قال في الرواية الاولى من الروايتين

(يسلم بعضهم على بعض) فالظاهر من الروايتين كون صلاتهم بالنسبة إلى الركعة الثانية فرادى، و أمّا بالنسبة إلى الطائفة الثانية و إن تدلّ هاتان الروايتان على أن الإمام يصبروهم ينصرفون معه، لكن هذا لا يدل على بقاء الجماعة حقيقة (بعد كون هذه الصّلاة بهذه الكيفية من

______________________________

(1)- (و أقول: الشاهد على بقاء الطائفة الأولى في الجماعة إلى اخر صلاتهم هو حفظ قدوة الطائفة الثانية ببقاء الإمام جالسا إلى أن تأتي الطائفة الثانية، بالركعة الثانية، و ينصرفون مع الإمام فان كان قصد الانفراد غير مضر لا حاجة إلى ذلك) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 35

فالظاهر من الروايتين كون صلاتهم بالنسبة إلى الركعة الثانية فرادى، و أمّا بالنسبة إلى الطائفة الثانية و إن تدلّ هاتان الروايتان على أن الإمام يصبروهم ينصرفون معه، لكن هذا لا يدل على بقاء الجماعة حقيقة (بعد كون هذه الصّلاة بهذه الكيفية من أن يأتي المأموم ركعة بنفسه بدون كونه في ذلك متابعا للإمام خلاف المرتكز من الجماعة)، بل يمكن أن يكون صبر الإمام إلى أن يتمّ المامومون صلاتهم لأجل حفظ صورة الجماعة، لا أن تكون جماعة حقيقة، فعلى هذا يكون مفاد هاتين الروايتين أيضا جواز قصد الانفراد و قابلية وقوع الصّلاة بعضها جماعة و بعضها فرادى، و لا ظهور للرواية في كون الجماعة باقية للطائفة الثانية حقيقة.

إذا عرفت ذلك نقول إن كان مفاد الروايتين هو الاحتمال الأوّل فتعارضتا بمفاد هما للطائفة الأولى من الروايات، لأنّ مفاد الأولى صيرورة صلاة كل من الطائفتين من المأمومين فرادى في الركعة الثانية، و الثانية دالة على بقاء الجماعة و عدم صيرورة صلاتهم فرادى.

و إن كان مفادها هو الاحتمال الثانى، فلا يكون مفادهما مخالفا مع مفاد الطائفة

الأولى من الروايات فلا تعارض بينهما.

فنقول بعد ذلك بأنا نجيب أولا من الأخبار الواردة في صلاة الخوف، أعنى:

الطائفة الأولى من الروايات المتمسك بها على جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى بأن في الباب بعض الأخبار الدالة على خلافها بناء على حمل الروايتين على الاحتمال الأوّل من الاحتمالين.

و ثانيا بأنّه لو فرض دلالة هذه الأخبار على جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى، و عدم وجود ما يعارضها في الأخبار الواردة في صلاة الخوف.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 36

نقول: إن تجويز نقل نية الجماعة إلى الفرادى في صلاة الخوف يكون لأجل الضرورة، لأنّه لا يمكن للمسلمين في حال الخوف إتيان صلاة بتمامها في جماعة، فجوز لهم الجماعة بهذا النحو، يكون بعضها جماعة و بعضها فرادى في مورد الخوف، و هذا مورد الاضطرار، فجوز لهم ذلك حتّى يدركوا بعض مراتب فضيلة الجماعة في هذا الحال بهذا النحو.

فلو فرض أن يتعدى إلى غير هذا المورد فقدر المتقين هو صورة الاضطرار بدعوى الغاء الخصوصية، و عدم خصوصية لخصوص الاضطرار الحاصل من الخوف، بل يجرى في كل مورد اضطرارى.

[تكون النتيجة جواز العدول من الجماعة الى الفرادى]

فتكون النتيجة هى جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى في خصوص حال الاضطرار لا مطلقا كما هو مدعى المستدل فافهم. «1»

الوجه الثاني: [جواز تقديم التشهد و السّلام للمأموم]

بعض الأخبار الواردة في جواز تقديم التشهّد و السلام

______________________________

(1)- (أقول: بعد كون ظاهر الطائفة الأولى من الأخبار الواردة في صلاة الخوف هو صيرورة صلاة كل من طائفتى المأمومين في الركعة الثانية فرادى، و عدم كون الروايتين الأخيرتين ظاهرتين على خلاف ذلك، لكون المحتمل كون مفادهما أيضا موافقا للطائفة الأولى، فتكون النتيجة تجويز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى مطلقا سواء كان مضطرا في ذلك أم لا؟ و ما أفاده مد ظله العالى من أن مفاد هذه الأخبار جواز ذلك حال الضرورة فقط، لكون مورد الأخبار موردا للضرورة لأجل الخوف، غير تمام، لأنّ في حال الخوف لا تكون صلاة الجماعة واجبة، يكون تجويز الفرادى في بعض الصّلاة للضرورة لإمكان إتيانهم جميع صلاتهم فرادى، فان دل هذه الأخبار على تجويز قصد الفرادى، فتكون النتيجة جواز ذلك مطلقا لعدم خصوصية في صلاة الخوف و حال الخوف فتأمل و يأتي بعد ذلك إن شاء اللّه تمام الكلام في الآية و الأخبار الشريفة الواردة في صلاة الخوف.) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 37

للمأموم:

منها ما رواها على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يصلّى خلف الإمام فيطول الإمام بالتشهد، فيأخذ الرجل البول، أو يتخوف على شي ء يفوت، أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال: يتشهّد هو و ينصرف، و يدع الامام). «1»

و منها ما رواها عبد اللّه بن على الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد؟ قال: يسلم من خلفه و يمضي

لحاجته إن أحب). «2»

وجه الاستدلال هو تجويز الإمام عليه السّلام و السلام على المأموم قبل الإمام في صورة العذر، كما في الرواية الأولى و مطلقا كما في الثانية، و من المعلوم أن معنى تجويز ذلك تجويز قصد الانفراد لأنّ التقديم خلاف المتابعة و الاقتداء و الكون في الجماعة، فيكشف من ذلك صيرورة الصّلاة من هذا الحال فرادى، فيستفاد من الروايتين جواز قصد الفرادى.

و فيه أولا يكون ذلك في صورة العذر كما هو صريح الرواية الأولى، بل يمكن أن يقال في الثانية أيضا لعدم اطلاق ظاهر له يشمل غير صورة العذر و الاضطرار.

و ثانيا أن مجرد تجويز تقديم التشهّد و السلام لا يدلّ على صيرورة صلاة المأموم فرادى، لعدم ملازمة بينهما لأنّ القدر المتقين وجوب المتابعة في الأفعال، و أمّا

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 64 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 64 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 38

في الأقوال فلا، فيكون المأموم في الجماعة ما لم ينصرف من صلاته و إن قدم تشهده و سلامه على الإمام، فلا يتمّ الاستدلال بما ورد في جواز تقديم المأموم و السلام على الإمام، فافهم.

الوجه الثالث:
اشارة

ما ورد في طرق العامة في قضية معاذ عن البنى صلّى اللّه عليه و آله و سلم المذكور في بعض جوامعهم، و نقله الصدوق رحمه اللّه مرسلا، و على الظاهر يكون نقله منهم لا من طرقنا، و هو هذا على ما نقله في الوسائل عن الصدوق رحمه اللّه (قال: و كان معاذ يؤمّ في مسجد على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و يطيل القراءة و أنّه مرّ به رجل فافتح

سورة طويلة، فقرأ الرجل لنفسه و صلى، ثمّ ركب راحلته، فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فبعث إلى معاذ فقال: يا معاذ إياك أن تكون فتانا، عليك بالشمس و ضحيها و ذواتها). «1»

و أمّا بالنقل الّذي في طرق العامة هكذا.

و هذه الرواية مع قطع النظر عن الإشكال فيها من حيث السند، لا دلالة لها على جواز قصد الانفراد إذ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و سلم جعل معاذ مورد العتاب من جهة قراءته سورة طويلة، و لا تعرض في المقدار المنقول من الرواية لما فعل الرجل من أنّه قصد الانفراد أو قطع صلاته و استأنفها، و أنّه على فرض قصده الانفراد هل صحت صلاته أم لا، فلا وجه للتمسك على جواز قصد الفرادى بهذه الرواية.

[في ذكر الامور الاربعة فى المقام]
اشارة

ثمّ إنّه يمكن أن يكون نظر القائلين بعدم جواز نقل النية من الجماعة إلى الفرادى، إلى أحد الامور الاربعة:

الأوّل:

أن يكون نظر القائل إلى وجوب إتمام الصّلاة الّتي شرع فيها جماعة

______________________________

(1)- الرواية الّتي رواها فى الباب 69 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 39

كما شرع، أو إلى حرمة قصد الفرادى، إلى الوجوب و الحرمة التكليفين.

الثاني:

أن يكون ناظرا إلى الحكم الوضعي و شرطية بقاء نية الجماعة، أو مانيعة قصد الانفراد للصّلاة و أنّه إذا فقد الشرط أو وجد المانع تبطل الجماعة و أصل الصّلاة بحيث لو وقعت صلاته على نحو عمل فيها بوظيفة المنفرد و لم يأت عملا مخالفا لوظيفة الفرادى تبطل الصّلاة مع ذلك.

الثالث:

أن يكون كلام القائل بعدم الجواز ناظرا إلى الحكم الوضعى أى فساد الصّلاة أيضا، لكن لا بالنسبة إلى الصّلاة و الجماعة كما هو المفروض من الاحتمال الثانى، بل يقال بأن قصد الانفراد يوجب فساد الجماعة فقط، إمّا لكون بقاء قصد الجماعة شرطا في تحقق الجماعة و صيرورة الصّلاة جماعة، و إما لكون قصد الفرادى مانعا لصيرورة الصّلاة جماعة.

و على هذا لو قصد الفرادى و كان قد عمل بوظيفة الفرادى في ما أتى قبل هذا القصد مثل ما إذا قصد الفرادى في الركعة الثالثة، و في الركعة الأولى و الثانية من صلاته قرء الفاتحة، و لم يزد ركوعا و لا سجودا للمتابعة، و غير ذلك من وظيفة الفرادى، فتفسد بقصد الفرادى الجماعة، و اثرها عدم ترتيب آثار الجماعة على هذه الصّلاة.

و أمّا لو لم يعمل بوظيفة الفرادى، مثل أنّه في المثال قصد الفرادى في الركعة الثالثة و لكن ترك قراءة الفاتحة في الاوّلتين، ففي هذا الفرض تفسد الصّلاة أيضا لأنّ صلاته على الفرض ما وقعت جماعة و ما وقعت فرادى، لإخلاله بما يعتبر فيهما فتبطل صلاته.

الرابع:

أن يكون قصد الفرادى كلا قصد، فلو قصد الفرادى في الأثناء لا يؤثر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 40

هذا القصد في جعل ما بقى من الصّلاة فرادى، و على الفرض لم يبق نية الجماعة، لأنّ مع قصده الفرادى لم تبق استدامة النية بالجماعة فتبطل الصّلاة، لأنها لا جماعة و لافرادى.

[الاستدلالات ترجع الى أحد الوجوه]

ثمّ اعلم أن الاستدلالات الّتي استدل بها على أحد طرفي المسألة يكون ناظرا إلى أحد هذه الوجوه.

فمن يتمسّك على الجواز بالأصل يمكن أن يكون نظره إلى عدم وجوب بقاء نية الجماعة، و لا حرمة قصد الفرادى تكليفا.

كما أن من يتمسّك على عدم الجواز بما روى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم على ما في طرق العامة بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فاذا كبر فكبروا الخ) يمكن أن يكون نظره إلى حرمة ترك المتابعة حرمة تكليفية في صلاة الجماعة.

كما أن من يتمسّك على الجواز بأن صلاة الجماعة لم تكن واجبة ابتداء فكذلك استدامة، يكون نظره إلى جواز رفع اليد عن الجماعة و قصد الفرادى تكليفا.

و من يتمسّك على الجواز بعدم كون بقاء القدوة شرطا و لا قصد الانفراد مانعا، يكون نظره إلى الوجه الثانى، أى: إلى احتمال شرطية بقاء نية الجماعة أو مانعية قصد الفرادى.

كما أن من يتمسّك على عدم الجواز بعدم مشروعية صلاة مركبة من الجماعة و الفرادى، يكون نظره إلى فساد هذه الصّلاة المركبة من الجماعة و الفرادى، و من يقول بفساد الصّلاة الّتي قصد الفرادى في أثنائها اذا عمل عملا ينافي وظيفة المنفرد، يكون نظره إلى بطلان الجماعة بقصد الفرادى.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 41

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا

كون قصد الفرادى كلا قصد، فإن كان الغرض أن بهذا القصد لا تصير الصّلاة خارجة عن كونها صلاة الجماعة، بل باقية بحالها و لو قصد الفرادى، كلام فاسد، لأنّ صيرورة تمام الصّلاة جماعة موقوفة على استدامة نية الجماعة من أولها إلى اخرها، و مع هذا القصد لا تبقى استدامة الحكمية فلا تصير ما بعد قصد الفرادى من الصّلاة متصفا بالجماعة، إنما الكلام في أن ما أتى من الصّلاة بقصد الجماعة قبل أن يعدل إلى الفرادى، هل تتصف بالجماعة حتّى تكون الصّلاة ملفقة من الجماعة و الفرادى أولا؟

و أمّا التمسك باصالة الإباحة على الجواز فنقول: لا إشكال في عدم وجوب الجماعة استدامة، كما لا تجب ابتداء بالوجوب التكليفى، و لا دليل على حرمة قصد الانفراد بالحرمة التكليفية.

و أمّا كون بقاء القدوة شرطا أو قصد الفرادى مانعا للجماعة فقط، أو للجماعة و لأصل الصّلاة كليهما، أو عدم كونها شرطا أو مانعا، فلا دليل على أحد طرفيها، لا على اعتبار بقاء القدوة أو مانعية قصد الانفراد و لا على عدمهما إلا ما ذكرنا من أنّه لو قلنا بكون الجماعة و القدوة وصفا لمجموع الصّلاة، فيكون بقاء ذلك دخيلا في اتصاف الصّلاة بالجماعة على احتمال، و في صحة أصل الصّلاة على احتمال يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه من أنّه هل يكون قصد الفرادى على تقدير مضريته، مضرّا بالجماعة أى: تبطل الجماعة فقط، أو تبطل الصّلاة أيضا.

و إن كانت الجماعة وصفا للأبعاض فلا يكون بقاء الجماعة إلى الآخر بقصدها دخيلا في صدق الجماعة على الصّلاة، بل في كل جزء من أجزاء الصّلاة إذا كان المصلى قاصدا للجماعة، فصلاته بالنسبة إلى هذا المقدار تكون جماعة، و يترتب على

تبيان الصلاة،

ج 8، ص: 42

هذا المقدار آثار الجماعة و لو لم يكن المصلّى في ما بقى من صلاته ناويا للجماعة.

إذا بلغ الأمر إلى هذا نقول: أمّا من بنى جواز قصد الفرادى و عدمه على كون الجماعة و الفرادى حقيقة واحدة فيجوز، أو كونهما حقيقتين فلا يجوز.

فنقول: أولا بأنهما ليستا حقيقتان، لا من باب كونهما في حدّ ذاتهما مع قطع النظر عن احتياجهما إلى القصد حقيقتان، كما يكون الأمر كذلك في الظهر و العصر، و لهذا لا يجوز العدول من العصر إلى الظهر بمقتضى القاعدة، و التزامنا بجواز العدول في أثناء العصر إلى الظهر يكون بمقتضى دليل خاص وارد فيه.

و لا من باب كونهما حقيقتين من باب احتياجهما إلى القصد حيث إنّه كما قلنا سابقا ليس الفرادى محتاجا إلى القصد، بل خصوص الجماعة يحتاج إلى القصد.

و ثانيا إنّه على فرض كونهما حقيقة واحدة كما هو الأقوى للنزاع في جواز قصد الفرادى و عدمه مجال، أو كما قلنا إن كانت الجماعة وصفا لمجموع الصّلاة لا يجوز قصد الفرادى و ان كانت الجماعة و الفرادى فردين من حقيقة واحدة، كما أنّه لو كانت الجماعة قابلة لكونها وصفا لأبعاض الصّلاة، تصح قصد الفرادى و ان كانت هى و الفرادى حقيقتين.

[العدول فى الظهرين غير عدول مورد الكلام في المقام]

ثمّ اعلم أن العدول الّذي يقال في الظهرين من عدم جواز العدول من العصر إلى الظهر على القاعدة و جوازه من العصر إلى الظهر بمقتضى الدليل، غير العدول الّذي يكون مورد الكلام في المقام من أنّه هل يجوز العدول من الجماعة إلى الفرادى أم لا.

لأنّ في الأوّل أى: في الظهرين بعد العدول يصير ما تقدم من أجزاء قبل العدول مصداقا للمعدول إليه و إن أتاها بقصد المعدول عنه، فلو تذكر

في الركعة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 43

الثانية من العصر مثلا عدم إتيان الظهر فبالعدول إلى الظهر تصير الركعة الأولى الواقعة بقصد العصر ظهرا أيضا، و هذا بخلاف العدول في المقام، فإنه لو جوزنا العدول فبعد قصد الانفراد لا يكون ما وقع قبل هذا القصد من أجزاء الصّلاة منطبق عنوان صلاة الفرادى، بل يكون ما أتى قبل العدول من الصّلاة متصفا بالجماعة، و ما يقع من الصّلاة بعد قصد الفرادى يصير متصفا بالفرادى.

ففي العدول من العصر إلى الظهر بعد العدول، يتصف تمام الصّلاة بالظهرية، و في المقام بعد العدول بالفرادى لا ينقلب ما وقع قبل ذلك عما وقع عليه، بل بعض الصّلاة متصف بالجماعة، و بعضها بالفرادى، فتنظير العدول في المقام بالعدول في العصر إلى الظهر، أو من العشاء إلى المغرب في غير محله.

ثمّ بعد ما عرفت تمام جهات المسألة نقول بعونه تعالى: بأنّه بعد كون تمام الملاك في جواز قصد الفرادى و عدمه هو كون الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة أو كونها وصفا لمجموع الصّلاة، فلا بدّ في اختيار الجواز و عدمه من فهم أن الجماعة وصفا للأبعاض أو للمجموع.

[في انّ الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى مشروعة في الجملة]

اعلم أن الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى مشروعة في الجملة، و هذا على أن الجماعة في الجملة ممّا يكون قابلا لصيرورته وصفا لأبعاض الصّلاة، و لا يلزم في تحقق الجماعة كون الصّلاة بتمامها جماعة، مثل صلاة المأموم المسبوق، فإن الشخص إذا دخل في الجماعة في غير الركعة الأولى من الإمام، فاذا تمت صلاة الإمام فما يبقى من صلاة المأموم يصير فرادى قهرا، و مثل صلاة الحاضر المقتدى بالمسافر فإن صلاته في الركعتين الأخيرتين تصير فرادى، و مثل من يقتدى الصّلاة الثلاثية أو الرباعية بالثنائية،

مثلا يقتدى في صلاة قضاء المغرب أو الظهر أو العصر أو العشاء

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 44

بصلوة غداة الإمام أو يقتدى العشاء بالمغرب، ففي كل هذه الموارد تصير صلاة المأموم بعضها جماعة و بعضها فرادى، و وجود الصّلاة المبعّضة من الجماعة و الفرادى في الجملة كما في هذه الموارد، تدلّ على أن الجماعة قابلة لصيرورتها وصفا لأبعاض الصّلاة في الجملة.

[في البحث فى الآية و الأخبار الواردة فى صلاة الخوف]
اشارة

و أمّا الآية الشريفة الواردة في صلاة الخوف و بعض الروايات الواردة في صلاة الخوف، فهل يمكن أن يقال بدلالتها على كون الجماعة وصفا لأبعاض مطلقا حتّى في غير صورة العذر أو لا؟

أقول: أمّا الآية فكما أشرنا سابقا لا تدلّ بنفسها على أن صلاة المأمومين ركعة كما توهمه العامة، أو ركعتين كما هو الحق عندنا، حتّى يقال بأن الآية تدلّ عل كون صلاة الطائفتين من المأمومين تكون في الركعة الثانية فرادى.

و أمّا الأخبار فكما قلنا سابقا دلالة بعضها على صيرورة الركعة الثانية من صلاة كل من الطائفتين فرادى في صلاة الخوف، ممّا لا إشكال فيه، فدلالة هذا القسم من الأخبار على جواز التبعيض في الصّلاة، بجعل بعضها جماعة و بعضها فرادى، في الجملة واضحة، فتدل على صيرورة الجماعة في مورد الأخبار وصفا لأبعاض الصّلاة، و استفادة جواز ذلك أى: قصد الفرادى في غير صلاة الخوف من الأخبار الواردة في الباب، يمكن أن يكون بأحد النحوين:

النحو الأوّل:

أن يقال: بأن في مورد صلاة الخوف و إن شرعت هذه بهذه الكيفية لأجل الخوف، لكن بناء على عدم وجوب الجماعة فيها فلا ضرورة في إتيان صلاة الخوف ركعتين باتيان ركعة منها في الجماعة و ركعة اخرى منها فرادى، فلا وجه لأن يقال: بأن الحكم أى: التبعيض في الصّلاة بين الجماعة و الفرادى في مورد

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 45

صلاة الخوف، يكون من باب الضرورة، فلا يمكن التعدى من المورد إلى غيره، بل على ما قلنا لا ضرورة في الجماعة على هذا النحو، فتدل الأخبار الواردة في صلاة الخوف على جواز قصد الفرادى مطلقا اضطرارا و اختيارا.

و فيه أن من تأمل في وضع تشريع صلاة الجماعة و أهميتها بنظر

الشرع، و التأكيدات الراجعة إليها و أنّه في الصدر الأوّل ما كان يرى إلا الصّلاة في الجماعة، و ما كان العمل الا على الحضور في الجماعات، و لذا لو تخلف أحد عن الحضور صار مورد العتاب، حتّى أن في بعض الأخبار ما يدلّ على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: بأن من لم يحضر الجماعة امر أن يحرق بيته، بل و في بعضها أمر عليا عليه السّلام أن يحرق بيوتهم.

عرف انّ هذا كله دليل على عظم شان صلاة الجماعة في نظر الشارع و المسلمين، حتّى أن العامة، كما في بعض كتبهم مثل ابن رشد في بداية النهاية قسم الموضوعات بثلاثة واجب و سنة و مستحب، و صلاة الجماعة من السنة، و هذا من باب عدم كونها كالمستحبات في نظرهم، بل هى برزخ بين الواجب و المستحب.

و من حيث إن صلاة الجماعة بهذه المرتبة من الأهمية في نظر الشرع فلا يرضى رفع اليد عنها حتّى في موارد الضرورات و طروّ الأعذار (كما ترى في جماعة العراة) و ترى أن في مورد الخوف من العدو، و إن لم تكن الجماعة واجبة، و لكن مع ذلك أهميتها تقتضى تشريعها حتّى في هذا الحال.

غاية الأمر بعد ملاحظة أهمية الجماعة، و أهمية الخوف و الحفظ من العدوّ، فشرع في حال الخوف جماعة بهذه الكيفيّة خصوصا مع أنّه حيث يكون أحد مصالح تشريع الجماعة و حكمتها، هو ظهور جماعة المسلمين و كثرة جمعيتهم و جماعتهم و واحدتهم، فهو في قبال العدو ألزم، خصوصا لو بنى على أن المسلمين حال الخوف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 46

يصلون صلاتهم فرادى فيخرب نظم صفوف المعركة، و ربما ينجر إلى

مغلوبيتهم، فلأجل هذه المصالح شرعت الجماعة في هذا الحال أيضا.

فيظهر لك ان الجماعة في صلاة الخوف، و إن كانت مستحبة و لكن هذا لا ينافى مع كون الضرورة مسوّغة لجعل الصّلاة بعضها جماعة و بعضها فرادى، فلا يمكن التعدى من المورد أى: مورد الخوف إلى غيره، فقدر المتقين من الأخبار هو تجويز قصد الفرادى حال الخوف و الضرورة، و أمّا في غير حال الضرورة فلا دلالة لهذه الأخبار على جواز قصد الفرادى.

النحو الثاني:

و هو ما يأتي بالنظر هو أن يقال: بأن المستفاد من الآية الشريفة و بعض الأخبار الواردة في صلاة الخوف، هو اتصاف صلاة الإمام و المامومين بالجماعة في المقدار الّذي يكونون في جماعة، كما يظهر ذلك من التعبير بجملة (أقمت لهم الصّلاة) في الآية الشريفة و التعبيرات المتعددة في أخبار الباب الدالة على صيرورة الصّلاة بالاقتداء في بعضها جماعة.

فمن هنا نكشف أن الجماعة وصف لأبعاض الصّلاة، و إلّا لا معنى لكون صلاتهم في ركعة في جماعة، و يترتب عليها آثار الجماعة، فيثبت بذلك أن الجماعة كما تصير وصفا لمجموع الصّلاة، كذلك تصير وصفا لأبعاض الصّلاة.

و بعد قابلية اتصاف الصّلاة بصيرورة بعضها فرادى و بعضها جماعة، فيثبت أن قصد الفرادى جائز، لأنّ تمام الملاك في جوازه هو قابلية الجماعة لكونها وصفا للصّلاة و من الآية الشريفة و بعض الأخبار الواردة في صلاة الخوف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 47

يستفاد ذلك. «1»

______________________________

(1)- (أقول: قلت في مجلس البحث بحضرته مد ظله العالى: بأنّه كما أمضيت الكلام فيه سابقا في مقام بيان محل الكلام في جواز قصد الفرادى و عدمه، لا يكون مورد الكلام أنّه هل يوجد في الشرع صلاة ملفقة من الجماعة و الفرادى لوجود ذلك

في الشرع كما ذكر من صلاة مأموم المسبوق و غيره و ليس محل الكلام أيضا صورة اضطرار المأموم بجعل صلاته فرادى مثل ما إذا قطع اتصاله في الأثناء أو في صورة طروّ عارض للامام، أو في صورة الخوف كما فرض في صلاة الخوف.

و الحاصل أنّه ليس محل الكلام ما إذا لم يتمكن المأموم من حفظ الاقتداء و التبعية للامام إمّا لفقد الإمام، أو لتمامية صلاته، فان في هذه الصور لا إشكال في جواز قصد الفرادى و صحة الصّلاة الواقعة بعضها جماعة و بعضها فرادى.

إنما الإشكال و مورد الكلام هو في ما يتمكن المأموم من بقاء الاقتداء و التبعية إلى اخر الصّلاة لوجود إمام يأتم به، ففي هذه الصورة هل يجوز قصد الفرادى في الأثناء اذا كان من أول الصّلاة قاصدا له، أو في أثنائها، أولا يجوز ذلك؟

فبناء عليه أقول: بأن ما أفاده مد ظله العالى في وجه جواز قصد الفرادى مطلقا حتّى في حال الاختيار من استظهار ذلك من الآية الشريفة و بعض الأخبار الواردة في صلاة الخوف من إطلاق الجماعة و ترتيب آثارها على الصّلاة الّتي يصلون حال الخوف، مع كون بعض صلاتهم فرادى، غير تمام، لأنّ في مورد يكون التكليف هو إتيان صلاة الخوف، يكون المأموم- كما أفاده في بطلان الاستدلال على جواز قصد الفرادى بالأخبار الواردة في صلاة الخوف بالنحو الأوّل- مضطرا و المورد مورد الاضطرار، فجواز قصد الفرادى، و فرض صيرورة الصّلاة بعضها جماعة و بعضها فرادى، و قابلية الجماعة لأن تكون وصفا لابعاض الصّلاة فى هذا المورد، لا يوجب جواز ذلك مطلقا حتّى في غير حال الاضطرار، و بعد ما قلت ذلك كأنه استرضاه في يوم اللاحق و لم يقل

شيئا.

و لكن بعد عدم تمامية هذا الوجه أى النحو الثانى للاستدلال على جواز قصد الفرادى أقول:

بأنه بناء على صيرورة صلاة الطائفة الأولى من الطائفتين في صلاة الخوف في الركعة الثانية

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 48

ثمّ إن ثبت جواز العدول من الجماعة إلى الفرادى أو عدمه بالدليل فهو، و لو لم يثبت ذلك و شككنا في جواز ذلك و عدمه.

فتارة يقع الشّك في الجواز التكليفى و عدمه، بمعنى أنّه هل يجوز قصد الفرادى بالإباحة التكليفية، أو يحرم ذلك بالحرمة التكليفية، ففي هذا المقام يكون مقتضى الأصل الجواز، لأنّ مقتضى أصالة الإباحة ذلك.

______________________________

فرادى، و عدم وجوب صلاة الجماعة حال الخوف، فبالنحو الأوّل يتم الاستدلال ببعض الأخبار الواردة في صلاة الخوف على جواز قصد الفرادى مطلقا، لعدم كون ضرورة على قصد الفرادى، لأنّ الفرض عدم وجوب صلاة الجماعة عليهم حال الخوف، بل لهم أن يصلّوا فرادى، فمع تمكنهم من إتيان الصّلاة فرادى جوز لهم الصّلاة الواقعة بعضها جماعة و بعضها فرادى، فهذا دليل على قابلية اتصاف أبعاض الصّلاة بالجماعة حال الاختيار.

و ما أفاده مد ظله العالى من أنّ أهمية الجماعة تقتضى عدم رفع إليه عنها حتّى حال الخوف و إن كانت مستحبة بحسب تشريعه، و بعد مطلوبية الجماعة يكون قصد الفرادى من باب الضرورة، غير تمام، إذ بعد كون الجماعة مستحبا و لو كانت من المستحبات الأكيدة، فلا اضطرار على الصّلاة في الجماعة حتّى يكون الفرادى في الأثناء لأجل الضرورة من باب لزوم الذهاب تجاه العدو، حتّى يجيئون الطائفة الثانية و يصلون، بل كان الممكن لهم الصّلاة فرادى، فمن تجويز إتيان صلاة بعضها جماعة و بعضها فرادى نفهم جواز قصد الفرادى و قابلية كون الجماعة وصفا لأبعاض الصّلاة

فتأمّل.

كما أنّه بعد فرض عدم ضرورة في مورد صلاة الخوف بالجماعة في بعض الصّلاة و الفرادى في بعضها كما عرفت، فيتم الاستدلال على جواز قصد الفرادى مطلقا حتّى حال الاختيار بالنحو الثانى الاذيّ أفاده مد ظله العالى من أن إطلاق الجماعة على صلاتهم، مع كون بعضها فرادى شاهد على قابلية اتصاف بعض الصّلاة بالجماعة، فيجوز قصد الفرادى.

و اعلم أن سيدنا و استادنا الاعظم مد ظله العالى تعرض لهذه المسألة في نية الصّلاة و كتبت تقريراته مد ظله العالى و تعرض هنا أيضا و قد أفاد في هذا المقام بعض فوائد لم يتعرضها سابقا) (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 49

و تارة يقع الشّك في الجواز و عدمه وضعا بمعنى أنّه هل يكون بقاء الاقتداء و المتابعة ببقاء نيتها شرطا أم لا، أو هل يكون قصد الانفراد مانعا من موانع الصّلاة أم لا، فمقتضى أصالة البراءة هو عدم كون بقاء قصد الاقتداء و المتابعة شرطا و عدم كون قصد الفرادى مانعا، لأنّ ذلك من صغريات الشّك في الأقل و الأكثر أى: في الجزئية و الشرطية و المانعية للمأمور به، و قد بينا في الاصول أن الحق كون ذلك مجرى البراءة، فتكون النتيجة عدم فساد الصّلاة بقصد الفرادى، و صحة الصّلاة لو أتى بعضها جماعة و بعضها فرادى.

و نحن في السابق حينما كتبنا هذه المسألة، اخترنا جواز قصد الفرادى مطلقا، و لكن في حاشيتنا على العروة و رسائلنا انحصرنا الجواز بصورة الضرورة، و في غير الضرورة قلنا بأن الأحوط الترك، و فعلا مع ما بينا من الوجه للجواز مطلقا و ما هو مقتضى الأصل لو وصل الأمر إليه، و هو الجواز أيضا، نقول بالجواز و لكن مع ذلك

لانصرف النظر عن الاحتياط بالترك في غير حال الضرورة. «1»

______________________________

(1)- (أقول و لو بلغت النوبة بالشّك ففي صورة لم يخل المصلّى بوظيفة المنفرد في المقدار الّذي كان قاصدا للجماعة من صلاته، فصح ما أفاده مد ظله العالى من أن مقتضى الأصل عند الشك في مشروعية الصّلاة الواقعة بعضها جماعة و بعضها فرادى هو البراءة، لأنّ الشّك في المشروعيّة و عدمها سبب عن كون بقاء الاقتداء من أول الصّلاة إلى اخرها شرطا، أو كون قصد الفرادى مانعا أم لا، و في الشّك في الشرطية و المانعية تجري أصالة البراءة، فتكون النتيجة مشروعية هذه الصّلاة الملفقة من الجماعة و الفرادى.

و أمّا في ما أخلّ المصلّى في المقدار الّذي يكون ناويا للجماعة من صلاته قبل أن يقصد الفرادى، مثل ما إذا قصد الفرادى في الركعة الثالثة و لم يقرأ القراءة في الأولتين من صلاته، فقد أخلّ بوظيفة المنفرد أو زاد ركوعا، أو سجودا للمتابعة في الأولتين، ففي هذه الصورة لو قصد

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 50

هذا تمام الكلام في هذه المسألة و الحمد للّه أولا و آخرا و الصّلاة و السلام على محمّد و آله.

______________________________

الفرادى و شككنا في مشروعية هذه الصّلاة و عدمها، فإجراء البراءة مشكل، لأنّ في هذه الصورة يكون الإطلاقات الدالة على أنّه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، أو ما يدل على بطلان الصّلاة بزيادة الركن محكمة، لأنّ إطلاقه يشمل كل صلاة خرجت منه صلاة الجماعة بالدليل و على الفرض في المقام يكون شاكا في كون هذه الصّلاة جماعة أم لا، فبحكم (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب) أو (بطلان الصّلاة بزيادة ركن فيها) لا بدّ أن نقول بفساد الصّلاة، و مع وجود الدليل اللفظى أى: الإطلاق

لا تصل النوبة بالأصل العملى، و لهذا لا بدّ في صورة الشّك في جواز قصد الفرادى و عدمه من التفصيل بين صورة إخلال المأموم القاصد للفرادى بوظيفة المنفرد و عدمه، فتفسد الصّلاة في الأولى و تصح في الثانية) (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 51

المطلب الثالث: في شرائط الإمام

اشارة

اعلم أنّه كما أشرنا سابقا يكون قوام صلاة الجماعة بإمام و مأموم، فلا بدّ من أن نتكلم فيمن يصلح لأن يكون إماما، و من لا يصلح لذلك.

[في ذكر القسمين اللّذين يتصوّران فى الباب]

اشارة

فنقول بعونه تعالى: إن المراجع بالأخبار الواردة عن أهل البيت عليه السّلام يرى أن طوائف من الناس لا يصلحون للإمامة إمّا بنحو الحرمة الوضعية و إمّا بنحو الكراهة، و هم على قسمين:

القسم الأوّل: من لا يجوز الاقتداء به

لعدم كونه من الطائفة الحقة الاثنا عشرية سواء كان كافرا أى: غير منتحل للاسلام، أو كان مقرا بالشهادتين، و لكن يكون من أحد الفرق الضالة، فمنهم من يشهد عليك بالكفر و تشهد عليه بالكفر، و منهم من يقول بان اللّه تعالى جسم، و منهم المجبرة و منهم من لا يؤمن بقدر اللّه، و منهم المخالف و منهم الناصب و منهم من يكون ممّن يتولى عليا عليه السّلام، و لكن يكون غاليا، و منهم من يتولى عليا و الائمة عليه السّلام و لكن لم يتبرأ من أعدائهم، و منهم الواقفة، و منهم المجهول، و منهم عن يقول بقول يونس، و منهم من يقول إنّ اللّه تعالى يكلف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 52

عباده ما لا يطاق، و منهم العثمانية.

و الحاصل من هذا القسم كل من لا يكون اثنا عشريا فإنه لا يصلح للإمامة، و لا يجوز الاقتداء به، و يدل عليه الأخبار، و كل هذه الطوائف منصوص أعنى: ورد النص على عدم جواز إمامتهم، فارجع بعض «1» الأبواب الراجعة إليها في أبواب الجماعة من الوسائل، و لا حاجة إلى ذكرها هنا.

القسم الثاني: هو بعض الطوائف الّتي يكره إما متهم

، أو لا يجوز الاقتداء بهم، مع كونهم مسلما مؤمنا شيعيا اثنا عشريا، أمّا من يكره إمامته منهم فهو المجذوم و المبروص، فإن بعض الأخبار و إن كان بظاهره دالا على عدم جواز الاقتداء بهم، لكن يحمل بقرينة ما يدلّ على الجواز على الكراهة، فارجع الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل.

و العبد فقيل بكراهة اقتداء به، فإن بعض الروايات و إن كان يدلّ على عدم جواز إمامته إلا لمثله، لكن بقرينة بعض اخر من الأخبار يحمل على الكراهة، فارجع الباب 16 من أبواب

صلاة الجماعة من الوسائل.

و المتيمم فيجوز اقتداء المتوضى به على كراهية، فان مقتضى الجمع بين ما يدل على عدم الجواز و ما يدلّ على الجواز الحكم بكراهة الاقتداء به، فارجع الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل.

و المسافر بالحاضر و الحاضر بالمسافر فإن من النهى في بعض الأخبار و الجواز في بعضها لا يستفاد إلّا الكراهة.

______________________________

(1)- راجع الباب 10 و 11 و 12 و 13 و 14 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 53

و المقيّد «1» لا يؤمّ المطلقين، و لا صاحب الفلج الأصحاء (و النهى ورد فيهما و ليس في الأخبار ما يدلّ على جواز الاقتداء بهما و لكن حمل النهى على الكراهة، فارجع الباب 22 من أبواب الجاعة من الوسائل.

و لا يؤمّ الأعمى لصاحب البصر على كراهية، لأنّ هذا تقتضى الجمع بين ما يدلّ على عدم الجواز و ما يدلّ على جوازه، فارجع الباب 21 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل.

و أمّا الذين لا يجوز الاقتداء بهم فهم طوائف: الأولى ولد الزنا، الثانية المجنون، الثالثة الصبى، الرابعة الاغلف مع تمكنه من الختان و لو خاف على نفسه فاستثنى من عدم جواز الاقتداء به الخامسة المتجاهر بالفسق، السادسة شارب الخمر و النبيذ، السابع عاق احد والديه، الثامنة الفاسق، التاسعة الفاجر، العاشرة من يقارف الذنوب، الحادية عشرة الأعرابى، و الظاهر أن المراد منه ليس مطلق من يكون أعرابيّا و إن كان عالما بالأحكام، بل المراد خصوص من لا يكون عارفا بالأحكام، لأنّ الأعرابى غالبا يكون كذلك، فلا وجه للتعميم، الثانية عشرة المرأة، لا إشكال في عدم جواز اقتداء الرجل بها، إنما الكلام في جواز إمامتها لمثلها و يأتي الكلام في

ذلك إن شاء اللّه.

اعلم أنّه لا يكون شرطية الإيمان و طهارة المولد و البلوغ، و العقل محل الكلام، إنّما المهم هو التعرض لشرطية العدالة، لانها صارت مورد الكلام من حيث مفهومه، و ما يعرف به العدالة، و إن كان في اشتراطها في الجملة عدم كلام عندنا خلافا لاكثر

______________________________

(1)- و المراد منه المحبوس.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 54

العامّة حيث إنهم ذهبوا إلى عدم شرطيتها في إمام الجماعة.

[شرطية العدالة في إمام الجماعة]

[في ذكر الاقوال فى معنى العدالة]
اشارة

فنقول بعونه تعالى إنّه يظهر من الكلمات أقوال ثلاثة في معنى العدالة:

القول الأوّل:

هو أن العدالة عبارة عن ظهور الاسلام و عدم ظهور الفسق، كما يظهر ذلك من كلام الشيخ رحمه اللّه في كتاب الشهادة من الخلاف، «1» و استدل عليه بإجماع الفرقة و أخبارهم، و بأن الاصل في الاسلام العدالة و الفسق خلاف الأصل، فيحتاج إلى الدليل، و بأنا نعلم أنّه ما كان البحث عن ذلك في أيام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و لا في أيام الصحابة و لا أيام التابعين، و إنما هو شي ء أحدثه شريك بن عبد اللّه القاضى، و لو كان شرطا ما أجمع أهل الأعصار على تركه.

القول الثاني:

كونها عبارة عن حسن الظاهر.

القول الثالث:

هو كونها عبارة عن الملكة كما يظهر من نوع المتأخرين على اختلاف كلماتهم في هذا المعنى من أنها ملكة راسخة توجب الاجتناب عن المحرمات، أو الاجتناب عن ارتكاب الكبائر و عدم الاصرار على الصغائر، أو بزيادة ترك ما يكون فعله خلاف المروّة.

ثمّ اعلم أن العدالة لغة بمعنى الاستقامة، و الفسق عبارة عن الاعوجاج، فتختلف الاستقامة بالنسبة إلى الأشياء و الاستقامة في كل شي ء على حسبه، فالعدالة في الدين هو الاستقامة على جادته و طريقه.

ثمّ ان المعنيين الأوّليين في العدالة- أى: كونها عبارة عن ظهور الاسلام و عدم ظهور الفسق، أو كونها عبارة عن ذلك مع زيادة حسن الظاهر- غير مناسب

______________________________

(1)- الخلاف، ج 6، ص 218 و 217، مسئلة 10.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 55

لكونهما معنى العدالة الواقعية، اذ واقع العدالة ليس مجرد حسن الظاهر، أو مجرد ظهور الاسلام و عدم ظهور الفسق، و إلّا فلا بدّ من الالتزام بأن من لا يكون في باطنه ما يبعثه على حسن الظاهر أو عدم ظهور الفسق، بل و من يعلم كون باطنه على خلاف ما يظهر و يحسن ظاهره، يكون عادلا، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام بذلك، و لا ندرى بأن من عرفها بأنّها عبارة عن ظهور الاسلام و عدم ظهور الفسق كالشيخ رحمه اللّه و بعض اخر، أو عرّفها بذلك مع زيادة حسن الظاهر، يكون غرضه كون هذا هو العدالة الواقعية.

كما أن الالتزام بكون العدالة المعتبرة شرعا في مقام الشهادة، و صلاة الجماعة، و بعض امور اخر في نظر الشرع، تكون هى الملكة مشكل، إذ قلّ من يكون واجدا لهذه الملكة لو لم نقل بعدم وجوده حتّى عند المكملين من

الأولياء غير المعصومين عليه السّلام، فلازم اعتبار العدالة بهذه المعنى في هذه الامور، هو تعطيل هذه الامور، لعدم الوصول بتحصيل شرطه أى: العدالة إلا نادرا، فمن هذا ربما يستكشف مع عمومية البلوى بهذه الامور من الشهادة و الجماعة و غيرها، عدم كون هذا المعنى من العدالة معتبرة في هذه الامور.

[في انّ العدالة معتبرة شرعا في بعض الامور]

و على كل حال اعلم أن العدالة في الشرع تكون معتبرة في بعض الامور، و العمدة اعتبارها في مقام تحمل الشهادة، و هو مورد الطلاق، و في مقام أداء الشهادة عند القاضى، و في إمام الجماعة، و كما قلنا يظهر من بعض الفقهاء رحمه اللّه كونها عبارة عن ظهور الاسلام و عدم ظهور الفسق، و عن بعضهم كونها حسن الظاهر، و عن بعضهم كونها الملكة.

و الذين قالوا بكونها الملكة، تكون عبائر هم مختلفة من حيث أن اثر هذه

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 56

الملكة هل هو الاجتناب عن خصوص الكبائر، أو مطلق المحرمات أو ترك الكبائر و عدم الإصرار على الصغائر، أو مضافا إلى ذلك ترك خلاف المروة.

[في ذكر بعض الاخبار المتعرضة لحقيقة العدالة]
اشارة

فلنذكر بعض الروايات الّتي ذكر انّها متعرضة لحقيقة العدالة، او لما هو أمارة لها، فنقول بعونه تعالى:

الأولى: الرواية المفصلة الّتي تعرضت لهذا الحيث
اشارة

أى: لبعض الجهات الراجعة إلى العدالة، و هى رواية عبد اللّه بن أبى يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و عدّ بحر العلوم رحمه اللّه في مصابيح الظلام هذه الرواية صحيحة، و قال صاحب مفتاح الكرامة رحمه اللّه بأنها ليست بصحيحة، و منشأ ما قال في مفتاح الكرامة هو أنّه لا يرى في الكتاب الرجالية أحمد بن يحيى.

و لكنّ الحقّ ما قاله بحر العلوم رحمه اللّه، لأنّه يكفى في رواية المفيد رحمه اللّه عنه و أخذ كتاب أبيه عنه بطريق السماع أو القراءة منه، مضافا إلى أن الصدوق رحمه اللّه قال في حقه في مقام نقل هذه الرواية عنه: (أحمد رضى اللّه عنه) و هذا شاهد على كونه موثوقا به عنده.

و أمّا ما يرى من عدم ذكر توثيق في حقه من أصحاب الرجال، فهو لأجل أن ما هو الأساس للرجال هو رجال الشيخ رحمه اللّه، و فهرست النجاشى رحمه اللّه، أمّا رجال الشيخ رحمه اللّه فما يرى من وضع كتابه لا يكون ما كتبه بصورة كتاب مدون فرغ عنه مؤلّفه، بل يكون نظير مسوّدة لأنّ يكون مصدرا للتاليف، و لهذا لا يذكر فيه إلا اسامى الأشخاص بدون ذكر توثيق أو قدح في حقهم، و لهذا لم يتعرض في ما كتب لتوثيق أحمد، كما لم يتعرض لتوثيق غيره، فترك تعرضه لتوثيقه لا يكون لأجل عدم كونه موثوقا به عنده، بل كان لأجل ما قلنا.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 57

و أمّا النجاشى فحيث إن بناء النجاشى كان لذكر الرجال الّتي يكون لهم كتاب فقط لا لمطلق الروات، فعدم ذكر

عن أحمد في كتابه أيضا لا يكون دليلا على وجود قدح فيه، أو عدم وثاقته، بل يكون لأجل عدم كون كتاب له فلم يتعرّض لذكر أحمد لأنّ ذكره كان خلاف وضع كتابه.

فعلى هذا لا يكون ترك ذكر أحمد بن يحيى أو عدم توثيقه دليلا على عدم وثاقته فلا إشكال في الرواية من حيث ضعف السند.

[في ذكر رواية ابن ابى يعفور و هي العمدة]

إذا عرفت ذلك نذكر الرواية لما فيها من الفائدة، فنقول بعونه تعالى:

ان الرواية 1 من الباب 41 من أبواب الشهادات من الوسائل، تكون هذه الرواية.

و هى هذه: روى محمد بن على بن الحسين بإسناده عن عبد اللّه بن أبى يعفور و روى الشيخ رحمه اللّه بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن موسى عن الحسن بن على عن أبيه عن على بن عقبة عن موسى بن أكيل النميرى عن ابن أبى يعفور (و بين نقل الصّدوق ره و الشيخ اختلاف نذكره إن شاء اللّه) (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال عليه السّلام: أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان، و يعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر و الزنا و الريا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك، و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك، و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن، و حفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من

تبيان

الصلاة، ج 8، ص: 58

المسلمين، و ألا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علّة (من جملة فاذا كان، يكون في نقل الصدوق إلى قوله و من يحفظ مواقيت) فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فاذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه، فإن ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين، و ذلك أن الصّلاة ستر و كفارة للذنوب و ليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلى إذا كان لا يحضر مصلاه و يتعاهد جماعة المسلمين، و إنما جعل الجماعة و الاجتماع إلى الصّلاة لكى يعرف من يصلى ممّن لا يصلى، و من يحفظ مواقيت الصّلاة ممّن يضيع، و لو لا ذلك لم يمكن احد أن يشهد على اخر بصلاح، لأنّ من لا يصلى لا صلاح له بين المسلمين (من هنا زيادة بنقل الصدوق) فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم همّ بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، و قد كان فيهم من يصلى في بيته فلم يقبل منه ذلك، و كيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين (إلى هنا) ممّن جرى الحكم من اللّه عز و جل و من رسوله فيه الحرق في جوف بيته بالنار، و قد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلى في المسجد مع المسلمين الا من علّة).

و زاد الشيخ رحمه اللّه و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا غيبة إلا لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا، و من رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، و سقطت بينهم عدالته، و

وجب هجرانه، و إذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره و حذّره، فإن حضر جماعة المسلمين و إلّا احرق عليه بيته، و من لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته و ثبتت عدالته بينهم. «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 59

[في ذكر مفاد رواية ابن ابى يعفور]

أمّا مفاد الرواية فنقول بعونه تعالى: الظاهر من الفقرة الأولى و هو قول السائل (بم تعرف عدالة الرجل) هو أن السائل كان في ارتكازه اعتبار العدالة في مقام الشهادة و يسأل عما يعرف به العدالة، فهذا ظاهر في أن العدالة حقيقة امر اخر و هو يسأل عما يعرف به هذا الأمر، فقهرا يكون جواب الإمام عليه السّلام عما يعرف به العدالة لا عما هو حقيقة العدالة.

و أمّا الفقرة الثانية اعنى قوله عليه السّلام (أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان) فالمراد من الستر هو الحياء كما في لسان العرب، و كذلك العفاف، فيكون المراد أن العادل هو الّذي تعرفوه بالحياء و العفة و كف البطن أى:

لا يملأ بطنه عن كل شي ء و له حالة الكف في بطنه و فرجه و يده و لسانه، فالمراد من هذه الفقرة هو أن العادل من لا يعمل عملا على خلاف ما تقتضيه وضعه و حاله عند الناس، بل يعرف بالحياء و العفاف و يكون كف بطنه و أخواته من باب عفته.

و يستفاد من التعبير بالكف هو ان عفافه و عدم إقدامه بما ينافي الحياء و العفاف لا يكون من باب مجرد تركه و لو كان هذا الترك من باب عدم تمكنه من عدم الإتيان بما ينافي العفاف، مثل من لم تصل يده إلى هذه الامور

و العمل.

بمشتهياتها، بل يكون بحسب وضعه و حاله متكففا عن هذه الأمور و إن وصلت يده بها، و لا يصدر عنه ما لا ينبغى بنظر العرف من باب وجود هذه الحالة فيه، فيكون حاصل هذه الفقرة هو أنّه لا يصدر منه خلاف المروة، و يمكن أن يكون منشأ ما ذهب بعض إلى اعتبار عدم صدور خلاف المروة في العدالة هذه الفقرة.

فلا يستفاد من هذه الفقرة إلا كون العادل مستحييا و متعففا عمّا لا يليق منه بنظر الناس من كف البطن و الفرج و اليد و اللسان، فلا يكون المعصوم عليه السّلام في هذه

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 60

الفقرة متعرضا إلا عما ينافي عرفا مع كون الشخص متصفا بالعدالة (و أمّا الفقرة الثالث و هو قوله عليه السّلام (و يعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر و الزنا و الريا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك) فما يأتي بالنظر بعد التأمل، هو كون هذه الفقرة جزء المعرّف بمعنى: أن مجموع الفقرة الثانية و هو قوله (ان تعرفوه الخ) و هذه الفقرة يكون معرفا واحدا للعدالة، لا أن يكون كل منهما معرفا مستقلا للعدالة، لأنّه لو كانت الفقرة الثانية معرّفا مستقلا و كان المراد منها أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن الخ أى: تعرفوه بالستر عن العيوب، و العفة عن فعل المحرمات، و كف بطنه و فرجه و يده و لسانه عن الحرام، فيكون مفادها كون الشخص معروفا بالكف عن جميع المحرمات، فكيف جعل في الفقرة الثالثة الاجتناب عن خصوص الكبائر معرفا، فإن كان مجرد ذلك كاف في المعرفية للعدالة فلا حاجة في معرفة العدالة من

المعروفية بالكف عن المحرمات و الستر عن مطلق العيوب، و أمّا بناء على ما يأتي بالنظر من كون مجموع الفقرة الثانية و الثالثة معرّفا واحدا فلا يأتي هذا الإشكال.

و بناء على هذا لا بدّ من أن يقرأ (و يعرف) فعل المجهول حتّى يكون المراد أن تعرفوه بالستر و العفاف الخ و يعرف باجتناب الخ أى: و تعرفوه باجتناب الكبائر، فيكون حاصل الفقرتين أن العدالة يعرف بواجدية الشخص لأمرين:

الأوّل تركه ما هو قبيح بنظر العرف و هو ما يعبّر عنه بخلاف المروة.

و الثانى باجتنابه عن الكبائر، و الظاهر من كل الفقرتين هو كون العدالة ملكة، لأنّ الظاهر من قوله (و كف البطن) فى الفقرة الثانية و لا يبعد كون ظاهر قوله (و باجتناب الكبائر) في الفقرة الثالثة، هو كون عدم هذه الامور لا من باب مجرد

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 61

تركها و لو كان من باب عدم وصول يده بفعلها، بل كان ذلك الترك لأجل كون رادع في باطنه يترك هذه المشتهيات، كما ينادى بذلك التعبير (بالكف و الاجتناب)، لأنّ مقتضى مادة هذين اللفظين كون استناد الترك لأجل وجود شي ء فيه، و هذا الشي ء هو الّذي يعبر عنه بالملكة، فلا يبعد كون الفقرتين دالة على كون العدالة ملكة في الجملة.

ثمّ إنّه بعد كون الظاهر من قوله (أن تعرفوه الخ) و قوله (و يعرف) هو عرفان الشخص بالأمرين المذكورين في الفقرتين، و هذا يقتضي كون ذلك بالعلم، فمقتضى هذا المعرّف كون معرّف العدالة العلم بكونه ساترا و متعففا عمّا يكون قبيحا بنظر العرف، و العلم بكون الشخص مجتنبا للكبائر، فقال- بعد ذلك في مقام الإمارة على ما ذكر من المعرف في الفقرة الثانية و الثالثة للعدالة-

هذا و هو الفقرة الرابعة من الرواية (و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه الخ).

و المراد أنّه يدلّ على كل ما ذكر في الفقرتين السابقتين من المعرّف للعدالة هو أن يكون ساترا لجميع عيوبه، أعنى: يكون وضعه بنحو لا يرى منه عيب و لو كان له عيب أو عيوب في الباطن، و لكن يكون ظاهره بحيث من يرى به لا يرى فيه عيب، و لو اريد كشف حاله على خلاف ما يرى في ظاهره لا بدّ من كشف ستره و هذا لا يجوز، فهو ممّن لا يرى في ظاهره عيب و لو كان فرضا عيب في باطنه، و لكن حيث يكون في ظاهره مستترا فلا يجوز الورود في وراء ستره و كشف عيبه، و لهذا لا يجوز غيبته و كشف ستره، بل يجب على المسلمين تزكيته و اظهار عدالته بين الناس.

و أمّا الفقرة الخامسة و هى قوله عليه السّلام (و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس الخ) بالمواظبة عليهنّ و حفظ مواقيتهن بحضور الجماعات، و عدم تخلفه عن ذلك، و هذه

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 62

الفقرة جزء الدليل بمعنى أن الدليل على ذلك كله هو أن يكون ساترا لجميع عيوبه الخ، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس الخ.

و وجه جعل ساتريته لعيوبه و تعاهده للصلوات الخمس دليلا على كل ما قال سابقا من كونه معروفا بالستر و العفاف الخ و معروفا باجتناب الكبائر، هو أن المعاصى على ضربين: ضرب منها ما يتحقّق موضوع العصيان بالوجود بأن يوجد شيئا و يكون عصيان المحرمات محققا بذلك، فعصيان نهى الخمر أو القمار أو الزنا أو غيرها من المحرمات يحصل بايجاد هذه الامور، بأن يشرب الخمر

و غيرها نعوذ باللّه، و ضرب منها ما يحصل موضوع العصيان فيه بالعدم و الترك و في الواجبات يكون عصيانه هكذا، حيث إن عصيان أمر الصّلاة و الصوم و الزكاة و غيرها يحصل بترك هذه الامور، و يكون النظر في الفقرة الرابعة و الخامسة من الرواية إلى هذا الأمر.

فمن يكون ساترا لعيوبه بحيث يحرم على المسلمين غيبته، فهو لا يكون معروفا بفعل المحرمات، بل يصير معروفا بخلافه، لأنّه ساتر لعيوبه، فبهذه الفقرة بيّن أن العادل من يكون تاركا للمحرمات بالملازمة، لأنّ لازم كونه ساترا للعيوب أن يعدّ تاركا للمحرمات و المعاصى الّتي يحصل موضوعا بالوجود و لو فرض كونه مقترف مذنب واقعا، و أمّا من يكون متعاهدا للصلوات فهو يعرف قهرا باتيان الواجبات و عدم ارتكاب المحرمات و المعاصى الّتي يحصل بترك الافعال الوجودية، فالفقرة الأولى معرف كون الشخص في الظاهر غير مرتكبا للمعاصى الوجودية، و الثانية على كونه معروفا بعدم كونه مرتكبا للمعاصى العدمية.

و لا تقل: بأن النظر في الفقرتين إن كان إلى هذا، فلم جعل الصّلاة فقط معرفا لكونه تاركا للمعاصى الّتي يتحقّق بترك اشياء، لأنّ ذلك يحصل بايجاد جميع

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 63

الواجبات و معروفيته بذلك حتّى يقال ظاهرا بأنّه تارك للمعاصى العدمية.

لأنا نقول: إن وجه الاقتصار في ذلك بخصوص الصّلاة يكون من باب أن غير الصّلاة من الأعمال الواجبة كالصوم و الزكاة و الخمس و الحج و غيرها، ليس يعرف غالبا حتّى يكون هو المعرف، لأنّه من يصوم لا أمارة على كونه صائما أو غير صائم بحيث يعرف بذلك، و كذلك الزكاة و الخمس و الحج لا يتفق لأكثر الناس، فليست هذه الواجبات من الظهور و الوضوح بحيث يمكن

أن يصير معرفا في الغالب على كون الشخص تاركا للمحرمات و المعاصى العدمية، و لكن الصّلاة تكون قابلة لذلك، لأنّ حضور الجماعة للصّلاة أمر ظاهر يعلمه الناس، و من تركها يعرف عدم كونه ممّن يترك المعاصى العدمية، فمن يكون متعاهدا للصّلاة و حاضرا في الجماعة، فهو كما في ذيل الرواية بنقل الصّدوق (يقول الناس في حقه: ما راينا منه إلّا خيرا) فتكون نتيجة الفقرتين هو أنّه من يكون ساترا لعيوبه و لو كان فرضا له عيوب واقعا، و مواظبا على أمر الصّلاة و حضور الجماعة، فهو ممّن يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين، هذا ما يأتى بالنظر في مفاد هذه الفقرات من هذه الرواية.

إن قلت: على ما قلت يكون مفاد الفقرة الثانية من الرواية أعنى: قوله عليه السّلام (أن تعرفوه بالستر و العفاف الخ) هو كونه صاحب حياء و عفة بحيث لا يصدر منه القبائح العرفية، و بعبارة اخرى لا يصدر منه خلاف المروّة، و الفقرة. الثالثة من الرواية و هو قوله (و يعرف باجتناب الكبائر الخ) أنّه يكون معروفا باجتناب خصوص الكبائر، فلا يكون ترك الصغائر من الذنوب دخيلا في العدالة بمقتضى ما بيّنت في الرواية، لأنّ الفقرة الأولى من الفقرتين الّتي ذكرنا تدلّ على اعتبار عدم صدور خلاف المروة، و الثانية على اجتناب الكبائر من الذنوب، و هذا في غاية البعد، لأنّه كيف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 64

يمكن أن يكون عدم صدور خلاف المروّة دخيلا في العدالة و لم يكن ترك الصغائر من الذنوب دخيلا فيها، فهذا شاهد على عدم كون المراد من قوله (أن تعرفوه بالستر و العفاف الخ) هو كونه تاركا للقبائح العرفية و خلاف المروّة، فهذا يبعّد حمل الفقرتين

على معرّف واحد، و هو ترك خلاف المروّة و الكبائر.

نقول: إن ذلك مجرد استبعاد، أو من لا يعرف المصالح المقتضية في الأحكام الشرعية ربما يأتي بنظره أمثال ذلك التوهمات، و لكن بعد كون الرواية ظاهرة قلنا، فلا مجال لهذا الإشكال من أنّه كيف صار عدم صدور القبيح العرفى دخيلا في العدالة و لم يصر ترك الصغائر من الذنوب دخيلا فيها، لأنّ باعتبار الأوّل تدلّ الرواية و لا دلالة لها على اعتبار الثانى، و نحن تابع للدليل، مضافا إلى أنّه يمكن أن يقال في وجه عدم دخل ترك الصغيرة في العدالة: إنّه ربما يكون دخل ترك ما ينافي المروة من باب أن القبائح العرفية توهن الشخص في نظرهم، و يكون الإمامة للجماعة ممّا يليق بأن يكون شخص الإمام غير موهن بنظر العرف، و أمّا الصغيرة فحيث إن ارتكابها قبيح في نظر الشارع و لعل الشارع، اكتفى بترك الكبائر في تحقق العدالة و غمض النظر عن ارتكاب الصغيرة، كما ربما يدلّ عليه قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً «1» فهذه الآية تدلّ على ان اجتناب الكبائر يوجب عفو الشارع عن غيرها.

هذا تمام الكلام في هذه الرواية، و هنا روايات اخر نذكرها إن شاء اللّه تعالى فنقول:

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 31.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 65

الثانية: ما رواها سماعة بن مهران عن أبى عبد اللّه

(قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و واعدهم فلم يخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته، و كملت مروته، و ظهر عدله، و وجب اخوته). «1»

الثالثة: ما رواها الشهيد ره اللّه في الذكرى عن الصادق ع

(أن رسول اللّه قال:

لا صلاة لمن لا يصلّى في المسجد مع المسلمين إلا من علّة، و لا غيبة إلا لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا، و من رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته و وجب هجرانه، و إن رفع إلى إمام المسلمين أنذره و حذره، و من لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته و ثبتت عدالته). «2»

الرابعة: ما رواها عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه ع

(قال: قال امير المؤمنين عليه السّلام: لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا). «3»

الخامسة: و هى ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه ع

(فى شهادة المملوك إذا كان عدلا فإنه جائز الشهادة: إن أول من ردّ شهادة المملوك عمر بن الخطاب، و ذلك أنّه تقدم إليه مملوك في شهادة، فقال: إن اقمت الشهادة تخوفت على نفسى، و إن كتمتها أثمت بربّى، فقال: هات شهادتك، أما إنا لا نجيز شهادة مملوك بعدك). «4»

السادسة: ما رواها احمد بن عامر الطائى عن أبيه (عن الرضا ع عن علي ع

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 13 من الباب 11 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 23 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 23 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 66

قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن كملت مروته، و ظهرت عدالته، و وجبت اخوته، و حرمت غيبته). «1»

السابعة: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه ع

(قال: ثلاث من كن فيه أو جبت له أربعا على الناس: من إذا حدّثهم لم يكذبهم، و إذا وعدهم لم يخلفهم، و إذا خالطهم لم يظلمهم، وجب أن يظهروا في الناس عدالته، و تظهر فيهم مروته، و أن تحرم عليهم غيبته، و أن تجب عليهم اخوته). «2»

الثامنة: ما قال صاحب الوسائل:

و تقدم حديث جابر عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: شهادة القابلة جائزة على أنّه استهل أو برز ميتا إذا سئل عنها فعدلت). «3»

هذه بعض الروايات الواردة فيها لفظ العدالة و يكون في الأخبار ما فيه اعتبار العدالة في الشاهد.

التاسعة: ما رواها خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد اللّه ع

(قال: لا تصل خلف الغالى و إن كان يقول بقولك، و المجهول، و الجاهر بالفسق و إن كان مقتصدا). «4»

و المراد بقوله عليه السّلام (و إن كان يقول بقولك) أى: يكون قائلا بالولاية لكنه غال، و المراد من قوله عليه السّلام (و إن كان مقتصدا) يحتمل أن يكون و إن كان من أهل الولاية، كما ينادى بذلك تفسير الآية الشريفة و (منهم مقتصد).

______________________________

(1)- الرواية 15 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2)- الرواية 16 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3)- الرواية 17 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 10 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 67

العاشرة: ما رواها في عيون أخبار الرضا

بإسناد يأتي عن الفضل شاذان عن الرضا عليه السّلام في كتابه (إلى المامون قال: لا صلاة خلف الفاجر). «1»

الحادية عشرة: ما رواها الاعمش عن جعفر بن محمد

في حديث شرايع الدين (قال: و الصّلاة تستحب في أوّل الأوقات، و فضل الجماعة على الفرد بأربع و عشرين، و لا صلاة خلف الفاجر، و لا يقتدى إلا بأهل الولاية). «2»

الثانية عشرة: ما رواها عبد اللّه بن سنان

(قال: قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام ما يرد من الشهود؟ قال: فقال: الظنين و المتهم. قال: قلت: فالفاسق و الخائن قال: ذلك يدخل في الظنين). «3»

الثالث عشرة: ما رواها حراج المدائنيّ عن أبي عبد اللّه ع

(إنّه قال: لا أقبل شهادة فاسق إلا على نفسه). «4»

الرابعة عشرة: ما رواها عبيد اللّه بن على الحلبي

(قال: سئل أبو عبد اللّه عما يردّ من الشهود فقال: الظنين و المتهم و الخصم، قال: قلت: فالفاسق و الخائن، فقال:

هذا يدخل في الظنين). «5»

الخامسة عشرة: ما رواها العلاء بن سيابة

(قال: سألت أبا عبد اللّه عن شهادة

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 11 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 11 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 30 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 30 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(5)- الرواية 5 من الباب 30 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 68

من يلعب بالحمام، قال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق، الحديث). «1»

السادسة عشرة: ما رواها محمد بن قيس عن أبى جعفر ع

(في حديث إن عليا عليه السّلام قال: لا أقبل شهادة الفاسق إلّا على نفسه). «2»

السابعة عشرة: ما رواها حريز عن أبي عبد اللّه ع

(في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدل منهم اثنان و لم يعدل الآخران، فقال: إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا، و اقيم الحد على الذي شهدوا عليه، إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا و علموا، و على الوالى أن يجيز شهادتهم إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق). «3»

(هذا بعض الروايات الواردة في عدم جواز إمامة الفاسق أو الفاجر أو عدم قبول شهادته).

الثامنة عشرة: ما رواها علي بن راشد

(قال: قلت لأبى جعفر عليه السّلام إن مواليك قد اختلفوا فاصلى خلفهم جميعا. فقال: لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه). «4»

و لا يبعد كون المراد عن (تثق بدينه) يعنى: من حيث الولاية المعتبرة لا من حيث وثاقته بعد المفروغية عن كونه أهل الولاية. «5»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3)- الرواية 18 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(5)- (أقول: و لكن صدر الرواية أعنى: سؤال الراوى، محتمل لكون المراد من الصّلاة خلف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 69

التاسعة عشرة: ما رواها عمر بن يزيد

(أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إمام لا بأس به في جميع اموره عارف، غير أنّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الّذي يغيظهما، أقرأ خلفه؟ قال: لا تقرأ ما لم يكن عاقا قاطعا). «1»

العشرون: ما رواها في المقنع

(قال: و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إن سرّكم أن تزكّوا صلاتكم، فقدّموا خياركم). «2»

الاحدى و العشرون: ما رواها مسعود بن إسماعيل عن أبيه

(قال: قلت للرضا عليه السّلام: رجل يقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر، اصلى خلفه؟ قال: لا). «3»

الثانية و العشرون: ما رواها محمد بن ادريس في اخر السرائر

نقلا من رواية أبى القسم بن قولويه عن الأصبغ (قال: سمعت عليا عليه السّلام يقول: ستة لا يؤمّون الناس منهم شارب النبيذ و الخمر). «4»

الثالثة و العشرون: و من كتاب أبي عبد اللّه السيارى صاحب موسى و الرضا ع

(قال: قلت لأبى جعفر الثانى عليه السّلام: قوم من مواليك يجتمعون فتحضر

______________________________

من تثق بدينه يعنى: من يكون مورد الوثوق من حيث أعماله، و العمل بوظائفه الدينية، لا أن يكون المراد من ذلك كونه وثوقا من حيث كونه من أهل الولاية، لأنّ السائل سئل من أنّه هل يجوز الاقتداء بكلهم، فقال: لا تصلّ إلا خلف من تثق بدينه، و يحتمل أن يكون المراد من اختلاف مواليك، اختلافهم في بعض الامور الراجعة إلى اصول العقائد، فيكون المراد من قوله (صل خلف من تثق بدينه) أى: من يكون به الوثوق من حيث استقامة العقيدة في الاصول، فتأمل) (المقرر)

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 10 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 11 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 70

الصّلاة فيقدّم بعضهم، فيصلى بهم جماعة. فقال: إن كان الّذي يؤمّ بهم ليس بينه و بين اللّه طلبة فليفعل). «1»

مع قطع النظر عن ضعف سندها يحتمل دلالتها على أن من يرى أن ليس بينه و بين اللّه طلبة أى تقصير يوجب طلبة من اللّه، فلا مانع من أن يجعل نفسه إماما كى يؤمّ القوم به، فهى غير مربوطة بتكليف المأمومين.

الرابعة و العشرون: ما رواها يونس بن عبد الرحمن

عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن البينة إذا اقيمت على الحق، أ يحلّ للقاضى أن يقضى بقول البنية؟ فقال: خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات و المناكح و الذبايح و الشهادات و الأنساب، فاذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته،

و لا يسأل عن باطنه). «2»

الخامسة و العشرون: ما رواها عبد اللّه بن المغيرة

(قال: قلت لأبى الحسن الرضا عليه السّلام رجل طلق امرأة و أشهد شاهدين ناصبيين؟ قال: كل من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته). «3»

السادسة و العشرون: ما رواها محمد بن مسلم عن أبى جعفر ع

(قال، لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس، الحديث). «4»

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 11 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3)- الرواية 5 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 8 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 71

السابعة و العشرون: ما رواها عمار بن مروان عن أبي عبد اللّه ع

(في الرجل يشهد لابنه، و الّا بن لأبيه، و الرجل لامرأته، فقال: لا بأس بذلك إذا كان خيرا، الحديث). «1»

الثامنة و العشرون: ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه ع

(قال: لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا الحديث). «2»

التاسعة و العشرون: ما رواها إبراهيم بن زياد الكرخيّ عن الصادق جعفر بن محمد ع

(قال: من صلّى خمس صلوات في اليوم و الليلة في جماعة فظنوا به خيرا، و أجيزوا شهادته). «3»

الثلاثون: ما رواها علقمة

(قال: قال الصادق عليه السّلام، و قد قلت له: يا ابن رسول اللّه أخبرنى عمن تقبل شهادته، و من لا تقبل؟ فقال: يا علقمة كل من كان على فطرة الاسلام فجازت شهادته. قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف بالذنوب؟ فقال:

يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء و الأوصياء عليه السّلام، لأنهم المعصومون دون ساير الخلق، فمن لم تره بعينك يتركب ذنبا، أ و لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة و إن كان في نفسه مذنبا، و من اغتابه بما فيه، فهو خارج من ولاية اللّه داخل في ولاية الشيطان، «4» و لقد حدثنى أبي عن أبيه عن آبائه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2)- الرواية 10 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3)- الرواية 12 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(4)- الرواية 13 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 72

قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنة أبدا، و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه، فقد انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب في النار خالدا فيها، و بئس المصير. قال علقمة: فقلت للصادق عليه السّلام: أن الناس ينسبوننا إلى عظائم الامور و قد ضاقت بذلك صدورنا، فقال عليه السّلام: إنّ رضا الناس لا يملك و ألسنتهم لا تظبط، و كيف تسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء اللّه

و رسله). «1»

الاحدى و الثلاثون: ما رواها إسماعيل بن أبى زياد السكونى

(عن جعفر عن أبيه عليه السّلام إن شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيا و معه شاهد اخر). «2»

الثانية و الثلاثون: ما رواها عبد الكريم بن أبى يعفور عن أبى جعفر ع

(قال:

تقبل شهادة المرأة و النسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات، معروفات بالستر و العفاف، مطيعات للأزواج، تاركات للبذاء و التبرج إلى الرجال في أنديتهم). «3»

الثالثة و الثلاثون: ما رواها سماعة

(قال: سألته عن رجل كان يصلى فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: إن كان إماما عدلا فليصل اخرى، فينصرف و يجعلها تطوعا، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو و يصلى ركعة اخرى و يجلس قدر ما يقول (اشهد ان لا إله الا اللّه واحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم)، ليتم صلاته معه على ما استطاع، فإنّ التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية إلا و صاحبها مأجور

______________________________

(1)- الرواية 14 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(2)- الرواية 19 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

(3)- الرواية 20 من الباب 41 من ابواب الشهادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 73

عليها إن شاء اللّه). «1»

هذه جملة من الروايات بعضها مربوط بباب الشهادة، و اعتبار العدالة في الشاهد كما فى بعضها، و بعضها مربوط بباب الجماعة، و ما يكون في باب الجماعة ليس فيه لفظ العدالة، فليس في الروايات الواردة في باب صلاة الجماعة ما يدلّ على اعتبار العدالة، بلفظ (العدالة) بل ما ورد في هذا الباب يكون بتعبيرات اخرى، مثل عدم جواز الاقتداء بالفاجر أو الفاسق، أو المتجاهر بالفسق، أوصل خلف من تثق بدينه، أو عدم جواز الصّلاة خلف العاق، أو شارب الخمر و النبيذ، فالتعبير (بالعدالة) لم يكن واردا في باب صلاة الجماعة، و لكن اعتبار

العدالة في الإمام في صلاة الجماعة مسلّم بحسب الفتوى عندنا.

[التكلم حول رواية ابن ابى يعفور]

ثمّ إنّه ينبغى التكلم حول الرواية الأولى من الروايات المذكورة أى: رواية عبد اللّه بن أبى يعفور و ان امضينا بعض الكلام فيها من حيث السند، و من حيث الدلالة سابقا بعد نقلها.

فنقول بعونه تعالى: إن قول السائل في هذه الرواية (بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين الخ) هل يكون سؤالا عن مفهوم العدالة و حقيقتها، أو يكون سؤالا عن معرف العدالة؟ و بعبارة اخرى هل يكون نظر السائل في سؤاله إلى فهم مفهوم العدالة و أن أىّ شخص يقال إنّه رجل عادل، و بأىّ نحو يكون الشخص واقعا حتّى يكون مصداق العادل، لا بمعنى أن السؤال يكون معرفا منطقيا، لأنّه من المسلّم عدم كون السؤال عن ذلك، لأنّه قال: (بم تعرف) بالتخفيف لا (تعرّف) بالتشديد، بل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 56 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 74

يكون المراد أنّه هل يكون السؤال عن مفهوم العدالة الآتي إذا كان الشخص متلبّسا بها تقبل شهادته و لهم و عليهم، أو يكون السؤال عن الامارة الّتي تكون أمارة للعدالة و كاشفا و مراتا لها،

و بعبارة ثالثة هل السائل يكون ممّن سمع باذنه لفظ (العدالة)، و انها موضوع لبعض الأحكام، لكن حيث لا يدرى حقيقتها، و لم يطلع على مفهومها كان نظره فى هذا السؤال إلى السؤال عن مفهوم العدالة و محققها أولا، بل السائل كان عالما بمفهوم العدالة، و أنها ملكة راسخة ملازمه للتقوى مثلا، و كان ذلك مركوز ذهنه، و لكن غرضه في هذا السؤال كان عن الأمارة الّتي تعرف بها هذه الملكة، و تكون كاشفة عن هذه الملكة، و

جواب الإمام عليه السّلام بقوله (ان تعرفوه بالستر و العفاف) يكون بيان الامارة على العدالة. «1»

إذا عرفت أن في الرواية يحتمل احتمالان نقول: إن الظاهر هو الاحتمال الأوّل، لأنّ قول السائل (بم تعرف العدالة) بحسب الظاهر هو السؤال عن المفهوم العدالة الّتي بها تقبل شهادة الرجل و يكون عادلا.

و بعبارة اخرى بم يتحقّق عدالة الرجل؟ و بم يكون عادلا، فسؤاله يكون عن واقع العدالة، لا ما هو أمارة عليها في مقام الظاهر و مقام الإثبات، فجواب

______________________________

(1)- (أقول: لما ذكر سيدنا الاعظم مد ظله العالى هذين الاحتمالين، قلت بحضرته: إن الظاهر من الرواية هو الاحتمال الأوّل، لأنّ الستر و العفاف غير قابلين لأن يكونا معرفين للعدالة، إذ هما مثل العدالة من الامور الخفية، و كذلك الكف، مضافا إلى أن قوله عليه السّلام بعد الفقرتين:

(و الدلالة على ذلك كله) ظاهر في أن الفقرتين السابقتين على هذه الفقرة تكونان محققين للعدالة، و ما قال بعنوان الدلالة هو الأمارة على العدالة، و هو مد ظله العالى كان موافقا مع هذا، و لهذا قال في اليوم اللاحق) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 75

الإمام عليه السّلام يكون عن ذلك، (فقال أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن الخ) و من المعلوم أن قوله (أن تعرفوه) يكون مأخوذا طريقا، و يكون المراد أن من تعرفوه بوجود الستر و العفاف فيه فهو عادل، فما هو موضوع للعدالة هو كون الشخص ذى ستر و عفاف.

و الشاهد على ذلك هو أن الستر و العفاف و كذا الكف غير قابل لأن يصير أمارة على العدالة، إذ هو و اخواته مثل العدالة من حيث كونها أمرا باطنيا، و ليس أمرا ظاهرا حتّى يجعله أمارة على

الأمر الباطنى أعنى: العدالة، و حيث إنّه بيّن في قوله (أن تعرفوه الخ) و (يعرف باجتناب الكبائر الخ) حقيقة العدالة، بيّن لها أمارة أيضا بعد ذلك، و هو قوله (و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساتر العيوب الخ) و ان كانت المعروفية بالستر و العفاف أمارة، فلا حاجة إلى جعل أمارة و دليل عليه بقوله (أن يكون ساترا لعيوبه) و هذا شاهد اخر على أنّ الإمام عليه السّلام بيّن أولا مفهوم العدالة، ثمّ بيّن ثانيا ما هو معرف و أمارة لها.

[في نقل كلام المحقّق الحائرى و المحقّق الهمداني و غيرهما و الاشكال عليهم]

و ممّا قلنا يظهر لك ما في كلام بعض أعاظم المعاصرين (آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) «1» في هذا المقام، فنذكر أوّلا حاصل كلامه، و ثانيا ما فيه من الإشكال تتميما للفائدة، فنقول بعونه تعالى: قال رحمه اللّه ما هذا حاصله: و هو أن بعض الصفات يكون له آثار مخصوصة بها، و لهذا يعرف بهذه الآثار وجودها في الشخص كالشجاعة و السخاوة، و لكن بعض الصفات ليس كذلك، و العدالة من جملتها، فإنّ العدالة، و هى الملكة الراسخة الملازمة للتقوى و ليست الملازمة على الإتيان بالواجبات و اجتناب المحرمات من الآثار الغير المنفكة عن العدالة، إذ إتيان

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للعلامة الحائرى رحمه اللّه، ص 517- 518.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 76

الواجبات و ترك المحرمات، كما يكون منشأه تارة هذه الملكة الراسخة في النفس، كذلك يمكن أن يكون منشأه بعض جهات اخرى من الدواعى الدنيوية.

إذا عرفت ذلك نقول: إن ابن أبى يعفور كان عنده مفهوم العدالة- و هى الاستقامة على طريقة الشرع، و الاستواء في قبال الاعوجاج- مبنيا و معينا، و لكن حيث يكون الاطلاع عليها بنفسها غير ممكن له، لأنها أمر نفسانى،

و ليس لها أثر مخصوص غير المنفك عنها حتّى تعرف بهذا الاثر، سئل عما هو طريق و أمارة إليها، فكان السئول عن أمارة العدالة، لا عن مفهومها، و جواب الإمام عليه السّلام بقوله (أن تعرفوه بالستر و العفاف الخ) يكون ناظرا إلى ما هو الأمارة عليها، فجعل المعروفية بالستر و العفاف أمارة على العدالة، و حيث تكون هذه العناوين المذكورة من الستر و العفاف الخ ملكة أيضا، و لكنها ملكة تكون أوسع من الملكة العدالة، و هذه العناوين و إن كانت مشتملة على الملكة لأنه لا يقال بالشخص ستير و عفيف إلا إذا كانا هما ملكة له، إلا أنها لا تدلّ على الملكة الخاصّة الّتي هى الديانة إلا بالتعبد من الشرع، و لهذا تكون أمارة على العدالة.

ثمّ إنّه حيث إن معرفة الشخص بالستر و العفاف ممّا لا يتفق لغالب الناس، لأنّ ذلك موقوف إلى معاشرة تامة، فجعل لذلك أمارة اخرى، و هى أن يكون ساترا لجميع عيوبه، و جعل طريقا ثالثا و أمارة اخرى، و هو أن يكون منه التعاهد للصلوات الخمس فمن حضر جماعة المسلمين يحكم بعدالته و أنّه لا يرتكب القبائح الشرعية مع الجهل بأحواله، بل لحضور الشخص في جماعة المسلمين ثلاث فوائد:

إحداها أن ترك جماعتهم من غير عذر يعدّ إعراضا، فهو من أعظم العيوب، فليس التارك لذلك ساترا لعيوبه بل هو مظهر لها، و الثانية أنّه من لم يحضر جماعتهم لا دليل

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 77

لنا على أنّه يصلّى، و الثالثة أن حضوره للجماعة دليل على كونه تاركا لما نهى اللّه تعالى عنه، و عاملا لما أمره به.

هذا ما قاله رحمه اللّه فى هذا المقام، و أمّا ما في كلامه

رحمه اللّه من الإشكال يظهر ممّا مرّ منا سابقا في ذيل الرواية، و ما قلنا هناك من أن السؤال يكون عن مفهوم العدالة و جواب الإمام عليه السّلام (أن تعرفوه الخ) يكون بيانا لمفهومها و أنّ مفهومها مركب عن أمرين (أن تعرفوه بالستر الخ) أى: ساترا لقبائح العرفية، و (يعرف باجتناب الكبائر الخ) أعنى: عن القبائح الشرعية الّتي يقال بها الكبائر، ثمّ بعد بيان مفهومها بيّن ما هو أمارة عليها، و هى مركبة عن أمرين (أن يكون ساترا لجميع عيوبه) الخ و يكون منه التعاهد لصلوات الخمس الخ و قلنا: بأن الأوّل اى ساتريته لعيوبه أمارة على تركه المعاصى أعنى: ما يحرم وجوده كالزنا و الكذب و غير هما، و الثانى أى (التعاهد للصلوات الخمس الخ) أمارة على كونه تاركا للمعاصى العدمية أى: ما يحصل عصيانه بالعدم، و هو ما يحرم تركه، أو يجب وجوده كالصّلاة و غيرها، و هذا هو الظاهر من الرواية بعد التأمل، فافهم.

اذا عرفت ما هو مفاد رواية عبد اللّه بن ابى يعفور، يقع الكلام فى جهة اخرى و هو انّ القائلين باعتبار اجتناب الصغائر فى العدالة و عدم الفرق بينها و بين الكبائر فى منافاتها للعدالة قد ذكروا فى رواية ابن ابى يعفور لكون تخصيص الاجتناب عن الكبائر بالذكر مع كونه داخلا فى ما ذكر أوّلا من كفّ البطن و الفرج و اليد وجوها:

الاول: ما ذكرناه سابقا من أن يكون المراد من ذكر اجتناب الكبائر بيان الامارة على العدالة لا بيان ماهيتها، و انّ حقيقة العدالة ما ذكر فيه أوّلا و هو ان يعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 78

فاجتناب الكبائر أمارة شرعية

على العدالة على قراءة قوله عليه السّلام و يعرف بالضم.

الثاني: أنّ التجنّب عن الكبائر يعتبر فيه الفعليّة، و لا تكفى الملكة بدون الاجتناب الفعلى و المراد بما ذكر فى الرواية أولا ملكة كفّ النفس عن المحرمات فلذلك اختصّ اجتناب الكبائر بالذكر، ثانيا مع الوجه.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 8، ص: 78

الثالث: ما ذكره صاحب مصباح الفقيه رحمه اللّه «1» و هو ان اجتناب الكبائر له ملحوظية فى العدالة شرعا و عرفا نظرا الى ان حرمتها لدى المتشرعة من الضروريات على وجه لا يمكن عادة صدورها من شخص الا بعد الالتفات تفصيلا الى حرمتها الا ان لا يكون مباليا بالدين اصلا بحيث يختفى عليه ضروريات الدين او يغافل عنها حين ابتلائه بمواردها كما لو صار شرب الخمر مثلا لديه من مشروبه المتعارف بحيث لا يلتفت حين شربه الى حرمته و هذا بخلاف صغائر الذنوب فانها ربما تصدر من المتدينين جهلا بحرمتها او غفلة عنها حال الارتكاب بحيث لو علم و التفت إليها تفصيلا لتركه فلا ينافى ذلك صدق اتصافه بكونه ممتنعا عن فعل المحرمات الّذي هو معنى كف البطن و الفرج و اليد.

ثمّ ذكر فى اخر كلامه وجها اخر و هو ان صدور الصغيرة أيضا اذا كان عن عمد و التفات تفصيلى الى حرمتها كالكبيرة مناف للعدالة و لكن الذنوب التى ليست فى انظار اهل الشرع كبيرة قد يتسامحون فى امرها فكثيرا ما لا يلتفتون الى حرمتها حال الارتكاب او يلتفتون إليها و لكن يكتفون فى ارتكابها باعذار عرفيّة مسامحة

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 675.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 79

كترك الامر بالمعروف او النهى عن المنكر او الخروج من مجلس الغيبة و نحوها حياء مع كونهم كارهين لذلك فى نفوسهم فالظاهر عدم كون مثل ذلك منافيا لاتصافه بالفعل عرفا بكونه من اهل الستر و العفاف و الخير و الصلاح و غير ذلك من العناوين المعلق عليها قبول شهادته و هذا بخلاف الزنا و اللواط و شرب الخمر و قتل النفس و نظائرها ممّا يرونها كبيرة فانّها غير قابلة للمسامحة و مانعة عن اتصاف فاعلها بالاستقامة و الاعتدال مطلقا فهذا هو الفارق بين ما يراه العرف صغيرة و كبيرة فان ثبت بدليل شرعى ان بعض الاشياء التى يتسامح فيه اهل العرف و لا يرونها كبيرة كالغيبة مثلا حاله حال الزنا و السرقة لدى الشارع و كونها كبيرة كشف ذلك عن خطاء العرف فى مسامحتهم و ان هذا أيضا كالزنا مناف للعدالة مطلقا ثمّ ذكر فى اخر كلامه مثالا لذلك و قال انّه كمسامحة العرف فى اطلاق الصاع فى الحنطة على الحنطة المدفوعة فطرة المشتملة على شي ء يسير من تراب او تبن و نحوه ممّا يتسامح فيه فحكمهم متبع فى تشخيص موضوعات الاحكام و ان كان مبتنيا على هذا النحو من المسامحات الغير الموجبة لكون الاطلاق اطلاقا مجازيا في عرفهم الا ان يدل دليل شرعى على خطائهم فى مسامحتهم و ان الذنب الفلانى الّذي يستصغره العرف و يتسامحون فى امره ليس كما يرونه بل هو عظيم فى الواقع بحيث لو اطلع العرف على عظمته لرأوا مرتكبه خارجا من حد الاعتدال خروجا بينا غير قابل للمسامحة نظير ما لو دل الدليل فى المثال على ان ما يرونه من التبن المختلط ليس كما يرونه بل هو جسم ثقيل

كقطع الحديد له مقدار معتد به من الوزن غير قابل للمسامحة.

امّا الوجه الاول فقد ذكرنا سابقا ما يتوجّه عليه من الاشكال.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 80

و امّا الوجه الثانى و هو اعتبار فعلية الاجتناب عن الكبائر دون غيرها فهو خلاف ما يفهم من الرواية عرفا فان المفهوم عرفا من قوله رحمه اللّه ان تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن الفرج و اليد.

هو التجنب فعلا لكف الفعلى عن ملكة دون مجرد الملكة بمعنى التهيّؤ له.

و امّا ما ذكره صاحب المصباح رحمه اللّه فهو لا يرجع الى محصّل لان العذر الشرعى على تقدير وجوه لا فرق فيه بين الكبيرة و الصغيرة كالجهل و الغافلة فان ارتكاب عمل جاهلا بكونه حراما او عن غفلة ليس معصية.

و أمّا العذر العرفى فهو لا ينفع بعد كون الفعل منهيا عنه شرعا فالظاهر ان ما بيّناه فى تفسير الرواية لا يرد عليه اشكال.

[في ذكر عدد الكبائر]
اشارة

و امّا تعين الكبائر و عددها فقد ذكرنا ان جماعة من فقهائنا كابن ادريس و غيره قالوا ان المعاصى كلها كبائر و لا صغار الا بالإضافة الى ما هو اكبر منها فاللازم عليهم الجواب عمّا يدل عليه الكتاب الكريم و الروايات من انّها على قسمين كبائر و صغائر و القائلون بانها على قسمين اختلفوا فى انّها ما ذا هى على اقوال:

[القول] الاول:

ان الكبائر هى ما اوعد اللّه تعالى عليه النار فى كتابه.

[القول] الثانى:

انّها ما توعد عليه النار او العذاب اما فى الكتاب العزيز او دلّت عليه السنة النبويّة او اخبار الأوصياء عليهم السلام.

[القول] الثالث:

انّها ما وجب فيها الحد شرعا و توعد عليه العذاب.

[القول] الرابع:

انّ الكبائر هى ما كان على حرمته دليل شرعى واضح.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 81

و قال المحدث الفيض عليه الرحمة ان اخفاء الصغائر من الذنوب من الشارع لمصلحة اقتضت ذلك و هي ان يتجنّب الناس جميع المعاصى و لا يرتكبوها اتكالا على كونها صغائر.

[في نقل كلام بحر العلوم]
اشارة

قال السيّد العلّامة بحر العلوم رحمه اللّه فى المفاتيح ان الكبائر هى ما أوعد اللّه عليه النار فى الكتاب الكريم اما صريحا او ضمنا و لزوما او توعد عليه العذاب دون النار

و القسم الاول و هو ما أوعد اللّه عليه النار

صريحا أربعة عشر:

1- الكفر باللّه العظيم لقوله تعالى وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيٰاؤُهُمُ الطّٰاغُوتُ «1» الى قوله تعالى: أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ. «2»

2- الاضلال عن سبيل اللّه.

3- الكذب على اللّه و الافتراء عليه.

4- قتل النفس التى حرّم اللّه قتلها.

5- الظلم.

6- الركون الى الظالمين.

7- الكبر.

8- ترك الصّلاة.

9- منع الزكاة.

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 257.

(2)- سورة البقرة، الآية 257.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 82

10- التخلف عن الجهاد.

11- الفرار من الزحف.

12- اكل الربا.

13- اكل مال اليتيم ظلما.

14- الاسراف.

القسم الثانى: و هو ما وقع التصريح بالعذاب دون النار

أربعة عشر أيضا و هي:

1- كتمان ما انزل اللّه.

2- الاعراض عن ذكر اللّه تعالى

3- اذيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم

6- الاستهزاء بالمؤمنين.

7 و 8- نقض العهد و اليمين.

9- قطع الرحم.

10- المحاربة و قطع السبيل.

11- الغناء لقوله تعالى وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «1»

12- الزنا

______________________________

(1)- سورة لقمان، الآية 5.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 83

13- اشاعة الفاحشة فى الذين آمنوا

14- قذف المحصنات المؤمنات

القسم الثالث: المعاصى التى يستفاد من الكتاب الكريم وعيد النار عليها ضمنا او لزوما

و هي ستة.

1- الحكم بغير ما انزل اللّه.

2- اليأس من روح اللّه

3- ترك الحج

4- عقوق الوالدين.

5- الفتنة

6- السحر «1»

نقله فى مفتاح الكرامة و قال و ليت شعرى ما ذا يقول فى الاصرار على الصغائر فإنّه كبيرة إجماعا و ليس فى القرآن المجيد وعيد عليه بالنّار و لعلّى أسأله عنه شفاها. «2»

[اشكال صاحب الجواهر على بحر العلوم]

و نقله صاحب الجواهر رحمه اللّه ثم قال و قال رحمه اللّه فى اثناء كلامه انه قد يتعقب الوعيد فى الآيات خصالا شتى و اوصافا متعددة لا يعلم انها للمجموع او للآحاد فلذلك طوينا ذكرها و كذلك الوعيد على المعصية و الخطيئة و الذنب و الاثم و امثالها و

______________________________

(1)- نقل فى الجواهر كلام السيد رحمه اللّه و ذكر جميع الآيات الدالة على الايعاد بالنار او العذاب على كل واحد منها؛ جواهر الكلام، ج 13، ص 310 و 311 و 312 و 313.

(2)- مفتاح الكرامة، ج 8، ص 298 طبع الجديد.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 84

هذه امور عامه و قد علمت ان الوعيد لا يقتضي كونها كبائر انتهى. «1»

[اعتراض صاحب الجواهر على كلامه]
اشارة

ثمّ اعترض على كلامه بوجوه:

الاوّل:

انّه بناء على ما ذكر من حصر الكبائر فى هذا العدد يلزم ان يكون ما عداها صغائر غير قادح فى العدالة مثل اللواط و شرب الخمر و ترك صوم شهر رمضان و شهادة الزور و نحو ذلك و هو واضح الفساد.

الثاني:

بانّه قد ورد فى السنة فى تعداد الكبائر ما ليس مذكورا فيما حصره مع النص فيها بانه كبيرة.

الثالث:

بانّه قد ورد فى السنة التوعد بالنار على كثير من المعاصى و بناء على ما ذكر لا بدوان يراد امّا الاصرار عليها او من غير مجتنب الكبائر و كله مخالف للظاهر من غير دليل يدلّ عليه و أيضا فيما رواه عبد العظيم الحسنى رحمه اللّه ذكر من جملة الكبائر شرب الخمر معللا ذلك بان اللّه تعالى نهى عنه كما نهى عن عبادة الاوثان و ترك الصّلاة متعمدا او شي ء مما فرض اللّه لان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال من ترك الصّلاة متعمدا فقد برأ من ذمة اللّه و ذمة رسوله فانظر كيف أستدل على كونه كبيرة بما رود فى السنة.

الرابع:

بانّه قد نقل الاجماع على انّ الاصرار على الصغيرة من جملة الكبائر و لم يذكره فى كلامهم.

الخامس:

ثمّ اورد على كلامه الّذي نقله عنه اخيرا من أنّه قد يتعقب الوعيد فى الآيات خصالا شتى و اوصافا متعددة لا يعلم انها للمجموع او للآحاد فلذلك

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 13، ص 319.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 85

طوينا ذكرها) بانّه اذا كان اجتناب الكبيرة شرطا فى العدالة و غيرها فلا يمكن الحكم بالعدالة حتى يعلم اجتناب الكبيرة و لا يكون ذلك الا باجتناب جميع ما يحتمل انه كبيرة.

انتهى ما اعترض به صاحب الجواهر رحمه اللّه على كلامه رحمه اللّه و يرد عليه أيضا ان الكفر باللّه تعالى ليس داخلا فى المقسم فان الكلام فى المعاصى على فرض الاسلام.

و أيضا ان جملة من الامور المذكورة فى كلامه رحمه اللّه داخلة فى ترك الفرائض و المقسم فى المعاصى هو الذنوب و المحرمات الوجودية اى ما يحصل العصيان بفعلها و ايجادها فترك الصّلاة و منع الزكاة و التخلف عن الجهاد و ترك الحج الواجب و الفرار من الزحف و نقص العهد و اليمين و كتمان ما انزل اللّه و كذلك عقوق الوالدين و قطع الرحم كل ذلك من ترك الفرائض فهى خارجة عن المقسم و عدة منها داخلة فى الظلم و هى قتل النفس التي حرم اللّه قتلها و اكل مال اليتيم ظلما و المنع عن مساجد اللّه و الاستهزاء بالمؤمنين و المحاربة و قطع السبيل و قذف المحصنات المؤمنات و السحر و الفتنة و يرد على استدلاله رحمه اللّه على كون الغناء من الكبائر بقول تعالى وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ

الخ. «1»

انّ الظاهر من لهو الحديث فى الآية الكريمة ما كان من قبيل الاقاصيص و الأباطيل و الحديث اللهوى الّذي يصير سببا للاضلال عن سبيل اللّه و شموله للغناء غير معلوم.

و كيف كان فالآيات الدالة على الوعيد بالنار او العذاب على المعاصى قد

______________________________

(1) سورة اللّقمان، الآية 5.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 86

استقصاها السيد العلّامة اعلى اللّه مقامه و اما الروايات فمن طريق العامة لم نجد الا رواية واحدة و هى ما رواها فى صحاحهم غير صحيح البخارى عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم اجتنبوا السبع الموبقات قيل و ما هنّ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم الشرك باللّه و السحر و قتل النفس التى حرم اللّه الا بالحق و أكل الربا و أكل مال اليتيم و التولى يوم الزحف).

و لفظ الترمذي الكبائر بدل الموبقات و رواها الصدوق رحمه اللّه باسناده الى ابى هريرة. «1»

[في نقل الروايات من الخاصّة]

و اما الروايات الواردة من طرق الخاصة ففى الوسائل اورد فى باب 46 من ابواب جهاد النفس سبعة و ثلاثين حديثا و لكن خمسة عشر منها ليس فى تعداد الكبائر و لا دلالة فيها عليها و ذكرنا جملة ممّا يتضمن بيان الكبائر و تعدادها فيما سبق و لكن لم نستوفها.

فمنها ما رواه احمد بن عمر الحلبى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «2» قال من اجتنب ما اوعد اللّه عليه النار اذا كان مؤمنا كفر عنه سيئاته و ادخله مدخلا كريما و الكبائر السبع الموجبات قتل النفس الحرام و عقوق الوالدين و اكل الربا

و التعرّب بعد الهجرة و قذف المحصنة و اكل مال اليتيم و الفرار من الزحف) و لكن احمد بن عمر الحلبى لا يمكنه ان يروى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام بلا واسطة بحسب طبقته فانه من اصحاب ابى الحسن الرضا عليه السّلام و الظاهر اسقاط الواسطة و هو غير الحلبى الراوى

______________________________

(1)- الرواية 34 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- سورة النساء، الآية 31.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 87

عن ابى عبد اللّه عليه السّلام الرواية الدالة على ان كل ذنب عظيم.) التي ذكرناها سابقا و هو عم احمد بن عمر. «1»

و منها ما رواه ابن ابى عمير عن بعض اصحابه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال وجدنا فى كتاب على عليه الصّلاة و السلام الكبائر خمسة الشرك و عقوق الوالدين و اكل الربا بعد البيّنة و الفرار من الزحف و التعرّب بعد الهجرة. «2»

و منها رواية مسعدة بن صدقة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول الكبائر القنوط من رحمه اللّه و اليأس من روح اللّه و الأمن مكر اللّه و قتل النفس التى حرّم اللّه و عقوق الوالدين و اكل مال اليتم ظلما و اكل الربا بعد البيّنة و التّعرب بعد الهجرة و قذف المحصنة و الفرار بعد الزحف. «3»

و منها ما رواه الصدوق فى العيون عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام فى كتابه الى المأمون قال الايمان هو أداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر و هو معرفة بالقلب و اقرار باللسان و عمل بالاركان الى ان قال و اجتناب الكبائر و هى قتل النفس التى حرم اللّه تعالى.

و الزّنا و السرقة و

شرب الخمر و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و اكل مال اليتيم ظلما و اكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما اهلّ لغير اللّه من غير ضرورة و اكل الربا بعد البيّنة و السحت و الميسر و هو القمار و البخس فى المكيال و الميزان و قذف المحصنات و الزنا و اللواط و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه و القنوط

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- الرواية 27 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 88

من رحمة اللّه و معونة الظالمين و الركون إليهم و اليمين الغموس و حبس الحقوق من غير عسر و الكذب و الكبر و الاسراف و التبذير و الخيانة و الاستخفاف بالحج و المحاربة لاولياء اللّه و الاشتغال بالملاهى و الاصرار على الذنوب. «1»

و منها ما رواه الصدوق رحمه اللّه عن الاعمش (و كان هو من اكابر المحدثين عند العامة و الخاصة) عن ابى عبد اللّه عليه السّلام فى حديث شرايع الدين قال و الكبائر محرمة و هي الشرك باللّه و قتل النفس الّتي حرم اللّه و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و اكل مال اليتيم ظلما و اكل الربا بعد البينة و قذف المحصنات و بعد ذلك الزنا و اللواط و السرقة و اكل الميتة و الدم و لحم الخنزير.

و ما اهلّ لغير اللّه به من غير ضرورة و اكل السحت و البخس فى الميزان و المكيال و الميسر و

شهادة الزور و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه و القنوط من رحمة اللّه و ترك معونة للمظلومين و الركون الى الظالمين و اليمين الغموس و حبس الحقوق من غير عسر و استعمال التكبر و التجبّر و الكذب و الاسراف و التبذير و الخيانة و الاستحفاف بالحج و المحاربة لاولياء اللّه و الملاهى الّتي تصدّ عن ذكر اللّه عزّ و جلّ مكروهة كالغناء و ضرب الاوتار و الاصرار على صغائر الذنوب). «2»

و المراد بالكراهة فى الغناء الملاهى اما التحريم او صدر تقية لموافقته لقول العامة فانّهم لا يقولون بحرمه الغناء و الملاهى و القول بالحرمة من متفردات الامامية فمع هذه الروايات لا يمكن القول بحصر الكبائر فى سبع فانّ جملة منها تذل على ان الكبائر هى ما او عد اللّه عليه النار و بعضها يشتمل على تعداد ما يزيد على ثلثين و

______________________________

(1)- الرواية 33 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- الرواية 36 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 89

يمكن القول مع ملاحظة مجموع الروايات بان الكبائر مختلفة بعضها اشد من بعض و اكبرها السبع و يؤيده ما في جملة من الروايات من ان اكبر الكبائر سبع. «1»

[في كلام الشيخ و الصّدوق و الطبرسي]

ثمّ ان الصدوق رحمه اللّه مع انّه روى اكثر الاخبار الواردة في تعداد الكبائر المشعرة بان المعاصى على قسمين قال بان الصغيرة و الكبيرة اضافيان فانه قال على ما ذكره فى الوسائل بعد نقل الاخبار ان الاخبار فى الكبائر ليس مختلفة لان كل ذنب بعد الشرك كبير بالنسبة الى ما هو اصغر منه و كل كبير صغير بالنسبة

الى الشرك باللّه. «2»

و حكى عنه الشيخ رحمه اللّه فى التبيان «3» القول به مع انه قال فى المبسوط بكونها على قسمين «4» و ذكرنا سابقا بان ابن ادريس رحمه اللّه «5» قال ان جميع الذنوب كبائر و لا صغائر عندنا ألا بالإضافة الى ما هو اكبر منها و نقل عن الشيخ فى المبسوط القول بانّها على قسمين و قال لم يذكره غير شيخنا و لم يذكره هو فى غير المبسوط من كتبه.

و ذكر الطبرسى رحمه اللّه فى مجمع البيان ان اصحابنا يقولون بان المعاصى كلها كبائر لكن بعضها اكبر من بعض و ليس فى الذنوب صغيرة و انما يكون صغيرا بالإضافة الى ما هو اكبر منه و يستحق عليه العقاب اكثر) «6» و لكن القول به خلاف ما يستفاد من الروايات و دلّ عليه الكتاب الكريم فان قوله تعالى

______________________________

(1)- الرواية 35 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- ذيل الرواية 35 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(3)- تفسير التبيان، ج 3، ص 184.

(4)- المبسوط، ج 8، ص 217.

(5)- السرائر، ج 2 ص 118.

(6)- مجمع البيان، ح 3، ص 70.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 90

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «1» يدلّ على انّ السيّئات المكفّرة غير الكبائر الا ان يحمل على ان المراد من السيّئات المكروهات كما احتملناه سابقا و لكنّه مشكل لا يساعد عليه دليل و على القول بان المعاصى على قسمين فالامر أيضا مشكل من جهة تمييز الكبائر عن الصغائر و ان المناط ما ذا هو فان قلنا ان المناط فى الكبيرة الوعيد بالنار او العذاب كما

تدل عليه جملة من الاخبار لزم ان يكون ارتكاب جملة من الذنوب التى لم يوعد عليها النار او العذاب غير موجب للفسق و هو مما لا يمكن القول به أيضا.

[التقابل بين العدالة و الفسق]

فان مقتضى التقابل بين العدالة و الفسق عدم اجتماعها فى مورد واحد فمن ارتكب الصغيرة لا يمكن ان يقال انه ليس بفاسق لان الفسق هو الخروج عن طاعة اللّه تعالى و العصيان لامره و نهيه و المفروض ان الفعل الصادر عنه منهى عنه شرعا فيلزم اجتماع العدالة و الفسق فى مورد واحد و على اى تقدير فالمسألة فى غاية الاشكال و القول بعدالة من أرتكب شيئا ممّا نهى اللّه تعالى عنه و ترتيب أثار العدالة من قبول شهادته او الاقتداء به فى الصّلاة لا يمكن.

[فى القول بانّه لا صغائر مخالف للكتاب]

و قد انجرّ الكلام الى البحث عن تعداد الكبائر و انّها ما ذا هي و كم هي بمناسبته لما كان محلا للبحث و الكلام و هو مسئلة العدالة و حقيقتها و كان مورد البحث خبر ابن ابى يعفور و ان اجتناب الكبائر المذكور فيه هل هو داخل فى ماهية العدالة و متمّم للمعرف الاول الّذي ذكر فيه او أمارة شرعية و البحث فى الكبائر و عددها من مقدمات تلك المسألة و قد ذكرنا ان جماعة من فقهائنا كالصدوق رحمه اللّه و شيخ الطائفة فى التبيان على ما حكى و ابن ادريس رحمه اللّه و الشيخ الطبرسى رحمه اللّه فى مجمع

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 31.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 91

البيان بانه لا صغائر بقول مطلق بل كل ذنب كبير بالنسبة الى ما دونه و صغير بالنسبة الى ما هو اكبر منه و قلنا ان هذا القول خلاف مفاد الآيات و الاخبار الكثيرة الواردة من طرق الخاصة و كذلك ما روى من طريق العامة و ان كان قليلا فان قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ يدل

على تغاير السيئات المكفرة لما يكون الاجتناب عنه سببا للتكفير و اذا كان جميع المعاصى كبائر لزم اتحاد المكفّر و المكفّر و يمكن توجيه هذا القول و تتميمه بوجه لا يكون منافيا لما يستفاد من الآيات و الروايات بان يقال ان كون عمل معصية و ذنبا مقول بالتشكيك و له أفراد و مصاديق مختلفة بالشدة و الضعف فالذنوب لها افراد متفاوتة بعضها اشدّ و اكبر من بعض و هذا يقتضي ان يكون كل واحد من الذنوب، كبيرا بالإضافة الى ما هو دونه و صغيرا بالإضافة الى ما هو اكبر منه و لازمه ان تكون عدة منها اكبر من جميعها بحيث لا يكون فوقها ما هو اكبر منها و مقتضاه ان تكون تلك الذنوب بعينها كبائر بقول مطلق اذ ليس ما هو اكبر منها حتى تتصف بكونها صغائر بالإضافة إليها و كذلك يقتضي ان تكون عدة منها صغائر بقول مطلق و هي ما كان فى اضعف مراتب العصيان بالنسبة الى ما فوقها فليس اضعف منها حتى تتصف بانّها كبائر بالإضافة إليها و فما بينهما من الذنوب كبائر بالنسبة الى ما دونها و صغائر بالنسبة الى ما هو أكبر منها و بهذا يتمّ كلام القائلين بكونهما اضافيين و كان ينبغى ان يجعل هذا الكلام متمما لكلامهم

[في ما اتفقت الروايات على عددها من الكبائر]

و بهذا يمكن رفع التنافى بين الروايات الواردة فى تعداد الكبائر ففي بعضها انها خمس و فى بعضها انها سبع و فى بعضها عشر و بعضها مشتمل على عشرين و بعضها على ما يزيد على ثلثين فيقال ان ما اتفقت الروايات على عددها من الكبائر يكون اشدّ الكبائر و اكبرها و هى كبائر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 92

بقول مطلق.

فمنها

الكفر باللّه العظيم.

و منها عقوق الوالدين.

و منها الفرار من الزحف و هى كبائر بالاعتبار العقلى أيضا فأنّ الكفر من أعظم الظلم لانّه ظلم فى حقّ الخالق المكون المفيض للحياة و المنعم بجميع النعم و مقوّمات الحياة.

و كذا عقوق الوالدين فانّه ظلم و تعد على حقوق الوالدين الّذين ربّياه صغيرا و تحمّلا المتاعب و الشدائد فى تغذيته و تربيته فحقهما من اعظم الحقوق بعد حق اللّه سبحانه و تعالى كما نطق به القرآن الكريم.

و كذلك الفرار من الزحف فأنّ الفرار من العدو يوم الزحف ربما يصير سببا للانكسار جيش المسلمين و غلبة الكفار عليهم و يورث و هنا على الاسلام قال سبحانه تعالى وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّٰا مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ. «1»

و على هذا القياس سائر ما ذكر فيها من الكبائر السبع و يقرب منها ما عدّ فى الروايات من الكبائر و ان كانت دونها فى القبح و وجه ذكرها فى الاخبار دون غيرها لعله لشدّة الابتلاء بها بين الناس و كثرة الاهتمام بشأنها.

و ليعلم ان كل عنوان من عناوين الذنوب أيضا مقول بالتشكيك على مصاديقه و له مراتب متفاوتة بالشدّة و الضعف كالسرقة و الظلم و اكل مال اليتيم فمن

______________________________

(1)- سورة الانفال، الآية 16.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 93

اخذ درهما من يتيم ظلما ليس كمن اخذ جميع ماله و ليس غصب ضيعته كاخذ تفاحة مثلا غصبا و حكى فى الجواهر عن استاده كاشف الغطاء انّه قال ان الكبيرة ما عده اهل الشرع كبيرا عظيما و ان لم يكن كبيرا فى نفسه كسرقة ثوب ممّن لا يجد غيره مع الحاجة و الصغيرة ما لم يعدوه كبيرا

كسرقته ممن يجد). «1»

[في الوجه التام في بيان الكبائر]

و امّا الكبائر الّتي يكون الاجتناب عنها سببا لتكفير غيرها من السيئات بمقتضى الآية الكريمة فهى ما دلّت الاخبار على كونها كبائر و ما يعدّ فى عرف المتشرعة من الكبائر مما لم يذكر فيها. (و قال سيدنا ادام اللّه ظله ان هذا الوجه فى بيان الكبائر تام عنده).

و يؤيد ما ذكرنا من حمل اختلاف الروايات فى عدد الكبائر على اختلاف المعاصى فى الشدة و الضعف و كون بعضها اشدّ قبحا و اكبر بالنسبة الى ما هو دونه ما فى رواية محمد بن مسلم بعد ذكر السبع الكبائر قال فقلت و الزنا و السرقة قال عليه السّلام ليست من ذلك). «2»

فالزنا و السرقة مع أنّهما فى عرف المتشرعة من الكبائر و عدّهما فى جملة من الروايات منها:

قال الامام عليه السّلام انهما ليستا من ذلك فالمراد عدم كونهما من الكبائر بقول مطلق و انها دون السبعة المذكورة فى القبح.

[يمكن ارجاع الروايات الدالّة على كون عدد الكبائر ثمانية او عشرة الى السبع]

و اكثر الروايات الواردة فى تعداد الكبائر تدلّ على انها سبع و فى بعضها

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 13، ص 321.

(2)- الرواية 35 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 94

عدها ثمانة و فى بعضها عشرة من غير ذكر العدد و يمكن ارجاعهما الى السبع.

و لنذكر موارد الاختلاف فى الروايات.

ففي رواية ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام ان الكبائر سبع: «1»

قتل النفس

و الشرك باللّه

و قذف المحصنة

و اكل الربا

و الفرار من الزحف

و التعرّب بعد الهجرة

و حقوق الوالدين

و اكل مال اليتيم ظلما

قال انّ التّعرب و الشّرك واحد و فى الرواية 35 من الباب 46 الّتي رواها محمد بن مسلم قال اكبر

الكبائر الشرك باللّه

و عقوق الوالدين و التعرّب بعد الهجرة و قذف المحصنة و الفرار من الزحف و أكل مال اليتيم ظلما و الربا بعد البيّنة و قتل المؤمن)

فعدّها ثمانية و بناء على كون التعرب و الشرك واحدا.

كما فى رواية ابى بصير المتقدمة تكون سبعة (و المراد من التعرب بعد الهجرة

______________________________

(1)- الرواية 16 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 95

المذكور فى الاخبار فى عداد الكبائر الرجوع الى البادية بين الاعراب و الكفار بعد المهاجرة الى المدينة للدخول فى الاسلام و تعلم الاحكام و هو قد كان فى عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مساوقا للرجوع من الاسلام الى الكفر و لا مصداق له فى هذه الاعصار).

و فى الرواية 4 من الباب 46 عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام اكبر الكبائر فى كتاب على عليه السّلام سبع: الكفر باللّه و قتل النفس و عقوق الوالدين و اكل الربا بعد البينة و اكل مال اليتيم ظلما و الفرار من الزحف و التعرب بعد الهجرة) و لم يذكر فيها قذف المحصنة.

و فى رواية احمد بن عمر الحلبى الكبائر السبع: قتل النفس و عقوق الوالدين و اكل الربا و التعرب بعد الهجرة و قذف المحصنة و اكل مال اليتيم ظلما ذكر التعرب و اسقط الشرك «1» و فى رواية ابى الصامت الكبائر سبع الشرك باللّه و قتل النفس و اكل مال اليتيم ظلما و عقوق الوالدين و قذف المحصنات و الفرار من الزحف و انكار ما انزل اللّه. «2»

و فى رواية عبد الرحمن بن كثير انها سبع: الشرك باللّه و قتل النفس

و اكل مال اليتيم و عقوق الوالدين و قذف المحصنة و الفرار من الزحف، و انكار حقّنا). «3»

و فى هاتين الروايتين لم يذكر الربا فى عداد الكبائر.

و فى خبر ابى الصامت ذكر السابع منها إنكار ما انزل اللّه.

______________________________

(1)- الرواية 33 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- الرواية 20 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(3)- الرواية 22 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 96

و في خبر ابن كثير السابع انكار حق أهل البيت عليه السّلام و المظنون فيهما ان الراوى عن الامام عليه السّلام قد نسى السابع و ذكر مكانه فى إحداهما انكار ما انزل اللّه.

و فى الاخرى انكار حقهم عليه السّلام.

و في رواية 6 باب 46 محمد بن مسلم الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا و قذف المحصنة و الفرار من الزحف و التعرب بعد الهجرة و اكل مال اليتيم ظلما و اكل الربا و كل ما أوجب اللّه عليه النار و يحتمل فى هذه الرواية أيضا ما ذكرناه فى الروايتين المتقدمتين و لعل الراوي عن محمد بن مسلم نسى السابع و ذكر مكانه (كل ما اوجب اللّه عليه النار) فان ما اوجب اللّه عليه النار ليس ذنبا مستقلا برأسه.

و في رواية مسعدة بن صدقة الكبائر القنوط من رحمة اللّه و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه و قتل النفس الّتي حرم اللّه و عقوق الوالدين و اكل مال اليتيم ظلما و اكل الربا بعد البينة و التعرب بعد الهجرة و قذف المحصنة و الفرار بعد الزحف) فعد فيها عشرة و

الثلاثة الأوّل يجمعها الكفر باللّه.

و في مرسل ابن ابى عمير قال وجدنا فى كتاب على عليه السّلام الكبائر خمسه الشرك باللّه و عقوق الوالدين و اكل الربا بعد البينة و الفرار من الزحف و التعرب بعد الهجرة فغد ستة مع الشرك و اسقط قتل النفس و قذف المحصنة. «1»

[عدد الكبائر فى رواية عبد العظيم الحسنى عشرون ذنبا]

و في رواية عبد العظيم الحسنى عليه السّلام المتضمنة لسؤال عمرو بن عبيده أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكبائر ذكر عشرون ذنبا). «2»

______________________________

(1)- الرواية 27 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 97

و فى رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام ثلث و ثلاثون. «1»

و فى رواية الاعمش «2» عن ابى عبد اللّه عليه السّلام اربع و ثلاثون.

و الّذي يظهر بعد التأمل و الدقة فى هاتين الروايتين انهما واحدة الا أنّه فى إحداهما الاشتغال بالملاهى من الكبائر «3» و فى الاخرى «4» انّ الاشتغال بالملاهى الّتي تصدّ عن ذكر اللّه مكروهة.

و الظاهر صدورها تقية فانّ العامة لا يقولون بحرمة الغناء و الملاهى و القول بحرمتها من متفردات الامامية.

و فى رواية الاعمش عد الاصرار على صغار الذنوب من الكبائر و فى رواية فضل بن شاذان (الاصرار على الذنوب).

[في البحث عن الاصرار على الصغيرة]
اشارة

و امّا الاصرار على الصغيرة و كونه من الكبائر ففي بعض الكلمات انّه لا دليل عليه و لكن فى رواية الاعمش المتقدّمة قد عده من الكبائر.

و يدلّ عليه أيضا ما رواه ابو بصير قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لا و اللّه لا يقبل اللّه شيئا من طاعته على الاصرار على شي ء من معاصيه. «5»

و رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال لا صغيرة مع الاصرار

______________________________

(1)- الرواية 33 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(2)- الرواية 36 من الباب 46 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

(3)- و

هي رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام عليه السّلام.

(4)- و هي رواية الاعمش.

(5)- الرواية 1 من الباب 48 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 98

و لا كبيرة مع الاستغفار. 1

اذا عرفت ما بيّنا لك من معنى الكبيرة و الصغيرة و الجمع بين كونهما امرين اضافين فيكون ذنب كبيرة باعتبار كونه اعظم من ذنب اخر و صغيرة باعتبار كونه اصغر من ذنب اخر.

و بين كون الذنوب على قسمين كبيرة و صغيرة وجه الجمع هو ان بعض الذنوب كبيرة مطلقا و هو ما لا ذنب اعظم منه و هو ما ورد فى بعض الاخبار بانه اكبر الكبائر و بعض الذنوب صغيرة مطلقا لا بالنسبة و هو ما لا ذنب أصغر منه.

و حيث أنّ بعض الذنوب ليس من القسم الاول و لا كالقسم الثانى فهذا القسم يقال بانه كبيرة و صغيرة لكن بالإضافة فصغيرة بالإضافة الى القسم الاول و هو ما لا ذنب اكبر منه و كبيرة بالنسبة الى القسم الثانى و هو ما لا ذنب اصغر منه.

و قد عرفت أيضا تعداد الكبائر و ما قيل فى الضابط فيها.

و يكون من جملة الكبائر الإصرار على الذنب أيضا كما يدل عليه بعض الروايات مثل قوله عليه السّلام فى رواية لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الاصرار. «2»

فبعد ذلك نقول بعونه تعالى بان من بين الروايات ما تعرّض لاعتبار اجتناب الكبائر فى تحقق العدالة هو رواية ابن ابى يعفور المتقدمة ذكرها و لم اجد فى غيرها تعرّضا لذلك.

فنقول يستفاد من قوله عليه السّلام فيها و يعرف باجتناب الكبائر كون ذلك معرّفا

______________________________

(2)- الرواية 3 من الباب 48 من ابواب

جهاد النفس و ما يناسبه من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 99

للعدالة بقول بعض و كونه جزء مفهوم العدالة على ما فسّرنا الرواية سابقا.

[يقع الكلام في محقّق الاصرار]

فالإصرار على الصغيرة أيضا من الكبائر و يعتبر فى العدالة الاجتناب عنه أعنى ترك الاصرار فيقع الكلام.

أولا فى انّه بم يتحقّق الإصرار لا يخفى تحققه بتكرار صغيرة خاصة مع عدم تخلّل التوبة بينها مثل ان يخلق لحية مكررا و لم يتب بعد كل حلق كما انه لا يبعد تحققه باتيان صغائر مختلفة مع عدم التوبة بعد كل منها لصدق الاصرار بذلك أيضا.

و هل يتحقق الاصرار بمجرد صدور صغيرة من الشخص مع عدم تعقبها بالتوبة أم لا.

لا يبعد صدق الاصرار بذلك

لان هذا مقتضى ظاهره الرواية 4 من الباب 48 من ابواب جهاد النفس من الوسائل و هى ما رواها جابر عن ابى جعفر عليه السّلام فى قول اللّه عزّ و جلّ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ قال الاصرار ان يذنب الذنب فلا يستغفر اللّه و لا يحدث نفسه بالتوبة فذلك الإصرار).

و مع ذلك لا حاجة فى صدق الاصرار بمجرد ذلك بان يقال بأنّه بعد ما يكون مفروض الكلام ما ذا ارتكب الشخص الصغيرة الواحدة مرة واحدة و لم يتب بعد بأنّه يصدق الاصرار من باب ان التوبة بعد ما كانت واجبة فورا فهو بتركه التوبة يصرّ على الصغيرة.

حتى يقال اشكالا عليه بانه لا يجب فى الصغيرة التوبة لان قوله تعالى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 100

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «1» الخ يدلّ على ان اجتناب الكبائر يوجب ان يكفر عن غيرها و هو الصغائر فعلى هذا لا يتحقّق الاصرار بصغيرة واحدة و

لو لم يتب.

و أن كان يمكن الجواب عن هذا الاشكال بأنّ غاية ما يدلّ عليه الآية الشريفة هو ان الصغيرة مكفرة باجتناب الكبيرة و هذا لا ينافى مع تحقق الاصرار به لو لم يتب بعدها كما هو ظاهر الرواية المتقدمة.

فان قلت بانه مع كون الصغيرة مكفرة فلا ذنب حتى يكون مع تركه الندم و التوبة بعدها اصرار على الذنب.

قلت انّ كونها مكفرة لا ينافى مع كونها ذنبا فانّها ذنب مكفّر و قد قال عليه السّلام بأنّ به يتحقق الاصرار فتأمل.

تتمة في ما اذا تبيّن للمأموم بعد الفراغ من صلاة الجماعة كون الامام على غير طهر
اشارة

او تبيّن كفره او تبيّن كون صلاته على غير القبلة او تبيّن كونه غير ناو للصّلاة أصلا او تبيّن فسقه فهل يجب على المأموم اعادة صلاته أو لا.

اعلم أنّ مقتضى الروايات فى غير الفرض الاخير اى صورة تبيّن فسقه هو عدم وجوب الإعادة على المأموم فارجع الباب 36 و 37 و 39 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

و أمّا الصورة الأخيرة فمقتضى الفتوى عدم وجوب إعادة صلاة على المأموم لو تبيّن بعد الصّلاة فسق الإمام ثمّ أنّه قد وقع الكلام فى أنّه بعد مفروغيّة صحة

______________________________

(1)- سورة النساء، الآية 31.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 101

الصّلاة فى هذه الصورة هل تكون صلاة المأموم بلا أمام غاية الأمر حكم الشارع بصحة صلاته كما قيل به.

او تكون مع الإمام لان المأموم صلّى محرزا لوجود الامام و لكونه واجدا لشرائط الإمامة و يكفى ذلك.

[في ان مقتضى قاعدة الاجزاء صحّة صلاة المأموم]

أعلم ان مقتضى ما بيّنا فى الاصول فى مبحث الاجزاء هو أن لسان الأمارة و الاصل أن كان فردية مفادهما للمأمور به بمعنى أن لطبيعة المأمور به يكون فردان فقهرا يقتضي الإتيان بما هو فرد بمقتضى الأمارة او الأصل للاجزاء خلافا لمتأخرى الاصحاب فعلى هذا نقول أنّ فى كل هذه الصور بعد كون مقتضى دليل اعتبار العدالة مثلا فى الامام مثل قوله عليه السّلام صلّ خلف من تثقه بدينه هو كون مجرد الوثوق بدينه فردا فلو كشف خلاف ذلك بعد الصّلاة فمقتضى القاعدة هو الاجزاء و عدم وجوب الإعادة على المأموم و هكذا فى سائر الصور المذكورة فعلى هذا تكون صلاة المأموم واجدا للشرط و مع الامام و بما قلنا يظهر لك أنّه لا حاجة فى عدم وجوب اعاده الصّلاة على المأموم لو كشف فسق

الإمام بعد الصّلاة الى أتعاب النفس فى وجه عدم وجوب الإعادة بما ذكر فى كلماتهم فافهم و بعد ما رأوا عدم دليل خاص على عدم وجوب إعادة فى صوره تبيّن فسق الامام تمسّكوا و تشبثوا ببعض امور اخر و لكن نحن غير محتاجين الى ذلك لأنّ مقتضى القاعدة هو الأجزاء ثم لو تنزّلنا عن ذلك فنقول أنّه لا يبعد عدم وجوب الإعادة على المأموم لو تبيّن فسق الامام بعد الصّلاة من باب تنقيح المناط و أنّه لا خصوصية لتبيّن عدم كون الإمام على الطهارة او على غير القبلة او كونه كافرا او غيرنا فى عدم وجوب الاعادة فبعد ورود الدليل على عدم وجوب الاعادة على المأموم فى هذه الصّور نقول به فى صورة تبيّن فسق الامام

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 102

بإلقاء الخصوصية.

فقد تحصل ممّا ذكر ما هو محقّق العدالة و ما هو أمارة عليها هذا تمام الكلام فى العدالة.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 103

[المطلب الرابع] الكلام فى شرائط الجماعة

اشارة

و هي أمور:

الأوّل من شرائط الجماعة: عدم الفصل بين المأموم و بين الامام

و بين بعض المأمومين و بعض اخر اذا كان الواسطة بين الامام و بين بعض المأمومين بعضا اخر.

الثانى من شرائط الجماعة: عدم الحائل بين الامام و المأموم

اشارة

و كذا بين بعض المأمومين مع بعض اخر الّا النساء.

أعلم أنّ منشأ الحكمين هو رواية زرارة الّتي رواها الصّدوق رحمه اللّه فى الفقيه و الكليني رحمه اللّه فى الكافي و الشّيخ فى التهذيب عن الكافى و بين نقل الصّدوق رحمه اللّه و الكافى و كذلك نقل الشّيخ رحمه اللّه و الكافى مع أنّه نقل عن الكافى اختلاف.

و كلّ من الصّدوق رحمه اللّه و الكافى نقلا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة و على ما قال الصّدوق رحمه اللّه فى المشيخة هو يروى عمّن يكون صاحب الكتاب.

و حيث انّه روى عن زرارة فلا يكون موافقا لبنائه من نقل الرواية عن

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 104

صاحب الكتاب لانّ زرارة ليس له كتاب فهو و كذا الكلينى نقلا عن كتاب حماد بن عيسى و و المراجع بالوسائل يرى ان مؤلفه رحمه اللّه نقل هذا الرواية بوضع لا يكون موافقا مع الكافى فى نقله عن الكافى و كذا عن الصدوق مع التقطيع الواقع فيها منه رحمه اللّه).

[في نقل الرواية عن الفقيه]

فنحن نذكر الرواية عن الفقيه أولا ثم عن الكافى ثانيا فنقول بعونه تعالى.

ان الصدوق رحمه اللّه فى الفقيه فى ص 386 قال و روى زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام أنّه قال ينبغى للصفوف ان تكون تامّة متواصلة بعضها الى بعض و لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى يكون قدر ذلك مسقط جسد انسان اذا سجد. «1»

و قال ابو جعفر عليه السّلام ان صلّى قوم بينهم و بين الامام ما لا يتخطّى فليس ذلك الامام لهم بامام و أىّ صفّ كان اهله يصلّون بصلوة امام (الامام) و بينهم و بين الصفّ الّذي يتقدّمهم ما لا يتخطّى فليس تلك

لهم بصلوة و ان كان (بينهم) سترا (شبرافى) او جدارا فليس تلك لهم بصلاة الا من كان حيال الباب.

قال و قال هذه المقاصير انّما احدثها (احدئها فى) الجبّارون فليس لمن صلّى خلفها مقتديا بصلوة من فيها صلاة قال و قال ايّما امرأة صلّت خلف امام و بينها و بينه ما لا يتخطّى فليس لها تلك بصلوة قال قلت ان جاء انسان يريد ان يصلّى كيف يصنع و هي الى جانب الرجل قال يدخل بينها و بين الرجل و تنحدر هى شيئا هذا بنقل الفقيه. «2»

______________________________

(1)- الفقيه، ج 1، ص 386، ح 1143.

(2)- الفقيه، ج 1، ص 386، ح 1144.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 105

[في نقل الرواية كما في الكافي]

و اما الرواية بنقل الكلينى رحمه اللّه فى فروع الكافى ص 707 على بن ابراهيم عن ابيه عن حماد بن عيسى عن هريز عن زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال ان صلّى قوم و بينهم و بين الامام ما لا يتخطّى فليس ذلك الامام لهم بامام و اىّ صفّ كان اهله يصلّون بصلوة (امام بينهم و بين الصفّ الّذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس تلك لهم). فان كان بينهم سترة او جدار فليست تلك لهم بصلوة الا من كان من حيال) الباب.

قال و قال هذه المقاصير لم يكن فى زمان أحد من النّاس و انّما احدثها الجبّارون ليست لمن صلّى خلفها مقتديا بصلوة من فيها صلاة.

قال و قال ابو جعفر ينبغى ان يكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها الى بعض لا يكون بين صفين ما لا يتخطّى يكون قدر ذلك مسقط جسد الانسان. «1»

ثم اعلم انه كما ترى يكون بين الكافى و الفقيه اختلاف من حيث النقل فنتكلم فيما هو

مفاد الرواية بنقل الفقيه بعونه تعالى.

انّ الرواية مشتملة على فقرات و هل صدر هذه الفقرات من ابى جعفر عليه الصلاة و السلام مرة واحدة او مرات متعددة كل محتمل.

[ظهور الرواية فى الاستحباب لا ينكر]

و على كل حال الظاهر من الفقرة الاولى و هو قوله عليه السّلام (ينبغى للصفوف ان تكون تامة متواصلة بعضها الى بعض و لا يكون بين الصفين ما لا يتخطّى يكون قدر ذلك مسقط جسد انسان اذا سجد) هو استحباب كون الصفوف متواصلة تامّة و عدم كون بين الصفين ما لا يتخطّى اما ظهور هذه الفقرة فى الاستحباب فهو ممّا لا

______________________________

(1)- الفروع من الكافى، ج 3، ص 385، ح 4.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 106

ينكر لظهور لا ينبغى فى ذلك و قوله عليه السّلام و لا يكون بين الصّفين الخ.

المراد منه كما يدل عليه الصدر هو ان لا يكون بين الصفين ما لا يتخطا و قدر ذلك سقط جسد الانسان اذا سجد فظاهر ذلك اعتباره بين موقف كل صفّ مع موقف الصف المتاخّر هذا بحسب الظاهر مفاد هذه الفقرة و دلالتها على الاستحباب مما لا ينكر لظهور لا ينبغى فى الاستحباب مضافا الى عدم فتوى بلزوم هذا اى لا يلزم هذا المقدار من التواصل بين الصفين بحيث لا يكون فصل اصلا بين الصفين.

امّا الفقرة الثانية و هو هذا (و قال ابو جعفر عليه السّلام ان صلّى قوم بينهم و بين الامام ما لا يتخطّى فليس ذلك الامام لهم بامام و اىّ صفّ كان اهله يصلّون بصلوة امام (الامام) و بينهم و بين الصفّ الّذي يتقدّمهم ما لا يتخطّى فليس لك لهم بصلوة) و ظاهر هذه الفقرة النهى عن كون الفصل بين الامام و بين المأموم

بما لا يتخطّى و كذا بين بعض الصفوف مع بعض اخر و من و الواضح كون الظاهر من الفصل و متعلّق النهى هو الفصل بحسب الطول لا الارتفاع و بعبارة اخرى عدم كون الفصل بحسب المسافة بما لا يتخطّى لا الفصل بحسب الارتفاع.

و أعلم أن ظاهر هذه الفقرة ينافى الفقرة السابقة لان الظاهر من السابقة عدم كون الفصل بما لا يتخطى مستحبا و الظاهر من هذه الفقرة هو النّهى عن الفصل بما لا يتخطّى و ظاهرها عدم جواز ذلك فينا فى استحباب عدم الفصل مع حرمته و هل يمكن رفع التعارض بين الفقرتين.

أمّا بحمل الفقرة الثانية بتأكد الاستحباب بمعنى ان الفقرة الاولى تدلّ على استحباب عدم الفصل بما لا يتخطّى و تدلّ الثانية على تأكد استحباب ذلك او بحمل الفقرة الاولى على الفصل و البعد بين الامام و المأموم او بين الصفّين و الثانية على

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 107

الفصل بالحائل و هذا الحمل فى غاية البعد اذا الظاهر من كلّ الفقرتين هو بيان عدم الفصل و البعد بما لا يتخطّى او بحمل الاولى على كون الاعتبار بعدم الفصل بما لا يتخطّى بين موقف الصفّ المتقدّم و موقف الصفّ المتأخّر و بين الامام و المأموم و هو عبارة عن كون مسجد المتأخّر خلف موقف المتأخر خلف موقف المتقدّم و حمل الثانية على اعتبار الفصل بين مسجد المتأخر و موقف الصفّ المتقدم فيكون النهى عن عدم الفصل بين محل سجود الصف المتأخر و موقف الصفّ المتقدم بما لا يتخطّى فتكون النتيجة أن عدم كون الفصل بين موقف الصفّ المتأخّر مع موقف الصفّ المتقدّم بما لا يتخطّى يكون مستحبا و عدم الفصل بما لا يتخطّى بين

مسجد الصفّ المتأخّر و موقف المتقدّم يكون لازما و هذا الحمل بعيد لا شاهد عليه.

[في انّ ظاهر الفقرة الاولى بطلان الجماعة]

و اعلم ان ظاهر قوله عليه السّلام فى صدر هذه الفقرة (ان صلّى قوم بينهم و بين الامام ما لا يتخطّى فليس ذلك الامام لهم بامام) هو بطلان الجماعة ان كان بين المأمومين و الامام الفصل بما لا يتخطّى لا بطلان اصل الصّلاة لان مفاد قوله عليه السّلام (فليس ذلك الامام لهم بامام) بنفسه هو هذا و هذا لا ينافى مع عدم بطلان اصل الصّلاة لو لم يخلّ بوظائف الفرادى.

و لكن ظاهر قوله عليه السّلام فليس ذلك لهم بصلوة فى ذيل هذه الفقرة اعنى قوله (و اىّ صفّ كان اهله يصلّون بصلوة امام (الامام فى) و بينهم و بين الصفّ الّذي يتقدّمهم ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلوة) هو بطلان اصل الصّلاة أيضا لا خصوص الجماعة اذا تحقق الفصل بين الصفّين بما لا يتخطّى لانّ ظاهر قوله عليه السّلام (فليس تلك لهم بصلوة) فى حدّ ذاته هو هذا و لازم ذلك بطلان الجماعة لو حصل الفصل بما لا يتخطّى بين صف المأمومين و الامام فقط.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 108

و بطلان اصل الصّلاة حصل ذلك بين كل صفّ لاحق مع الصفّ السابق و اما الفقرة الثالثة من الرواية و هو قوله عليه السّلام (و ان كان بينهم (سترا) او (جدارا) فليس تلك لهم بصلوة الا من كان بحيال الباب).

[ما الصادر من المعصوم عليه السّلام]

اعلم ان الصادر من المعصوم عليه السّلام ان كان (و ان كان سترا و جدارا) كما فى نقل الفقيه تكون هذه الفقر جملة مستقلّة.

و اذا كان الصادر (فان كان بينهم سترة (أو جدارا) كما فى الكافى تكون هذه الفقرة تفريعا على الجملة السابقة و على فرض كونها تفريعا قد يقال بانّ المراد من الفقرة السابقة

عليها ليس الفصل بالبعد بل المقصود بحسب الارتفاع الّذي يعم الفقرة الثالثة فيكون المراد من الفقرة الثانية هو مطلق البعد بالارتفاع لا بالسعة سواء كان حائلا او لا.

و المراد من الفقرة الثالثة يكون خصوص البعد بحسب الارتفاع الّذي يكون حائلا و لكن ان كان الصادر هو (و ان كان سترا فليس تفريعا على الفقرة الثانية و غير مربوطة بها) و على كل حال ما نرى فى هذه الفقرة هو التعرّض للستر على نسخة الفقيه و السترة على نسخة الكافى و التعرّض للجدار و انّه ان كان بينهم ستر و جدار فليس تلك لهم بصلوة.

و هل الحكم بعدم كون الفاصل بينهم سترا او جدارا و مانعيتهما يكون من باب كونهما مانعين عن المشاهدة حتى لو فرض كون جدار غير مانع عن المشاهدة مثل ما اذا كان الجدار مشبكة او من الزجاج لا يكون مانعا أو لا يكون كذلك بل يكون مانعية الستر و الجدار من باب كونهما مانعين عن تحقق الواحدة المعتبرة فى الجماعة و لهذا لو فرض جدار مشبكة او من الزجاج يكون مانعا لمنافاتهما مع

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 109

هذه الواحدة.

[ذكر المستثنى و المستثنى منه]

ثم ان هذه الفقرة تشتمل على المستثنى و المستثنى منه امّا المستثنى منه فهو ما ذكرنا من قوله عليه السّلام (و ان كان بينهم ستر و جدار فليس تلك لهم بصلوة) و المستثنى و هو قوله (الا من كان بحيال الباب بنقل الفقيه او (ما كان من حيال الباب بنقل الكافى او (ما كان حيال الباب بنقل التهذيب) فيقع الكلام فى مفاد المستثنى فنقول لا نرى تعرّضا فى كلمات الفقهاء رحمه اللّه لهذه الجهة الّا ما ننقل من كلام الشيخ رحمه اللّه

فى المبسوط إن شاء اللّه تعالى ثمّ لا نرى تعرّضا لها فى كلام المتأخرين الّا ما حكي عن البهبهانى رحمه اللّه حيث قال بان المراد من حيال الباب هو من يكون فى حيال الباب و بين صفّ المأمومين و بين بعض الصوف مع بعض الآخر بما لا يتخطّى فيرجع كلامه الى أن من يكون في حيال الباب تصحّ صلاته و أمّا من يكون فى يمين الباب او يساره فليس تلك لهم ففرض رحمه اللّه كون باب للمقصورة خلف الامام و هو مفتوح فالمأمومون على أقسام ثلاثة فبعضهم واقع في حيال الباب المفتوح قبال المأموم و خلف الامام و بعضهم واقع فى يمين الباب لا يشاهدون الامام الواقع المقصورة و بعضهم فى يساره كذلك.

فمن كان بحيال الباب فحيث انه يشاهد الامام لان الباب مفتوح فصلاته صحيحة لعدم وجود الحائل بينه و بين الامام حائل فصلاته لما تكون صلوه و استر فى كلامه العلّامة الحائرى رحمه اللّه و هل يمكن الالتزام بما قاله الوحيد البهبهانى رحمه اللّه و الرواية ظاهرة فى ذلك أم لا.

اعلم انّه كما قلنا لم يتعرّض لهذا الفرع اىّ حكم من كان بحيال الباب و ما

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 110

المراد منه فى الرواية على ما تفحصنا الّا الشيخ رحمه اللّه في المبسوط «1» و هو لم يتعرّض للرواية بل تعرض لفرع يظهر منه كون من كان بحيال الباب هو من يكون بحيال باب واقع فى طرف يمين الصفّ او يساره و لم يفرض ذلك فى باب واقع فى طرف القبلة خلف الامام و قدام المأموم و لا باب واقع خلف القبلة و الصفوف و من كلامه فى هذا الفرع يظهر صحّة صلاة

من كان واقع فى يمين الشّخص الواقع بحيال باب المقصورة او يساره على خلاف ما استظهره الوحيد البهبهاني رحمه اللّه و يظهر من وضع بيان الشيخ رحمه اللّه كون الصّلاة بحيال الباب و يطيل الصفّ الى محلّ اخر غير المسجد من حيال الباب متعارفا فى زمانه و انّ صلاة كل من كان بحيال الباب و من يتّصل بعد ذلك صحيح لاتّصالهم ببعض اهل صفّهم و عدم حائل بينهم و بينهم و لكن لا تصحّ صلاة كلّ من يكون قدامهم الواقعين فى دار اخرى لاجل وجود الحائل و هو الجدار بينهم و بين الصف الّذي يكون فى عرضهم فى المسجد.

[المراد من الباب، الباب الواقع فى اليمين او اليسار]

اذا عرفت ما بيّنا لك لا يبعد كون المراد من قوله عليه السّلام (الّا من كان بحيال الباب) هو من يكون بحيال الباب الواقع فى اليمن او فى يسار المسجد لا ان يكون المراد من الباب الواقع فى قبلة المسجد او فى مقابل القبلة.

اقول و لا ان يكون المراد باب المقاصير امّا باب المقاصير فقد يقال انّه المراد من باب قوله عليه السّلام بعد ذلك (و هذه المقاصير) فيقال انّه عليه السّلام بعد ما بين صحّة صلاة كل من بحيال بابها دفعا لتوهّم السّائل قال و امّا هذه المقاصير احدثها الجبّارون و لا تصحّ صلاة من خلفها و لكن لا يمكن حمل قوله عليه السّلام (الّا من كان بحيال الباب) على من يكون فى حيال باب المقصورة.

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 156 و 157.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 111

(امّا أولا فلعدم معلوميّة كيفيّة وضع المقاصير و انّ بابها واقع في اىّ طرف منها و غير معلوم كون بابها خلف الامام الواقع فيها قدام المأمومين.

و ثانيا البدعة

ظهرت فى زمان معاوية عليه لعنة اللّه و كان منشأ ذلك خوفه من ان يقتل و مقتضى ذلك ان يكون بابها منسدّا كى يحفظ نفسه و بعد كون الباب منسدّا لا وجه لصحّة صلاة من كان بحيال الباب المسدود فعلى هذا هذا الفقرة اى قوله و هذا المقاصير الخ تكون فى مقام انّ ما ترى من الصّلاة خلف المقاصير مع عدم رويتهم الامام انّما يكون ممّا احدثها الجبارون فلا توهم ان ما قلت فى الفقرة السابقة عدم الصلاة ان كان الساتر بينهم ينافى مع ما يرى من الصّلاة خلف المقاصير مع وجود الستر لان ما ترى يكون من محدثات الجبابرة و بدعتهم).

اما كون النظر فى قوله الّا من كان بحيال الباب هو الباب الواقع فى الخلف اى مقابل القبلة.

فلا وجه له امّا أوّلا فلعدم تعارف كون باب المساجد فى قبال القبلة و ثانيا للخصوصية له.

و امّا كون النّظر الى الاعم من الباب الواقع فى دبر القبلة و فى يمين القبلة و ياسرها فيوجب المناقضة لان لازم ذلك صحة صلاة كل من يكون فى حيال الباب الواقع فى يمين القبلة او يسارها بلغ ما بلغ و عدم صحة صلاة كل من يكون فى الصف الواقع فى موضع يكون فى حيال الباب الا خصوص من يكون حيال الباب بناء على ما الزم به البهبهانى رحمه اللّه فيوجب حمل الباب على الاعم من الالتزام بعدم لصحة صلاة مجموع الصف الواقع فى حيال الباب من اليمين او اليسار و الالتزام بعدم صحّة صلاة الصفّ الواقع فى الخلف فى طرفى الباب الّا من كان بحيال الباب اذا كان الباب فى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 112

خلف القبلة و لا يمكن

الالتزام بذلك.

فعلى هذا القول بانّه لا يبعد كون قوله عليه السّلام الّا من كان بحيال دالّا على صحة صلاة كل من يكون فى يمين من بحيال الباب او يساره لانّه بعد كون قوله عليه السّلام الّا من كان بحيال الباب هو الباب الّذي فى يمين الصف او يسار فصحة صلاة كل من بحياله مع كون الحائل بين بعضهم و بين الصفّ المتقدّم عليهم لانّ كلّ من يكون بحيال الباب مع استطالة الصفّ بعد الباب الى خارج المسجد لا يرى الصفّ المتقدّم فصحّة صلواتهم يكون من باب انّهم يتّصلون ببعض اهل صفّهم الّذين لا يكون بين هذا البعض و الصّفّ الواقع قدامهم حائل.

فمن هذا يستفاد عدم مضريّة الحائل بين المأموم الواقع فى الصفّ اللّاحق و بين الصفّ الواقع فى قدامه اذا كان هذا المأموم متّصلا ببعض اهل صفّه الّذي لا يكون بين هذا البعض و صفّه المتقدّم حائل يمنع من المشاهدة.

فنقول انّ من يكون فى يمين من يكون بحيال الباب او يساره فهو و ان كان بينه و بين الصفّ المتقدّم حائل يمنع عن المشاهدة لهم و لكن هو متصل و يرى من يكون حائلا بينه و بين الصفّ المتقدّم و هو من يكون بحيال الباب.

فتلخص من كلّ ما ذكرنا عدم اعتبار عدم الحائل بين كلّ اهل الصفّ اللّاحق و الصفّ المتقدّم و لا بينهم و بين الامام بل يكفى عدم الحائل بين بعضهم و بين الامام و الصفّ المتقدّم و بين الصفّ الاوّل و بين الامام اذا كان البعض الاخر يرى هذا البعض الّذي لا يكون حائل بينهم و بين المأموم او الصّفّ المتقدّم.

ثمّ أنّه يمكن اين يقال فى توجيه قوله عليه السّلام ألّا من

كان بحيال الباب بأن الملحوظ فى صلاة الجماعة هو جهة واحدة و أعتبر فيها نحو اتحاد بحيث تعدّ عملا واحدا مع

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 113

كونها قائمة بالمتعددين فحيث أنّهم يصلّون و يكون بينهم ربط فى صلاتهم و يكون الامام فيهم بمنزلة أمير لهم و هم يتبعونه و يأتى كل واحد منهم صلاته موافقا له و تابعون فيرى بينهم واحدة مع هذه الابهه و حيث أن المعتبر فيها واحدة خاصّة فكل ما يكون منافيا مع هذه الواحدة لا بدلهم من تركه كى يحفظ واحدتهم فعلى هذا نقول يمكن أن يقال بأنّ سياق هذه الرواية يشعر بكون مفادها ناظرا الى هذه الجهة و كون الحكم فى الفقرة الاولى بأنّه ينبغى كون الصفوف متواصلة و عدم الفصل بينها بما لا يتخطّى بقدر مسقط جسد الانسان ناظرا الى ذلك.

فعلى هذا اذا صلّى جماعة ثمّ بعد الفراغ من الصّلاة تبيّن فقد بعض شرائط صلاة الجماعة مثل كون الصّلاة بلا امام او كون الامام فى مكان عال او كون الفاصلة بين الامام و المأموم غير مفتغر او وجود حائل بين الامام و المأموم او بين الصفوف بعضها مع البعض و بالجملة كل ما كان مخلا للواحدة المعتبرة فى حقيقة صلاة الجماعة يحكم ببطلان أصل الصلاة و وجوب الإعادة و لا يقاس بفقد بعض شرائط نفس الامام من الطهارة و الاسلام و غير ذلك.

كما قلنا بصحّة صلاة المأموم بعد كشف الخلاف لانّ فى هذا المورد الواحدة المعتبرة فى الجماعة محفوظة و لو لم يكن فى البين نصّ فقاعدة الاجزاء حاكمة بخلاف ما نحن فيه.

[الكلام فى ما يقتضيه النصوص]

و الكلام فى هذه الجهة يقع تارة فى صورة عدم اخلاله بما هو وظيفة الفرادى و

تارة بقع فى صورة اخلاله بما هو وظيفة الفرادى مثل ما اذا ترك القراءة او زاد ركنا او اخذ فى شكّه بقول الامام و رجع إليه.

و فى كل من الصورتين يقع الكلام تارة فيها بحسب ما يقتضيه النص و اخرى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 114

فيما تقتضيه القاعدة اما الكلام فيما يقتضيه النصوص.

فنقول ان لسان النصوص الواردة يكون مختلفا فمن بعض الروايات الواردة فيما اذا تبين كون الامام كافرا او على غير القبلة او على غير طهر يستفاد صحّة صلاة المأموم.

و يمكن ان يقال بدلالة قوله ابى جعفر عليه السّلام فى رواية زرارة الواردة فى الحائل الّتي تقدم الكلام فيها فى المسألة السابقة فى احد فقراتها و هو قوله عليه السّلام (اذا صلى قوم و بينهم و بين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بامام) على صحة اصل الصّلاة و عدم وقوعها جماعة بناء على كون هنا فعلى قوله عليه السّلام فليس ذلك الامام لهم بامام و فى قبال ذلك يستفاد من بعض النصوص عدم صحة اصل صلاة المأموم أيضا و لزوم استينافها لو انكشف بعد الفراغ عنها كونها فاقدا لشرط من شرائط المعتبرة فى صلاة الجماعة مثل ما ورد فى رحلين صليا معا ثم بعد الفراغ عنها يدعى كل منهما انه ائتم و اقتدى بالآخر و هى الرواية 1 من الباب 29 من ابواب صلاة الجماعة فقال على عليه السّلام (صلاتهما فاسدة و ليستأنفا) و ما ورد فى بعض فقرات رواية زرارة الواردة فى بيان مانعية الحائل و الفصل بأزيد ممّا لا يتخطّى فقال ابو جعفر عليه السّلام فيها (اذا صلى قوم بينهم و بين الامام ستره او جدار فليس تلك لهم

بصلوة) و كذا قال عليه السّلام فيها (و اىّ صفّ كان اهله يصلّون بصلوة امام و بينهم و بين الصفّ الّذي تقدّمهم قدر لا يتخطى فليس تلك لهم بصلوة) بناء على كون المراد من نفى الصلاتيه نفى اصل طبيعة الصلاة لا خصوص و صفّ الجماعة هذا حال الروايات فما نقول فى المقام يمكن انّ يقال بالنسبة الى غير رواية زرارة بأنّه لا تعارض بين الروايات لان بعضها يدل على صحة صلاة المأموم لو انكشف عدم كون الامام على طهارة او على

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 115

كونه على غير القبلة. (و على كونه كافرا.

و بعضها يدلّ على لزوم الاستيناف على المأموم و هو رواية السكونى فيما لو صلّى رجلان و ادعى كل منهما المأموميّة للاخر فهو فى هذا المورد الخاص فمورد وجوب الاستيناف غير مورد عدم وجوب الاستيناف و يمكن ان يقال بان مفاد الطائفة الاولى و هى ما دل على عدم وجوب اعادة الصّلاة على المأموم لو انكشف بعد الصّلاة الاخلال ببعض الشروط هو كون منشأ عدم وجوب الاعادة من باب ان ما يتقوّم به الجماعة و هو وجود الامام و من يكون متبوعا فى هذه الصّلاة و حافظا للاجتماع و كالرئيس و الامير لهم موجود على الفرض و انما فقد بعض شرائطه لانه فى جميع صور المنصوصة يكون الصّلاة مع الامام غاية الامر هي فاقده لبعض الشرائط فمن شرائطها ان يكون مسلما و على الطهارة و على القبلة فهو اى ففيما انكشف كونه كافرا فاقدا الشرط الاول و فيما انكشف كونه على غير طهارة فاقدا للشرط الثّاني و فيما انكشف كونه على غير القبلة فاقدا للشرط الثالث و الا فالجماعة تكون مع الامام

فى كل الفروع.

و المفاد الطائفة الثانية فهو وجوب الاعادة و الاستيناف فيما تداعى المأمومية كل من الرجلين هو كون ذلك لاجل عدم كون الجماعة مع الامام و كونها فاقدة لمقوّمها لا لبعض الشرائط فيقال بانه يستفاد من مجموع الطائفتين.

ان فى كل مورد انكشف بعد الفراغ من صلاة الجماعة كون الجماعة فاقدة لمّا هو مقومها نحكم باستيناف الصّلاة و هو عدم وجود امام لها اصلا و هو مفاد الطائفة الثانية اىّ رواية السكونى و انّه فى كل مورد انكشف بعد الصّلاة كونها فاقدة لشرط من شرائط الجماعة مع تحقق ما هو مقوم لها فيقال لعدم طهارة الامام او كونه على

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 116

غير القبلة او كونه كافرا بصحة صلاة المأموم و هو مفاد الطائفة الاولى فعلى هذا لا خصوصية لمّا ذكر فى النصوص من تبيين كون الامام كافرا او على غير طهر او على غير القبلة بل يتعدى الى غيرها مما يكون من الشرائط مع تحقق ما هو مقوّم الجماعة بإلقاء الخصوصية.

و اما فى خصوص رواية زرارة فيحتمل ان يكون المراد من قول ابى جعفر عليه السّلام فى بعض فقراتها (فليس تلك لهم بصلوة) هو نفى اصل الصلاتية أعم من الجماعة و الفرادى فعلى هذا يعارض مع قوله عليه السّلام في فقرتها الاخرى (فليس ذلك الامام لهم بامام).

و أمّا مقتضى القاعدة فكما قلنا فى اخر بحث العدالة فى صورة تبين كون الامام فاسقا هو الاجزاء على ما قلنا فى الاصول من أنّه اذا كان لسان الأمارة و الاصل الفرديّة لمدلولها فيوسّع موضوع الدّليل الاوّل بايجاد فرد اخر له مثلا كون ما بين المشرق و المغرب قبلة يوجب كون الاستقبال المذكور بحكم الاستقبال الى

الكعبة و له فردان. هذا تمام الكلام فى شرائط الجماعة.

الثالث من شرائط الجماعة: عدم تقدّم المأموم على الامام

قال صاحب المدارك بعد قول المصنّف (لا يجوز ان يقف المأموم قدّام الامام) هذا قول علمائنا و وافقنا عليه اكثر العامة لانّ المنقول من فعل النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة عليه السّلام امّا نقدم الامام او تساوى الموقفين فيكون الاتيان بخلافه خروجا عن المشروع و لانّ المأموم يحتاج مع التقدم الى استعلام حال الامام بالالتفات الى ما ورائه و ذلك مبطل.

و مقتضى العبارة جواز المساواة بينهما فى الموقف و به قطع أكثر الاصحاب و

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 117

حكى فيه العلّامة فى التذكرة الاجماع. «1»

و يدلّ على جواز التساوى مضافا الى دعوى الاجماع صحيحة محمّد بن مسلم عن احدهما عليه السّلام قال الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم أن يمينه فان كانوا اكثر من ذلك قاموا خلفه «2».

و حسنة زرارة عن الصادق عليه السّلام قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الرجلان يكون جماعة فقال نعم و يقول الرجل عن يمين الامام. «3»

و دلّت الروايتان على استحباب وقوف المأموم الواحد عن يمين الامام و قول ابن ادريس فى السرائر «4» باعتبار تأخر المأموم مطلقا و كذا قول صاحب الحدائق «5» بوجوب التأخر اذا كانوا متعدّدين و المساوا اذا كان واحدا مخالف للشهرة.

و اعلم انّ بعض العامّة أعتبر فى الجماعة أمرا اخر و هو تتميم الصّفوف و عدم تشكيل صفّ قبل تماميّة الصّف المتقدّم و لا دليل عليه.

و امّا قول بعض متأخرينا من اعتبار متابعة الامام فى الافعال بل الاقوال نتكلم فيها إن شاء اللّه.

الرابع من شرائط الجماعة: عدم علوّ الامام على المأموم

اشارة

من الامور المعتبرة فى الجماعة عدم علوّ الامام على المأمومين يعنى مكانه أمّا

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، ج 4 ص 330.

(2)- الرواية 1 من الباب 23 من

ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 4 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(4)- السرائر، ص 61.

(5)- الحدائق الناصرة، ج 11 ص 114.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 118

مساو لمكان وقوف المأمومين او أخفض.

و الدليل عليه ما رواه عمّا الساباطى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الرجل يصلّى بقوم و هم فى موضع أسفل من موضعه الّذي يصلّى فيه فقال ان كان الامام على شبه الدكان او على موضع أرفع من موضعهم لم تجر صلاتهم فأن كان أرفع منهم بقدر إصبع او أكثر او أقلّ اذا كان الارتفاع ببطن مسيل فان كان أرضا مبسوطة او كان في موضع منها ارتفاع فقام الامام على الموضع المرتفع و قام من خلفه أسفل منه و الارض مبسوطة ألا أنّهم فى موضع منحدرة قال لا (فلا) بأس.

قال و سئل فان قام الامام أسفل من موضع من يصلّى خلفه و قال لا بأس قال و أن كان الرّجل فوق بيت او غير ذلك و كانا كان او غيره و كان الامام يصلّى على الارض أسفل منه جاز للرّجل أن يصلّى خلفه و يقتدى بصلاته و أن كان أرفع منه بشي ء كثير و يقع البحث أوّلا فى سند هذا الرواية و ثانيا فيما يستفاد من منها مع «1» كون المتن مظطربا.

أمّا سندها فمورد الوثوق و كونه فطحيا لا يفرّ بذلك لانّ كتابه الّذي صفّه فى الفقه مورد الوثوق عند الاصحاب و كان مرجعا لهم و لم يضر منه قول يخالف مع مذهب أهل البيت فى زمان حياة امام الفطحيّة أعنى عبد اللّه الأفطح و صرف الوثوق كاف لنا فى الاخذ بقول الراوي و لا يلزم كون الخبر

صحيحا أعلائيّا بمعنى كون تمام رواته مذكى بتذكية عدلين كما قال صاحب المدارك و الّا لا يمكن لنا العمل بأخبار الآحاد فى الكتاب الّتي بأيدينا.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 119

كما أنّه لا يمكن طرحها من جهة اضطراب المتن بل لا بدّ من الأخذ بمقدار المتيقن و هو ان الامام اذا قام على الدكان و او السقف و المأمومين على الارض ليست صلاتهم بصحيحة و لا يخفى أنّ مثل الدّكان و السقف ملحوظة فيها ثلاثة أمور:

الأوّل: كونهما مشتملان على البناء.

الثاني: كون ارتفاعهما عن الارض دفعيّا.

الثالث: كون ارتفاعهما بحسب الوضع أزيد من مقدار إصبع بكثير.

أمّا الامر الاوّل فلا مدخلية له بنظر العرف لانّه لا فرق بنظرهم فى كون الارتفاع من جهة البناء او من جهة اخرى مثل علوّ نفس الأرض.

و أمّا الثّاني و الثّالث فقابلان للبحث و ان كان لا يبعد دعوى عدم الدخالة للثاني عند العرف بل المدار نفس الارتفاع.

و أعلم أنّ هنا ثلاثة شروط:

الأوّل: فان كان أرفع منهم بقدر إصبع.

الثاني: اذا كان الارتفاع ببطن مسيل.

الثالث: فان كان أرضا مبسوطة.

و جزاء واحد و هو (لا بأس)

[فى ما يستفاد من الشرط و الجزاء]

و يستفاد من الشرط و الجزاء أنّه اذا كانت الارض منحددة مثل كونها بطن مسيل و كان موضع الامام ارفع بمقدار إصبع او ازيد او اقل لا بأس بهذه الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 120

و كذا يمكن أن يقال ان كانت الارض مبسوطة و الارتفاع بمقدار إصبع او أزيد او أقل لا بأس بها.

و لا يبعد أنّه يكون الشرط فى الرواية هو قوله عليه السّلام فان كان أرفع منهم بقدر إصبع او اكثر او أقلّ فى مقابل قوله (أن

كان الامام على شبه الدكان او على موضع أرفع من موضعهم لم تجر صلاتهم) فعلى هذا تشمل الرواية مقدار القريب من الاصبع و لا فرق فيه بين انحدار الأرض و انبساطها دفعيا كان او تدريجا و كان علوّها من جهة نفس الارض او من فعل صانع كما يستفاد ذلك من كلام الشّيخ فى النهاية حيث قال و لا يجوز أن يكون الامام على موضع مرتفع من الارض مثل دكان او سقف او ما أشبه ذلك فان كان أرضا مستويا لا بأس بوقوفه عليه و ان كان أعلى من موضع المأمومين بقليل. «1»

لانّه فرض الصّحّة فى صورة قلّة الارتفاع و لم يذكر قيد الانبساط و لانحدار فتلخص ما هو الملاك قلّة الارتفاع بمقدار إصبع او أزيد او أقل و كثرتها لا غيرها لصحّة صلاة المأمومين و بطلانها و أمّا العامة فيقولون بالكراهة كما عرفت أنّهم لا يقولون بكون البعد أيضا فادحا و أن كان كثيرا و ان نقل عن الشافعى من أنه لا بدّ ان لا يكون أزيد من ثلاثمائة زراع.

______________________________

(1)- النهاية، ص 117.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 121

المقصد السابع في احكام الشكوك

اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 123

المقصد السابع: في احكام الشكوك

المقصد الثاني من المقاصد الّتي نتعرّض فى الخلل في حكم الشك فنقول قد بينا لك فى اوّل بحث الخلل على سبيل المقدمة.

بان السهو المصطلح و هو السهو الّذي يعرض للشخص ثمّ يذهب سهوه و يتوجّه بسهوه و ذهوله عن الواقع

و الشك و هو الترديد.

واقعان تحت جامع واحد و هذا الجامع هو السهو و الذهول عن الواقع لان فى كل من القسمين صار الذهول عن الواقع موجبا لفعل او لترك فمن يترك جزءا من اجزاء مركب يتركه لاجل

طرو السهو و ذهوله عن الواقع سواء طرأ بعد هذا الذهول له الشك و الترديد و بعبارة اخرى ابتلى بالجهل البسيط و لم يدر بما هو الواقع او انه بعد ذهوله عن الواقع و ترك الجزء لاجل ذهوله التفت الى ما تركه و تذكر تركه و توجه بسهوه كما هو الحال فى السهو المصطلح لان منشأ الترك فى كل منهما ذهول الواقع و غروبه عن ذهنه و لهذا كل من القسمين واقعان تحت جامع واحد و هو السهو و لهذا يصح ان يقال ان الكلام فى الخلل يقع فى احكام السهو و

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 124

من هنا يظهر لك ان ما يظهر من كلام بعض الفقهاء رحمه اللّه كصاحب المدارك رحمه اللّه بل و صاحب الجواهر رحمه اللّه من عدم كون جامع بين السهو و الشك ليس فى محله لما ذكرنا من وجود الجامع بينهما.

[في انّ الكلام في الشّك يقع في موردين]

اشارة

اذا عرفت ذلك نقول ان الكلام فى الشك يقع في موردين:

المورد الاول في الشكوك المنصوصة و هي خمسة

الاول منها الشك بين الاثنتين و الاربع
اشارة

فحكمه وجوب البناء على الاربع و جعل الركعة المردّدة بين الثانية و الرابعة الركعة الرابعة و يتشهد و يسلم بعدها و يتمّ الصّلاة ثمّ يصلّى بعد الصّلاة ركعتين و قائما و هذا الحكم من متفردات الامامية و لا يقول به العامة بل بنائهم على الاقل بمقتضى عدم الاتيان بالزائد على الاثنين.

[في ذكر الروايات الدالّة في المقام]

و الدال على حكمها روايات:

الاولى: ما رواها الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال اذا لم تدر اثنتين صلّيت أم اربعا و لم يذهب وهمك الى شي ء فتشهد و سلّم ثم صلّ ركعتين و اربع سجدات تقرأ فيهما بأمّ الكتاب ثمّ نتشهد و تسلم فان كنت انّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الاربع و ان كنت صلّيت اربعا كانتا هاتان نافلة. «1»

الثانية: ما رواها ابن ابى يعفور قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل لا يدرى ركعتين صلى أم اربعا قال يتشهد و يسلم ثم يقوم فيصلّى ركعتين و اربع

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 125

سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثمّ يتشهد و يسلّم و ان كان صلّى اربعا كانت هاتان نافلة و أن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام أربعة و ان تكلّم فليسجد سجدتي السهو. «1»

الثالثة: ما رواها زرارة عن أحدهما عليه السّلام فى حديث قال قلت له من لم يدر في أربع هو أم فى ثنتين و قد أحرز الثنتين قال يركع ركعتين و اربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب و يتشهد و لا شي ء عليه. «2»

الرابعة: ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى ركعتين فلا يدري ركعتين هي

او أربعة قال يسلّم ثمّ يقوم فيصلّى ركعتين بفاتحة الكتاب و يتشهد و ينصرف و ليس عليه شي ء «3».

الثاني منها الشك بين الاثنين و الثلاث و الاربع
اشارة

فحكمه على المشهور أنّه يجب على المصلّى البناء على الاكثر و اتمام الصّلاة ثمّ الاتيان بركعتين قائما و ركعتين جالسا و أن حكي عن الصّدوق رحمه اللّه التخيير بين ما قلنا و بين ركعة قائما و ركعتين جالسا فنذكر الاخبار الواردة فى الباب.

[في ذكر الروايات الدالّة في الباب]

الاول: منها ما رواه الصّدوق رحمه اللّه باسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي

ابراهيم قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أم اربعا فقال يصلّى ركعة من قيام ثمّ يصلّى ركعتين و هو جالس. «4»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 11 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 11 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 1 من الباب 13 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 126

الثاني: منها ما رواه ابن ابى عمير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى او ثلاثا أم اربعا قال يقوم فيصلّى ركعتين من قيام و يسلّم ثم يصلّى ركعتين من جلوس و يسلّم فان كانت اربع ركعات كانت الركعتان نافلة و الّا تمّت الاربع. «1»

الثالث: منها قال و قد روي أنّه يصلّى ركعة من قيام و ركعتين و هو جالس «2» قال صاحب الوسائل قال ابن بابويه ليست هذه الاخبار بمختلفة و صاحب السهو بالخيار بأي خبر أخذ فهو مصيب و عن فقه الرضوى قال و ان شككت فلم تدر اثنتين صلّيت او ثلاثا او اربعا فصل ركعة من قيام و ركعتين من جلوس.

لا يمكن التمسك لما قاله الصدوق رحمه اللّه برواية

فقه الرضوى لمّا قلنا من أن انتسابه الى جنابه عليه السّلام لم يثبت.

و كذا لا يمكن التمسّك برواية ابي ابراهيم لانّ فى النسخ المصححة ذكر لفظ عليه السّلام بعد ابى ابراهيم و ان كان فى الوسائل حذف لفظ عليه السّلام و هذا موجب لعدم الاعتماد و على هذه الرواية.

فلم يثبت فى المقام ما يدل على فتوى الصدوق من كونه مخيرا بين الركعتين من قيام و ركعتين من جلوس و بين ركعة قائما و ركعتين جالسا.

و الاحوط تقديم الركعتين قائما ثمّ ركعتين جالسا.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 13 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 13 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 127

الثالث منها الشكّ بين الاربع و الخمس
اشارة

و حكمه وجوب البناء على الاربع و وجوب سجدتي السهو لدلالة روايات:

[في ذكر الروايات الدالّة فى المورد]

الاولى: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال اذا كنت لا تدرى اربعا صلّيت او خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثمّ سلم بعدهما. «1»

الثانية: ما رواها ابو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال اذا لم تدر خمسا صلّيت أم اربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك و أنت جالس ثمّ سلّم بعدها. «2»

قدر المتيقن من صور الشك بين الاربع و الخمس هو الشكّ بينهما بعد اكمال الركعة.

و منها الشك بينهما قبل الركوع من الركعة المرددة بين الرابعة و الخامسة قد قال بعض في هذه الصورة بانّه يجلس فينقلب شكّه الى الثلاث و الاربع فيعمل عمل الشاك بينهما و يزيد مع ذلك سجدتي السهو لمكان القيام.

و منها الشك بينهما فى حال الركوع يمكن ان يقال في وجه صحّة الصّلاة في ما نحن فيه: بأن يعمل عمل الشّك بين الثلاث و الأربع من إتيان ركعة عن قيام أو ركعتين من جلوس بعد الصّلاة، و عمل الشك بين الأربع و الخمس من إتيان سجدتى السهو و يتم الصّلاة بأن يأتي بما بقي من الركعة من السجدتين و التشهد و السلام، ثمّ يعمل عمل الشكين و تصح الصّلاة.

أمّا عمل الشّك بين الثلاث و الأربع لأنّه بعد كونه حال الركوع شاكا في أن ما

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب الخلل فى الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 128

بيده هل هي الرابعة أم الخامسة، فيشك قهرا في أن الركعة السابقة هل كانت الثالثة أو الرابعة،

فيعمل عمل الشّك بين الثلاث و الاربع لأجله، و أمّا عمل الشّك بين الاربع و الخمس فحيث إنّه في حال الركوع يشكّ في أن ما بيده هل هى الرابعة أم هى الخامسة فبمقتضى الاستصحاب يحكم بعدم الزيادة، و يأتي بما بقي من الركعة و يعمل بعد الصّلاة عمل هذا الشك، فتصح صلاته، لأنّ نقص المحتمل منجبر بصلوة الاحتياط، و زيادة المحتملة مدفوع بالاصل.

و فيه أنّه كما قلنا لا مورد لعمل الشّك بين الثلاث و الاربع، لأنّ بالركعة المحتملة لا بد أن تجبر نقص الصّلاة و فيما نحن فيه يكون الشّك في الزيادة أيضا لا في النقص فقط، و أمّا عمل الشّك بين الأربع و الخمس و تصحيح الصّلاة به، فكما قلنا مضافا إلى احتمال خصوصية فى مورد النص، و هو ما إذا شك بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين نقول كما بينا سابقا بأنّه نفهم من الدليل الدال على الحكم بالصحة في بين الاربع و الخمس بعد إكمال السجدتين اعتبار الاستصحاب فى مورده، و الحكم بعدم وقوع زيادة و لا يدل الاستصحاب على لزوم إتيان ما بقي من الركعة كما في ما نحن فيه، لأنّه لو جرى الاستصحاب يحكم بعدم زيادة ما وقع من الركعة و لا يمكن إثبات لزوم ما بقى من الركعة، إلا على القول بالاصول المثبتة و لم نقل بها. «1»

[الرابع منها في حكم الشكّ بين الثلاث و الاربع]

فيظهر لك مما مرّ بطلان الصّلاة في هذه الصورة أى: في ما شك بين الثالثة

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: بأنّه يمكن اجراء استصحاب عدم إتيان الركعة الرابعة، فيأتى بما بقى من اجزاء الركعة بامره المتعلّق به من أول الأمر لا بالاستصحاب حتّى يقال: بأن استصحاب عدم إتيان الركعة الرابعة

لا يثبت أن ما مضى كانت الثالثة و ما في ركوعه هى الرابعة، نعم لو قلنا:

بعدم اجراء الاستصحاب في الركعات مطلقا يشكل ذلك. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 129

و الرابعة حال الركوع و مثل هذه الصورة ما إذا شك بين الأربع و الخمس بعد الركوع، أو في السجدة الأولى أو بين السجدتين، نعم في السجدة الأخيرة كلام ربما يقال:

بالفرق بين الشّك فيها و في غيرها من أبعاض الركعة، هذا تمام الكلام في هذه المسألة

من الشّكوك المنصوصة الشّك بين الثلاث و الأربع، و الكلام فيه في مقامين:

الأوّل في أنّه هل يصح الصّلاة بالبناء على الاكثر و إتيان نقص المحتمل من الركعة مفصولة؟ الثانى في كيفية إتيان نقص المحتمل هل هو الركعة عن قيام متعينا، أو التخيير بين الركعة عن قيام و ركعتين عن جلوس؟ فنذكر أخبار الباب حتّى يظهر لك الحق في كلا المقامين، فنقول بعونه تعالى:

الرواية الأولى: ما رواها أبان عن عبد الرحمن بن سيابة و أبى العباس جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا (إلى أن قال) و إن اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين و انت جالس). «1»

تدلّ بظاهرها لو كنّا و هذه الرواية على البناء على الأربع و الانصراف و ركعتين بعد الصّلاة لانه قال (فانصرف، و صلّ ركعتين و أنت جالس).

الثانية: الرواية 4 من الباب المذكور،

الثالثة: الرواية 5 من الباب المذكور،

الرابعة: الرواية 6 من الباب المذكور،

الخامسة: الرواية 3 من الباب المذكور، و هى تدلّ على إتيان ركعة عن قيام لجبر نقص الركعة المحتملة بناء على حملها على إتيان ركعة مفصولة كما هو مذهب

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الخلل من

الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 130

أهل الحق، و أمّا لو حملت على إتيان ركعة موصولة فتكون تقية، لأنّ المخالفين يقولون كذلك، لأنّ بنائهم البناء على الاقل.

السادسة: ما رواها جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال، في من لا يدرى ثلاثا صلّى أم أربعا، و وهمه في ذلك سواء، قال: فقال: إذا اعتدال الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار، و إن شاء صلّى ركعة و هو قائم، و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس الحديث). «1»

أمّا الرواية و ان كانت مرسله من حيث السند، لأنّ جميل يروى عن بعض أصحابنا، و البعض غير معلوم، و لكن مرسلات الجميل بحكم المسندات مثل ابن أبى عمير و بعض اخر و تدلّ على النبإ على الأكثر و التخيير في مقام الاحتياط و جبر نقص المحتمل بين إتيان ركعة عن قيام، و بين إتيان ركعتين عن جلوس، فلو دلت الروايات غير الرواية الخامسة على تعيين ركعتين من جلوس، و تدلّ الرواية الخامسة على تعيين ركعة عن قيام، و لكن هذه الرواية أى، الرواية السادسة تجمع بين الطائفتين و يرفع عن ظهور كل منهما في التعيين بسببها، فيحكم بالتخيير.

هذا ما من الأخبار، فيظهر لك بأن الحق في المقام الأوّل هو الحكم بالبناء على الأكثر كما هو مختار الفقهاء، و أن الحق في المقام الثانى هو التخيير في مقام الاحتياط و جبر نقص الركعة المحتملة بين ركعة عن قيام و بين ركعتين عن جلوس كما هو المشهور (فارجع في كشف فتوى الفقهاء مفتاح الكرامة) فافهم.

[الخامس منها الشّك بين الاثنتين و الثلاث]
اشارة

من الشّكوك المنصوصة الشّك بين الاثنتين و الثلاث.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان

الصلاة، ج 8، ص: 131

اعلم أن في المسألة بعض الأخبار إمّا يدلّ بظاهرها على بطلان الصّلاة و على خلاف ما افتى به المشهور، و هو ما رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن رجل لم يدر أ ركعتين صلّى أم ثلاثا؟ قال: يعيد. قلت: أ ليس يقال: لا يعيد الصّلاة فقيه؟ فقال: إنما ذلك في الثلاث و الأربع). «1»

فإن بظاهرها تدلّ على الإعادة في الشّك بين الاثنتين و الثلاث، فإن أمكن حملها على الشّك في صلاة المغرب، أو على صورة طروّ الشّك قبل إكمال السجدتين فهو، و إلّا فلا بدّ من طرحها لإعراض الأصحاب عنها، و مثلها الرواية 6 من الباب 8، فانّها مطروح لكونها معرضا عنها.

و إمّا يمكن حملها على ما أفتى به المشهور من صحة الصّلاة و جبر نقص المحتمل مفصولة، لكن ليس لها ظهور قوي في ذلك بحيث يمكن الاتكال به بنفسه على ما هو مختار المشهور، و هى الرواية 1 من الباب المذكور، و هى ما رواها حريز عن زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في حديث قال: قلت له: رجل لا يدرى اثنتين صلّى أم ثلاثا؟ قال: إن دخل الشّك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة، ثمّ صلّى الاخرى و لا شي ء عليه و يسلّم. «2»

يحتمل كون المراد من قوله (ثمّ صلّى الاخرى) يعنى: يصلّى ركعة مفصولة، و الشاهد العطف بلفظ (ثمّ) و يكون المراد من قوله (مضى في الثالثة) يعنى مضى في الثالثة الاعتقادية بنظره قبل طروّ الشك، لأنّه دخل فيها بتخيل كونها ثالثتها ثمّ طرأ الشك في أن ما مضى هل الثالثة حتّى تكون ما بيده الرابعة، أو أن ما مضى كانت

______________________________

(1)-

الرواية 3 من الباب 9 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 9 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 132

ثانية حتّى تكون ما بيده الثالثة، فعلى هذا تدلّ الرواية على البناء على الأكثر و إتيان ركعة مفصولة لجبر نقص المحتمل في صلاته.

و يحتمل أن يكون المراد من قوله (ثمّ صلّى الاخرى) إتيان ركعة موصولة و كان قوله (مضى في الثالثة) يعنى يبنى على اليقين و الأقل، و يجعل ما بيده ثالثة، يأتى بالرابعة، فعلى هذا توافق مع قول العامة فلا يمكن العمل بها و تطرح لموافقتها للتقية.

و الرواية الّتي رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسى عن العلاء قال: قلت، لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صلّى ركعتين و شك في الثالثة، قال: يبنى على اليقين، فإذا فرغ تشهد و قام قائما فصلّى ركعة بفاتحة القرآن. «1»

لا يبعد دلالتها على الصحة و البناء على الأكثر و إتيان ركعة مفصولة، و قوله (يبنى على اليقين) لا ينافى ذلك، لأنّ بعد كون المستفاد من ساير الأخبار الواردة في الشكوك، هو أن البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل موافقا للاحتياط و طريق اليقين ببراءة الذمة، فالمراد بقوله (يبنى على اليقين) هذا.

و لكن مع ذلك حيث إن سند الرواية من حيث إنّه روى في قرب الاسناد ليس بحيث يمكن التعويل عليها مستقلا، لعدم تسلم كون ما في أيدينا من قرب الاسناد بعينه هو قرب الاسناد، مضافا إلى عدم ظهور قوى لمتنها في أنّه يبنى على الأكثر و يجبر النقص المحتمل بمفصوله، لاحتمال كون المراد بالبناء على اليقين هو ما يقوله العامة، فلا يمكن جعل الرواية مدركا للمسألة

أعنى: للحكم بالبناء على الأكثر في الشك بين الاثنين و الثلاث. «2»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 9 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- أقول: و لكن دلالة الرواية على ذلك واضحة و إن كان الإشكال يكون من حيث السند،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 133

هذا حال المسألة من حيث الروايات، و قد عرفت عدم وجود خبر يدلّ على البناء على الأكثر في الشّك المذكور و جبر النقص المحتمل مفصولة بعد الصّلاة. و قال بذلك في الذكرى لأنّه قال لم نقف فيه على رواية بالخصوص.

[عمدة الحكم بالبناء على الاكثر في هذه المسألة امور ثلاثة]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: بأن العمدة في المسألة في الحكم بالبناء على الأكثر و إتيان النقص المحتمل مفصولة، هى امور ثلاثة:

الامر الأوّل: الشهرة

، فإن المشهور بين الفقهاء من القدماء رحمه اللّه و كذلك المتأخرين هذا الحكم، و لم يوجد من القدماء مخالف إلّا ما عن الصّدوق على بن بابويه رحمه اللّه من التخيير بين البناء على الأقل و بين البناء على الأكثر، و أمّا محمد بن على بن بابويه رحمه اللّه ففي الهداية ذكر رواية عمار «1» الدالة بإطلاقها على البناء على الأكثر، و أمّا في المقنع فلم ينقل الا رواية عبيد بن زرارة الدالة بظاهرها على وجوب الإعادة في مفروض الكلام، «2» و لكن مجرد النقل غير دال على كون فتواه ذلك.

و على كل حال لا إشكال في اشتهار الفتوى بذلك، كما أن المشهور أيضا هو أن ما يجب احتياطا بعد الصّلاة من الصّلاة الاحتياط هو ما قلنا في الشّك بين الثلاث و الأربع من التخيير بين ركعة من قيام و بين ركعتين من جلوس.

الأمر الثانى: أن يقال بدلالة رواية عمار

، و هى الرواية 3 من الباب 8 من أبواب الخلل من الوسائل، و هى هذه: عن عمار بن موسى الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شي ء من السهو في الصّلاة، فقال: ألا اعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء قلت: بلى. قال: إذا سهوت فابن على

______________________________

مع إمكان أن يقال: بأن ضعفها منجبر بالشهرة الموافقة لها. (المقرر)

(1)- الرواية 3 من الباب 9 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 8 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 134

الأكثر، فاذا فرغت و سلمت، فقم فصل ما ظننت أنك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنك كنت نقصت. كان ما

صلّيت تمام ما نقصت.

فهذه الرواية تدلّ على البناء على الأكثر و جبر نقص المحتمل بعد الصّلاة.

الأمر الثالث: أن يقال في وجه تصحيح الصّلاة في الفرض و البناء على الأكثر:

بأن ما نحن فيه من الشّك بين الثلاث و الأربع إما لأجل أنّ من يشكّ بعد إكمال السجدتين في أن الركعة الّتي مضى عنها هل تكون الركعة الثانية، أو تكون الثالثة، يشكّ في الحال في أن الركعة الّتي يقوم إليها هل هى الثالثة أم هى الرابعة، و إمّا من باب أنّه بعد ورود النص على أن الشاك بين الثلاث و الأربع يبنى على الأربع، و يأتي بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مفصولة، نفهم أن الوجه في هذا الحكم ليس إلا من باب الشّك بين النقص بركعة، و عدم نقص الركعة و ليس لخصوص كون الشك بين الثلاث و الأربع خصوصية، فلهذا يجرى الحكم المذكور في الشّك بين الاثنتين و الثلاث.

إذا عرفت ذلك نقول: بأن في المقام اشكالا لا نرى توجه الفقهاء رحمه اللّه به و تعرضهم له، و هو أنّ بعد كون الشّك بين الاثنتين و الثلاث تارة يقع في حال القيام بمعنى أن في حال القيام يشكّ في أن ما مضى عنه من الركعة كانت ثانية أو كانت ثالثة، و تارة يشكّ بعد إكمال السجدتين و قبل القيام، و في هذه الصورة تارة بعد الإتيان بالتشهد طرأ له الشك، و تارة قبل التشهّد يشكّ في أن الركعة الّتي مضى عنها هل كانت ثانية أم ثالثة.

فيأتى الإشكال في ما إذا طرأ الشّك بعد إكمال السجدتين، و في الحال يشكّ في أنّه هل أتى بالتشهد أم لا؟ فإن كان هذا الجلوس بعد الركعة الثانية يجب التشهّد و إن كان بعد الركعة الثالثة مضى محل التشهد، و لا مجال

هنا لاجراء قاعدة التجاوز، لأنّ

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 135

الشبهة مصداقية بالنسبة إليها.

ففي هذه الصورة كيف يمكن الحكم بصحة الصّلاة بالبناء على الأكثر و إتيان نقص المحتمل بعد الصّلاة، لأنّ في الصّلاة احتمال نقص اخر و هو التشهد، و هذا الإشكال يجرى بالتمسك برواية عمار في هذه الصورة أعنى: صورة الشّك في إتيان التشهد و عدمه في ما نحن فيه، فهل يقال بمقتضى ذلك: ببطلان الصّلاة في صورة الشك بين الاثنين و الثلاث بعد إكمال السجدتين مع الشّك في إتيان التشهّد الأوّل، أو يكون وجه لتصحيح الصّلاة مع ذلك بالبناء على الأكثر أى: على الثلاث؟

قد يقال: بأنّه بعد كون النصوص دالة على البناء على الثلاث في هذا الشك، فلازمه عدم الاعتناء بالشّك في التشهد، لأنّ معنى البناء على الثلاث كون الركعة التي مضى عنها ثالثة، و لازمه كون الركعة السابقة عليها ثانية، فعلى البناء قد مضى عن محل التشهّد و لا يجب التشهد، بل و لا يجوز بعد البناء لأنها على هذا ثالثة.

و فيه أن دليل البناء على الأكثر لا يثبت ذلك، و وجهه أن لسان النصوص الدالة على البناء على الأكثر ليس لسان الأمارة، بل هذا حكم ثابت في حال الشك، و ليس مفادها إلا جرى العملى على هذا النحو. «1» إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه على ما قلنا من الإشكال فلا يشمل ما دل على البناء على الأكثر لهذه الصورة، لأنّ ما دل على البناء على الأكثر يكون لسانه تصحيح الصّلاة من حيث احتمال نقص الركعة لا

______________________________

(1)- أقول: و لا يبعد كون لسانها لسان الأمارة، لأنها ناظرة إلى الواقع، لأنّ مفادها هو تعليم الطريق لحفظ الواقع و براءة الذمّة على كل

حال، و هو أنّه إذا بنى على الأكثر و أتى بالنقص المحتمل مفصولة، فان كانت الصّلاة محتاجة بها تصير جبرا لها، و إلا تصير نافلة، و على كل حال يحفظ الواقع. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 136

من أجل احتمال نقص التشهد. إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى.

و قد يقال في المورد بأنه يحتاط فيأتى بالتشهد في هذه الصورة احتياطا و تصح الصّلاة.

و لكن نقول: بأنّه لا يبعد في المقام القول بصحة الصّلاة و البناء على الثلاث و عدم وجوب التشهد، لأنّه يكون مجرى البراءة، فالمكلف بعد شكه في أن هذا الجلوس هو الجلوس بعد الركعة الثانية أو بعد الثالثة، فيشك في أنّه يجب عليه التشهد أم لا، فتجرى أصالة البراءة و مقتضاها عدم وجوب التشهد.

هذا كله في الشّكوك المنصوصة.

المورد الثاني فى الشكوك غير المنصوصة

اشارة

و هنا بعض شكوك اخر يكون الكلام في أنّه هل يبنى فيها على الأكثر من باب استفادة حكمها من الشّكوك المنصوصة أو لا، بل تبطل الصّلاة فيها (بناء على عدم اجراء الاستصحاب في الركعات.)

[في ذكر بعض شكوك اخر من الشكوك الغير المنصوصة في حال القيام]
اشارة

فنقول بعونه تعالى:

منها الشّك بين الثلاث و الأربع حال القيام

، فيشك في أن ما بيده الثالثة أو الرابعة، فهل يبنى فيه على الأربع مثل ما إذا شك بين الثلاث و الأربع بعد الاكمال و يعمل عمله أم لا؟

منها الشّك بين الخمس و الست حال القيام

، فهل يهدم القيام و تصح مثل الشّك بين الأربع و الخمس بعد الإكمال السجدتين أم لا؟

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 137

منها الشّك بين الثلاث و الأربع و الخمس حال القيام

، فهل يهدم القيام، فيرجع شكه إلى الثلاث و الأربع و يعمل عمله أم لا؟

منها الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع

فيتم صلاته و يعمل عمله أم لا؟

منها الشّك بين الاربع و الخمس و الست حال القيام

فهل يهدم القيام أم لا؟

اعلم أنّه في الفرضين الأولين تصح الصّلاة، ففي الشّك بين الثلاث و الأربع حال القيام يكون مثل الشّك بين الثلاث و الأربع حال الجلوس بعد الإكمال، لأنّ الشاك في هذا الحال شاك في أن ما بيده هل هى الثالثة أم الرابعة فيتمها رابعة، لأنه بالنسبة إلى الركعات التامة يكون شاكّا بين الاثنتين و الثلاث مضافا إلى أن دليل الدال على وجوب البناء على الأربع في الشّك بين الثلاث و الأربع بعد الإكمال يشمله بإلغاء الخصوصية، و على كل حال يبنى على الأكثر و يأتي بركعة عن قيام أو ركعتين من جلوس، سواء كان من الشّك بين الاثنتين و الثلاث، أو الثلاث و الأربع، لأنّ عملهما على ما بينا سابقا من حيث صلاة الاحتياط و جبر نقص المحتمل، يكون واحدا.

و في الشّك بين الخمس و الست حال القيام حيث إنّه يجب هدم القيام على كل حال، لأنّه إن كان ما بيده خامسة يجب هدمه، و إن كان سادسة يجب هدمه أيضا، و بعد الهدم تصح الصّلاة، غاية الأمر يسجد سجدتى السهو إن قلنا بوجوبه في مثل المورد.

و أمّا في الثلاثة الأخيرة فقد يقال فيها: بوجوب هدم القيام، و رجوع شكه إلى أحد من الشّكوك الصحيحة المنصوصة المتقدمة، و لكن الحق فساد ذلك، لأنّه لا وجه لهدم القيام و لا موجب له، و مع عدم هدم القيام ليست من صغريات

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 138

احد الشكوك الصحيحة:

هذا كله في الشّكوك الغير المنصوصة الّتي يطرأ للمصلى حال القيام،

[في ذكر طرو بعض الشكوك بعد اكمال السجدتين]
اشارة

و هنا بعض الشّكوك المتصورة غير الشكوك المنصوصة، و لكن لا حال القيام، بل بعد إكمال السجدتين حال الجلوس.

منها الشّك بين الأربع و الخمس و الست بعد الإكمال

، فهل هو مثل الشّك بين الاربع و الخمس بعد الإكمال أم لا؟

و منها الشّك بين الثلاث و الأربع و الخمس بعد الإكمال

، فهل يعمل فيه عمل الشّك بين الثلاث و الأربع، و الأربع و الخمس و تصح الصّلاة أم لا؟

و منها الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع و الخمس بعد الإكمال

السجدتين، فهل يعمل فيه عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع و عمل الشّك بين الأربع و الخمس و تصح صلاته أم لا؟

لا يبعد الصحة في كل الصور بالنحو المذكور، ففي الفرض الأوّل يعمل عمل الشك بين الاربع و الخمس، لأنّه لا فرق في الشّك في الزيادة بين كون المحتمل الخمس، أو كان الخمس و الست، و في ساير الصور تصح بعمل العملين عمل كل شك مع عمل الشك بين الأربع و الخمس، و تصح الصّلاة في كل الصور، فافهم.

هذا تمام الكلام في الشّك في الركعات، و بعد ذلك يقع الكلام في بعض شكوك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 139

أخر إن شاء اللّه فنقول بعونه تعالى:

اعلم أنّه كما بينا سابقا يكون الشّكوك المربوطة بالصّلاة على أقسام، فبعضها يوجب بطلان الصّلاة كالشك الّذي يكون أحد طرفيه الركعتين الأولتين فما لم يكن الاوليان متيقن الوجود فالشك موجب لبطلان الصّلاة، و بعضها لا يوجب البطلان و تصح معه الصّلاة، و لكن يوجب التلافى، كالشكوك الّتي يبنى فيها على الأكثر أو الأقل، و لكن يجب سجدتى السهو كالشك بين الأربع و الخمس، و بعضها لا اعتبار به و قد بينا بعض صوره كالشك بعد التجاوز، و الشك بعد الفراغ، و الشك بعد الوقت.

و قد بقى بعض الشّكوك الّتي لا اعتبار به بمعنى أنّه لا يعتنى به و يصح مع طروه الصّلاة، و لا يفسدها و نتعرض له إن شاء اللّه.

[في حكم كثير الشك]
اشارة

منها أنّه لا حكم للسهو مع كثرته، لا إشكال في الحكم في الجملة و لا أجد مخالفا بل عدّه بحر العلوم رحمه اللّه من المسلمات، بل الضروريات، فعندنا يكون من المسلمات في الجملة، و ما ارى تعرضا له

في كلمات العامة من حيث اختصاص كثرة السهو بحكم خاص، و بعد كون هذا الحكم في الجملة من المسلمات و يكون الخلاف في بعض فروعه نتعرض لاخبار الباب إن شاء اللّه فنقول:

[في ذكر الروايات الواردة في كثير الشك]

الأولى: ما رواها حريز عن زرارة و أبى بصير جميعا (قالا: قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتّى لا يدرى كم صلّى و لا ما بقي عليه؟ قال: يعيد. قلت: فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك. قال: يمضى في شكه، ثمّ قال: لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصّلاة فتطيعوه، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرن نقض الصّلاة، فانّه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك. قال

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 140

زرارة: ثمّ قال: إنما يريد الخبيث أن يطاع، فاذا عصي لم يعد إلى أحدكم). «1»

الثانية: ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يكثر عليه الوهم في الصّلاة، فيشك في الركوع، فلا يدرى أركع أم لا، و يشك في السجود، فلا يدرى أسجد أم لا؟ فقال: لا يسجد و لا يركع و يمضى في صلاته حتّى يستيقن يقينا الحديث). «2»

اعلم أن مورد هاتين الروايتين هو السهو المساوق للشك للتصريح فيهما بذلك.

الثالثة: ما رواها العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فانّه يوشك أن يدعك، إنما هو من الشيطان). «3»

الرابعة: ما رواها ابن سنان عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك). «4»

و أمّا بعض الروايات الّتي توهّم دلالته على ما نحن فيه مثل ما رواها صاحب الوسائل في

ذلك و هى الرواية 4 من الباب المذكور، فلم يكن مربوطا بالمقام، و روى رواية بظاهرها ربما تعارض مع الرواية المذكورة، و هى غير معمول بها و معرض عنها.

[في ذكر بعض الفروع فى المقام]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: بأن الكلام في الجهات الراجعة إلى المسألة يقع في فروع:

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 8، ص: 140

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 141

الفرع الأوّل:
اشارة

هل هذا الحكم مخصوص بالسهو المساوق للشك، و بعبارة اخرى السهو الّذي منشأ للجهل البسيط، فإذا كان الشخص مبتلى بكثرة الشّك فلا حكم له، أو يكون هذا الحكم لمن كثر سهوه بالسهو المصطلح المساوق للجهل المركب، فمن يكون كثير السهو و ينسى كثيرا فلا حكم له، أو يعم الحكم لهما؟

اعلم أن الظاهر من كلام الفقهاء رحمه اللّه هو اختصاص هذا الحكم بالشّك أى بالسهو المساوق للشك، و قد يقال بتعميم الحكم للشك و للسهو المصطلح، و هو مختار المحقق الثانى رحمه اللّه و بعض اخر، و قد أصرّ بذلك صاحب الذخيرة رحمه اللّه، و لا يرى قائل بذلك قبل المحقق الثانى رحمه اللّه و إن تخيّل ذلك، لكن ليس كذلك، بل اكتفى القدماء بنفس ما في النص، و هذا لا يدل على انهم تعدّوا الحكم عن كثير الشّك إلى كثير السهو.

و ما قيل في وجه تعميم الحكم لكل من الشّك و السهو المصطلح عندهم هو أن يقال: بأنّه بعد كون الوارد في بعض الروايات المربوطة بالباب لفظ (السهو) و لفظ السهو و إن كان موضوعا لخصوص معناه المصطلح، و استعماله في الشّك

يكون مجازا و لكن يحمل لفظ (السهو) في هذه الروايات على كل من القسمين بعموم المجاز، لاستعمال السهو في الشّك كثيرا في الروايات.

[كل من السهو المصطلح و الشك فرد من السهو]

و لكن نقول: بأنّه على ما بينا في أول مبحث الخلل من أنّ كلا من الشّك و السهو المصطلح سهو، لأنّ السهو هو الذهول عن الواقع، و ذهول الواقع يصير تارة سببا لترك ما ينبغى فعله، أو فعل ما ينبغى تركه، و لا يلتفت إلى ذلك الساهى، بل يعتقد خلافه حال السهو، ثمّ بعد ذهاب السهو و التفاته يتوجه بأن ذهوله عن الواقع صار سببا لترك ما يلزم فعله، أو فعل ما يلزم تركه، فيكون نسيانه هذا مساوقا مع الجهل المركب، لأنّ حال السهو يعتقد على خلاف الواقع لأجل سهوه، و غروب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 142

الواقع عن نظره، ففي هذا القسم لا يلتفت الساهى إلى سهوه إلا بعد ذهاب السهو و التفاته.

و تارة السهو و ذهول الواقع يصير سببا للتردد و الشك، بمعنى أن غروب الواقع عن نظره يصير سببا للترديد و الشك، و هذا السهو مساوق مع جهل البسيط، و لازمه التردد و السهو، ففي هذه الصورة يكون الساهى حال سهوه ملتفتا بسهوه، و لأجل سهوه يشكّ في ما هو الواقع.

فالقسم الأوّل هو ما اصطلح عليه السهو عندهم، و القسم الثانى الشك، فظهر لك ممّا مر أن كلا من السهو المصطلح و الشك فرد من السهو، لأنّ منشأ كل منهما هو السهو و غروب الواقع، فليس استعماله في كل واحد منهما استعمالا في المعنى المجازى كما تخيّل، و لهذا من قال بتعميم حكم كثرة السهو لكل من القسمين قال بصحة ذلك بعموم المجاز أى: استعمال اللفظ في الجامع بين

معنى الحقيقى و المجازى، بل السهو موضوع لذهول الواقع، سواء كان هذا الذهول مساوقا للسهو المصطلح أو للشك.

إذا عرفت ذلك نعطف عنان الكلام إلى أنّه هل يكون عدم الحكم لكثرة السهو مختص بالسهو المساوق للشك أو بالسهو المصطلح، أو بكليهما.

فنقول: بأنّه يمكن أن يقال في وجه التعميم: بأن السهو على ما قلت أعم فيشمل كلا من القسمين.

و فيه أن أخبار الباب لا يشمل إلا السهو المساوق للشك، بيانه أن السهو المصطلح إذا عرض للشخص فسهى الواقع، فلا يلتفت الساهى بسهوه حال السهو، فلا معنى لتوجيه الخطاب إليه بأنّه (فامض في صلاتك و لا تعتن بسهوك) لأنّ سهوه مانع من التفاته بذلك، فإن توجه إليه الأمر بالمضىّ أو عدم الاعتناء بالسهو فلا بدّ و

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 143

أن يتوجه نحوه بعد ذهاب سهوه و التفاته بأنّه لأجل السهو و ذهول الواقع سها عن الشي ء الفلانى لازم الترك فاوجده للسهو، أو لازم الوجود فسهى و تركه، فيقال له امض في صلاتك أو لا يضرّ سهوك.

إذا عرفت ذلك تعرف أنّه لو كانت الرواية 3 و 4 الواردة فيها لفظ السهو ناظرتين إلى السهو المصطلح المساوق للجهل المركب و أنّه لا يعتنى به، فلا يمكن كونهما ناظرتين به و أنّه فامض في صلاتك إذا كثر عليك السهو حال السهو، لأنّه حال السهو غير ملتفت بالسهو، فالأمر بالمضىّ لو كان شاملا له فلا بد من توجهه به بعد سهوه.

فاذا كان كذلك نقول: بأنّه لا تشمل الروايتان لهذا السهو.

أمّا أوّلا فلأنّه بعد كون الأمر بالمضىّ في الروايتين بكثير السهو فيشمل السهو المساوق للشك، لأنّ الساهى الّذي صار سهوه عن الواقع سببا لطرو الشك له، فهو حال الشّك يلتفت بسهوه،

و حيث إنّه يلتفت بسهوه، و لكن مردد و شاك في الواقع، فيصح أن يقال له، و يأمر به في صورة كثرة شكه بأنّه امض في صلاتك، و لكن من يكون ساهيا بالسهو المصطلح، فلو توجه به التكليف بالمضى فلا يتوجه به إلا بعد ذهاب سهوه، لأنّ في هذا الحال يمكن أن يقال له: امض في صلاتك.

فاذا كان الأمر كذلك، نقول: بأن ما يسهو فيه بالسهو المصطلح، و كثر سهوه فيه إمّا ان يكون ممّا ينبغى تركه فيفعله و يوجده سهوا، و إمّا ان يكون ممّا ينبغى فعله فيتركه سهوا، فإن كان السهو صار سببا لوجود ما كان اللازم تركه، فإن كان الحكم الثابت له ثابتا حال العمد و السهو كليهما، و بعبارة اخرى يجب تركه حال العمد و السهو، فلا يشمله الروايتين، لأنّ الروايتين أعنى 3 و 4 من الروايات المتقدمة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 144

تكونان ناظرتين إلى السهو و أن الحكم الثابت للسهو لا يكون في مورد كثرة السهو، فلا يرتفع بهما ما ثبت لا بعنوان السهو، فإن كان الحدث مثلا ممّا يجب تركه في الصّلاة مطلقا أى: في حال العمد و السهو، فليس حكما ثابتا له بعنوان السهو، حتّى يقال: ليس هذا الحكم في صورة كثرة السهو فمثل هذا الحكم الثابت لا بعنوان السهو غير داخل في الروايتين.

و إن كان حكما ثابتا لأحد التروك بعنوان السهو، فان كان هذا الحكم حكما توسعيا موافقا للامتنان مثل أنّه دل الدليل على أن الكلام إذا صدر عن المصلّى سهوا فلا تبطل به الصّلاة، فأيضا هذا الحكم ممّا لا يمكن أن يقال بعدمه في صورة كثرة سهوه، لأنّ معنى ذلك هو أنّه إذا سها و

تكلم المصلّى لا تبطل به الصّلاة، و لكن إذا كثر في سهوه و كثيرا يسهو و يتكلم، فليس هذا الحكم و معنى عدم كون هذا الحكم هو بطلان الصّلاة في صورة كون المصلّى كثير السهو في التكلم، و هذا على خلاف الامتنان، لأنّ لازم ذلك كون لسان (إذا كثر في سهوه فليمض في صلاته) التضييق لا التوسعة، و الحال أن لسانه التوسعة لا التضييق، و أمّا إن كان حكما ثابتا للسهو لما بعد الصّلاة مثلا قال: إذا سها و ترك التشهد، أو سجدة واحدة، يجب قضائهما بعد الصّلاة، أو يجب سجدتى السهو في بعض موارد السهو، فهذا المورد لا يشمله الروايتين، لأنّ فيهما قال عليه السّلام: يمضى في صلاته، و هذا حكم متعلق بالمصلّي حال الصّلاة، فلا نظر له بالتكاليف الثابتة للسهو المصطلح بعد الصّلاة، لأنّ الأمر (بامض في صلاتك) أو (يمضى في صلاته) لا يناسب إلا حال الصّلاة، و لا يقال بعدها (فليمض في صلاته أو امض في صلاتك) نعم لو كان حكم ثابت حال السهو لبعض ما يجب تركه بعنوان السهو المصطلح حال الصّلاة و كان لسانه التضييق، فكان

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 145

الممكن أن يقال: بأن الروايتين بلسانهما ناظران إليه و أن هذا الحكم لا يكون في صورة كثرة السهو، و لا يكون حكم كذلك الثابت للسهو المصطلح بعنوان السهو حتى يكون لهذا الكلام مجال.

هذا كله في ما كان شي ء ممّا ينبغى تركه فيوجده المصلّى سهوا، فقد عرفت عدم مجال لكون الروايتين المتقدمتين ناظرتين به، و أمّا في ما ينبغى فعله فيتركه فنقول أيضا: بأن الروايتين لا يشملها لأنّ هذا الشي ء الّذي يكون المطلوب وجوده و يتركه المصلّى سهوا، إما يكون

شيئا ثبت له الحكم بالايجاد مطلقا في حال العمد و السهو، و ليس له حكم ثابت بعنوان السهو، فكما قلنا لا معنى لكون ما دل على عدم السهو مع كثرته ناظرا إليه، لأنّ ما دل على عدم الحكم في صورة كثرة السهو ناظر إلى الاحكام الثابتة على السهو و أن هذه الاحكام لا يكون مع كثرة السهو لا إلى الأحكام الثابتة على الاعم من العمد و السهو، فلو ترك الركوع نسيانا، و كان كثير السهو في ذلك يعنى ينساه كثيرا، فلا مجال للتمسك بما دل على عدم الاعتناء بالسهو لمن كثر سهوه في عدم بطلان الصّلاة بترك الركوع، لأنّ جزئية الثابتة له ليست حكما ثابتا للسهو حتّى لا يكون هذا الحكم في صورة كثرة السهو، بل حكم ثابت لأعمّ من حال العمد و السهو.

و إمّا يكون حكما ثابتا له بعنوان السهو بعد الصّلاة، مثلا من ترك القراءة نسيانا يسجد سجدتى السهو فأيضا لا تكون الروايتان المتقدمتان ناظرتين به، لما قلنا من أن قوله (فليمض في صلاته) مورده يكون في حال الصّلاة، لأنّ في هذا الحال يصح أن يقال (فليمض) لا بعد الصّلاة، و سجدتى السهو حكم ثابت بعد الصّلاة، و إن كان حكما ثابتا لما ينبغى فعله حال السهو و موافق للامتنان و التوسعة،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 146

مثلا دل الدليل على أنّه لو نسي السورة و مضى محله لا بأس به، فلا معنى لكون من كثر سهو فليمض ناظرا به، لأنّ لازم ذلك كون لسان الدليل الدال على عدم الاعتناء بالسهو مع كثرته موجبا لعدم الحكم الثابت للسهو، و هو عدم بطلان الصّلاة بترك هذا الجزء، فلازمه بطلانها بتركه إذا كان كثيرا ما يتركه

سهوا، و لازم ذلك كون كثير السهو في الضيق، و هذا خلاف ادلته فلا يبقى مورد يمكن لشمول قوله (إذا كثر السهو فليمض في صلاته) لصورة سهو المصطلح أعنى: في صورة فعل ما يكون المطلوب تركه، أو ترك ما يكون المطلوب فعله سهوا.

فعلى هذا نقول: بأنّه لا تشمل روايات الباب حتّى ما فيه لفظ (السهو) إلا السهو المساوق مع التردد و الشك، فلو كان المصلّى كثير الشّك في صلاته فليمض في صلاته.

و أمّا ثانيا فيمكن دعوى كون ظاهر قوله عليه السّلام (إذا كثر عليه السهو فليمض في صلاته) هو السهو المساوق للشك بدعوى أن ظاهره هو أن في حال السهو يمضى في صلاته، و لا يمكن ذلك الا في السهو المساوق للشك، لأنّ في السهو المصطلح لا يمكن الأمر به بالمضى مع كثرة السهو، فتأمل و العمدة، هو الوجه الأوّل، فافهم. فظهر لك أن هذا الحكم ليس الا في من كثر شكه لا في من كثر سهوه المصطلح المقابل للشك.

الفرع الثاني:
اشارة

روى محمد بن على بن الحسين (الصدوق رحمه اللّه) باسناده عن محمد بن أبى عمير عن محمد بن أبي حمزه أن الصادق عليه السّلام قال: إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو. «1»

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 147

[في ذكر الاحتمالات المتصورة في (كل ثلاث)]
اشارة

فيقع الكلام في أن الضابط الّذي ذكر عليه السّلام في الرواية من أن الرجل إذا كان يسهو في كل ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو، ما المراد منه و بعبارة اخرى ما المراد من قوله (يسهو في كل ثلاث) حتّى يقال: بأن مع تحققه تحقق موضوع كثرة الشك، فنقول: إن هنا احتمالات:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون المراد من السهو (في كل ثلاث) السهو في اليوم و الليلة في ثلاث صلوات.

الاحتمال الثاني:

أن يكون المراد من قوله (في كل ثلاث) الشّك في كل ثلاث صلوات ثلاث مرات، فيكون المراد أنّه يشكّ ثلاث مرة في تسع صلوات.

الاحتمال الثالث:

أن يكون المراد من (كل ثلاث) كل ثلاث شك فيه سواء كان ثلاث جزء من الأجزاء، أو في ركعة ثلاث أو في ثلاث مرّات في ثلاث صلوات في كل واحدة مرة.

الاحتمال الرابع:

ان يكون المراد من ثلاث، ثلاث صلوات و يقال: إن في ذلك احتمالين: الأوّل أن يكون المراد من (كل ثلاث) العام المجموعى، فيكون المراد أنّه يسهو في كل ثلاث صلوات مرة، الثانى أن يكون أفراد العام ثلاث أفراد، فلو شك في كل واحد من هذه الثلاثة فتحقق موضوع كثير السهو، و يمكن فرض بعض احتمالات اخر في المقام.

إذا عرفت ذلك فأىّ احتمال من الاحتمالات أقربها؟ فنقول بعونه تعالى: بأن الظاهر أن محمد بن أبى حمزة الراوى للرواية عن الصادق عليه السّلام يكون عالما بأمرين، و هذان الامران معهودان عنده:

الأوّل أن للسهو في الصّلاة بعنوانه بعض الأحكام المجعول من قبل الشارع.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 148

الثانى أن هذه الاحكام المجعولة للسهو في الصّلاة تزيل إذا كان الشخص كثير السهو أى كثير الشك.

[في ذكر الرواية في الباب]
اشارة

و حيث إن الراوى يعلم بهما قال عليه السّلام (إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو) لأنّه كان في مقام بيان ضابط لكثير السهو، و لو لم يكن الراوى معهودا بحكم للسهو، و عدم كون هذا الحكم مع كثرته، لا يفهم من هذه الرواية شي ء، و بعد كون الراوى عالما بالأمرين فما هو المعهود به و عالم به هو كون الصّلاة من حيث السهو بمعنى الشّك محكوما ببعض الأحكام، و أن هذا الحكم يزيل بكثرة الشك، فيكون تميز لفظ الثلاث في قوله عليه السّلام في الرواية (إذا كان الرجل يسهو في كل ثلاث) هو الصّلاة، فيكون المراد أنّه إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل ثلاث صلوات فهو ممّن كثر عليه السهو، و عدم ذكر الصّلاة بعد قوله (ثلاث) يكون من باب معلومية كونها هو تميز ثلاث لمعهودية

كون السهو للصّلاة، و كون عدم حكم لكثرة السهو في الصّلاة، فاكتفى عليه السّلام بالمعهودية و لم يذكر (صلوات) بعد لفظ (ثلاث) فنفهم بمقتضى المعهودية الّتي بيناها كون المراد هو أنّه إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل ثلاث صلوات فهو ممّن كثر عليه السهو.

[في ذكر الاحتمالان في الرواية]
اشارة

فإذا كان تميز ثلاث (صلوات) فيكون للرواية احتمالان:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون المراد (من كل ثلاث صلوات) هو أن الرجل إذا شك في كل ثلاث صلوات بنحو يكون المجموع من ثلاث صلوات فردا واحدا، فيكون المراد أنّه إذا شك في كل ثلاث صلوات يعنى: في كل ثلاث صلوات يشك، لا في كل واحد من الصلوات الثلاثة، بل في مجموعها يشك.

و هذا الاحتمال لا يمكن الاخذ به و الالتزام به، أمّا أولا فلأنّه على هذا لم يبين

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 149

الحد و الضابط، لأنّه لا يستفاد من الرواية إلا أنّه إذا شك في كل ثلاث صلوات فهو ممن كثر عليه السهو، فهل يكون محقّق كثرة السهو، الشّك في ثلاث صلوات مرة واحدة، فبمجرد أنّه في ثلاث صلوات شك مرة تحقق موضوع كثرة السهو أو مرتين أو مرات، و بعبارة اخرى لا بدّ في تحقق موضوعه في أن يشكّ مرّات عديدة في كل ثلاث صلوات شكا، أو في يوم و ليلة يشكّ في كل ثلاث صلواته كما هو مقتضى لفظ (كل) لأنّ ظاهر لفظ (كل) كون الشّك في كل ثلاث صلوات من صلواته، فلا يتحقّق الموضوع إلى اخر العمر، و مع ذلك بعد الترديد في كون الموضوع لتحقق كثرة السهو أىّ من الاحتمالات فلا تعيّن الرواية الحد المحقق لكثرة السهو و الحال أن الرواية في مقام ذلك.

و ثانيا أنّه يبعد ذلك الاحتمال انّ جعل الشّك في كل صلوات ثلاثة مرة موضوعا لكثرة السهو لا خصوصية فيه بالنظر، لأنّه على تقدير كون المحقق لكثرة السهو الشّك في كل ثلاث صلوات فيقال: بأنّه أىّ خصوصية في ثلاث صلوات صار الشك فيه محققا لموضوع كثرة السهو، و ما الفرق بينه

و بين كون الشّك في كل صلاتين مرة أو أربع صلوات مرة (اللهم إلا أن يقال بأن هذا تعبد صرف، فتأمّل)

الاحتمال الثاني:

أن يكون المراد من كل ثلاث صلوات بناء على ما قلنا من كون تميز (ثلاث) صلوات هو وقوع الشّك في كل من ثلاث صلوات بمعنى أنّه إذا شك المصلّى في الصّلاة الأولى شكّا و في الثانية شكّا أيضا و في الثالثة شكّا أيضا، فهو شك في كل ثلاث صلوات و تحقق موضوع كثرة الشّك فإذا كان تحقق الشّكوك في ثلاث صلوات متواليات، لا مجرد وقوع الشّك و لو على التناوب مثلا شك في هذا اليوم في صلاة و في يوم اخر في صلاة و في يوم ثالث في صلاة، فبهذا لا يصير

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 150

الشخص كثير الشك، لأنّ الشّك بهذا النحو يتفق غالبا للأشخاص فلا بدّ من تواليه.

و هذا الاحتمال، و إن كان اقرب بحسب الاعتبار من الاحتمال الأوّل و لكن ما يبعّده هو لفظ (كلّ) لأنّه إن كان المراد من الرواية هذا الاحتمال، فلا حاجة إلى لفظ (كل) لأنّه إن قال عليه السّلام (في ثلاث صلوات) يفيد هذا المفاد أعنى: المحتمل في الاحتمال الثانى، و لا حاجة إلى لفظ (كل) لأنّه إذا قال (إذا كان الرجل ممّن يسهو في ثلاث صلوات) يكون معناه أنّه إذا سها في ثلاث صلوات في كل واحد منها فهو ممن كثر عليه السهو بلا حاجة إلى لفظ (كل).

إن قلت: إن الإتيان بلفظ (كل) يكون لبيان ان الشّك لا بدّ و أن يقع في كل واحد من الصلوات الثلاثة.

أقول: إن (ثلاث صلوات) بدون لفظ (كل) تقيد ذلك، لأنّه لو قال (إذا كان الرجل ممن يسهو في

ثلاث صلوات) يفيد كون الشّك في كل واحد من هذه الثلاثة بدون حاجة إلى إتيان لفظ (كل).

إن قلت: إن لفظ (كل) جاء به لإفادة أن الشّك إذا وقع في كل جزء من أجزاء هذه الصلوات الثلاثة، تحقق موضوع كثرة السهو، فإن كان الكلام بدون لفظ (كل) يفيد الجملة أن الشّك إذا كان في ثلاث صلوات و لا دلالة له على أن هذا الشّك الواقع في كل من ثلاث صلوات، بل لا بدّ و أن يقع في شي ء واحد، أو اشياء مختلفة و لفظ (كل) يدلّ على أن الشّك إذا وقع في كل جزء من ثلاث صلوات تحقق الموضوع، فلو شك في الصّلاة الأولى في سجودها و في الثانية و الثالثة في سجودها أيضا موضوع كثرة السهو، كذلك لو شك في الأولى في سجودها و في الثانية في الركعة و في الثالثة في التشهّد مثلا تحقق الموضوع أيضا، فيكون المراد إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 151

جزء من كل ثلاث صلوات فهو ممّن كثر عليه السهو.

قلت: هذا أيضا غير تمام، لأنّ لازم ذلك كون لفظ (كل) مفيد الاستيعاب للأجزاء لا للأفراد، و الحال أن لفظ (كل) لدلالته على استيعاب الحكم للافراد، فالأخذ بالاحتمال الثانى مشكل.

[يمكن ان يقال في توجيه الرواية وجها آخرا]

و يحتمل عدم كون ما نقل محمد بن أبى حمزه عن الصادق عليه السّلام عين كلام الإمام عليه السّلام «1».

______________________________

(1)- (أقول: قلت بحضرته مد ظله العالى: بأنّه يمكن أن يقال في ما هو مفاد الرواية نحوا أخر، و هو أن يقال كما بين سيدنا الاعظم مد ظله العالى يكون الراوى لهذه الرواية أعنى: محمد بن أبى حمزه معهودا بأمرين:

الأوّل جعل بعض الاحكام للشك في الصّلاة،

الثانى عدم هذا البعض من الاحكام لمن كثر سهوه في الصّلاة سواء كانت كثرة سهوه في الأفعال، أو في الركعات، كما يظهر من بعض روايات المتقدمة الواردة في كثير السهو من الفرض من كونه كثير السهو في السجود و غيره، فما هو المعهود عند هذا الراوى هو كون كثير الشّك في الأجزاء و الافعال و الركعات من الصّلاة، لا حكم له من حيث شكه، و بعد ذلك نقول: بأنّه قال عليه السّلام في الرواية (إذا كان الرجل ممّن يسهو في كل ثلاث) و لم يذكر متعلق ثلاث و بعبارة اخرى لم يبين عليه السّلام تميز ثلاث و بعد عدم ذكر متعلقه نقول:

بتعميم هذه الجملة أى (في كل ثلاث لكل ثلاث) لكن لا التعميم بحيث يشمل كل ثلاث حتّى غير أجزاء الصّلاة و أفعاله و ركعاته من الأشياء و الأفعال، بل باعتبار المعهودية الّتي بيّنا يكون متعلق ثلاث و تميزه صلوات، أو الجزء، أو الفعل، أو الركعة، فيكون المراد من كل ثلاث اجزاء، أو ثلاث ركعات، أو ثلاث صلوات باعتبار وقوع الشّك فيها و كونها ظرفا للشك، و الا فالشك يكون في جزء أو فعل أو ركعة من الصّلاة حقيقة، فيحصل كثرة الشّك بالشّك في ثلاث صلوات، أو ثلاث أجزاء أو ثلث ركعة من ركعات الصّلاة، و لفظ (كل) يكون لإفادة أن محقّق كثرة يكون كلّ جزء من الأجزاء و كل ركعة من الركعات، و كل صلاة فتكون النتيجة أنّه لو شك في ثلاث

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 152

و بعد اللتيا و الّتي يشكل الحكم بظهور الرواية في شي ء من هذا الحيث.

و اعلم أنّه لو كان ظاهر الرواية هو كون محصل كثرة السهو، السهو في ثلاث

______________________________

صلوات أىّ صلاة كانت أو في ثلاث أجزاء في صلاة واحدة، أو فى ثلاث ركعات في صلاة واحدة أىّ جزء كان و أى ركعة كانت، أو ثلاث مرات شك في أشياء مختلفة في صلاة واحدة، أو ثلاث صلوات، فهو ممّن كثر سهوه.

و بعد ما قلت ذلك قال مد ظله العالى في الجواب: بأنّه هل يمكن الالتزام بأن النظر في الرواية يكون إلى هذا الاحتمال بهذا النحو أم لا؟ و هل يناسب التعبير بلفظ (كل) بناء على ذلك أم لا؟

يشكل ذلك لأنّه لو لم يكن لفظ (كل) فلفظ (ثلاث) يفيد ذلك، فإن قال (إذا كان الرجل يسهو في ثلاث) يفيد إطلاق ثلاث بناء على تعميمه للأجزاء و الركعات و الصّلاة ما قاله من شموله لكل جزء و كل ركعة و كل صلاة، و لكن كما قلت لفظ (كل) يفيد الشمول لأفراده، فكما أنّه إذا قال (أكرم كل زيد) يفيد تعميم الحكم لكل من يكون مسمى بزيد، كذلك إذا قال (كل ثلاث) و كان المراد كل ثلث صلوات مثلا يشمل باعتبار لفظ (كل) لكل صلاة، و لا خصوصية لصلاة فيشمل صلاة الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء مثلا، أو الفريضة و النافلة، أو لو كان ثلاث اجزاء يشمل باعتبار كل جزء كان، أو لو شمل للركعة يشمل باعتبار لفظ (كل) كل ركعة كانت، و لهذا أتى بلفظ (كل) و بناء على التعميم المذكور لا نحتاج في تحقق موضوع كثرة السهو وقوع ثلاث شك في ثلاث صلوات، بل يحصل بوقوع ثلاث شك في صلاة واحدة و لو قلنا بأن تميز ثلاث في الرواية يكون صلوات فقط، إمّا باعتبار أن المعهود وقوع الشّك في الصّلاة عند

السائل، فلهذا يكون المراد في كل ثلاث صلوات، و إمّا باعتبار أن لفظ (في) ظاهر في الظرفية فيكون المراد وقوع الشّك (في ثلاث) يكون ظرفا للشك، فبناء عليه و لو أنّه يقع الشّك في الجزء، أو الفعل، أو الركعة من الصّلاة، و لكن ظرف الشّك الصّلاة، فإذا قال (في كل ثلاث) يكون المراد كل ثلاث صلوات، لأنّ الصّلاة ظرف الشّك فأيضا يصح إتيان (كل) و يناسب ذلك، لأنّه ربما جاء بلفظ (كل) لإفادة تعميم ثلاث صلوات لكل ثلاث صلوات و عدم اختصاصه بوقوع الشّك في صلوات خاصة.

و لكن على هذا تدلّ الرواية على أن كثرة الشّك يحصل بوقوع الشّك ثلاث مرات كل مرة في صلاة، فبعد تحقق الشّك في كل من ثلاث صلوات متواليات يحصل موضوعه، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 153

صلوات، فهو لا يدل على كون الضابط منحصرا به، و يمكن بإلغاء الخصوصية بأنّه كما يحصل بالشّك في ثلاث صلوات يحصل بثلاثة شكوك في صلاة واحدة، لعدم فرق في نظر العرف بينهما.

ثمّ إنّه لو التزمنا بكون مفاد الرواية هو كون محقّق كثرة الشّك وقوع الشّك في ثلاث صلوات، فهل يلزم في ذلك كون الشّك واقعا في صلوات مختلفة، بمعنى أنّه يشك مثلا في صلاة الصبح، ثمّ يشكّ شكا فى صلاة الظهر، ثمّ يشكّ شكا في صلاة العصر، فبعد ذلك يتحقّق موضوع كثرة الشك، أو لا يلزم كون وقوع شكوك ثلاثة في ثلاث صلوات مختلفة، بل يتحقّق بالشّك ثلاث مرّات في ثلاث صلوات متحدة، مثلا شك في صلاة الصبح في أنّه صلّى ركعة واحدة أو اثنتين، ثمّ لأجل كون هذا مبطلا لها أعادها ثانيا، ثمّ شك هذا الشّك في الصّلاة الثانية، ثمّ أعاد الثانية

مرة ثالثة لبطلان الثانية بهذا الشك، ثمّ في المرة الثالثة شك هذا الشك، فهل يتحقّق بهذه الثلاثة في ثلاث صلوات و إن كانت هذه الصلوات صلاة واحدة، و هى الفجر يعيدها لأجل الشّك أو لا، بل لا بدّ من وقوع الشّك في ثلاث صلوات مختلفة كالفرض الأوّل.

[الظاهر تحقّق موضوع كثرة الشك بكل منهما]

الظاهر تحقق موضوع كثرة السهو بكل منهما، و لا يلزم اختلاف الصلوات الثلاثة الّتي يقع الشّك فيها، في محققية موضوع كثرة الشك، و الدليل على ذلك الرواية الأولى من الروايات المتقدمة الّتي ذكرناها حين ذكر الأخبار الواردة في كثرة الشك، و هى ما رواها زرارة و أبو بصير جميعا قالا: قلت له: الرجل يشكّ كثيرا في صلاته حتّى لا يدرى كم صلّى و لا ما بقي عليه؟ قال: يعيد. قلت: فإنه يكثر عليه ذلك كل ما أعاد تشك. قال: يمضى في شكه الخ.

فقوله (قلت: فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك) يدلّ على أنّه يشك اذا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 154

أعاده، فهذه العبارة ظاهرة في أنّه يشكّ في صلاة، ثمّ يعيدها فيشك فيه، ثمّ يعيدها فيشك فيه و كل ما أعاد شك، و في هذه الصورة (قال: يمضى في شكه) فهذا شاهد على تحقق موضوع كثرة الشّك بثلاث شكوك في ثلاث صلوات و إن كانت هذه الصلوات الثلاثة صلاة واحدة أعادها ثلاث مرات، لأجل طروّ الشّك فيها.

[لا يلزم في تحقّق كثرة الشك وقوع الشك فى صلوات متعددة]

ثمّ إن الرواية الثانية من الروايات المتقدمة، و هى ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصّلاة، فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا، و يشك في السجود فلا يدرى أسجد أم لا؟ فقال: لا يسجد، و لا يركع، و يمضى في صلاته حتّى يستيقن يقينا الحديث) «1» تدلّ على أنّه لا يعتبر في محققية كثرة الشك كون وقوع شكوك في صلوات متعددة، كما يحتمل كون ظاهر رواية محمد بن أبى حمزة «2» اعتبار ذلك، بل يكفى وقوع هذه الشّكوك الثلاثة في صلاة مثلا يشكّ في الركعة الأولى

من صلاة في ركوعها، و في ثانيتها في ركوعها، و في ثالثتها في ركوعها أيضا، فبذلك يحصل موضوع كثرة الشك، لأنّ في رواية عمار المتقدمة مع فرض وقوع الشك مكررا في الركوع صلاة، أو في سجودها يتحقّق كثرة الشك، لأنّ فيها (قال فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا، و يشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا. فقال: لا يسجد و لا يركع).

إن قلت: إن الرواية بظاهرها تدلّ على تحقق موضوع كثرة الشّك بشك واحد في صلاة واحدة، و لا يعتبر تعدد الشّك في تحققها على خلاف ما كان مفاد رواية محمد بن أبى حمزة، و ربما يساعد العرف على تعدد الشك.

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 16 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 155

قلت: إن الرواية غير ظاهرة في ذلك، لأنّ السائل بعد فرض كثرة الوهم أولا بقوله (في الرجل يكثر عليه الوهم في الصّلاة) قال (فيشك في الركوع الخ) فلا يكون فرضه صورة شك واحد، بل ربما يكون في مقام بيان ما وقع شكه فيه من الركوع و السجود، لا في مقام بيان وقوعه و في السجود مرة أو مرات، فمن هذا الحيث لا ظهور للرواية حتّى يقال: بدلالتها على كفاية شك واحد في جزء من أجزاء صلاة واحد في تحقق كثرة الشك.

الفرع الثالث:

هل يكون كثرة الظن في الصّلاة مثل كثرة الشك؟ فكما أن كثرة الشّك يزيل الأحكام الثابتة للشك الموجبة لتكليف على المكلف، كذلك كثرة الظن.

اعلم أنّه تارة يكون الشخص كثير الظن و يكون كثرة ظنه بطرف لا يكون ضيقا عليه، بل يسهل له الأمر، مثل من يكون

كثير الظن في أنّه أتى بالأكثر، أو على ما يوجب صحة صلاته، مثلا يظن في الأوليين بالأولى أو بالثانية، بحيث لو لا الظن و العمل به، كان اللازم عليه إمّا إتيان شي ء، أو يلزم فساد صلاته لو لا اعتبار الظن، أو إتيان صلاة الاحتياط لو لا ظنه، مثل ما يظن في الشّكوك الصحيحة بالأكثر، ففي هذه الصورة لا وجه لعدم اعتبار كثرة الظن تمسكا بالروايات الواردة في كثرة الشك، لأنّ لسان هذه الروايات رفع الضيق و الكلفة، و الظن في هذه الصورة موافق لرفع الضيق، فلا وجه للتمسك بها على عدم الاعتناء بكثرة الظن في هذه الصورة موافق لرفع الضيق، فلا وجه للتمسك بها على عدم الاعتناء بكثرة الظن في هذه الصورة.

و تارة يكون كثير الظن و ظنّه يذهب إلى ما يوجب عليه من إتيان عمل أو فساد صلاة، مثلا صار كثير الظن في أنّه لم يركع، أو على الأقل في الصحيحة، فهل يمكن أن يقال: بكون هذا القسم من كثير الظن مثل كثير الشّك من حيث الحكم و

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 156

وجوب المضى أو لا؟

اعلم أن بعض الروايات الواردة في كثير الشّك باعتبار ما في ذيله بأنّه (لا تعودوا الشيطان) يمكن أن يقال: بشموله لكثرة الظن، لأنّ العمل به أيضا يوجب ذلك حتّى نحن قلنا: بأنّه في صورة كون منشأ حصول القطع الوسواس، فلا مانع من النهى عن العمل به، و قلنا: بأن القطع المتعلّق بالأحكام الكلية لا يمكن الردع عن العمل به، للزوم التناقض لا القطع المتعلّق بالموضوع، و على كل حال هذا القسم من كثير الظن نقول بعدم اعتبار ظنّه. «1»

الفرع الرابع:

هل الحكم بالمضى و عدم الاعتناء بالشّك مع كثرته

يختص بما إذا لم يكن طروّ ذلك من جهة عروض عارض من خوف أو همّ أو غير ذلك ممّا يوجب اغتشاش الحواس، أو يعمّ حتّى هذه الصورة؟

منشأ عدم الشمول هو أن يقال: إمّا بانصراف إطلاق أخبار الباب عمّا كان منشأه عروض عارض، و إمّا بأنّه يستفاد ممّا في بعض الأخبار الواردة في المسألة من الأمر بالمضى، و أنّه لا تعدّدوا الشيطان، أن الحكم يكون في صورة كان منشأ كثرة الشّك الوسواس و إغواء الشيطان، فلا يشمل ما إذا كان لأجل عروض عارض اخر على الشخص.

الفرع الخامس:
اشارة

هل الحكم بعدم الاعتناء و المضى في صورة كثرة يكون على

______________________________

(1)- أقول: و هل يمكن القول بانصراف أدلة اعتبار الظن في الصّلاة عن كثير الظن، لكون أدلته منزلة على المتعارف، و كثير الظن خارج عن المتعارف أو لا؟ و إن قلنا بذلك: فتكون النتيجة كون كثير الظن محكوما بالحكم الثابت للمصلّى مع قطع النظر عن الظن، لا بعدم الاعتناء مثل كثير الشك، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 157

سبيل الجواز بمعنى أنّه كما يجوز لكثير الشّك عدم الاعتناء بالشّك و عدم العمل الّذي يقتضي الشّك لو لا كثرته، كذلك يجوز له العمل حتّى مع كثرة الشّك الاعتناء بالشك، كما نسب إلى بعض.

أو لا يجوز له الاعتناء بشكه؟ فلو صار المصلّى كثير الشّك في ركوع صلاته لا يجوز له أن يركع، و بعبارة اخرى هل يكون عدم الاعتناء على سبيل الرخصة أو يكون على سبيل العزيمة؟

اعلم أن المصلّى تارة يشكّ كثيرا في فعل لا تكون زيادته مبطلة (لو لم يأت بها بقصد الجزئية) كالقراءة و نظائرها، فلا يبعد أن يكون إتيانه خصوصا بعنوان الاحتياط و الرجاء بلا مانع، لأنّ مع

فرض إتيانه احتياطا أو بقصد القربة المطلقة لا تصير زيادة و لا مبطلا للصّلاة.

و تارة يشكّ كثيرا في فعل تكون زيادته مبطلة كالركوع و السجود، ففي أمثال ذلك هل يجوز الإتيان، أو لا يجوز إتيانه في صورة كثرة الشّك فيه؟

فنقول: اعلم أنّه على ما ترى كان في بعض روايات الباب الأمر بالمضى قال (إذا كثر عليه السهو فليمض في صلاته) ففي الأمر بالمضى احتمالان:

الأوّل: أن يكون الأمر إرشادا بشرطية المضى، بمعنى أنّه يشترط مع كثرة الشك المضى في الصّلاة، فلو لم يمض فتبطل الصّلاة بفقد شرطها و هو المضى، و هذا الاحتمال بعيد في الغاية.

الثانى: أن يكون الأمر هو الأمر التكليفى، فيجب المضى تكليفا، فعلى هذا الاحتمال لو لم يمض فقد فعل فعلا حراما، و لكن لو أتى بالجزء أو الفعل الّذي صار

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 158

كثير الشّك فيه، لا يوجب إبطال الصّلاة. «1»

و من جمله الشّكوك الّتي لا اعتبار بها شك الإمام مع حفظ المأموم، و شك المأموم مع حفظ الإمام و يمكن عدّ هذا الشّك من جملة الشّكوك الّتي لا اعتبار بها، و يمكن جعلها من جملة الشّكوك الّتي جعل لها الأمارة الّتي يعمل بها، و هى الأخذ بما يقوله المأموم مع شكّ الإمام و بما يقوله الإمام مع شك المأموم.

[من الشكوك الّتي لا اعتبار بها شكّ الامام مع حفظ المأموم و شك المأموم مع حفظ الامام]

ثمّ اعلم أنّه ما نرى تعرضا للقدماء من الفقهاء رحمه اللّه لهذه المسألة إلا عن الشيخ رحمه اللّه في النهاية حيث قال (و لا سهو على من صلّى خلف الإمام يقتدى به، و كذلك لا سهو على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه الخ) و قال في المدارك و الذخيرة: إن الأصحاب قطعوا بأنّه لا شك على الإمام مع حفظ

المأموم و بالعكس، و في كشف الالتباس نسبته إلى الأصحاب و في المفاتيح و الرياض: لا خلاف فيه.

هذا كله بالنسبة إلى المسألة عند الأصحاب رحمه اللّه.

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرة الاستاد آية اللّه العظمى مد ظله العالى في مجلس البحث: بأنّه مع الأمر بالمضى نفهم عدم جزئية الجزء الّذي فيه صار كثير الشّك في هذا الحال، لأنّه مع فرض كون المكلف مأمورا بإتيان الجزء المشكوك مثلا الركوع، فشك فيه كثيرا، فلا معنى للأمر بالمضى في هذا الحال من الشارع إلا بإلقائه جزئية الركوع، لأنّه لو كان مكلفا بإتيان الركوع و يكون جزءا، كيف يأمر بالمضى، فمن الأمر بالمضى نكشف عدم جزئية الجزء المشكوك، فاذا كان كذلك، فلو أتى في هذا الحال بالركوع الّذي صار كثير الشّك فيه مثلا فتصير زيادة تبطل به الصّلاة، فلأجل هذا لا يجوز مع كثرة الشّك الإتيان به، و بعد ذلك لو كشف خلافه و أنّه لم يأت به فبناء على مبنى سيدنا الاعظم مد ظله العالى من كون الأمارات و الاصول في ما يكون لسانه جعل الفرد للطبيعة مجزيا نقول: بعدم وجوب إعادة الصّلاة، و بناء على قول من يقول بعدم الإجزاء فكلّ ما يقول في ساير موارد كشف الخلاف يقول هنا أيضا، و بعد ما قلت ذلك صار مورد قبوله مد ظله، و اختاره في يوم اللاحق، اللهم احفظه و أيده. (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 159

[في ذكر الروايات المربوطة بسهو الامام و المأموم]
اشارة

و أمّا الأخبار:

الأولى:

ما رواها ابن ابى عمير عن حفص بن البخترى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و ليس على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة). «1»

و هل المراد من السهو هو السهو المصطلح المقارن بجهل المركب، أو السهو المقارن للشك و جهل البسيط، أو كليهما؟

الثانية:

ما رواها إبراهيم بن هاشم في نوادره (إنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إمام يصلى بأربع نفر أو خمس، فيسبح اثنان على أنهم صلوا ثلاثا، و يسبح ثلاثة على أنهم صلّوا أربعا، يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: اقعدوا، و الإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم، فما يجب عليهم؟ قال: ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الفجر سهو، و لا في الركعتين الاولتين من كل صلاة سهو و لا سهو في نافلة، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الاعادة و الأخذ بالجزم). «2»

و هذه الرواية روى الكليني رحمه اللّه عن على بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، فهما رواية واحدة، و لم يذكر في نوادر إبراهيم بن هاشم أنّه عمن يرويها، و على ما رواها الكليني ينقل يونس الرواية عن رجل لم

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 24 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 24 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 160

الثالثة:

ما رواها الشّيخ باسناده عن سعد عن احمد بن محمد عن موسى بن القاسم و أبى قتادة عن على بن جعفر، و باسناده عن محمد بن على بن محبوب عن محمد بن الحسين عن موسى بن القاسم عن على بن جعفر عن أخيه (قال: سألته عن الرجل يصلّى خلف الإمام لا يدرى كم صلّى، هل عليه سهو؟ قال: لا).

«1»

الرابعة:

ما رواها هذيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يتكل على عدد صاحبه في الطواف أ يجزيه عنها و عن الصبى؟ فقال: نعم، ألا ترى إنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه، فهو مثله). «2»

[في توضيح المسألة]

هذا كله الروايات الّتي يمكن كونها مربوطة بالمسألة و لتوضيح المطلب نذكر لك مقدمة، و هى أن المعنون عند علماء الاسلام من العامة و الخاصة، يكون مسائل ثلاث بالنسبة إلى السهو المساوق للجهل المركب من حيث سجود السهو في الجماعة على ما ذكره الشيخ رحمه اللّه في الخلاف «3»:

الأولى: إذا سها خلف من يقتدى به تحمل الإمام عنه سهوه، و كان وجوده كعدمه، و في هذه المسألة لا يكون خلاف تقريبا لا بين الخاصة و لا العامة إلا ما عن مكحول الشامى فإنّه قال: إن قام مع قعود إمامه سجد للسهو.

الثانية: إذا ترك الإمام سجود السهو عامدا أو ساهيا و فيها خلاف في الجملة.

الثالثة: إذا لحق المأموم مع الإمام ركعة، أو ما زاد عليها، ثمّ سها الإمام بقي عليه، فاذا سلم الإمام و سجد سجدتى السهو لا يلزمه أن يتبعه.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 24 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 24 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الخلاف، ج 1، ص 463، مسأله 206 و ص 264 مسأله 208.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 161

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا بالنسبة إلى السهو المقارن للترديد و الشك، فلم أر تعرضا في كلمات القدماء ره لهذا أى: للشك الإمام مع حفظ المأموم و بالعكس إلا ما قلنا من ان الشيخ رحمه اللّه تعرض له في النهاية، و إن كان كلامه أيضا غير سليم عن الإشكال، لأنّ ما يستفاد من

ذيل كلامه بأنّه مع الاتفاق في السهو يحتاط كل منهما بالاعادة، ما وجه ذلك، و لكن له عبارة في المبسوط «1» يدلّ على تعرضه لهذه المسألة، و إلّا ما عن المحقق رحمه اللّه «2» في المعتبر في ذيل تعرضه لمسألة سهو المأموم و الإمام السهو المصطلح، قال كلاما يظهر منه تعرضه لهذه المسألة، و لكن في غاية الاختصار، و على كل حال يصير الانسان متعجبا في أنّه كيف لم يتعرض أحد من القدماء رحمه اللّه لهذه المسألة.

[في الكلام في اخبار الباب]

إذا عرفت ذلك نقول: أما أخبار الباب فالرواية الأولى من الروايات المتقدمة أعنى: رواية الحفص بن البخترى، و إن كان المحتمل كون المراد من عدم السهو أى: سجدة السهو على الإمام و المأموم لاستعمال السهو في سجدتى السهو، و لكن لا يبعد كونها ظاهره في السهو أعنى: الذهول عن الواقع، فهل المراد على هذا مطلق السهو، سواء كان سهوا مساوقا مع الجهل المركب، أو سهوا مساوقا لجهل البسيط و الشك و التردد، أو يختص بالثاني؟

فإن قلنا باختصاص السهو فيها بالسهو المساوق للترديد و الشك، فيكون مفادها عدم حكم لشك كل من الإمام و المأموم مطلقا سواء حفظ كل منهما سهو الاخر أم لا، و لا يمكن الالتزام بذلك إلا أن يقال، كما قال بعض: بأن اطلاق هذه

______________________________

(1)- المبسوط، ج 1، ص 124.

(2)- المعتبر، ج 2، ص 394- 395.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 162

الرواية يقيد برواية يونس أعنى: الرواية الثانية، لأنّ فيها قيد الحكم بصورة حفظ المأموم في شك الإمام و عدم سهو الإمام في صورة سهو المأموم، و هذا مشكل. «1»

و امّا الرواية الثالثة، أى: رواية على بن جعفر، فنسخ التهذيب مختلفة من حيث متنها، ففي بعضها

قال: سألته عن الرجل يصلى خلف الإمام (مع الألف و اللام)- و في بعضها إمام (بدون الألف و الام) فإن كان ما صدر هو مع اللام، فيكون المراد بحسب الظاهر أن السؤال يكون عن رجل يصلّى خلف الإمام لا يدرى كم صلّى يعنى: لا يدرى هذا الرجل كم صلّى هل عليه سهو؟ قال: لا.

[الكلام في المستفاد من الاخبار الواردة في الباب]

و يستفاد من وضع السؤال كون السائل في مقام السؤال من أنّه هل تكون خصوصية للجماعة من هذا الحيث أى: حيث الشّك أم لا. فقال عليه السّلام: لا، فيكون مفاد الرواية أنّه إذا شك المأموم- سواء كان شاكّا بأحد الشّكوك مثلا شاك بين الاثنتين و الثلاث أو الثلاث و الأربع، أو غير ذلك، أو كان شاكّا بحيث لا يدرى راسا في أنّه كم صلّى صلى ركعة أو ركعتين، أو ثلاثا، أو أربعا- فلا يعتنى بشكه، فهذه الرواية تدلّ على المسألة، لأنّ موضوعها الشّك بقرينة لفظ (لا يدرى) و فرض السائل هو السؤال عن حيث شك المأموم في الجماعة، و أن للجماعة خصوصية أم لا.

و أيضا يستفاد من الرواية أن الرجل المأموم لا يدرى، و لكن الإمام مشتغل بعمله و بصلاته، فيستفاد من ذلك كون الإمام حافظا، و لا أقل من أن متيقّن الرواية هذه الصورة أى: صورة حفظ الإمام، ففي هذه الصورة قال (لا سهو عليه) فتدل الرواية على عدم حكم الثابت للشك مع قطع النظر عن ذلك، لمن يكون مأموما في

______________________________

(1)- (أقول: لا مانع من تقييد اطلاقها بها، فافهم) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 163

صورة حفظ الإمام.

و كذلك إن كان الصادر من المعصوم عليه السّلام (امام) نكرة لا (الامام) لأنّ احتمال كون المراد على فرض كون الحديث (خلف إمام)

هو أن قوله بعد ذلك (لا يدرى كم صلّى) أى لا يدرى الإمام كم صلّى بعيد، و ما يقال من أنّه مع تنكير لفظ (امام) يكون (لا يدرى) صفة لامام، فيكون المراد أن الإمام لا يدرى كم صلّى، فالرواية غير مربوطة بالمقام، ليس بتمام، لأنّ لفظ الحديث إن كان (مع الإمام) حيث يكون الألف و لامه للعهد الذهنى، فيكون بحكم النكرة، و على كل حال يكون المراد أنّه حال صلاته خلف امام شك هذا المأموم، لأنّ الظاهر كون السؤال راجعا إلى رجل صلّى خلف إمام و عما وقع عليه من الشك، و أنّه لا يدرى كم صلّى، فهذه الرواية أدلّ بالمقصود من الرواية الأولى، فافهم.

[الكلام في رواية هذيل]

و أمّا الرواية الرابعة أعنى: رواية هذيل، فيمكن دعوى دلالتها على أن رجوع المأموم بالامام كان أمرا مسلما عند السائل، و لهذا قال عليه السّلام باجزاء الرجوع بصاحبته في مقام الطواف، كما أنك ترجع إلى الإمام إذا صليت خلفه و وقع لك الشك، نعم يستفاد من الرواية كون الرجوع في كل من الموردين أى: مورد رجوع المأموم بالإمام، و رجوع الشخص بصاحبه، من باب حصول الظن للشاك منهما.

و اعلم أن الرواية كما نقلنا هكذا كما أن في نسخة من لا يحضره الفقيه المصححة الحاضرة عندنا، هو أن الهذيل يروى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام هكذا (في الرجل يتكل على عدد صاحبته في الطواف، يجزيه عنها و عن الصبي؟ فقال: نعم، ألا ترى إنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله) فليس الراوى أبى هذيل كما في الوسائل، لأنّ المسمّى بالهذيل على ما تتبعنا يكون نفرين: أحدهما الهذيل بن حيان،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 164

و الاخر الهذيل بن صدقة، و

لا يرى توثيق في حقهما، و لكن حيث إن الراوى عنه في هذه الرواية هو ابن مسكان، فلا يبعد كفاية ذلك في توثيقه لأنّ ابن مسكان روى عنه، ثمّ ان بعد لفظ (عدد) في متن الرواية يكون لفظ (صاحبته) لا (صاحبه) كما في الوسائل، و كذلك بعد (صاحبته) يكون (الطواف) لا (الصلوات) كما في الوسائل، لأنّه أمّا أولا لأنّ في النسخة المصححة من الفقيه كما قلنا يكون (الطواف) و ثانيا في فهرست الوسائل عنون هذا الباب الّذي فيه هذه الرواية و هو الباب 24 من أبواب الخلل، قال في ذيل الفهرست (و جواز الاعتماد على الغير في عدد الطواف) و لا يكون في الباب غير هذا رواية مربوطة بالطواف، و ثالثا ذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في الباب 66 من أبواب الطواف و نقل (في الطواف) لا في (الصلوات) فهذا كله دليل على أن اللفظ هو (الطواف).

إذا عرفت ذلك نقول: إن متنها لا يخلو عن الإشكال باعتبار قوله (يجزيه عنها و عن الصبى) فما المراد من قوله و (عن الصبى) لأنّ السؤال يكون عن الرجل يتكل بقول صاحبته أي المرأة الّتي تصاحبه في الطواف، و ليس سؤال عن الصبى في البين فلا بد من حمل قوله (و عن الصبى) إلى أنّه هل يجزيه أى: الرجل الاتكال و الاعتماد و السؤال عن صاحبتها و عن الصبى، يعنى يعتمد على صاحبته و على الصبى في عدد الطواف، ثمّ بعد ما سئل أجاب عليه السّلام (نعم ألا ترى إنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله) يعنى كما أنك في مقام الشّك حال الجماعة تعتمد على الإمام، فهو أى هذا الرجل مثله أى: مثل من يأتم خلف الإمام

من هذا الحيث، و بعد اللتيا و الّتي لا يبعد كون مفاد ذيل الرواية أن رجوع المأموم بالإمام في مقام الشّك في الجملة كان أمرا مفروغا عنه، و لهذا تشبه المعصوم عليه السّلام مورد الشّك في الطواف به، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 165

و أمّا الرواية الثانية أعنى: مرسلة يونس، فهى تدلّ على حكم شك كل من الإمام و المأموم مع حفظ الآخر و إن لم يكن ذيله و هو قوله (فاذا اختلف الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة و الأخذ بالجزم)، لأنّه لو لم يجز في صورة الاختلاف الرجوع، فلا بدّ من عمل الشّك لا الإعادة مطلقا، فهى بذيلها مخالف مع هذا، فافهم.

و قد ظهر لك أن المستفاد من الرواية الثالثة و الرابعة على تقدير دلالتها، هو رجوع المأموم في الشّك بالإمام، و من الرواية الأولى و الثانية حكم كل من الإمام و المأموم.

هذا كله في روايات الباب و مفادها.

[في ذكر بعض الفروع في ما نحن فيه]
اشارة

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في فروع:

الفرع الأوّل:

هل الحكم برجوع كل من الإمام و المأموم بالآخر، يكون في مورد يحصل الظن لأحدهما من قول الآخر، فلو شك أحدهما و يكون الآخر حافظا، و لكن لا يحصل الظن للشاك من قول الآخر الحافظ، لا يعتبر قوله له و لا يرجع إليه، أولا يختص بصورة حصول الظن من قول الحافظ منهما للشاك منهما؟

قد يقال: بأن مقتضى الرواية الرابعة أى رواية الهذيل، هو اعتبار قول الإمام من باب حصول الظن منه لا مطلقا، لأنّ سياقها من اعتبار قول المصاحب في الطواف، في صورة شك الرجل في الطواف، و تنظير هذا المورد بصورة رجوع من يأتمّ خلف الإمام بالإمام، يدلّ على أنّه كما أنّ الظن الحاصل من قول الإمام حجة للمأموم، كذلك حجة للرجل قول صاحبته في الطواف، و لكن مع ذلك لا وجه لتخصيص الحكم بصورة حصول الظن، لإطلاق سائر الأخبار من رجوع الشاك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 166

إلى الحافظ مطلقا سواء حصل الظن له أم لا. «1»

الفرع الثاني:

هل يكون خصوصية للحافظ منهما، الّذي هو المرجع عند شك الآخر، من حيث الرجولية و البلوغ و غير هما، مثلا يعتبر أن يكون الحافظ رجلا أو بالغا، فلا يكفى قول غير الرجل و لا الصبى حتّى بناء على مشروعية عبادته، أولا يعتبر ذلك؟

اعلم أن إطلاق الروايات يشمل كل من يكون حافظا من الإمام و المأموم لشك الآخر، سواء كان الشاك أو الحافظ رجلا أو امرأة، أو بالغا أو صبيا مميزا، لعدم اختصاص في لسان الدليل بأحد من الرجل و المرأة و البالغ و الصبى المميز بناء على شرعية عبادته، فافهم.

الفرع الثالث:

لا إشكال في أن الشاك منهما يرجع إلى الحافظ القاطع منهما، و هذا هو المتقين من الأدلة، و هل يرجع الظان إلى القاطع أم لا، مثلا يكون أحد من الإمام أو المأموم ظانّا بأنّه صلّى ثلاثا و الآخر قاطع بأنّه صلّى أربعا، فهل يرجع هذا الظان إلى القاطع أم لا؟

اعلم أنّه لا وجه لرجوع الظان بالقاطع، لأنّ أخبار الباب ناظرة إلى السهو المساوق للترديد و الشك، و الظان له أحكام أخر، فليس هو شاك حتّى يرجع إلى

______________________________

(1)- أقول: و لكن لا يبعد اختصاص مرجعية أحد من الإمام و المأموم للاخر بما إذا حصل الظن، أمّا أولا فلأنه لو أفادت الرواية الرابعة على ما أفاد مد ظله العالى الاختصاص، فيقيد بها ساير الأخبار على فرض إطلاقها، و ثانيا مع فرض حصول الظن غالبا من الحافظ بحسب المتعارف، فالإطلاقات إن كانت فتنزّل على المتعارف، و هو صورة حصول الظن للشاك.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 167

القاطع في شكه. «1»

الفرع الرابع:

هل يرجع الشاك من كل من الإمام و المأموم بالآخر إذا كان حفظه ناقصا لا تامّا أى لا يكون في مقام الحفظ قاطعا، بل يكون ظانّا، و بعبارة اخرى هل يرجع الشاك منهما إلى الظان منهما أم لا؟

اعلم أنّه يرجع الشاك منهما إلى الظان منهما، لأنّه قال في رواية زرارة بعد أنّه يرجع الإمام إلى المأموم (إذا حفظ عليه سهوه) و المراد من حفظ سهوه هو أن الحافظ يشتغل بإتمام العمل على طبق حفظه، و حفظه هذا يوجب له العمل بوظيفة يعملها من الإتيان، أو عدم الإتيان و الشاك يرجع إليه في حفظه و يعمل بوظيفته و من المعلوم أن الحافظ تارة يقطع، فيعمل بما يعمل في صلاته،

و تارة ظان، فهو مع ظنه حيث يكون له وظيفة باعتبار ظنه يعمل بوظيفته، و لا يكون متحيرا و شاكا، فهو باعتبار حجية ظنّه حافظ لسهوه، فالحفظ أعم من أن يكون حفظا تامّا أعنى: قاطعا، و من أن يكون حفظا ناقصا أعنى: ظانا، و بعد كونه في كلا الصورتين حافظا، فيرجع إليه الشاك، لأنّه مأمور بالرجوع به إذا حفظ عليه سهوه، و على الفرض يكون الظان حافظا كالقاطع، فيرجع الشاك منهما إلى الظان، كما يرجع إلى القاطع منهما.

الفرع الخامس:

إذا كان كل من الإمام و المأموم شاكّا بشكين، و لكن تكون:

بين الشكين رابطة فهل يصح رجوع كل منهما إلى الآخر في ما هو حافظ له أم لا؟

مثلا إذا شك الإمام بين الثلاث و الاربع، و المأموم بين الاثنتين و الثلاث، فهل يرجع

______________________________

(1)- أقول: نعم، لو لم نقل باعتبار الظن في أفعال الصّلاة، أو في الأولتين، فيكون الظان فيهما بحكم الشاك، و لا يبعد لزوم رجوعه إلى الاخر في الجماعة، بمعنى أنّه يرجع هذا القسم من الظان بالقاطع. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 168

كل منهما إلى الآخر في نفي ما يكون مقطوعا بعدمه فينفي الإمام احتمال الأربع بقطع المأموم بعدم الأربع لأنّه شاك بين الاثنتين و الثلاث، فيقطع عدم إتيان الأربع، و كذلك ينفي المأموم احتمال الاثنتين بقطع الإمام، لأنّ الإمام بعد كونه شاكا بين الثلاث و الأربع فهو قاطع باتيان الاثنتين فيرجع إليه المأموم بما ينفى الإمام، و تكون النتيجة انّهما يبنيان على الثلاث في المثال المذكور، لأنّ الإمام الشاك لا بدّ من رجوعه إلى المأموم الحافظ و المأموم بعد كونه شاكّا بين الاثنتين و الثلاث متيقن بعدم إتيانه الرابعة، فهو حافظ بعدم إتيانها فيرجع

الإمام الشاك به و يبنى على الثلاث و كذلك حيث أن المأموم شاك بين الاثنتين و الثلاث فيرجع إلى الإمام في حفظه، لأنّ الإمام بعد كونه شاكّا بين الثلاث و الأربع فهو متيقن في إتيان الثالثة فهو حافظ في ذلك، فيرجع المأموم إليه و يبنى على الثلاث، فهل يصح ذلك أم لا؟

اعلم انّه يظهر لك بعد التوجّه بما قلنا في ما هو المراد من الحفظ في قوله (إذا حفظ عليه المأموم الخ) من أن المراد من الحفظ هو الحفظ الّذي يمكن الحافظ مع قطع النظر عن رجوعه إلى الآخر العمل على طبق حفظه، و لا يكون مرددا و معطلا، كما ترى في القاطع و الظان، فهما حافظان، و معنى كونهما حافظين هو انّهما يعملان بما حفظا بلا انتظار شي ء و في هذا الفرع ليس كذلك، لأنّهما على الفرض شاكّان، فهما مع كونهما متيقنين و قاطعين من حيث، و لكن مع ذلك حيث يكونان فعلا شاكين فلا يمكن لهما العمل على طبق حفظهما، فلا يكون أحدهما حافظا لأمر يعمل على طبق حفظه حتى يرجع الآخر إليه، فالإمام الشاك بين الثلاث و الأربع مع كونه متيقنا بالثلاث، و لكن لأجل شكه لا يمكن له العمل على طبق قطعه، و لهذا لا يمكن له البناء على الثلاث و كذلك المأموم الشاك بين الاثنتين و الثلاث.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 169

إن قلت: إنّه في مفروض الكلام إذا شك كل منهما فيكون كل منهما بعد الرجوع إلى الآخر حافظا بحيث يعمل على طبق حفظه، فيرجع المأموم مثلا إلى الإمام و بعد الرجوع يعمل المأموم على طبق ما تيقن الإمام و، كذلك الإمام يرجع إلى المأموم و يعمل على طبق يقين

المأموم، فهما بعد الرجوع يعملان عملا على طبق حفظ الاخر، فيصدق عليهما انّهما حافظان لسهو الاخر.

أقول: إن هذا يوجب الدور لأنّ حفظ الإمام على الفرض يتوقف على رجوعه إلى المأموم، و رجوعه إلى المأموم لا يصح إلّا مع كونه حافظا و لا يكون هو حافظا إلا بعد رجوعه بالإمام، فيتوقف حفظ كل منهما على الآخر، و هذا دور، فقد ظهر لك أنّه في ما نحن فيه لا يجوز رجوع كل من الإمام و المأموم إلى الآخر.

الفرع السادس:

إذا شك الإمام و شك بعض المأمومين بعين ما شك الإمام، و بعض اخر منهم حافظون لشكه و شكهم، مثلا يصلى الإمام بأربع نفر، فشك الإمام بين الثلاث و الأربع و نفران من المامومين شكّا أيضا بين الثلاث و الأربع، و نفران منهم حافظان للشك و يعلمان مثلا بأن ما بيد الإمام و المأمومين هى الركعة الثالثة، فيقع الكلام أولا في أنّه هل يرجع الإمام إلى بعض المامومين الحافظ للسهو أو لا؟

و ثانيا على فرض جواز رجوعه إلى الحافظ منهم، هل يصح لبعض الآخر من المأمومين الشاك مثل الإمام بين الثلاث و الأربع أن يرجع إلى الإمام في هذا الشّك أم لا؟

أمّا الكلام في الأوّل و هو رجوع الإمام إلى الحافظ من المأمومين، فنقول: إنّه يرجع إليهم، لأنّه لو فرض أنّه كان المأموم منحصرا بواحد من النفرين الحافظين لسهو الإمام و لا يكون لهذا الإمام مأموم غيره، فيكون هذا المأموم هو المرجع له،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 170

و لا سهو للإمام معه، فهكذا مع وجود غيره أيضا يؤثر هذا المأموم أثره من أنّه يرجع إليه و إن كان بعض الاخر من المأمومين شاكا، فمجرد وجود الحافظ للسهو في المأمومين

يكفى لرجوع الإمام إليه، فلا سهو للإمام في الفرض مع حفظ بعض المأمومين.

ان قلت: إن رواية يونس تدلّ على أن رجوعه إليهم يكون في صورة اتفاق المأمومين، لأنّه قال فيها (باتفاق منهم) و مع كون بعض المأمومين شاكا، لا اتفاق لهم حتّى يرجع الإمام في صورة شكه إليهم.

نقول: بأنّه غير معلوم كون متن الحديث (باتفاق منهم) لأنّ في بعض النسخ يكون عوض (باتفاق) (باتقان منهم) فلا يعلم من هذه الرواية اعتبار اتفاقهم في الحفظ لسهو الإمام. «1»

______________________________

(1)- أقول: مضافا إلى أنّه إن كان متن الحديث (باتفاق) يكون الاتفاق مقابل (في اختلافهم) كما فرض في ذيل الرواية، فمعناه كونهم غير مختلفين في الحفظ، فيكون المراد أنّه إذا اتفقوا بمعنى: أنّهم لا يختلفوا في الحفظ بأن يقول بعضهم: بأن الإمام في ركعة فلانية مثلا و بعض الاخر بأنه في ركعة اخرى، فاذا كان بعضهم شاكّا مثل الإمام، فلا يكون لهم نظر، فلا يعدون مخالفا لبعض الآخر حتّى يقال: إن بينهم الخلاف، نعم لو اعتبرنا الاتفاق فليس في ما نحن فيه اتفاق لهم في الحفظ.

و أمّا ما أفاد مد ظله في وجه رجوع الإمام في هذا الفرض إلى بعض المأمومين من أنّه لو كان المأموم منحصرا بواحد من البعض الحافظ في فرض الكلام، يصح رجوع الإمام، فكذلك يجوز في المقام أيضا لأنّ موضوع الرجوع موجود، لأنّه كان في صورة واحدة المأموم مقوما الرجوع به، فكذلك مع زيادة بعض اخر من المأمومين يصح الرجوع و إن كان بعض اخر شاكا، فليس كلامه مد ظله بتمام بنظري القاصر، لأنّ مع واحدة المأموم و فرض حفظه فالمقوم لرجوع الإمام.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 171

هذا تمام الكلام في جواز رجوع الإمام في

هذا الفرض إلى بعض المأمومين و عدمه.

و امّا الكلام في الثانى أعنى: لو فرضنا أن الإمام في هذا الفرع رجع إلى من هو حافظ لسهو الإمام من المأمومين، فهل يرجع بعض اخر من المأمومين الشاك مثل الإمام- بعد رجوع الإمام إلى البعض الحافظ لسهوه- إلى الإمام فكما أن الإمام مثلا في الشّك بين الثلاث و الأربع رجع إلى الحافظين من المأمومين على الثلاث باعتبار أنهم يقولون أن ما بيدك الثالثة، فهل يرجع المأمومين الشاكين إلى الإمام فيبنون على الثلاث أيضا أم لا؟ «1»

______________________________

في السهو هو هذا الواحد، و أمّا إذا كان أكثر فكل منهم مقوم لموضوع الرجوع، فمع شك بعضهم لا يكون الموضوع محقّقا، إلا أن يقال: بكفاية صرف وجود حافظ بين المأمومين، و هو ما قلنا من عدم لزوم اتفاقهم، بل يكفى عدم وجود مخالف لما يحفظه البعض من سهو الإمام، فتأمّل و على كل حال جواز رجوع الإمام في هذا الفرض إلى بعض المامومين الحافظ لسهو الإمام مشكل. (المقرر)

(1)- أقول: قلت بحضرته مد ظله العالى إجمالا: بأنّه لو فرضنا جواز رجوع الإمام في الفرض إلى الحافظ من المأمومين فنقول: بأنّه لو قلنا بأن كلا من الإمام و المأموم يرجعان إلى الآخر إذا حصل للشاك منهما الظن من قول الآخر كما يشعر أو يدل على ذلك رواية الهذيل، ففي المقام بعد رجوع الإمام إلى الحافظ من المأمومين إن لم يحصل له الظن، فلا يمكن له البناء على قولهم حتّى يقال: إن الشاك منهم يرجع إليه، لأنّ اعتبار قولهم له يكون في صورة حصول الظن من قولهم له، و إن حصل له الظن فيصح للشاك من المأمومين الرجوع إليه، لأنّه كما أفاد مد ظله يكون

المراد من قوله (إذا حفظ) هو الحفظ الّذي يصح للحافظ العمل و البناء على طبق حفظه قطعا كان أو ظنّا، و في الفرض يكون هذا الإمام حافظا بعد رجوعه إلى الحافظ من المأمومين، لأنّه حصل له الظن، و يعمل على طبق هذا الظن، و إن قلنا: بأنّه يرجع كل منهما إلى الآخر الحافظ.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 172

فصل: [في توضيح (لا سهو في سهو) او (و لا على السهو سهو)]
اشارة

ورد في بعض الروايات أعنى: في رواية حفص بن البخترى المتقدمة، «1» و رواية يونس المتقدمة، «2» أنّه (و لا على السهو سهو) و (لا سهو في سهو) «3»، و ما نرى تفسيرا و بيانا من القدماء رحمه اللّه لهذه الجملة، و اكتفى في مقام النقل و الفتوى بنقل عين ما روى عن المعصوم عليه السّلام و هو (لا سهو في سهو) و لكن العلّامة في المنتهى على ما حكي ذكر قوله (سهو في سهو) و قال في مقام بيان المراد من هذه الفقرة من الرواية: بأن المراد أنّه لا سهو في الاحتياط الّذي يوجبه السهو، كمن شك بين الاثنتين و الأربع فإنه يصلّى ركعتين احتياطا، فلو سها فيهما و لم يدر صلّى واحدة أم ثنتين لم يلتفت إلى ذلك، ثمّ بعده يظهر من بعض المتاخرين مثل بعض شراح المتون بيانات و احتمالات في هذه الجملة بعد حمل السهو فيها على التجوز، من جهة كثرة استعمال السهو في الشّك في الأخبار.

[المراد من جملة (لا سهو في سهو) ما هو]

منها أن المراد من قوله (لا سهو في سهو) اى: لا سهو في موجب السهو بالكسر.

و منها أنّه (لا سهو في سهو) أى: لا سهو في موجب السهو بالفتح و غير ذلك.

______________________________

لسهو الشاك، سواء حصل الظن للشاك منهما من قول الحافظ للسهو أم لا، فيصح في مفروض الكلام رجوع المأموم الشاك إلى الإمام الشاك الّذي رجع إلى الحافظ من المأمومين في صورة حصول الظن له من قول الحافظين للسهو، لأنّ مع حصول الظن له يعمل على ظنه، فهو أيضا حافظ باعتبار ما قلنا في المراد من الحفظ، فتأمّل. (قلت ما قلت و لم يقل مد ظله العالى شي ء و تمّ البحث، و في يوم

اللاحق عطف عنان الكلام إلى مسئلة اخرى) (المقرّر).

(1)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 24 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 173

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه كما تلونا لك في أوّل الخلل، و في بعض المباحث الراجعة إلى الخلل أن السهو عبارة عن غروب الواقع عن نظر الشخص و غفلة الشخص عما هو الواقع، سواء كان هذا السهو و الغافلة عن الواقع مقارنا مع الجهل المركب، و اعتقاد الشخص على خلاف الواقع، أو كان مقارنا مع الجهل البسيط المساوق للشك و الترديد، ففي كل منهما يكون المنشأ في الغافلة عن الواقع هو السهو، ففي القسم الأوّل أى: في السهو المساوق للجهل المركب، يكون السهو في الصّلاة سببا لفعل ما ينبغى تركه، أو ترك ما ينبغى فعله، لاعتقاده على خلاف ما هو الواقع، و لجهله المركب، فالساهى في هذه الصورة غير ملتفت بسهوه، و لكن بعد ذهاب سهوه يتوجه أن سهوه السابق صار سببا لفعل ما لا يجوز فعله، أو لترك ما يلزم فعله.

و أمّا الساهى في صورة كون سهوه مقارنا لجهل البسيط، فهو في حال سهوه يكون ملتفتا بسهوه و ذهوله عن الواقع، و لهذا يشكّ في ما هو الواقع، فمن هذا الحيث فرق بين السهوين، و كذلك فرق بينهما من حيث أن الاحكام الثابتة في للسهو يكون لخصوص السهو المقارن للشك من البناء على الأكثر، أو سجدة السهو في الشّك بين الأربع و الخمس، و البطلان و غير ذلك، فهذه الاحكام أحكام ثابتة للسهو أى:

للشك، فاذا سها المصلّى و شك بين الاثنتين و

الثلاث يبنى على الثلاث و يأتي بركعة مفصولة، فهذا الحكم حكم مترتب على السهو المقارن للشك، و أمّا في السهو المصطلح أى: السهو المقارن للجهل المركب، فكل حكم يكون في مورده، و بعد توجهه بسهوه في الآن الثانى، فهو حكم مترتب على نفس إتيانه بما لا ينبغى إتيانه، أو على ترك ما ينبغى فعله، فالحكم بوجوب سجدتى السهو في صورة ترك السجدة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 174

الواحدة أو التشهّد نسيانا، أو غير ذلك، فهو حكم مترتب على عدم إتيانهما، لا حكم مترتب على سهو هما.

[في ذكر الامور مربوطة بما نحن فيه]
اشارة

و بعبارة اخرى السهو المساوق للجهل المركب ليس موضوعا لأحكام في الصّلاة، بخلاف السهو المساوق للشك و الترديد، إذا عرفت ذلك كله يظهر لك أمران:

الامر الأوّل:

أن المراد هنا من قوله (لا سهو في سهو) أو (لا سهو على السهو) هو أنّه لا سهو في ما يوجبه السهو، و ما يوجبه السهو على ما عرفت، ليس إلا السهو المقارن للشك، لأنّه كما قلنا، ليس للسهو المساوق للجهل المركب حكما متفرعا عليه، و عارضا على المصلّى بعنوان السهو بحيث كان هذا القسم من السهو موجبا له، بل كل حكم ثبت للمصلى في صورة طروّ هذا القسم من السهو له، فهذا الحكم حكم متفرع على ترك ما ينبغى فعله، أو فعل ما ينبغى تركه من ترك جزء أو شرط مثلا ايجاد مانع، فكل حكم ثبت و طرأ للمصلى بعنوان السهو يكون في السهو المقارن للشك من وجوب الإعادة أو البناء على الأكثر و غير ذلك.

فاذا كان كذلك، فنقول: بأنّه يكون المراد من قوله (لا سهو في سهو) أو (و لا على السهو سهو) أنّه لا شك في ما يوجبه الشك، و مورد ذلك يكون صلاة الاحتياط الواجب على المكلف باعتبار طروّ الشّك له، و سجدتى السهو في الشّك بين الأربع و الخمس، فانهما وجبا و طرأ للمصلى باعتبار شكه، فالشك صار علة للبناء على الأكثر و إتيان ركعة المحتملة عدم إتيانها مفصولة، و كذلك سجدتى السهو في بين الأربع و الخمس، فيكون المراد أنّه لا شك فيهما، بل يبنى على الاكثر في صلاة الاحتياط، و في سجدتى السهو في هذا المورد، فظهر لك في الأمر الأوّل ان المراد من

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 175

(لا سهو في سهو)

هو عدم الشّك في ما يوجبه الشك، و هو صلاة الاحتياط، و سجدتى السهو في الشّك بين الأربع و الخمس.

الأمر الثاني:

أنّه قد ظهر لك ممّا مرّ من أن السهو هو غروب الواقع و ذهوله، سواء كان هذا السهو مساوقا للجهل المركب، و هو السهو المصطلح عند الفقهاء رحمه اللّه و سواء كان هذا السهو مساوقا للجهل البسيط و الشك و الترديد، فاستعمال السهو في الشك ليس مجازا كما تخيله بعض، كما ترى، فصاروا في مقام حمل السهو في بعض الأخبار على الشّك إلى أنّه تجوز و مصححه هو كثرة استعمال السهو في الشّك في الأخبار، لأنّه على ما قلنا يكون الشّك قسما من السهو، لأنّ السهو و ذهول الواقع كما يصير سببا للجهل المركب و اعتقاد خلاف الواقع كذلك يصير سببا للجهل البسيط و الشك، فليس استعمال السهو في الشّك استعمالا مجازيا، و ليس وجه حمل السهو في قوله (لا سهو في سهو) في الشّك من باب كثرة استعمال السهو في الشّك في الأخبار بل منشأه ما قلنا من أن السهو الّذي يكون منشأ لطرو الأحكام، هو السهو المساوق للشك و الترديد فقط، لا السهو المصطلح المقارن للجهل المركب، فلاجل هذا حيث أن الرواية تكون في مقام نفى السهو عن السهو، فيكون في مقام نفى حكم الثابت للسهو، و ليس حكم ثابت الا للسهو المساوق للشك (فافهم، فان هذا من لطائف الكلمات).

ثمّ إن في المقام إشكالا يرى تعرضه في بعض الكلمات نتعرض له و لجوابه.

أمّا الإشكال فهو أنّه على ما ترى من جملة ما في رواية حفص بن البخترى المتقدمة قوله (قال: ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و لا

على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة) و قال في مرسلة يونس المتقدمة (ليس على

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 176

الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الفجر سهو، و لا في الركعتين الأولتين من كل صلاة سهو، و لا سهو في نافله الخ) فترى أن المعصوم عليه السّلام جعل (لا سهو في سهو) أو (و لا على السهو سهو) في عداد امور أخر كلّها مدخول لفظ (لا) أو (ليس) و بعد كون النفى الوارد على الامور المذكورة في رواية حفص بن البخترى نفي لحكم الشّك و اثبات حكم خاص له من رجوع المأموم إلى الإمام مثلا في قوله (ليس على المأموم سهو) و رجوع الإمام إلى المأموم في قوله (ليس على الإمام سهو) فكيف تقول: بأن قوله (و لا على السهو سهو) على نفى الشّك عن صلاة الاحتياط مثلا و أنّه يبنى على الأكثر فيها، مع كون سياق (ليس على الإمام سهو) مع (و لا على السهو سهو) واحدا.

[عمدة الاشكال يكون فى مرسلة يونس]
اشارة

و عمدة الإشكال يكون في مرسلة يونس، فان المنفيات فيها مختلفة، فبعضها نفي السهو عنه، و يكون حكمه مع النفي بطلان الصّلاة، و هو الشّك في الفجر و المغرب و الأولتين من كل صلاة، و بعضها نفى السهو عنه و مع ذلك يقولون فيه: بالتخيير بين البناء على الأقل و الأكثر و هو الشّك في النافلة، فمع كون الامور الّتي قال بعدم السهو فيها، مختلفة من حيث الحكم، لأنّ حكم بعضها البطلان و حكم بعضها الصحة و

الرجوع إلى الغير، فلم تقولون: بأن المراد من نفى السهو عن السهو في قوله (و لا سهو في سهو) هو صحة صلاة الاحتياط مع الشّك فيها، و البناء على ما يكون نافعا للمصلّى، مثلا إن كانت صلاة الاحتياط ركعة واجبة و شك في أنّه صلّى واحدة أو اثنتين فيبنى على أنّه صلّى واحدة، و إن كانت وظيفته بحسب شكه ركعتين و شك في أنّه صلّى واحدة أو اثنتين يبنى على أنّه صلّى اثنتين، مع أنّه ليس في الرواية إلا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 177

نفي السهو.

و بعد ما يكون النفي الوارد في هذه الرواية مختلفا ففي بعضه تبطل الصّلاة مثل (و لا في الفجر سهو) و في بعض تصح الصّلاة مع الشك، فما الوجه في حمل نفى السهو في (لا سهو في سهو) على صحة الموجب للسهو أعنى: صلاة الاحتياط، أو سجدتى السهو الموجب في الشّك بين الأربع و الخمس.

فعلى هذا يكون هذه الفقرة مجملة، و لا وجه لحملها على عدم الشّك و صحة السهو فيه، و البناء على ما يكون بنفع المصلّى، بل لا بدّ من أن يقال: بأن في كل منها هو حكم البناء على الأكثر، و أن هذا الحكم ليس في هذا الموارد، و أمّا أن حكمها الصحة أو الفساد في فرض عدم كون حكم البناء على الأكثر، فلا يستفاد من الرواية، بل لا بدّ لفهم ما هو الوظيفة فيها إلى دليل اخر.

[في ذكر الجواب عن الاشكال]

أمّا الجواب فنقول بعونه تعالى: بأن في الموارد الّتي نفى السهو فيها، يكون الحكم و الوظيفة معلوما باعتبار دلالة نفس هذا الدليل الّذي نفى فيه السهو عنه، أو بدليل اخر، مثلا في كثير السهو، فالحكم الثابت للسهو أى للشك

منفي مع كثرة الشك، و لكن عيّن في أدلته تكليف كثير الشّك و أنّه يمضى في صلاته، و كذلك في الركعتين الاولتين و الفجر و المغرب، فان السهو فيها منفي بمقتضى مرسلة يونس، و لكن الوظيفة في صورة السهو، أعنى: الشّك فيها عيّن الشارع في روايات اخرى بأنه يعيد الصّلاة فيها و أنّ فرض اللّه لا تحتملان السهو، و لا بدّ من إعادة الصّلاة في صورة الشّك فيهما، و كذلك في شك الإمام و المأموم فنفى السهو عنهما، و لكن عيّن تكليفهما بالرجوع كل منهما إلى الآخر مع حفظ الآخر سهوه، و كذلك في النافلة فإن فيها و إن لم يكن دليل في البين إلا قوله (و لا سهو في نافلة) و لكن من المعلوم أن أمر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 178

النافلة ليس أضيق من الفريضة، فبعد كون البناء على الأكثر في النافلة مع الاحتياط، فلا بدّ و أن يكون المراد عن عدم السهو فيها عدم حكم للشك فيها، فقهرا يكون نتيجته خيار المصلّى فيها بين البناء على الأقل و الأكثر. «1»

[في المراد من قوله (لا فى سهو)]

فيبقى الكلام- بعد معلومية حكم كل من شك كثير الشك، و شك كل من الإمام و المأموم، و الشك في الفجر و المغرب و الأولتين من كل صلاة، و الشك في النافلة- في هذه الفقرة من الرواية و هى قوله (لا سهو في سهو) أو (لا على السهو سهو) فهل نقول: بأن هذه الفقرة من حيث اقترانها بامور يكون الحكم فيها مختلفا، من حيث الصحة و الفساد، مع نفي السهو عنها لا تفيد إلا نفى الحكم الثابت للسهو المقارن للشك من البناء على الأكثر كما أنّ ساير الفقرات، لو كنا و هذه

الرواية لا تفيد إلّا نفى الحكم الثابت للسهو المقارن للشك من البناء على الأكثر. و أمّا بعد نفى هذا الحكم ما هو الحكم و التكليف في السهو في السهو، و ساير الامور المنفية عنه السهو، هل البطلان و إعادة الصّلاة، أو الصحة، فليست الرواية و هذه الفقرات متعرضة له، بل لا بدّ من فهم ذلك من دليل اخر، أو نقول: بأن مفاد (لا سهو في السهو) هو صحة موجب السهو، و أن المصلّى تكون وظيفته البناء فيه على ما ينفعه؟

اعلم أنّه بعد ما قلنا لك سابقا من أن لفظ السهو كما يشمل السهو المساوق للجهل المركب، كذلك يشمل السهو المقارن للجهل البسيط و الشك و الترديد، لأنّ في

______________________________

(1)- أقول: ما أفاد مد ظله العالى من أنّه لا يمكن الالتزام بالفساد في النافلة إذا شك فيها بمقتضى قوله (لا سهو في نافلة) تمام، و لكن لم أفهم وجه تخيير المصلّى فيها بين الأقل و الأكثر، فإن كان قوله (و لا سهو في نافلة) دال على عدم الفساد بالشك، فلا بدّ من البناء فيها على الأقل لاستصحاب عدم إتيان الركعة الثانية، فتأمّل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 179

كلا القسمين يكون المنشأ للترك أو الفعل أو للشك، ذهول الواقع، و بعد ذلك تعرف أن مصحح إطلاق السهو على ما يوجبه السهو، هو كون وجوب ذلك لأجل السهو أى:

الشك في الصّلاة، فقوله (لا سهو في سهو) يكون معناه أنّه لا يكون السهو المقارن للشك و علة للشك في السهو أى: في ما يوجبه السهو الّذي يكون علّة للشك، و ليس حمل السهو على الشّك من باب استعمال اللفظ في المعنى المجازى، كما قلنا، بل يكون استعمالا حقيقيا، و

وجه حملنا السهو في هذه الفقرة على السهو المسبّب للشك، هو ما قلنا من أن هذا القسم من السهو يوجب بعض الاحكام، و ليس السهو المصطلح بما هو سهو موجبا لأحكام، فمن كل ذلك يظهر لك أن المراد من هذه الفقرة هو ما قلنا من أنّه لا يكون السهو المقارن للشك في ما يوجبه السهو المقارن للشك، و ما أوجبه هذا القسم من السهو، هو صلاة الاحتياط و سجدتى السهو في الشّك بين الأربع و الخمس.

فاذا عرفت ذلك نقول: بأنّه بعد كون المستفاد من الروايات هو كون الركعتين الأولتين فرض اللّه و هما لا تحتملان السهو و الأخيرتان فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و هما تحتملان السهو، و يكون البناء فيهما بحسب ما شرّع فيهما على الأكثر و تدارك نقص المحتمل فيهما مفصولة، حتّى لو كانت الصّلاة ناقصة يتدارك بما يأتي به مفصولة، و لو لم تكن ناقصة تصير المفصولة نافلة، و وجه جعل ما يتدارك به النقص مفصولة هو أنّه لو أتى به متصلة يمكن وقوع الزيادة في الصّلاة، لاحتمال كون الصّلاة غير محتاجة به، ففي الركعتين الأخيرتين لا تفسد الصّلاة بالسهو المقارن للشك، بل يبنى فيهما على الأكثر و يأتي بصلوة الاحتياط مفصولة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأن مقتضى ما قلنا من أن طروّ السهو المقارن للشك في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 180

الأخيرتين باعتبار كونهما فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مقتض لعدم بطلانهما بالشك، و كون الوظيفة فيهما البناء على الاكثر و جبر النقص المحتمل بصلوة الاحتياط فعلى هذا نقول: إن قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) يكون المراد عدم مجي ء السهو المقارن للشك

في ما يوجبه السهو المقارن للشك، و بعبارة اخرى لا شك في صلاة الاحتياط، و لا يمكن كون الحكم فيها البطلان، لأنّ صلاة الاحتياط شرعت لجبر نقص المحتمل في الأخيرتين غير موجب الشك للبطلان، فيهما فكيف يمكن ما جعل لأجلهما يوجب الشّك فيه بطلانه، فلا إشكال في عدم بطلان الصّلاة الاحتياط بالشّك فيها، و بعد عدم بطلانها بالشك، فمعنى عدم السهو فيها عدم حكم السهو فيها، و حكم السهو في موجبها، و هو وقوع الشّك في الأخيرتين هو الصحة و البناء على الأكثر و إتيان صلاة الاحتياط، و بعد كون المراد من عدم السهو فيها عدم هذا الحكم فيها فيكون معناه أنّه يبنى على الأكثر بدون لزوم تدارك نقص المحتمل فيها بصلوة اخرى، فإن كانت الصّلاة الاحتياط الّتي شك فيها ركعتين، و شك في أنّه أتى ركعة منها أو كلا ركعتيه فيبنى على الأكثر، و إن كان الشّك في الصّلاة الاحتياط الّتي تجب ركعة واحدة، و شك فيها بأنّه هل صلّى ركعة واحدة أو أزيد، فيبنى على الأقل (لأنه لو لم يبن على الأقل و بنى على الأكثر فلازمه بطلان صلاة الاحتياط، و الحال أن صلاة الاحتياط على ما قلنا لا تبطل بطروّ السهو المقارن للشك فيها، لانها جعلت لجبر نقص المحتمل في الأخيرتين و الشك غير مبطل لهما، ففي ما جعلت لجبر نقص المحتمل فيهما بطريق أولى) فظهر لك ممّا مرّ ما هو المراد من قوله (لا سهو في سهو) أو (لا على السهو سهو) بحسب ظاهره، فافهم.

[في ذكر احتمالات اخر فى المورد]

ثمّ إن في قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) احتمل بعض احتمالات اخر: منها كون

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 181

المراد من كل من السهوين

المذكورين، هو السهو المساوق للجهل المركب، و السهو المقارن للجهل البسيط، و الترديد، و منها كون المراد من كل منهما هو السهو المصطلح المساوق للجهل المركب، و منها كون المراد منهما السهو المقارن للشك، و منها كون المراد من السهو الأوّل أحد القسمين، و من السهو الثانى قسما اخر، فبالأول يراد السهو المصطلح، و بالثانى الشك، أو بعكس ذلك، و كل هذه محتملات في الرواية.

[اذا شك في انّه هل شكّ شكا يوجب الاحتياط او لا؟]
اشارة

و على كل حال يكون أحد الاحتمالات في هذه الرواية كون المراد من السهو الثانى في قوله (لا سهو في سهو) هو نفس السهو، فيكون المراد أنّه لا سهو أى لا شك في شك، فلو شك المصلّى في شك فتارة يكون شكه في فعل من الأفعال، أو قول من الأقوال مثلا يشكّ في أنّه هل شك في الركوع أم لا، أو هل شك في القراءة أم لا، فإن طرأ هذا الشّك في الشّك قبل مضى محله، فيلاحظ إن كان شاكّا وجدانا في إتيانه و عدمه فياتى به، و إن طرأ بعد مضى المحل، فلو كان شاكّا فعلا فلا يعتد به لمضى محله، و كون الشّك بعد المحل، و تارة يكون شاكّا في أنّه هل شك شكّا يوجب الاحتياط أم لا، فله صور:

[في ذكر الصور في المسألة]
الصورة الأولى:

ما إذا شك في أنّه هل شك شكّا يوجب الاحتياط أم لا و هو في الصّلاة، فلا إشكال في أنّه في هذه الصورة تلاحظ حالته الفعلية فإن كان شاكا وجدانا فيبنى على ما يلزم أن يبنى عليه في هذا الشك، ثمّ الإتيان بعد بوظيفة هذا الشك، كما أنّه لو لم يكن شاكّا فعلا فلا شي ء عليه كما أنّه لو شك في الركعات بأنّه شك شكّا يوجب إبطال الصّلاة مثل ما شك في أنّه هل شك في الاوليين أم لا فأيضا يلاحظ حالته الفعليّة.

الصورة الثانية:

أن يشكّ بعد الفراغ من الصّلاة في أنّه هل شك شكّا يوجب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 182

صلاة الاحتياط عليه أم لا، مع فرض علمه بأن هذا الشّك حدث بعد الصّلاة، فلا إشكال في أنّه لا يعتنى بهذا الشّك لقاعدة الفراغ، فتصح صلاته، و لا يجب عليه صلاة الاحتياط.

الصورة الثالثة:

ما إذا شك بعد الفراغ من الصّلاة في أنّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط مثلا هل يجب عليه إتيان ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس من باب حدوث سببه، و هو الشّك بين الثلاث و الأربع أو لا يجب عليه من باب عدم حدوث سببه فيشك بعد الفراغ من الصّلاة في أنّه هل شك شكّا يوجب عليه صلاة الاحتياط أم لا، و لكن يشكّ في أن هذا الشك الّذي طرأ عليه، هل حدث بعد الفراغ أم صار حادثا حال الصّلاة، و هذا بقاء ذاك الوجود السابق، و بعبارة اخرى بعد الفراغ في أنّه هل شك حال الصّلاة شكّا أوجب عليه صلاة الاحتياط، و كان هذا الشّك بقاء الشّك السابق، أو هذا الشّك أى: الشّك في وجوب صلاة الاحتياط عليه حدث له بعد الفراغ.

اعلم أن بعض الأعاظم (العلّامة الحائرى) في صلاته «1» تعرض لهذه المسألة، و قال ما حاصله: هو أنّه إذا شك هذا الشك، قد يقال بصحة الصّلاة، و عدم وجوب صلاة الاحتياط، لأنّ الأصل عدم تحقق موجب الاحتياط، و لا يعارضه أصالة عدم تحقق الشّك بعد الفراغ، لأنّ اثر هذا الاصل ليس إلا عدم كون الصّلاة محكومة بالتمامية من جهة اخرى، و المفروض تحقق أصل الصّلاة و إنما الشّك يكون من جهة احتمال احتياجها إلى الاحتياط، و هذه الجهة مرفوعة بالأصل، لأنّ مقتضى الاصل

عدم وجوبه، و بعبارة اخرى نقص الصّلاة من جهة الاحتياط مرفوع بالاصل، و من

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى، ص 388.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 183

جهة اخرى غير محتمل.

و لكن فيه ان أصل المذكور أى: اصالة عدم تحقق موجب الاحتياط لا يثبت تمامية الصّلاة، لأنّ محرز تمامية الصّلاة إمّا صلاة الاحتياط و إمّا قاعدة الفراغ، و كلتاهما مدفوعتان بالأصل، أمّا صلاة الاحتياط فلأن الأصل عدم تحقق موجبها، أو الاصل عدم وجوبها، و أمّا قاعدة الفراغ فالاصل عدم حدوث الشّك بعد الفراغ، و استصحاب عدم حدوث الشّك إلى ما بعد الفراغ عن الصّلاة أعنى: أصالة تأخر الحادث، فلا يترتب عليه إلّا كل اثر يكون مرتبا على عدم حدوث الحادث في ما قبل العلم بحدوثه، و لا يثبت به الاثر المترتب على تأخر الحادث، فلا يثبت بهذا الأصل كون الشّك بعد الفراغ حتّى يكون مورد قاعدة الفراغ.

فإذا يكون ما به يحرز تمامية الصّلاة، و هو صلاة الاحتياط أو قاعدة الفراغ، مدفوعتان بالأصل كما عرفت فلم يبق للمكلف ما يكون حجة على فرض نقص الصّلاة في الواقع، مع فرض اشتغال ذمته بإتيان أربع ركعات، فمقتضى الاحتياط إتيان صلاة الاحتياط للقطع بفراغ الذمّة بإتيانها، فلو شك بعد الفراغ في أنّه هل شك بين الثلاث و الأربع و يشك في أنّه هل شكه حدث بعد الصّلاة أ و لم يحدث بعدها، بل حدث في أثناء الصّلاة و هذا الشّك وجود بقائى للشك السابق، بمقتضى الاشتغال بالصّلاة أربع ركعات، من إتيان عمل الشّك بين الثلاث و الأربع حتّى يقطع بفراغ الذمة، هذا حاصل كلامه رحمه اللّه في هذا المقام.

[ان الشكّ بعد الفراغ في انّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط أم لا؟]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: ان الشّك بعد الفراغ في أنّه هل يجب

عليه صلاة الاحتياط أم لا، مع تردد الشاك بين كون الشّك حادثا بعد الفراغ، و بين كونه سابقا على الفراغ، و كون هذا الشّك بقاء الشّك الأوّل،

يتصور على ثلاثة اقسام:
اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 184

الأوّل:

أن يشكّ بعد الفراغ و يحدث الشّك بعد الفراغ، لكن يحتمل و يشك في أنّه هل شك حال الصّلاة قبل الفراغ منها شكّا يوجب الاحتياط و صار زائلا بالقطع بأحد طرفى الشك، ثمّ كان هذا الشّك الحادث بعد الفراغ هو الشّك الحادث حال الصّلاة أم لا، فيشك في أن هذا الشّك هل هو شك حادث، أو بقاء الشّك السابق الزائل بالقطع.

الثاني:

أن يشكّ بعد الفراغ في وجوب صلاة الاحتياط، و لكن يكون شاكا في حال هذا الشّك في أن هذا الشّك هل حدث بعد الفراغ أم هو شك حال الصّلاة في ما يوجب صلاة الاحتياط، ثمّ غفل عن شكه، ثمّ تبدل غفلته بالشّك بعد الفراغ عن الصّلاة.

الثالث:

أن يشكّ بعد الفراغ في أنّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط أم لا، و يشك في أن شكه هذا هل بقاء وجود شك طرأ له حال الصّلاة فاستدام شكه إلى هذا الحال أم شكه هذا حدث بعد الفراغ من الصّلاة.

[في ذكر الوجوه الثلاثة في المورد]
اشارة

إذا عرفت هذه الصور يظهر لك أن في عبارة بعض الاعاظم المتقدم ذكره، قصور في إفادة الصورة الّتي تكون محل الكلام، و لا يستفاد من كلامه إلا الصورة الأخيرة، ثمّ بعد ذلك نقول: بأن في المسألة وجوها:

الوجه الأوّل:

صحة الصّلاة في كل هذه الأنحاء الثلاثة المتصورة المتقدمة، و عدم وجوب صلاة الاحتياط.

الوجه الثاني:

صحة الصّلاة و لزوم الإتيان بصلوة الاحتياط في جميع الانحاء المتقدمة.

الوجه الثالث:

التفصيل بين الانحاء المتقدمة الثلاثة، فيقال في القسم الأوّل

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 185

أى: صورة الشّك في حدوث الشّك بعد الفراغ و حدوثه قبل الصّلاة، ثمّ زواله بالقطع بأحد طرفى الشك، ثمّ طروّ الشّك بعد الفراغ، و في القسم الثانى، و هو صورة الشّك في أنّه هل حدث الشّك بعد الفراغ أو حدث حال الصّلاة ثمّ غفل عن الشّك و فرغ عنها، ثمّ تبدل غفلته بالشك: بأنّه لا يعتنى بالشك، و يتم الصّلاة، و لا يجب على الشاك صلاة الاحتياط، و يقال في القسم الثالث من هذه المسألة، و هو صورة كون المصلى بعد الفراغ شاكا فى أنّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط أم لا، و يكون شاكا فى أن شكه هذا هل شك حادث بعد الفراغ، أو وجود بقائى للشك قبل الفراغ و هذا الشك بقاء الشّك السابق: بأنّه تصح الصّلاة و يجب على الشاك صلاة الاحتياط لتحصيل القطع بفراغ ذمته عن الاشتغال بأربع ركعات.

[في ذكر التفصيل بين الاقسام الثلاثة]

أمّا وجه صحة الصّلاة في الأولين و عدم احتياج إلى صلاة الاحتياط فنقول:

بأن في كل من هذه الأقسام الثلاثة إن أمكن اجراء قاعدة الفراغ و أمكن احراز تمامية الصّلاة ببركتها فلا إشكال في صحة الصّلاة، و عدم مجال لاجراء قاعدة الاشتغال، لعدم مجال لقاعدة الاشتغال مع قاعدة الفراغ، و لا تكون قاعدة الاشتغال في مرتبة قاعدة الفراغ حتّى يقع بينهما التعارض، بل قاعدة الفراغ واردة أو حاكمة عليها، فلا بدّ من حساب أن قاعدة الفراغ تشمل أىّ نحو من الأنحاء المتصورة المتقدّمة و لهذا نقول في القسمين الأولين: إنّه تجري قاعدة الفراغ، لكون الشّك حادثا بعد الصّلاة في هذين الموردين و الشك السابق الّذي يكون مشكوكا في أثناء

الصّلاة، يكون مشكوك الحدوث و الأصل عدمه.

و أمّا في القسم الثالث، فحيث إن حدوث الشّك بعد الفراغ مشكوك، و قاعدة الفراغ تجري في كل مورد يكون الشّك حادثا بعد الفراغ، فلا تجرى قاعدة الفراغ،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 186

و أصالة عدم حدوث الشّك قبل الفراغ لا يثبت كون الشّك حادثا بعد الفراغ، و بعد عدم احراز تمامية الصّلاة، بقاعدة الفراغ فتصل النوبة إلى الاشتغال و مقتضى الاشتغال هو لزوم احراز تمامية الصّلاة، و حيث إنّه يعلم إحراز التمامية بصلوة الاحتياط، فالاشتغال يقتضي إتيان صلاة الاحتياط حتّى يقطع بفراغ ذمّته عن أربع ركعات، لأنّ صلاة إن كانت ناقصة فنقصها يجبر بالاحتياط، لأنّ الشّك على فرض طروه حال الصّلاة لا يقتضي الا صلاة الاحتياط، فباتيان صلاة الاحتياط تفرغ الذمّة و الاشتغال يقتضي إتيانها للقطع ببراءة ذمته عن التكليف المتعلّق بأربع ركعات، فافهم.

[في ذكر وجه آخر لصحّة الصّلاة]

و ربّما يأتي في النظر البدوى وجها اخر لصحة الصّلاة و وجوب إتيان عمل الشك بعد الصّلاة بصلوة الاحتياط في مفروض الكلام، مضافا إلى ما قلنا من اقتضاء قاعدة الاشتغال ذلك بعد عدم مجال لاجراء قاعدة الفراغ، و هو أنّ الدليل الدال على وجوب البناء على الأكثر و إتيان صلاة الاحتياط لجبر نقص المحتمل في الشك المتعلّق بالأخيرتين مثلا في الشّك بين الثلاث و الأربع يدلّ على تمامية الصّلاة باتيان صلاة الاحتياط، لأنّ هذا الدليل يدلّ على أنّه متى يطرأ الشّك للمصلّى بين الثلاث و الأربع، فتكون الوظيفة البناء على الأربع، و إتيان ركعة عن قيام أو ركعتين من جلوس و بها يحرز تمامية الصّلاة، لأنّ صلاة الاحتياط شرعت لجبر نقص المحتمل، فلو فرض نقص في الصّلاة من حيث الركعة، فهو يتدارك بصلوة الاحتياط، و

إطلاق هذا الدليل يشمل صورة طروه بعد الصّلاة، فكما أنّه لو شك في أثناء الصّلاة يكون تكليفه هذا، كذلك لو شك بعد الفراغ بين الثلاث و الأربع يكون تكليفه هذا باعتبار هذا الدليل، غاية الأمر أن في مورد قاعدة الفراغ لا يعمل بإطلاق الدليل

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 187

الدال على البناء على الأكثر و إتيان نقص المحتمل مفصولة، لأنّ مقتضاها أن كل شك حدث بعد الفراغ لا يعتنى به فلو شك بعد الفراغ في أنّه هل صلّى ثلاثا أو اربعا لا يعتنى بهذا الشّك لأجل قاعدة الفراغ، فنقول في محل الكلام: حيث إنّه لا مجال لاجراء قاعدة الفراغ لعدم احراز كون الشّك حادثا بعد الفراغ فبمقتضى الدليل الدال على البناء على الأكثر و إتيان صلاة الاحتياط، الشامل لصورة طروّ الشّك بعد الصّلاة بالإطلاق أو العموم لا بدّ من أن يأتي بصلوة الاحتياط في مفروض الكلام، و يحرز بها تمامية الصّلاة و أنّه أتى بأربع ركعات تامة.

و ان أبيت عن شمول الدليل الدال على البناء على الاكثر في الشّك بين الثلاث و الأربع، و غيره من الشّكوك المنصوصة الآمرة فيها بالبناء على الأكثر لصورة الشك بعد الفراغ في حد ذاته، و قلت بانحصار مورده بطروّ الشّك في أثناء الصّلاة.

فنقول: إن ملاكه موجود بعد الصّلاة، لأنّ بعد الصّلاة لو شك فيكون شاكا فى نقص الصّلاة و عدمه، و بعد كون ملاكه متحدا مع طرو الشك حال الصّلاة و بإلغاء الخصوصية، نقول بكون الشّك بعد الفراغ مثل الشّك قبل الفراغ، و بعد عدم جريان قاعدة الفراغ، فيكون المورد محكوما بحكم الشّك في الأثناء الّذي مر فيه بالبناء على الأكثر، و جبر نقص المحتمل بعد الصّلاة.

[في ذكر عدم جريان قاعدة الفراغ في المورد]

فتحصل أن

في ما نحن فيه بعد عدم جريان قاعدة الفراغ تصح الصّلاة، و لا بدّ من إتيان صلاة الاحتياط و أنّ بها يحرز التمامية بمقتضى قاعدة الاشتغال، لأنّ بهذا النحو تحصل البراءة، و بمقتضى الادلة الدالة على البناء على الأكثر في الركعات في مورد الشّكوك المنصوصة، فافهم.

[كون المورد من الشبهة المصداقية لقاعدة الفراغ]

و لكن إذا تأمّلت حقّ التأمل يظهر لك أن الحكم بصحة الصّلاة في ما نحن فيه،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 188

و وجوب العمل بوظيفة الشّك من صلاة الاحتياط بهذا الوجه، غير وجيه، إذ يكون ذلك تمسّكا بالعام في الشبهة المصداقية، لأنّه لو فرض شمول أدلة الدالة على أن في الشكوك المنصوصة في غير الشّك بين الأربع و الخمس، يبنى على الاكثر، و يأتي بصلوة الاحتياط، لصورة طروّ الشّك في الركعتين الأخيرتين بعد الفراغ من الصّلاة كما عرفت بيانه، لكن بعد فرض تخصيص عموم هذه الادلة بقاعدة الفراغ و أن كل شك حدث بعد الفراغ لا يعتنى به، فان كان الشّك في ما نحن فيه حادثا بعد الفراغ يكون المورد مصداق المخصّص أعنى: قاعده الفراغ، و إن كان حادثا قبل الفراغ و هذا الشّك يكون بقاء الشّك السابق يكون المورد مصداق عموم الدال على البناء على الأكثر و جبر نقص المتحمل بعد الصّلاة، و حيث يكون المصلّى شاكّا في أن هذا الشك شك حادث بعد الفراغ أو بقاء شك السابق على الفراغ، فيكون هذا الفرد مشكوك الفردية للعام و للمخصص.

فإن قلنا بعدم كون المورد محكوما بحكم قاعدة الفراغ من باب عدم احراز كون الشّك حادثا بعد الفراغ و إنّ المورد محكوما بحكم عموم الدال على البناء على الأكثر و إتيان صلاة الاحتياط، فيكون هذا من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية،

و قد بينا في الاصول عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.

فالوجه في عدم بطلان الصّلاة في ما نحن فيه، و احراز تمامية الصّلاة بصلوة الاحتياط، هو ما قلنا من أنّه بعد عدم امكان اجراء قاعدة الفراغ فقاعدة الاشتغال يقتضي براءة الذمّة عن التكليف بأربع ركعات تامة، و حيث إن الصّلاة إن كانت ناقصة يجير نقصها بصلوة الاحتياط، لأنّ منشأ الشّك في تماميتها ليس إلا طروّ الشك له حال الصّلاة بين الثلاث و الأربع الّذي يوجب صلاة الاحتياط، فبإتيان

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 189

صلاة الاحتياط يحرز التمامية، فقاعدة الاشتغال تقتضى صلاة الاحتياط.

[الكلام فى (لا سهو فى سهو)]

هذا تمام الكلام في هذه المسألة، و قد عرفت ان المسألة تتمّ بما بينا في حكمها، و لا مجال للتمسك بصحة الصّلاة فيها بقوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) أو (و لا على السهو سهو) بأن يقال: إن المراد من كل من لفظى (السهو) في هذه العبارة هو نفس الشك، فيكون المراد أنّه لا شك في الشك، و حيث إن في ما نحن فيه يشكّ في أن شكه هذا هل يكون بقاء الشّك السابق، أو يكون شكّا حادثا، فيكون شاكا في شكه، و قوله (لا سهو في سهو) بعد كون معناه أنّه لا شك في شك، فيقال بعدم الاعتناء بهذا الشك، لأنّه شك في الشك.

و لانّا نقول كما قلنا: بأن الظاهر من قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) أنّه لا سهو يكون لأجل السهو، و باعتباره، و هو يكون ما جعل لجبر نقص المحتمل في الشك في الركعات أعنى: صلاة الاحتياط، و يحتمل في هذا الكلام ما احتمل من كون المراد من كل من السهوين نفس الشك، و لكن هذا

خلاف ظاهره، فلا وجه للاستدلال بصحة الصّلاة، و عدم وجوب صلاة الاحتياط في ما نحن فيه بقوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) فافهم.

إذا عرفت حكم الفروع المتقدمة الّتي ربما يتوهم استفادة حكمها من قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) فلنرجع إلى ما كنّا بسدده، و هو التكلم في مفاد (لا سهو في سهو) و قد عرفت ممّا قلنا في صدر البحث بأن الظاهر من هذه الفقرة، هو أنّه لا سهو جاء من قبل السهو، و حيث أن السهو المصطلح أى: السهو المقارن للجهل المركب لا يصير سببا لوجوب عمل، فليس مورده إلا السهو المقارن للشك، فيكون المتيقن منه أنّه إذا شك في صلاة الاحتياط في ركعتها فلا يعتنى به،

[في ذكر الفروع المربوطة بما نحن فيه]
اشارة

إذا فهمت ما تلونا عليك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 190

فهنا فروع:

الفرع الأوّل:

و هو أنّ المتيقّن من قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) على ما قلنا في بيان مفاده، هو ما إذا شك في ركعة الاحتياط، مثلا لا يدرى واحدة صلّى أم اثنتين، فبعد كون مفاده أنّه لا شك في ما جاء من قبل الشّك فصلاة الاحتياط جاء من قبل الشّك باعتبار ان ركعة واحدة أو ركعتين منها عين الصّلاة و بها يجبر نقص المحتمل في الصّلاة، فالمتقين شموله لهذا الفرع.

الفرع الثانى:
اشارة

هل قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) كما يشمل الشّك في ركعة صلاة الاحتياط و لا يعتنى بهذا الشك، يشمل الشّك في أجزاء صلاة الاحتياط غير الركعة أم لا؟ مثلا إذا شك في أنّه هل أتى بركوعها أو سجودها أو غير هما أم لا، هل يقال بشمول (لا سهو في سهو) له فلا يعتنى بالشّك فيها أو لا يمكن أن يقال بذلك؟

اعلم أن الشّك في جزء من الأجزاء تارة يكون بعد مضى المحل مثلا يشكّ في إتيان ركوع صلاة الاحتياط و عدمه بعد الدخول في السجود، فلا يعتنى بهذا بلا حاجة إلى الاستدلال في هذه الصورة بقوله (لا سهو في سهو) بل لأجل أن أدلة قاعدة التجاوز يشمل أجزاء صلاة الاحتياط إمّا بالإطلاق أو بإلغاء الخصوصية، و أن صلاة الاحتياط على تقدير نقص الصّلاة عين الصّلاة.

و تارة يشكّ في جزء من أجزائها قبل مضى محله، مثلا حال القيام يشكّ في أنّه هل ركع، و هذا القيام هو القيام بعد الركوع، أ و لم ركع و هذا القيام هو القيام قبل الركوع، ففي هذه الصورة هل نقول: بعدم الاعتناء بالشّك من باب شمول (لا سهو في سهو) لأجزاء صلاة الاحتياط أيضا، أم نقول: بإتيان الركوع،

لعدم شمول (لا سهو في سهو) للمورد، و يكون محل تداركه باقيا فيأتى به.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 191

[في ان اطلاق (لا سهو في سهو) هل يشمل الشكّ في الاجزاء أيضا]

قد يقال: بأن اطلاق (لا سهو في سهو) يشمل الشّك في الأجزاء أيضا، فلا يعتنى به، و لكن شموله للشك في الأجزاء مشكل، أمّا أولا فلأن مفاد (لا سهو في سهو) هو أنّه لا شك في ما جاء من قبل السهو و أن الشّك مقتض لمجيئه، و من الواضح أن في الشّك في الركعة في مواردها لا يدرى الشاك أن الصّلاة تامة أو ناقصة، فجاء من قبل شكه تكليفا يعلم معه بتمامية صلاته، و لو كان نقص فيها فيتدارك به، و هو صلاة الاحتياط، فصلاة الاحتياط باعتبار ركعتها شرعت لجبر نقص الركعة، فالركعة تكون جابرة لنقص المحتمل، ففي الحقيقة تكون الركعة ما جاء من قبل (فلا سهو في سهو) أى لا شك في ركعة صلاة الاحتياط، فعلى هذا لا يشمل لأجزاء ركعة صلاة الاحتياط، لانها ليست ما جاء من قبل السهو.

إن قلت: كما قلت في وجه اعتبار الظن في أفعال الصّلاة: بأنّه بعد اعتباره في الركعة نفهم كونه حجة في أجزاء الركعة، كذلك نقول في المقام، فإنه بعد عدم سهو في ركعة صلاة الاحتياط، فكذلك في أجزائها.

نقول: بأنّه في الظن في الأفعال حيث كان الظن أمارة على الواقع، فقلنا بعد كون الظن أمارة في الركعة، فيكون أمارة في أجزائها لأنّ من يظن مثلا بإتيان ركعة، فيظن باتيان قراءتها و ركوعها و سجودها، فله ظنون متعددة فمعنى اعتبار الظن في الركعة اعتبار هذه الظنون لأنه إمّا أن تقول: عدم الحجية يكون من باب أن هذه الظنون اجتماعها، دخيلة في الأمارية بمعنى أن الظن بوجود القراءة مجتمعا مع

القطع بوجود الركوع و السجود، فلم يكن أمارة و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، و كيف يمكن الالتزام بأن اجتماع الظن مع الظن يوجب حجيته، و أمّا في صورة اجتماعه مع القطع

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 192

لا يكون حجة.

و إمّا أن تقول: بعدم دخل في اجتماع هذه الظنون، فتكون الظن بالجزء أمارة و حجة كالظن بالركعة، فوجه حجية الظن في الأفعال مثل الظن في الركعات كان من باب أمارية الظن، و قلنا بعدم فرق في أماريته بين الأفعال و الركعة.

و أمّا في المقام فيكون الشّك محكوما بعدم الاعتناء، و ليس في الشّك حيث كشف و أمارية، فيمكن أن يامر في الأجزاء بالاعتناء به، مع أمره بعدم الاعتناء في الركعة، و لا مجال لأن يقال: بأنّه بعد عدم الاعتناء بالشّك في الركعة، فكذلك أجزاء الركعة، لأنّ وجه عدم الاعتناء بالشّك في ركعة صلاة الاحتياط يكون ظهور (لا سهو في سهو) حيث أن الركعة منها جاءت من قبل السهو، و أمّا الركوع و السجود و القراءة منها ما جاءت من قبل الشك.

و ثانيا أن ظاهر (لا سهو في سهو) هو عدم السهو في صلاة الاحتياط، لانها عين الصّلاة الّتي شك فيها، و عينها لم تكن إلا نفس ركعة صلاة الاحتياط لا أجزاء ركعتها. «1»

______________________________

(1)- (أقول: إن كان نظره مد ظله العالى إلى انّ الظاهر من قوله (لا سهو في سهو) ما قاله أولا و ثانيا ففيه أنّه لا يستفاد من هذا الكلام أنّه لا سهو في ما هو عين السهو، حتّى يقال: إن الركوع ليس مثلا عين الركعة المحتملة السابقة من الصّلاة و غاية ما يستفاد هو أنّه لا سهو جاء من قبل السهو، و

كما أن ركعة صلاة الاحتياط جاء من قبل السهو، فكذلك قراءتها و ركوعها و غير هما من أجزاء الركعة، و إن كان نظره مد ظله العالى إلى أنّ شمول إطلاق (لا سهو في سهو) لأجزاء من صلاة الاحتياط مشكل، فهو يدور مدار الاستظهار من هذا الكلام، و لو استظهر منه أنّه لا سهو فيما جاء من قبل السهو، فان كان لا يبعد دعوى شموله للأجزاء و لكن يمكن الإشكال فيه، فمع الشك يكون المرجع القواعد الثابتة مع قطع النظر عن قوله (لا سهو في سهو). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 193

الفرع الثالث:

هل يشمل قوله عليه السّلام (لا سهو في سهو) ما إذا شك في سجدتى السهو الواجبتان في الشّك بين الأربع و الخمس أم لا؟

وجه الشمول هو دعوى شمول إطلاق قوله (لا سهو في سهو) لأنّ سجدتى السهو في مورد الشّك بين الاربع و الخمس بعد اكمال السجدتين جاء من قبل الشك، و وجه عدم الشمول- مضافا إلى ما قلنا في وجه عدم الشمول في الفرع الثانى من الوجهين- هو أن سجدتى السهو لم يكن وجوبهما في هذا المورد من جهة جبر زيادة المحتملة بهما، و لا يكون وجوبهما باعتبار، وجب صلاة الاحتياط بهذا الاعتبار بل سجدتى السهو ربما يكون وجوبها لأجل تنبه المكلف الشاك بأنك لم شككت فوجبتا باعتبار عدم توجهه حتّى طرأ له الشك، و احتمال زيادة ركعة في الصّلاة في الشّك بين الأربع و الخمس مدفوع بالاستصحاب، لا أنّه على فرض الزيادة كانت سجدتى السهو جابرة لها، فمن هنا يظهر لك أن سجدتى السهو ما وجبت لأجل الجبر بها، بخلاف صلاة الاحتياط، فما جاءتا لأجل الشك، فلا وجه لأن يقال: بعدم الاعتناء

بالشك فيهما من باب (لا سهو في سهو).

الفرع الرابع:

لو شك في سجدتى السهو الواجبتان لأجل السهو المصطلح أى: لأجل السهو المقارن للجهل المركب، مثلا ترك التشهّد فوجب عليه سجدتى السهو، فوقع شك فيهما، مثلا شك في أنّه هل سجد سجدة واحدة من السجدتين، أو سجدهما، فهل يعتنى بهذا الشّك أو لا يعتنى بدعوى شمول (لا سهو في سهو) له؟

اعلم أنّه لا مجال لأن يقال: بعدم الاعتناء من باب (لا سهو في سهو) لأنّه كما قلنا يكون المراد من السهوين في هذه الفقرة هو الشك، لأنّ الظاهر منها هو أنّه لا سهو في ما جاء من قبل السهو، و سجدتى السهو في صورة سهو المصطلح ما جاء من

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 194

قبل السهو، بل جاء من قبل ترك شي ء، أو زيادة شي ء سهوا.

و أمّا لو سها في سجدتى السهو سهوا مقارنا للجهل المركب مثل أنّه ترك سهوا احد واجباتهما، فهل يجب فيه سجدتى السهو، أو يجب إعادة سجدتى السهو الّتي وقع فيها السهو، فهو كلام اخر لا نكون فعلا بصدده، فافهم. «1»

[في ذكر فرع تعرض له السيد اليزدي رحمه اللّه فى العروة]

ثمّ اعلم أن السيّد رحمه اللّه في العروة تعرض لفرع، و هو ما ذكره في ذيل المسألة 9 من المسائل الّتي تعرضها في الشّكوك المتعلقة بالركعات، و هو هذا الفرع (و إن علم بعد الفراغ من الصّلاة أنّه طرأ له حالة تردد بين الاثنتين و الثلاث و أنّه بنى على الثلاث و شك في أنّه حصل له الظن به، أو كان من باب البناء في الشك، فالظاهر عدم وجوب صلاة الاحتياط عليه و إن كان أحوط) و قلنا في حاشيتنا عليها في هذا المقام عند قوله: و إن كان احوط (بل هو قوى جدا).

وجه ما ذهب إليه السيّد رحمه اللّه

من عدم وجوب صلاة الاحتياط عليه، يكون بحسب الظاهر أنّه يشكّ في أنّه هل وجب عليه صلاة الاحتياط من باب احتمال كون بنائه على الأكثر من باب عمل الشك، لا من باب حصول الظن له بالأكثر و حيث إنّه شاك في وجوب صلاة الاحتياط، فأصالة البراءة عن الوجوب، تقتضى عدم

______________________________

(1)- (أقول ما أفاده مد ظله العالى من الوجوه في عدم شمول (لا سهو في سهو) الفرع الثانى و الثالث لم يكن خال عن الإشكال، لأنّه لو كان مفاد (لا سهو في سهو) هو أنّه لا شك في ما جاء من قبل الشك، فكما أن ركعة صلاة الاحتياط جاء من قبل الشك، كذلك أبعاضها، و كذلك سجدتى السهو الواجبة في الشّك بين الأربع و الخمس، و أمّا ما أفاده من الوجه الأوّل و الثانى في الفرع الثانى و وجه اخر في الفرع الثالث، فهو اعتبارات لا تصير منشأ الظهور، نعم يمكن أن يقال في الفرعين بأنا نشك في شمول الإطلاق، و بعد الشّك يكون المرجع القواعد الثابتة، فتأمّل). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 195

الوجوب فلا يجب عليه صلاة الاحتياط.

و لكن نقول: بأن مقتضى الاشتغال هو اشتغال الذمّة بأربع ركعات، و حيث إنّه شاك في أن شكه هل صار سببا للبناء على الأكثر أم كان البناء على الأكثر من باب حصول الظن، فهو مع هذا الشّك يكون مكلفا بإتيان صلاة الاحتياط كى يقطع ببراءة الذمّة عما اشتغل به نفسه، فلا مجال لاجراء البراءة، بل يكون مقتضى الاشتغال اليقينى البراءة اليقينية، و هى لا تحصل إلا بإتيان صلاة الاحتياط.

[هل يمكن اجراء قاعدة الفراغ فى المقام]

إن قلت: إن قاعدة الفراغ في المورد تحكم بتمامية الصّلاة، و عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ، و على

الفرض هذا الشّك حدث بعد الفراغ، لأنّه بعد الفراغ في أنّه هل البناء على الأربع كان من أجل الشّك الطارئ له حال الصّلاة، أو كان من باب حصول الظن له بالأربع، فهو شاك فعلا في أنّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط أم لا من باب أنّه يشكّ في أن شكه السابق حال الصّلاة زال و تبدل بالظن و كان بنائه على الأربع لأجل حصول الظن، أ و لم يزل شكه و كان البناء على الأربع لأجل كون الوظيفة في الشّك بين الثلاث و الأربع البناء على الأربع، و على الفرض هذا الشك حدث بعد الصّلاة، و بعد كون الشّك حادثا بعد الفراغ من الصّلاة، فيكون المورد مورد قاعدة الفراغ، و مع قاعدة الفراغ تكون قاعدة الاشتغال محكومة.

قلت: لا مجال لاجراء قاعدة الفراغ في المورد، لأنّ قاعدة الفراغ باعتبار التعليل المذكور في بعض رواياتها الدالة عليها من أنّه (لأنّه حين ما يتوضأ اذكر منه حين ما يشك) تجري في كل مورد يكون الشّك في أنّه هل كان المصلى المتوضّئ ملتفتا حتّى يجي ء بالعمل على وجهه المعهود، و على نهجه الصحيح، أو صار غافلا، و من باب عدم الالتفات أتى على غير وجهه الصحيح، فيحكم بالصحة، لأنّه حين

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 196

العمل أذكر منه حين ما يشك، و أمّا في كل مورد نعلم بأنّه أتى بأجزاء العمل و المركب على وجه صحيح لالتفاته و توجهه حين العمل، و مع ذلك يكون البناء على الإتيان قابلا لكونه لجهة، و قابلا لأن يكون لجهة اخرى فيشك في أن إتيانه بما أتى به ملتفتا و متوجها يكون من أىّ جهة من الجهتين، فلا وجه هنا لإجراء قاعدة الفراغ،

و المورد يكون كذلك، لأنّ الشاك لا يكون شاكا في أنّ بنائه على الأربع هل كان على وجه صحيح، أو وجه فاسد حتّى يقال نحمله على وجهه الصحيح، بل الشاك يعلم بأن بنائه على الأربع يكون على الوجه الصحيح، لأنه إن كان بنائه على الأربع من باب بقاء شكه بين الثلاث و الأربع، فيكون على وجه الالتفات و نهج صحيح، و إن كان من باب تبدل شكه بالظن بالأربع فبنى على الأربع لأجل الظن، فأيضا يكون ملتفتا و كون ذلك وجها صحيحا، و لكن يشكّ مع ذلك في جهة اخرى، و هى أنّه هل بنى على الأربع لأجل الشك، حتّى يكون الواجب عليه صلاة الاحتياط، أو بنى لأجل الظن حتّى لا يجب عليه صلاة الاحتياط، ففي هذه الصورة لا تجرى قاعدة الفراغ، و بعد عدم إجرائها مقتضى لزوم البراءة اليقينية، هو إتيان صلاة الاحتياط.

[في ان الاقوى فى المورد هو وجوب صلاة الاحتياط]

ان قلت: إن في الفرض بالنسبة إلى أصل الصّلاة لا إشكال في الصحة، غاية الأمر يشكّ في وجوب صلاة الاحتياط، و الاصل عدم وجوبها.

نقول: إن الأصل لا يثبت تمامية الصّلاة، و محرز التمامية يكون قاعدة الفراغ، فهى لا تجرى، أو صلاة الاحتياط فلا بدّ من اتيانها، فتلخص ممّا ذكر أن الأقوى في موردنا هو وجوب صلاة الاحتياط، لأنّ الاشتغال يقتضي البراءة اليقينية. «1»

______________________________

(1)- أقول كما قلت بحضرته مد ظله العالى في مجلس البحث: لا مانع من إجراء قاعدة.

الفراغ في المورد، كما ذكره في (إن قلت) و أجاب عنه في قوله (قلت) و لكن نقول: بانّا لو نأخذ بالتعليل الوارد في بعض روايات قاعدة الفراغ من (أنّه حين العمل أذكر منه حين ما يشك) فمفاده أنّه لا بدّ في مورد إجراء القاعدة

من احتمال ذكره حين العمل في مقابل علمه بكونه غافلا حين العمل، و بعبارة اخرى تجري القاعدة في ما لا يكون غافلا حين العمل، لا أنّه يعتبر فيها ألا يكون أذكريته مفروغا عنها، و يكون الشّك من جهة اخرى، فلا ينافى التعليل مع ما في موردنا من علمه بذكره حين العمل، لكن يشكّ في أن وجه جريه على العمل و ذكره، هل كان لأجل الشّك أو الظن، و لهذا ترى أن سيدنا الاعظم مد ظله العالى في الفرع السابق أعنى: في ما شك بعد الفراغ في وجوب صلاة الاحتياط، و لكن يشكّ في أن شكه حدث بعد الفراغ، أو قبل الفراغ قال: بأنّه إن كان يعلم بأنّه شك في الصّلاة ثمّ قطع بعده بالأكثر و تمّ الصّلاة، ثمّ بعد الفراغ يشكّ في أنّه هل يجب عليه صلاة الاحتياط أم لا، فلا إشكال في إجراء قاعدة الفراغ، مع أنّه إن كان ما أفاده هنا تمام، فلا وجه لقاعدة الفراغ، لأنّ جريه على العمل و البناء على الأكثر كان في حال الذكر و القطع، و على ما أفاده تجري القاعدة في كل مورد يكون المورد قابلا لأن يكون عمله على وجه الذكر و على وجه الغافلة، و في صورة القطع بالأكثر لا يكون كذلك، و مع ذلك قال باجراء قاعدة الفراغ، و ليس هذا إلّا من باب عدم اعتبار ذلك في قاعدة الفراع، ففي المورد لا يبعد إجراء قاعدة الفراغ، و عدم وجوب صلاة الاحتياط و إحراز التمامية بقاعدة الفراغ، لأنّ الشّك حدث بعد الفراغ و في الشّك الحادث تجرى القاعدة، و هى حاكمة على الاشتغال، فافهم.

و أمّا ما قال آية اللّه الحائرى؛ في هذه المسألة من

أن الشّك يحتمل كونه حادثا و يحتمل كونه سابقا على الفراغ، و هذا الشّك بقائه (إلى اخر ما قاله)، فهو خارجة عن الفرض، و لم يتم كلامه، لأنّ الفرض حدوث الشّك بعد الفراغ، لأنّ بعد الفراغ يعلم بأنّه شك و أنّه بنى على الأكثر، غاية الأمر لا يدرى أن بنائه على الأكثر هل كان من باب حكم الشّك أو كان من باب زوال و حصول الظن له بالأكثر، فالشك يكون حادثا بعد الفراغ. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 199

المقصد الثامن في صلاة الاحتياط

اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 201

المقصد الثامن: في صلاة الاحتياط

و ممّا قلنا لك قد ظهر حكم بعض المسائل المتعلقة بصلوة الاحتياط، فالمناسب أن نذكر بعض أحكامها هنا في طى مسائل إن شاء اللّه.

المسألة الأولى: هل يجب تكبيرة الإحرام في صلاة الاحتياط أم لا؟.

اعلم أنّه بعد ما كانت الصّلاة في نظر المسلمين من الصدر الأوّل هي مع تكبيرة الافتتاح، بحيث لا يأتي بنظرهم تشريع صلاة بدونها، و كلما رأوا أمرا وجوبيا، أو استحبابيا متعلقا بصلوة، رأوا كونها مع تكبيرة الاحرام، فالمعهود بنظرهم هو كونها من أجزاء الصّلاة، فإذا قال الصادق عليه السّلام، بعد مضى أكثر من قرن من صدر الاسلام: (بأنه يبنى مثلا في الشّك بين الثلاث و الأربع على الأربع و يسلّم، و يأتي بركعة من قيام، أو ركعتين من جلوس) فلا يأتي بنظر السائل، و من يستمع هذا الكلام من الإمام عليه السّلام إلا كون هذه الصّلاة أى صلاة الاحتياط مع التكبيرة أيضا، لأنّ السائل مثل سائر المسلمين لم يكن معهودا بصلوة بلا تكبيرة الإحرام، فمن هنا نفهم كون المعتبر في صلاة الاحتياط تكبيرة الاحرام (فمن هذا البيان تعرف.

أوّلا أنّ ترك الإمام عليه السّلام كان لأجل معهودية السائل به، و إلّا لكان المناسب أن

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 202

يسأل عن اعتبار تكبيرة الاحرام فيها و من عدمه.

و ثانيا مع هذه المعهودية لا يمكن التمسك بالإطلاق في الروايات، و عدم تقييد بها لعدم اعتبارها فيها) فيجب فيها تكبيرة الإحرام.

المسألة الثانية: هل يتعين فيها فاتحة الكتاب، أو يتخير بينها و بين التسبيحات؟

وجه التخيير هو أن يقال: بعد كون تشريع صلاة الاحتياط بعنوان البدلية للركعة الثالثة، أو الرابعة، أو كليهما فكما يكون المصلّى مخيرا بين الفاتحة و التسبيح في مبدلها، أى: في الركعتين الأخيرتين، فكذلك في بدلها أعنى: صلاة الاحتياط.

و أمّا وجه تعين الفاتحة فهو التصريح في الروايات الواردة في صلاة الاحتياط بذلك، قال (بفاتحة الكتاب) و ظاهرها التعيين.

و أمّا ما قيل في وجه التخيير بينها و بين ثلاثة تسبيحات فنقول: بأنّ صلاة الاحتياط و إن جعلت لتدارك نقص

المحتمل في الأخيرتين، و لكن لا يوجب ذلك كونها مثلهما في جميع الأحكام بعد التصريح في روايتها باتيانها بفاتحة الكتاب.

المسألة الثالثة: لا يعتبر فيها السورة لعدم ذكر في روايتها منها

، بل يمكن أن يقال: بأن التصريح فيها: بأنها يصلى ركعة أو ركعتين مثلا بفاتحة الكتاب، فيه دلالة على أن الواجب فيها الفاتحة لا السورة.

المسألة الرابعة: لا دلالة على استحباب القنوت فيها

لعدم إطلاق لدليل القنوت يشمل المورد و لا ذكر في روايات صلاة الاحتياط منه.

المسألة الخامسة: هل يكون الفصل بينها و بين أصل الصّلاة بأحد المبطلات و القواطع

، موجبا لفسادها، و لزوم إعادة الصّلاة، أولا؟ مثلا إذا تكلم

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 203

بكلام ادمى عمدا، أو استدبر عمدا أو سهوا أو حدث عمدا أو سهوا بينها و بين الصّلاة، فهل يكون مضرّا بحيث لا ينجبر بصلوة الاحتياط جبر نقص المحتمل، و يجب إعادة الصّلاة، أو لا يكون مضرا.

اعلم أنّه تارة نتكلم في أن قول أبى عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن أبى يعفور بعد الأمر في الشّك بين الاثنتين و الأربع بأنّه (يتشهد و يسلم، ثمّ يقوم فيصلى ركعتين و اربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلم، فإن كان قد صلّى أربعا كانت هاتان نافلة، و إن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، و إن تكلم فليسجد سجدتى السهو) «1» هل يدلّ هذا الكلام يعنى و ان تكلم فليسجد سجدتى السهو، على مفسدية المبطلات لو اوقعت بين أصل الصّلاة و بين صلاة الاحتياط أم لا يدل؟

قد يقال: بأن الأمر بسجدتى السهو إن تكلم، ربما يكون في مقام بيان حكم ما إذا تكلم في أثناء الصّلاة أو أثناء صلاة الاحتياط، لا بين صلاة الاحتياط و أصل الصّلاة، حتّى يقال: بأن المستفاد من ذلك كون الكلام العمدى مبطلا لها، فالأمر بسجدتى السهو في صورة تكلمه ناسيا.

و لكن نقول: لا يبعد كون الظاهر من قوله و (إن تكلم فليسجد سجدتى السهو) هو التكلم بين الصّلاة و صلاة الاحتياط، فهذا الكلام يدلّ على كون الكلام العمدى مبطلا لها، و لا فرق بينه و بين سائر المبطلات.

و تارة نتكلم في مضرية المبطلات بينها و بين أصل الصّلاة،

مع قطع النظر عن هذه الفقرة من الرواية، فنقول: إنا إن نجعل نفسنا مقام من يسأل عن حكم الشّك في الأخيرتين، أو يسمع كلام الإمام عليه السّلام في هذا المقام من أنّه يبنى على الأكثر، و يعمل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 204

عملا لو كانت الصّلاة تامة، كان العمل بهذا العمل أى: صلاة الاحتياط نافلة و إن كانت ناقصة واقعا، نرى أن وضع صلاة الاحتياط يكون بنحو فيها حيثية كونها بدلا عما نقص عن الصّلاة و جابرة له، و نحن إذا راجعنا الادلة نرى أن لها المعرضية لكونها متمما للصّلاة، ففيها اعتبار المتممية.

فعلي هذا لا بدّ و أن يؤتى بها على وجه يقبل لصيرورتها متمما بحيث لو نقص الصّلاة كانت هى متممة نقصها، و في صيرورتها قابلة للتميمية لا بدّ و ان يكون وزانها وزان نفس الصّلاة، و حالها حال الركعة المتصلة، فكما أن القاطع لو وجد بين ركعاتها، تبطل الصّلاة كذلك لو وقع بينها و بين صلاة الاحتياط، فلأجل هذا نقول بكون الحدث و نظائره مبطلا لها لو وقع بينها و بين الصّلاة. «1»

المسألة السادسة: لو تذكر المصلّى بعد الفراغ من الصّلاة، النقص في الصّلاة

اشارة

من حيث الركعة فتارة يتذكر نقص الصّلاة بعين ما شك فيه مثلا شك في الصّلاة بين الثلاث و الأربع، و بعد الفراغ من الصّلاة يتذكر نقص صلاته بركعة أعنى: يعلم أنّه ما أتى إلا ثلاث ركعات، و نقص من صلاته الركعة الرابعة.

______________________________

(1)- أقول: و لكن ما أفاده مد ظله العالى قابل للإشكال فيه، إذ مجرد كونها في معرض المتممية للصّلاة، و جابرة لنقص المحتمل، لا يوجب كونها في حكم أصل الصّلاة من جميع الجهات، و إلّا إن كان ما قاله

مد ظله العالى تماما، فلم لم يقل بذلك في تكبيرة الإحرام، و أمّا رواية ابن أبى يعفور فمع احتمال كونه في مقام بيان حكم ما إذا تكلم في أثناء صلاة الاحتياط، نقول كما قال بعض: يحتمل كون ذلك حكما تعبديا إن كان مورده بيان حكم ما إذا تكلم ناسيا بين الصّلاة و صلاة الاحتياط.

فعلى هذا لا دليل على مبطلية المبطلات، و إن كان الاحوط في صورة وقوع أحد القواطع، إتيان صلاة الاحتياط، ثمّ إعادة الصّلاة. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 205

و تارة يتذكر نقصها بغير ما شك فيه، و في كل منهما تارة يتذكر بعد الفراغ من الصّلاة قبل إتيان صلاة الاحتياط، و تارة يتذكر بعد صلاة الاحتياط.

[في ذكر الصور في المسألة]

اشارة

و تارة في أثناء صلاة الاحتياط، و تارة بين الاحتياطين، فالكلام يقع في صور:

الصورة الأولى:

أنّه يشكّ في الصّلاة مثلا بين الثلاث و الأربع، ثمّ بعد الفراغ من الصّلاة أتى بوظيفة الاحتياط، من إتيان ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، ثمّ بعد صلاة الاحتياط يتذكر نقص الصّلاة بالركعة، أعنى: بعين ما كان شاكّا فيه، ففي هذه الصورة لا إشكال في صحة الصّلاة، و تتميم نقصها بما أتى بها من صلاة الاحتياط، لشمول إطلاق أدلّة صلاة الاحتياط للمورد، لانها تدلّ على أنّه مع الشك في الأخيرتين في الصور المنصوصة، غير الشّك بين الأربع و الخمس، يبنى على الأكثر و يأتي بعمل الشّك من صلاة الاحتياط، فإن كان نقص في الصّلاة يكون هى جابرة للنقص، و إن كانت الصّلاة تامة تكون هى نافلة، فهذه الأدلة تشمل المورد فعلى هذا لا شي ء عليه في هذه الصورة.

و لا وجه لعدم كون صلاة الاحتياط جابرة للنقص، و متمما للصّلاة في هذه الصورة إلّا توهّم أن مورد صلاة الاحتياط، يكون هو صورة بقاء الشّك إلى الآخر مثلا من شك بين الثلاث و الأربع و بقى شكه إلى الاخر، فيكون تكليفه البناء على الأربع و إتيان صلاة الاحتياط، و أمّا من تذكر نقص صلاته و لو بعد إتيان صلاة الاحتياط، فلا تكون صلاة الاحتياط متممة لصلاته و جابرة لها.

و هذا توهّم فاسد، لأنّه كيف يمكن حمل الإطلاقات على هذه الصورة «1».

______________________________

(1)- (أقول: إنّه مضافا إلى شمول الإطلاقات على ما أفاده مد ظله العالى، تدلّ على ذلك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 206

الصورة الثانية:
اشارة

ما إذا تذكر النقص المحتمل بعد الفراغ من الصّلاة مع عدم صدور فعل من المصلّى قبل صلاة الاحتياط، مثلا شك بين الثلاث و الأربع و بنى على الأربع، ثمّ بعد الفراغ قبل أن يصلى صلاة

الاحتياط، تذكر نقص الصّلاة بركعة و أنّه لم يأت بالركعة الرابعة، فهل يجب صلاة الاحتياط أعنى: ركعة أو ركعتين مفصولة، و بها تجبر نقص الصّلاة أولا، بل يجب ضمّ ركعة موصولة، ثمّ إتيان سجدتى السهو لأجل سلام زائد بعد الركعة الثالثة من الصّلاة، لأنّ مع نقص الصّلاة وقع السلام بعد الركعة الثالثة و يكون زائدا، فلأجله يجب سجدتى السهو.

اختار السيّد رحمه اللّه في العروة الثانى، و نحن أمضينا ما اختاره، و يظهر من بعض أعاظم معاصرينا أن السّلام وقع في غير محله في ما نحن فيه عمدا، فتبطل الصّلاة به، فلا يمكن إلحاق ركعة موصولة بها.

اعلم أن السّلام في المورد يكون من أجل السهو، لأنّ الغافلة عن كون الركعة الّتي فرغ عنها هى الثالثة، و اعتقاده بكونها هى الرابعة، صار علة لإتيان السلام، فيكون منشأه الغافلة عن الواقع و السهو عن الواقع، فعلى هذا لا يكون السّلام مبطلا، و لا فرق بين المورد و بين ما إذا اعتقد مثلا بعد التشهّد الأوّل، كون التشهّد التشهّد

______________________________

رواية عمار، و هى الرواية 3 من الباب 8 من أبواب الخلل من الوسائل، على ذلك حيث قال عليه السّلام فيها (ألا اعلمك شيئا إذا فعلته ثمّ ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟

قلت: بلى. قال: إذا سهوت فابن على الأكثر، فاذا فرغت و سلّمت، فقم، فصل ما ظنت أنك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك نقصت، كان ما صليت تمام ما نقصت) بالصراحة و بالخصوص، لأنّ فيها فرض خصوص صورة تذكر النقص و أن الشاك إذا تذكر نقص الصّلاة، كان ما صلّى من صلاة الاحتياط تمام ما نقص

فيه، فلا إشكال في هذه الصورة.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 207

الثاني، فسلّم، ثمّ تذكر كون التشهّد التشهد أوّل، و وقوع السّلام في غير محله، فكما أن في هذه الصورة يكون إتيان السّلام سهوا أى: لأجل سهوه أمرا اخر، و هو كونه في التشهد الأوّل لا الثانى، كذلك يعتقد في المقام كون الركعة الركعة الرابعة، فيسلّم، فكما أن في الأوّل يقال بوقوع السّلام سهوا، كذلك في الثانى أى: في ما نحن فيه، و بعد كون السّلام سهوا و عدم كونه مبطلا، فيقيم و يضيف بصلاته ركعة اخرى، و تصح صلاته و يسجد سجدتى السهو لأجل السّلام الواقع عنه سهوا في غير محلّه.

[في ذكر وجه صحّة الصّلاة في هذه الصورة]

و يمكن أن يقال في وجه صحة الصّلاة في هذه الصورة باتيان ركعة موصولة بالصّلاة: بأنا نفهم ذلك من أدلة تشريع صلاة الاحتياط، لأنّه بعد دلالتها بأنّه لو شك بين الأقل و الأكثر في الأخيرتين من الصّلاة يبنى على الأكثر و يأتي بصلوة الاحتياط مفصولة، حتّى يتدارك بها نقص المحتمل في الصّلاة، فإمّا أن الشارع جعل حكم صورة تذكر النقص قبل إتيان صلاة الاحتياط، حكم صورة بقاء الشّك من إتيان صلاة مفصولة مع تكبيرة الاحرام، و إمّا جعل الحكم في هذه الصورة عدم الاعتناء بالسلام الواقع سهوا، و أنّ الحكم ضمّ ركعة على الصّلاة أو ركعتين (باعتبار اختلاف النقص من ركعة أو ركعتين) موصولة، و هو المطلوب.

أمّا كون حكمه هو إتيان ركعة أو ركعتين مفصولة فلا وجه له، لأنّ مورد أدلة جبر النقص بالصّلاة المفصولة أعنى: صلاة الاحتياط، هو ما إذا بقى الشّك إلى ان يصلّى صلاة الاحتياط، و ليس هذا موردها، لتذكر النقص قبل صلاة الاحتياط، فلا بد من ضم ركعة موصولة و

فصل السّلام لا يكون مضرا، لأنا نفهم من أدلة صلاة الاحتياط عدم مضرية السّلام، و عدم كونه مانعا، لأنّه بعد كون صلاة الاحتياط على نحو إن كانت الصّلاة تامة، كانت نافلة و تمّت الصّلاة بالسلام، و خرج عنها بها،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 208

و تقع صلاة الاحتياط نافلة، و إن كانت الصّلاة ناقصة، تكون صلاة الاحتياط متممها، ففي هذه الصورة لا يكون السّلام مانعا.

فمن هنا نفهم أن في صورة نقص الصّلاة لم يكن السّلام مانعا، فنقول: بأن ما نحن فيه حيث يتذكر المصلّى نقص الصّلاة، فلا يكون السّلام مانعا و مضرا و يعلم النقص، فلا بدّ من إتيان ما نقص من الركعة، مثل ما إذا لم يسلّم و علم النقص بالركعة.

فتلخص أن من أدلة الاحتياط من جعل صلاة الاحتياط متممة في صورة نقص الصّلاة، نفهم أن مع نقص الصّلاة ليس السّلام مانعا، و على الفرض في موردنا يعلم بنقص الصّلاة، فلا يكون السّلام مانعا، فعلى هذا يكون مقتضى القاعدة، بعد عدم مانعية السلام، وجوب إتيان ما نقص من الصّلاة من الركعة موصولة، و كون المورد مثل ما إذا تذكر نقص الصّلاة بعد التسليم بركعة أو ازيد حكما، لأنّه بعد عدم مانعية السّلام الواقع سهوا، فمقتضى القاعدة الحاق ما نقص من الركعة بالصّلاة.

[ما قال المحقّق الحائري من المقتضى للعلم الاجمالى ليس في محلّه]
اشارة

و ما اخترنا في المقام هو مختار كل من تعرض للمسألة على ما ذكره في مفتاح الكرامة، فلا يناسب تعبير بعض الاعاظم رحمه اللّه (آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) «1» بقد يقال في مقام كون مسئلتنا في حكم ما لو تذكر نقص الصّلاة بعد السّلام بركعة، كما أن ما ذكره بأن (مقتضى القاعدة الجمع بين العمل بالاحتياط، و الاستيناف، للعلم الإجمالي بوجوب أحد

هما) محل إشكال، لأنّ أطراف الاحتمال ثلاثة:

[في ذكر الاحتمالات الثلاثة في الباب]
الاحتمال الأوّل:

ضمّ ركعة موصولة بما أتى من الصّلاة.

الاحتمال الثاني:

الاستيناف أى: استيناف الصّلاة.

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 383.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 209

الاحتمال الثالث:

إتيان صلاة الاحتياط أى: جبر ما نقص مفصولة لا موصولة.

[في نقل كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه في المورد]

ثمّ إنّه رحمه اللّه بعد ما قال في صدر كلامه «1»: بأن مورد من تذكر نقص الصّلاة بعد التسليم بركعة أو أزيد، الوارد فيه الأخبار بوجوب الحاق ما نقص، هو ما إذا صدر عن المصلّى التسليم بزعم الفراغ أى: باعتقاد تمامية الصّلاة من باب الجهل المركب، ثمّ بعد الفراغ يظهر نقص الركعة، فمورده وقوع السّلام من باب السهو المصطلح المقابل للشك، و لا يشمل هذه الأخبار المورد لأنّ السّلام في هذا المورد ليس وقوعه بزعم تمامية الصّلاة، بل يكون منشأه الشّك و البناء على الأكثر، و بعد تلخيص كلامه في قوله (فإن قلت و قلت مكرّرا) و ما قال بعده: بأنّه يكون السّلام في المورد من باب السهو المقارن مع الجهل المركب، مثل ما يسلم سهوا بزعم الفراغ، قال: لأنّ في هذا المورد بعد ما يشكّ و يبنى على الأكثر فهو يزعم بقاء شكه إلى اخر العمل بالشك، أى: إلى أن يفرغ عن صلاة الاحتياط، فهو بزعم ذلك يسلّم، ثمّ بعد الفراغ إذا تذكر نقص الصّلاة، فهو يتذكر أن تركه السّلام كان من باب السهو المقارن للجهل المركب، فلا يكون فرق بين الموردين، غاية الأمر في ما يسلم بزعم الفراغ من الصّلاة، يزعم الفراغ فيسلم، فيكشف كون الواقع على خلاف ما اعتقده، و فيما نحن فيه يسلم بزعم بقاء شكه إلى أن يفرغ عن صلاة الاحتياط، و بعد ما يسلم يتذكر كون الواقع على خلاف ما زعمه، ففي كليهما يكون منشأ السلام، هو السهو المقارن للجهل المركب، لا الجهل البسيط و الترديد و الشك، هذا حاصل كلامه. «2»

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص

383.

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص 383.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 210

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه بعد عدم كون المورد على ما قال مورد الأخبار الوارد فيمن يسلم بزعم الفراغ موضوعا، فلا حاجة إلى إتعاب النفس بجعل المورد مصداقا للسهو المصطلح، و أن المصلّى يسلم في ما نحن فيه بزعم بقاء الشك، بل يكون حكم المسألة ضمّ ركعة موصولة و عدم مانعية السّلام من باب ما قلنا في أول الخلل، و في طى بعض المباحث السابقة مكر را: بأن السهو أعم من كونه مقارنا للجهل المركب، أو للجهل البسيط و الترديد و الشك، ففي كليهما يكون المنشأ ذهول الواقع و السهو عن الواقع، و قلنا: بأن في الأخبار دلالة على ذلك من إطلاق السهو على كلا الموردين أعنى: السهو المقارن للجهل المركب، و البسيط كليهما، فكذلك نقول: إن هذا السّلام وقع سهوا و إن كان منشأه الشّك و البناء على الأكثر.

ثمّ إنّه بعد كل ما قال، قال: بأنّه يكفى هنا ضمّ ركعة موصولة، و إن كنا و ما قال في أوائل كلماته قبل فإن قلت من أن (مقتضى القاعدة الجمع بين العمل بالاحتياط، و الاستيناف، للعلم الإجمالي بوجوب احدهما) فيكون نظره رحمه اللّه إلى الاحتياط بما قاله. «1»

______________________________

(1)- (أقول: و لكن من كلامه بعد ذلك، من أن هذا السّلام لا يكون مانعا، لأنّه وقع من باب السهو و زعم بقاء شكه إلى أن يعمل بعمل الاحتياط، و بعد كون السّلام غير مانع و عدم شمول أدلة تدارك المنقوص بالمنفصل للمورد، لأنّ ظاهرها الشّك المستمرّ إلى بعد صلاة الاحتياط، فيأتي بركعة موصولة و تصح الصّلاة، ثمّ إنّه يكون السّلام في المورد على ما قاله

رحمه اللّه بزعم الفراغ، لأنّه على ما اختاره رحمه اللّه من أن صلاة الاحتياط صلاة منفردة، فإن و جبت على الشخص فيكون تكليفا منفردا، فهو بعد الشّك و البناء على الأكثر يسلّم بزعم الفراغ، ثمّ بعد الفراغ يتذكر كونه جاهلا بالجهل المركب، لعدم فراغه من الصّلاة، لتذكره بنقصها.

نعم يرد عليه ما أفاده مد ظله العالى من كون لسان أدلة صلاة الاحتياط كونها متمما للصّلاة، لا صلاة مستقلة، فافهم. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 211

[ما قاله المحقّق الحائري رحمه اللّه من الجمع لا وجه له]

و أمّا ما قاله رحمه اللّه «1» من أن مقتضى العلم الاجمالي هو الجمع بين عمل الاحتياط و استيناف الصّلاة، فليس في محله، لأنّ المنشأ العلم الإجمالي ليس هو العلم بطبيعة الصّلاة، لأنّ العلم بها يكون تفصيليا لا إجماليا، فمنشأ العلم الإجمالي هو أنّه بعد ما يعلم بأنّه دخل في الصّلاة، و الحال بعد السّلام يعلم نقصها بركعة أو ركعتين، فمع هذا العلم بالنقص و توجهه بأنّه لا يجوز إبطال العمل و قطع الصّلاة، فأمره يدور بين ضمّ ركعة موصولة، أو استيناف الصّلاة بعد شكه في مانعية السّلام لأن يلحق الركعة الناقصة من الصّلاة بها و عدم مانعية، فحيث يشكّ في مانعية السلام الّذي صدر منه، مع عدم جواز إبطال العمل، فهو يعلم إجمالا بأنّه إمّا يجب عليه ضمّ ركعة موصولة، أو استيناف الصّلاة، لا إتيان صلاة الاحتياط و نقص المتقين مفصولة.

فما قاله رحمه اللّه من الجمع بين عمل الاحتياط أى: صلاة الاحتياط، و الاستيناف لا وجه له، بل لو كان العلم الإجمالي في البين فإنه حيث يكون مسببا عن مانعية السلام الصادر منه سهوا، لأنّه إن كان السّلام مانعا فيجب استيناف الصّلاة، و إن لم يكن مانعا فيجب ما نقص

موصولة، فالعلم الإجمالي مسبب عن مانعيّة و عدمه، فيجب إمّا ركعة موصولة أو استيناف الصّلاة بمقتضى العلم الإجمالي. «2» و تلخص أن في هذه الصورة يضمّ ما يعلم نقصه من الركعة بالصّلاة، لعدم مانعية بالبيان الّذي قلنا.

ثمّ إنّه لا فرق في ما قلنا من أنّه لو تذكر نقص الصّلاة قبل صلاة الاحتياط

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 383.

(2)- (أقول: و يحتمل كون نظره رحمه اللّه من الجمع بعمل الاحتياط و استيناف الصّلاة، هو ضم الركعة الناقصة موصولة و استيناف الصّلاة، لا أن يكون غرضه الجمع بين صلاة الاحتياط و استيناف الصّلاة، و لكن هذا خلاف ظاهر كلامه رحمه اللّه) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 212

و بعد الفراغ من الصّلاة، بين أن يكون تذكر النقص بأزيد من المشكوك، أو مساوله، أو أنقص، فلا فرق بين ما إذا شك في ما يوجب شكه إتيان ركعة، فتذكر بعد نقص الصّلاة بركعة، و بين ما إذا شك بما يوجب إتيان ركعة بعنوان صلاة الاحتياط، فتذكر نقص الصّلاة بركعتين، و بين ما إذا شك بما يوجب ركعتان، ثمّ قبل أن يأتى بهما و بعد الفراغ، تذكر نقص الصّلاة بركعة واحدة، ففي كل الصور يضم ما تذكر نقصه من الركعة موصولة بالصّلاة، لما قلنا من عدم مانعية السّلام و علمه بنقص صلاته، فلا بدّ من إتمامها باتيان ما يعلم بنقص منها، و لا مجال لاتيان ما نقص مفصولة، لعدم شمول أدلّة جعل صلاة الاحتياط للمورد.

الصورة الثالثة:

ما إذا تذكر نقص الصّلاة بعد إتيان صلاة الاحتياط بأزيد من المشكوك، مثلا شك بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و تمّ الصّلاة و أتى بعمل الاحتياط من الإتيان بركعة من قيام،

أو ركعتين من جلوس، ثمّ بعد إتيان صلاة الاحتياط تذكر نقص الصّلاة بركعتين.

فهل نقول: بوجوب استيناف الصّلاة من رأس، أو نقول: بتتميم ما نقص من الصّلاة بضم الصّلاة الاحتياط به، مثلا في المثال المتقدم يضم ركعة اخرى، فبهذه الركعة و الركعة الّتي أتى بها بعنوان صلاة الاحتياط، يتم نقص الصّلاة، لأنها ناقصة بركعتين، فركعة منهما تداركت بصلوة الاحتياط، و ركعة اخرى بما يأتي بها موصولة بعد صلاة الاحتياط، أو نقول: باتيان ركعتين في المثال و القاء ما أتى من صلاة الاحتياط، فيأتى بما يتذكر نقص الصّلاة به.

يمكن أن يقال: بأن الاوجه هو الاحتمال الثالث، فيأتي المكلف في هذه الصورة بما نقص من صلاته، مثلا بركعتين في المثال بعد صلاة الاحتياط، و ما وقع من صلاة الاحتياط بين ركعتى الاوليين من الصّلاة، و الأخيرتين منها أى: هاتان الركعتان

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 213

اللتان يأتى بهما بعد صلاة الاحتياط، لا تفسد الصّلاة، لوقوعها سهوا بزعم كون التكليف باعتبار بقاء شكه، هو إتيانها، ففي الحقيقة وقعت صلاة بين صلاة، و لا يضر وقوعها بينها.

إن قلت: يمكن إتمام الصّلاة بنحو اخر أعنى: على الاحتمال الثانى، بأن يكمل النقص مع ركعة بصلوة الاحتياط، ففي المثال المتقدم بعد ما أتى بركعة من قيام مثلا أو ركعتين جلوس، ثمّ تذكر بعد إتيانها نقص ركعتين، يأتي بركعة اخرى، فبمجموع صلاة الاحتياط و هذه الركعة يتمم نقص الصّلاة، لأنّ صلاة الاحتياط جابرة لنقص ركعة، و ركعة اخرى جابرة لنقص ركعة اخرى.

قلت: يستفاد من أدلة جعل صلاة الاحتياط في موارد جعلها كونها في كل مورد جابرة لتمام نقص المورد، مثلا في الشّك بين الثلاث و الأربع تكون ركعة من قيام، أو ركعتان من جلوس

جابرة لنقص الركعة، و لا يستفاد من أدلتها كونها جابرة لبعض النقص، فلا يمكن أن يقال في المورد: بكون صلاة الاحتياط جابرة لبعض النقص، و يجبر بعض النقص بركعة اخرى، فافهم.

فعلى هذا أقرب الاحتمالات هو الاحتمال الثالث، و لكن مع ذلك لا يطمئن الانسان بالاكتفاء بهذا النحو في هذه الصورة، فالأحوط استيناف أصل أيضا. «1»

______________________________

(1)- أقول: إن قلنا بمانعية تكبيرة الافتتاح و الركوع و السجود الواقع في صلاة الاحتياط في هذا الفرض و أن زيادتها تفسد الصّلاة و إن وقعت سهوا، و ليست كالسلام الّذي لم تكن زيادته السهوية مبطلا للصّلاة، فلا يقبل المورد لأن يقال بتتميم الصّلاة باتيان ما تذكر نقصه بعد صلاة الاحتياط، و لا بمجموع صلاة الاحتياط و ركعة اخرى، لأنّ بعد حدوث المانع لا يمكن ضمّ النقص بالصّلاة، فلا وجه للأخذ بالاحتمال الثانى و الثالث، بل يجب استيناف الصّلاة ..

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 214

الصورة الرابعة:
اشارة

ما إذا تبين نقص الصّلاة في حال الاشتغال بصلوة الاحتياط، و كان النقص المتيقن موافقا مع المشكوك من حيث الكيفية و الكمية كليهما، مثل ما إذا شك بين الثلاث و الأربع، فبنى على الأربع و أتم الصّلاة، و شرع في صلاة الاحتياط بركعة عن قيام، ففي أثناء صلاة الاحتياط تذكر نقص الصّلاة بركعة، أو يكون النقص المتيقن موافقا مع المشكوك كيفا، مثل ما إذا شك بين الثلاث و الأربع، و أتم الصّلاة و شرع في صلاة الاحتياط بركعتين من جلوس، فتذكر في أثناء هذه الصّلاة الاحتياط نقص الصّلاة بركعة، فما تذكر نقصه موافق مع صلاة الاحتياط كمّا لأنّ احتمال النقص في الشّك كان بركعة و تذكر النقص يكون بركعة أيضا، و مخالف مع صلاة الاحتياط كيفا،

لأنّ ما تذكره ركعة من قيام، و صلاة الاحتياط الّتي هو فيها تكون ركعتين من جلوس.

[الاحتمالات في المسألة أربعة]

فما نقول في هذه الصورة أى: صورة تذكر النقص في أثناء صلاة الاحتياط؟

فهل نقول في المقام: بأنّه يكون في حكم من زعم الفراغ فيلغى ما بيده من صلاة الاحتياط، و يأتى بما تذكر نقصه من ركعة أو أزيد فيقال في وجهه: إنّه سلّم و شرع في صلاة الاحتياط بزعم بقاء شكه، فهو ساه في ما أتى به فيلغى ما وقع زائد سهوا و يأتي بما بقى من الصّلاة و تصح صلاته، فهذا احتمال الأوّل مع وجهه.

أو نقول: بأنّه يتم الصّلاة الاحتياط الّتي بيده، و بها تتمّ الصّلاة و يقال في وجه ذلك: إنّه لا يلزم استمرار الشّك إلى ما بعد صلاة الاحتياط، بل يكفى استمراره إلى

______________________________

و إن لم نقل بمانعيتها فيكون مجال لأن يقال في هذه الصورة: بالاحتمال الثانى أو الثالث، و يمكن أن يقال: بالاحتمال الثانى إلا أن يقال بما قاله مد ظله العالى من أن بصلوة الاحتياط لا يجبر بعض النقص، بل في كل مورد جعلت يجير بما جعلت تمام نقص المحتمل، فالأوجه الاحتمال الثالث على هذا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 215

الشروع في صلاة الاحتياط، كما أن المناسبة تقتضى ذلك، لأنّ صلاة الاحتياط مسب عن الشّك فيكفى في وجوبها بقاء الشّك إلى زمان الشروع فيها، لأنّه مع بقاء الشك يجب عليه الشروع، فيكفي في صيرورتها واجبة على المكلف بقاء الشّك إلى زمان لا بدّ و أن يشرع في صلاة الاحتياط.

أو نقول: بالتفصيل بين ما إذا كان ما تذكر نقصه من الركعة موافقا مع المشكوك كمّا و كيفا مثل ما إذا تذكر نقص ركعة و كان

ما شرع فيه من صلاة الاحتياط ركعة أيضا، و بين ما إذا كان ما تذكر نقصه مخالفا مع المشكوك كيفية مثل ما إذا و شرع في ركعتين من جلوس، ففي الاثناء تذكر نقص الصّلاة بركعة، فيقال:

بكون الوظيفة في الصورة الأولى هو إتيان باقى صلاة الاحتياط من باب كونها عين ما نقص من صلاته كمية و كيفية، و يقال في الصورة الثانية: ببطلان الصّلاة و لزوم استينافها، لأنّ ما بيده من صلاة الاحتياط غير قابلة لأنّ يجبر بها نقص الصّلاة، لمخالفتها مع ما نقص من الصّلاة كمية و كيفية.

أو نقول: ببطلان الصّلاة مطلقا بلا فرق بين اختلاف ما تذكر نقصها مع الشكوك كميّة و كيفية، و بين صورة عدم اختلافها، و يقال في وجه ذلك: بأنّ الاشتغال بالصّلاة يقتضي البراءة عنها، و لا تحصل البراءة لا بضم ما نقص بعد الغاء صلاة الاحتياط لعدم اغتفار ما فصل أعنى: صلاة الاحتياط، و لا بنفس ما بيده من صلاة الاحتياط، لعدم كونها جابرة في هذه الصورة، فلا بدّ من استيناف الصّلاة من راس، فالاحتمالات في المسألة أربعة، فما نقول في المقام؟

اعلم بأنا قلنا في حاشيتنا على العروة عند تعرض السيّد رحمه اللّه لهذه المسألة: بأنّ (الاقرب التفصيل بأن النقص المتبين إن كان هو الّذي جعلت هذه الصّلاة جابرة له

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 216

شرعا، فالواجب إتمامها و إن خالفته في الكم و الكيف، كالركعتين من جلوس مع تبين النقص بركعة، بل و كذا إذا امكن تتميمها كذلك كالركعتين من قيام إذا تبيّنت الثلاث قبل أن يركع في الثانية منهما و أمّا في غير ما ذكر فالواجب قطعها و إتمام الصّلاة، و لا يترك الاحتياط بالاعادة فيهما خصوصا

الثانى) أمّا وجه ما قلنا من إتمام الصّلاة الّتي بيده إن كانت موافقة مع النقص المتبيّن و إن كانت مخالفة معه كما و كيفا، هو أن مقتضى إطلاق أدلة الاحتياط شمولها للمورد، لأنّه لا يستفاد من أدلتها إلّا بقاء الشّك إلى أن يشرع في صلاة الاحتياط، و لا يعتبر استمرار الشّك إلى أن يتم صلاة الاحتياط، فمتى شك و استمر الشك إلى زمان لا بدّ و أن يأتي بصلوة الاحتياط، فتحقّق ما هو موضوع لوجوب صلاة الاحتياط، و يستفاد ذلك من إطلاقات ادلة وجوب صلاة الاحتياط، و عدم تقييدها ببقاء الشّك إلى حصول صلاة الاحتياط في الخارج، فيجبر بها نقص المحتمل إذا استمر الشك إلى ان يشرع في صلاة الاحتياط.

فعلى هذا نقول: بأنّه في ما نحن فيه حيث استمر الشك إلى أن الشاك شرع في وظيفته من الصّلاة الاحتياط، و على الفرض تيقن بنقص الصّلاة بما هو موافق للمشكوك، مثلا شك بين الثلاث و الأربع، و سلّم و شرع في صلاة الاحتياط، فتبين له نقص صلاته بركعة، فما بيده من الصّلاة الاحتياط جابرة لنقص الصّلاة، لأنها جابرة لنقص المحتمل في صورة بقاء الشّك إلى الشروع فيها، و في الفرض شرع فيها، فتجبر بها نقص المتقين، لأنّ وجه تشريعها في مواردها هو كونها متممة النقص.

و لا فرق في الاكتفاء بها في هذه الصورة أى: الصورة الّتي يتقن نقص الصّلاة فيها بين كون صلاة الاحتياط موافقا لمّا نقص كمّا و كيفا مثل ما إذا شرع في ركعة من قيام في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 217

الشّك بين الثلاث و الأربع فتبيّن نقصها بركعة، و بين ما إذا شرع في ركعتين من جلوس، لكونه مختارا في الشّك بين

الثلاث و الأربع بين أن يأتي بركعة من قيام، أو ركعتين من جلوس، لأنّ ركعتين من جلوس جابرتان لنقص الركعة بمقتضى النص.

بل يمكن أن يقال: بأنّه في ما إذا كان ما يعمل باعتبار الشّك أكثر ممّا تبين نقصه، لكن تذكر النقص حال الصّلاة الاحتياط قبل الركوع من الركعة الزائدة، يكتفى بها، مثلا إذا شك بين الاثنتين و الأربع فشرع بعد السّلام في ركعتين من قيام مفصولة بعنوان صلاة الاحتياط المشروعة في هذه الصورة، و قبل أن يدخل في ركوع ركعة الثانية من صلاة الاحتياط، تذكر نقص صلاته بركعة فله أن يهدم القيام و يجلس و يتشهد و يسلم، و يكتفى بها عن النقص المتيقن، لأنّ الركعة الّتي أتى بها جابرة للنقص، و أمّا ما زاد من القيام و القراءة، فليس مبطلا لوقوعه سهوا، و باعتقاد كونه الوظيفة، و هل يوجب سجدتى السهو للزيادة السهو أم لا، فهو كلام اخر.

فتلخص أنّه على هذا يكتفى بما بيده من صلاة الاحتياط، و إتيان ما نقص بعد ذلك.

و إن لم نقل: بأن أدلة الاحتياط يشمل المورد فهل يقال: بإلغاء ما بيده من صلاة الاحتياط، و إتيان ما نقص، و عدم مضرية ما وقع من صلاة الاحتياط سهوا، مثل ما إذا تذكر النقص بعد الفراغ من الصّلاة قبل صلاة الاحتياط، أو نقول:

بعدم كون المورد مثل ما تبين النقص بعد الصّلاة، فيجب استيناف الصّلاة من راس.

[لا يبعد شمول الاطلاقات للمورد]

لا يبعد شمول إطلاقات أدلة صلاة الاحتياط للمورد، و كفاية استمرار الشّك إلى أن يشرع المكلف في صلاة الاحتياط، و لا يعتبر استمرار الشّك إلى اخر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 218

صلاة الاحتياط.

[في ذكر اشكال و دفعه]

إن قلت: إن رواية عمار الواردة في تعليم صلاة الاحتياط بنحو الكلى يستفاد منها اعتبار بقاء الشّك إلى إتيان تمام صلاة الاحتياط، لأنه قال عليه السّلام فيها: (ألا اعلمك شيئا إذا فعلته، ثمّ ذكرت أنك أتممت أو نقصت، لم يكن عليك شي ء؟ قلت:

بلى. قال: اذا سهوت فابن على الأكثر فاذا فرغت و سلمت، فقم، فصل ما ظننت أنك نقصت، فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنك كنت نقصت، كان ما صليت تمام ما نقصت) «1» فقوله (و إن ذكرت أنك كنت نقصت، كان ما صليت تمام ما نقصت) يدلّ على أن الشّك لا بدّ من استمراره إلى بعد صلاة الاحتياط، و بعدها لا يضرّ العلم بالنقص فبالمفهوم يدلّ على أنّه لو تذكر قبل تمامية صلاة الاحتياط، فلا تكون صلاة الاحتياط جابرة للنقص.

قلت: إن الرواية تكون في مقام بيان أن صلاة الاحتياط إذا كانت الصّلاة تامة واقعا، تكون نافلة، و إذا كانت ناقصة تكون متممة للنقص، فقوله (و ان ذكرت انك كنت نقصت) يكون مقابله، و بعبارة اخرى مفهومه المذكور في الرواية قوله (فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء) لا مقابله تذكره النقص قبل تمام صلاة الاحتياط.

فهذه الرواية- مضافا إلى نقلها على انحاء ثلاثة كما يظهر للمراجع بكتب الأخبار- لا دلالة لها بحسب النقل المتقدم على ما توهّم من دلالتها على استمرار الشك إلى أن يتمّ صلاة الاحتياط.

و أمّا غيرها من الأخبار

الواردة في موارد خاصة في جعل صلاة الاحتياط

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 219

في بعض الشكوك، فلا دلالة له على اعتبار استمرار الشّك إلى ان يتم الشاك صلاة الاحتياط، بل يكتفى استمرار الشّك إلى الشروع في صلاة الاحتياط.

[في نقل كلام الاصفهاني و ردّة]

و أمّا ما قاله آية اللّه الاصفهاني رحمه اللّه في حاشيته على العروة في هذا الموضع من التفصيل بين ما إذا شرع في الصّلاة الاحتياط الّتي تكون موافقة مع ما تبين نقصه من الصّلاة كمّا و كيفا مثل ما إذا شك بين الثلاث و الأربع فبنى على الأكثر و سلّم، و شرع في ركعة من قيام، فتبين بعد الشروع فيها قبل تماميتها نقص الصّلاة بركعة، بأن في هذه الصورة يتم صلاة الاحتياط، و تصح الصّلاة، و لا يجب استينافها، و بين ما إذا تبين النقص في أثناء صلاة الاحتياط الّتي تكون مخالفة مع ما نقص كمّا و كيفا مثل ما إذا شرع في الشّك في الثلاث و الأربع بعد البناء على الأكثر و التشهد و التسليم، في ركعتين من جلوس بعنوان صلاة الاحتياط، ففي هذه الصورة يلغى ما بيده من صلاة الاحتياط، و يجب استيناف الصّلاة من رأس.

فان كان نظره إلى أن أدلة صلاة الاحتياط تشمل صورة بقاء الشّك إلى الشروع في صلاة الاحتياط و إن لم يستمر إلى اخرها، فلا وجه للتفصيل بين ما إذا وافق ما تبين مع المشكوك كمية و كيفية، و بين ما خالفها كمية و كيفية كما قلنا، و تصح الصّلاة، و إن لم تشمل أدلة الاحتياط لما إذا زال الشّك بعد الشروع في صلاة الاحتياط فأيضا لا وجه للتفصيل، بل لا

بدّ من أن يلتزم إمّا بإلغاء صلاة الاحتياط و إتيان ما نقص و إمّا باستيناف الصّلاة في كل من الصورتين.

[في توجيه كلام الاصفهاني]

و يمكن أن يكون نظره رحمه اللّه في التفصيل إلى جهة اخرى، و هى «1» أنّنا نفهم من أدلة الاحتياط كونها جابرة للنقص على تقدير النقص في الصّلاة، و في فرض نقص

______________________________

(1)- هذه الجهة أنا قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 220

الصّلاة يتمّ بها النقص و لا يمكن كونها متممة للنقص إلّا بأنه على تقدير النقص، تكون تكبيرة الإحرام الواقعة في أوّلها غير مانعة من ضمّها و وصلها بالصّلاة، و صيرورتها متممة للنقص، كما قلنا بذلك في ما إذا تبين نقص الصّلاة بعد السلام، من أن المستفاد من أدلة الاحتياط، عدم كون السّلام الواقع مانعا في صورة نقص الصّلاة و احتياجها بركعة أو ركعتين، فكذلك يقال: بأن تكبيرة الاحرام من صلاة الاحتياط و إن كانت مبطلة في حدّ ذاتها، لكونها زيادة مبطلة سواء وقعت عمدا أو سهوا، لكن بعد دلالة دليل صلاة الاحتياط بكونها متممة في صورة النقص، من عدم كون زيادة تكبيرة الاحرام مفسدة للصّلاة، و إلّا فكيف تكون صلاة الاحتياط جابرة للنقص، فلهذا نقول: بأنّه إذا تبين نقص الصّلاة بعد الشروع في صلاة الاحتياط بما يكون موافقا كمية و كيفية مع المشكوك، فيتم ما بيده من صلاة الاحتياط بعنوان النقص الحاصل في الصّلاة، لا بعنوان الصّلاة الاحتياط، و أمّا اذا خالف ما بيده من صلاة الاحتياط كمية و كيفية مع ما تبين نقصه من الصّلاة، فلا يمكن الاكتفاء بعنوان النقص المتبيّن، لاختلافها مع ما تبيّن نقصه من الصّلاة. «1»

______________________________

(1)- (أقول: و لكن إن كان النظر إلى هذه الجهة، ففيما

كبّر لصلاة الاحتياط و قبل الشروع في القراءة بعدها لو تبيّن النقص، يصح أن يقال: بأن التكبير ليس مانعا، و يأتي بما بقى من يقصد الركعة الناقصة موصولة و يأتي بالقراءة، أو التسبيح مخيرا بينهما، لأنّه على هذا تكون هذه الركعة هى الركعة الرابعة الموصولة، و فيها كان المصلّى بالخيار بين القراءة و التسبيح أو يحتاط باتيان القراءة، و أمّا إذا تبين النقص بعد اتيانها التكبير و القراءة و الركوع و السجود مثلا من صلاة الاحتياط، فأيضا يكتفى بما وقع، و يأتي بما بعده من بقية الركعة، أو الركعتين الّتي تبين نقصها من الصّلاة، فما مضى وقعت قهرا متممة للنقص، و كذلك ما بقى من الركعة أو الركعتين.

إمّا من باب أن المستفاد من أدلة صلاة الاحتياط هو أن كلّ ما أتى به بعنوان صلاة الاحتياط،.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 221

[نقل جهة للفرق بين السلام و تكبيرة الاحرام]

و هل يمكن أن يقال في تكبيرة الاحرام ما قلنا في السلام، فكما أنّه لو تبين نقص الصّلاة بعد السلام، قبل أن يصلى صلاة الاحتياط، قلنا: بأنا نفهم من أدلة تشريع صلاة الاحتياط، عدم كون السّلام الزائد مانعا، كذلك نقول: نفهم في ما نحن فيه بعدم كون تكبيرة الاحرام الواقعة في أول صلاة الاحتياط مانعة لأن يصير ما بيده ركعة موصولة للصّلاة، و متمّمة لنقص المتبين بعد الشروع في صلاة الاحتياط، أولا يمكن أن يقال بذلك؟

الأقوى عدم جريان ما قلنا في السّلام في تكبيرة الاحرام.

أمّا أولا فلأن السّلام يكون عمده مبطلا لا سهوه بخلاف تكبيرة الإحرام فإن عمدها و سهوها مبطل للصّلاة، لكونها ركنا من أركان الصّلاة.

و أمّا ثانيا فلأن تكبيرة الإحرام تكون جزءا لصلاة الاحتياط على ما قلنا، فصلاة الاحتياط مع هذا الجزء جابرة

للنقص المحتمل، فاذا تبين نقص الصّلاة بعد الشروع فيها، فلا يمكن أن يقال: بأن هذه الصّلاة مع هذا الجزء، جزء موصولة

______________________________

النقص، و بعد تبين النقص يأتي بما بقي من النقص لأجل الأمر المتعلّق بأربع ركعات، فما بيده من الصّلاة صارت متممة النقص بعضه بدليل صلاة الاحتياط، و بعضه بعنوان بقاء الأمر بطبيعة الصّلاة أربع ركعات موصولة.

و إمّا من باب أنّه و إن لم تشمل المورد أدلة الاحتياط بلسانه، إلا أنّه بعد فهم عدم مانعية تكبيرة الاحرام الواقعة زائدة من هذه الأدلة يقال: إنّ ما وقع من الركعة أو الركعتين و ما تقع جزء للصّلاة، لفرض عدم مانعية التكبيرة، و احتياج الصّلاة بما وقع و يقع من الركعة أو الركعتين، غاية الأمر قصد بما وقع صلاة الاحتياط، و هذا القصد لا يكون مضرا، لأنّ وضع صلاة الاحتياط، و ما نرى هو كونها متممة للنقص، على تقدير النقص و قد خطر ببالى أن يكون القريب كون الحكم فيما نحن فيه هو التفصيل من الاحتمالات الاربعة، و يمكن كون نظر آية اللّه الاصفهانى؛ إلى هذا، فتأمّل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 222

الشروع فيها، فلا يمكن أن يقال: بأن هذه الصّلاة مع هذا الجزء، جزء موصولة للصّلاة، لأنّه في هذه الصورة لا بدّ من ضم ركعة بدون هذا الجزء لا مع هذا الجزء فعلى هذا لا يمكن أن يقال بالتفصيل المتقدم، لأجل هذه الجهة الّتي قلنا في صورة تبين النقص بعد السّلام في وجه عدم مانعية السلام، لأن يضم ما نقص بالصّلاة موصولة، فافهم. «1»

ثمّ إنّه قد ظهر لك ممّا مرّ منّا أنّه يعتبر في وجوب صلاة الاحتياط بقاء الشّك إلى أن يشرع في صلاة الاحتياط، فلو زال

الشّك بعد الفراغ من الصّلاة قبل أن يشرع في صلاة الاحتياط، مثلا شك في الصّلاة بين الثلاث و الأربع و بنى على

______________________________

(1)- (أقول: إن ما قال مد ظله العالى أولا و ثانيا في وجه الردّ للتفصيل ليس بتمام، لأنّه يقال:

كما أنّه يستفاد من أدلة صلاة الاحتياط اغتفار السّلام الواقع في غير محله، لوجود النقص في الصّلاة، كما اختار ذلك في صورة تبين النقص بعد السّلام قبل صلاة الاحتياط، فإنه قال مد ظله العالى في وجه ضم ما تبيّن نقصه موصولة بوجهين: الأوّل بأن السّلام وقع سهوا، فلا يضرّ وجوده، فيضم ما نقص من الصّلاة بها، و الثانى بأنّه يستفاد من أدلة صلاة الاحتياط كون السّلام غير مانع، لأنّه مع فرض النقص يتمّ بصلوة الاحتياط النقص، فعلى هذا نقول في ما نحن فيه: بأنّه كما قلت في تذكر النقص بعد السّلام بالوجه الثانى، بضم ما نقص من الركعة موصولة ليس السّلام مانعا، كذاك ليست تكبيرة الاحرام مانعا، و قولك أنها مانع في صورة السهو أيضا نقول: يستفاد من الأدلة عدم مانعيتها، و أمّا ما قال مد ظله من أن التكبيرة جزء لا مانع، نقول بأنها و إن جعلت جزءا لصلاة الاحتياط، و لكن حيث أن صلاة الاحتياط يتم بها النقص المحتمل، ففي صورة النقص لا بدّ و أن لا يكون وجودها مضرا، فكل ما تقول في صورة نقص الصّلاة من حيث حكمها، نقول به في صورة تبين نقص الصّلاة، فتامل.

و لكن مع ذلك الاحوط استيناف الصّلاة بعد إتمام ما بيده لأجل النقص المتبين من الصّلاة، و قال سيدنا الاعظم مد ظله العالى: بأن رعاية الاحتياط إتمام ما بيده بعنوان صلاة الاحتياط، استيناف الصّلاة، هذا كله

في هذه المسألة. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 223

الأربع ثمّ سلم، و بعد السّلام تيقن عدم نقص الصّلاة فلا يجب صلاة الاحتياط.

و هل يكون الأمر في سجود السهو المسبب عن الشّك هكذا أم لا؟ مثلا شك في الصّلاة بين الأربع و الخمس، فبنى على الأربع و سلم، ثمّ بعد السّلام تيقن كون ما أتى به من الصّلاة أربع ركعات فزال شكه، فهل يجب سجدتى السهو الواجب في هذا الشك أم لا؟ لا يبعد وجوبهما، لأنّ وجوبهما ليس دائرا مدار استمرار الشّك إلى أن يشرع فيهما، بل وجوبهما مسبب عن نفس حدوث السهو الّذي صار موجبا للترديد و الشك و ان زال هذا الشك، فعلى هذا يجب سجدتى السهو و إن ارتفع الشك، فافهم.

مسئلتان متعلقتان بصلوة الاحتياط.
المسألة الأولى:

لو زاد في صلاة الاحتياط ركعة أو ركنا، أو نقص كذلك و لا يقبل التدارك، فبعدها يجب رفع اليد عما بيده من صلاة الاحتياط لبطلانها لأجل الزيادة أو النقيصة المبطلة، فهل يجب عليه إعادة صلاة الاحتياط أو تبطل الصّلاة، فلا بدّ من إعادة أصل الصّلاة، أو يجب إعادة صلاة الاحتياط أوّلا، و إعادة الصّلاة بعدها أيضا.

المسألة الثانية:

لو نسي صلاة الاحتياط، و دخل في فريضة مترتبة عليها، مثلا صلّى الظهر فشك فيها بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ بعد أن يعمل عمله أى: يأتي بصلوة الاحتياط ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، شرع في صلاة العصر نسيانا، فهل يجب عليه رفع اليد عن هذه الصّلاة المترتبة أى:

العصر، و الإتيان بصلوة الاحتياط، و تصح الصّلاة الّتي شك فيها أو لا، بل لا بدّ من إعادة أصل الصّلاة الّتي شك فيها، أو يجب إتيان صلاة الاحتياط بعد رفع اليد عن الصّلاة المترتبة الّتي بيدها، ثمّ استيناف أصل الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 224

اعلم أن بعض الاعاظم (آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) «1» تعرض للمسألتين في صلاته و هى المسألة السادسة و الثامنة من المسائل الّتي تعرض لها في بحث صلاة الاحتياط اى: في الفصل الثالث.

[في ان حكم المسألتين واحد]

و اعلم أنّه و إن كان فرق بين هاتين المسألتين من جهة، إلا أنّه مع قطع النظر عن هذا الفرق يكون حكمهما واحدا، أمّا الفرق فهو أنّه قد يقال في المسألة الثانية يجب العدول من الصّلاة المترتبة بيدها إلى صلاة الاحتياط إن بقى محل العدول، مثلا في المثال المتقدم إذا نسى صلاة الاحتياط و دخل في صلاة العصر فتذكر نسيان صلاة الاحتياط حال القراءة في الركعة الأولى يعدل من صلاة العصر إلى صلاة الاحتياط و يتم الصّلاة بعنوان صلاة الاحتياط، ثمّ يأتي بالعصر بعد ذلك، و لكن فيه أنّه لا يكون المورد مورد العدول، لأنّ مورد العدول كما قلنا في محله هو ما إذا شرع في الصّلاة المترتبة على صلاة قبل أن يأتي بما يكون مقدما عليها بحسب الترتيب، مثلا قبل أن يأتي بصلوة

الظهر يشرع في العصر، ثمّ في أثنائها يتذكر عدم إتيان الظهر بتمامه فيعدل عن العصر إلى الظهر، و في المقام إن كان الغرض العدول من العصر مثلا إلى صلاة الاحتياط، فلا دليل لنا يدلّ على جواز العدول إليه، و إن كان النظر العدول من العصر مثلا إلى الظهر الّذي شك فيه فأيضا لا وجه للعدول منه إليه، لأنّ مورد العدول من اللاحقة إلى السابقة ما تذكر في أثناء اللاحقة عدم إتيان السابقة راسا، و في المقام مع فرض شكه في الظهر بين الثلاث و الأربع فهو أتى ببعض صلاته مسلّما، فلا مجال للعدول منها إليها، فافهم.

إذا عرفت عدم كون وجه للعدول من الصّلاة المترتبة إلى صلاة الاحتياط

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 388 و 389.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 225

و لا الى أصل الصّلاة فنقول: بأن المسألتين متحدتان من حيث الحكم، لأنّ منشإ الاشكال فيهما هو أنّه بعد عدم قابلية ما أتى من صلاة الاحتياط الّتي زاد فيها أو نقص في المسألة الأولى، و عدم قابلية ما بيده من الصّلاة المترتبة في المسألة الثانية، لأن تصيرا صلاة الاحتياط، فيقع الفصل المخلّ بين أصل الصّلاة، و بين صلاة الاحتياط، و بعبارة اخرى ينافي في هذا الفصل الحاصل بينهما للفورية المطلوبة و المشروطة في صلاة الاحتياط، فكل ما يبغى أن يقال في إحدى المسألتين ينبغى أن يقال في المسألة الاخرى، لكون الامثال واحدا على ما عرفت، فاذا كان الأمر هكذا، فهل نقول: بكفاية إتيان صلاة الاحتياط، أو نقول: باستيناف أصل الصّلاة، أو نقول: بالجمع بينهما؟

ما يأتي بالنظر البدوى هو ثالث الوجوه بأن يقال: بأنّه بعد كون المتقين من كون صلاة الاحتياط جابرة للنقص المحتمل في

الصّلاة ما إذا لم يفصل بينه و بين الصّلاة ما يخلّ بالفورية، ففي ما نحن فيه أى: في المسألتين، يعلم المكلف إجمالا، إمّا بوجوب صلاة الاحتياط عليه و إمّا بوجوب استيناف اصل الصّلاة بناء على عدم كون صلاة الاحتياط جابرة مع الفصل، فيجب عليه بمقتضى العلم الإجمالي الإتيان بصلوة الاحتياط ثمّ استيناف أصل الصّلاة.

[نقل كلام المحقّق الحائري ره]
اشارة

و قال بعض الاعاظم المتقدم رحمه اللّه «1» المتعرض للمسألتين: بأن بعد كون الأمر وجوب الاستيناف و وجوب صلاة الاحتياط، فمقتضى الاحتياط الجمع بينهما إلا أن يوجد أصل شرعى يوجب جواز الاكتفاء بصلوة الاحتياط، و تقرير الاصل المحتمل من وجوه:

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه ص 387.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 226

[الوجهين الأول و الثاني]
الوجه الأوّل:

استصحاب وجوب صلاة الاحتياط الثابت قبل هذا الفصل، بأن يقال: إن بعد الصّلاة قبل طروّ هذا الفصل كانت صلاة الاحتياط واجبة فتستصحب هذا الوجوب.

الوجه الثاني:

الاستصحاب أيضا لكن لا استصحاب الوجوب، بل يقال:

بأن صلاة الاحتياط كانت جابرة للنقص المحتمل قبل طروّ الفصل الطويل، و نشك فعلا فى كونها جابرة فيستصحب هذا، و يقال: إنّه جابرة فعلا أيضا.

[الاشكال على كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه]

و استشكل على الاصل الثانى بان ما هو الجابر مصداق صلاة الاحتياط، و هو لم يوجد حتّى يستصحب، و مفهوم صلاة الاحتياط ليس جابرا.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 8، ص: 226

و استشكل رحمه اللّه على الأصل الأوّل بأن المستصحب تارة يكون حكما كليا متعلقا بالطبيعة غير متعلق بموضوع خارجى، مثل ما إذا كان حكم كلّى على وجوب الاجتناب عن الماء المتغير، فلا اشكال في أن في هذه الصورة إذا ذهب قيد الحكم لا يمكن أن يقال: باسراء الحكم الثابت للماء المقيد بالتغير لغير المتغير، لأنّ هذا من قبيل إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع اخر.

نعم لو تعلق الحكم بموضوع خارجى واجد للوصف، ثمّ بعد تعلق الحكم عليه زال هذا الوصف، يمكن استصحاب الحكم الثابت قبل زوال الوصف، مثلا إذا تعلق وجوب الاجتناب بالماء الخارجى الّذي يكون متغيرا، فقال المولى مثلا (اجتنب عن هذا الماء المتغير) ثمّ بعد زمان زال التغير عنه نشك في بقاء الحكم المتعلّق به حال التغير، يجرى استصحاب وجوب الاجتناب، لحكم العرف بأن معروض الوجوب هو هذا الموجود الخارجى و هو باق فيستصحب الحكم، و ما نحن فيه يكون من القسم الأوّل لأنّ مفروض الوجوب في صلاة الاحتياط هو طبيعة صلاة الاحتياط المقيدة بخصوصية خاصة، و هى تقيدها بكونها متصلة بالصّلاة، فبعد تعلق الأمر بها

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 227

في حال اتصافها

بهذه الخصوصية، فاذا لم تكن هذه الخصوصية، لا مجال لاستصحاب الوجوب، لأنّ الموضوع المقيد غير المطلق فلا يسرى الحكم منه إليه، لعدم امكان سراية حكم ثابت على موضوع خاص بموضوع اخر.

هذا حاصل ما قاله في وجه الإشكال في الأصلين، و فيه أنّه لو لم يستشكل في جريان الاستصحابين من جهة اخرى فلا يرد ما قاله رحمه اللّه عليهما، لأنّه، كما قلنا في مسئلة اجتماع الأمر و النهى، ليس الخارج معروض الوجوب بل الخارج ظرف السقوط و الامتثال، فعلى هذا يتعلق الحكم بالطبيعة، فأينما وجد فرد منها فهو فرد لها فعلى هذا نقول: بعدم فرق بين ما إذا تعلق الحكم بالطبيعة أو بشي ء موجود خارجا، لأنّ في كل منهما إن كان الحكم العارض على المعروض في حال إن كان هذا الحال دخيلا في نظر العرف في موضوعية الموضوع، فلا مجال لإجراء الاستصحاب، و إن لم يكن دخيلا بنظره فيجرى الاستصحاب، و في المقام يكون متعلق الحكم من قبيل الأوّل أعنى: تعلق الحكم بالطبيعة، لأنّ مفاد الدليل هو وجوب صلاة الاحتياط في الشك بين الثلاث و الأربع مطلقا، فطبيعة صلاة الاحتياط واجبة إذا حصل هذا الشك، و بعد ما لا يعلم أن الوجوب المتعلّق بها مقيد بكونها متصلة بالصّلاة، و كذا جابريتها عن النقص المحتمل هل يكون في صورة الفورية و عدم الفصل، أو ليس مقيدا بذلك، فيستصحب الوجوب و يستصحب كونها جابرة للنقص المحتمل.

نعم لا مجال للاستصحاب في المقام أصلا، لأنّ منشأ الشّك في وجوب صلاة الاحتياط أو جابريتها فى هذا الحال، ليس إلا من باب أنّه هل الوجوب أو جابريتها مشروط بالفورية أو لا يشترط بذلك أو يقال: بأن الفصل بين الصّلاة و بين صلاة

الاحتياط مانع أم لا؟ فيكون من صغريات الشّك في شرطية شي ء أو جزئيته أو مانعيته للمأمور به، و الحق عدم الشرطية و الجزئية و المانعية بمقتضى البراءة، فتكون

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 228

النتيجة وجوب صلاة الاحتياط في المسألتين، و بها تصح الصّلاة و لا حاجة إلى استينافها.

و وجه ما قلنا من أن المورد مورد البراءة لا الاستصحاب، هو أنّه مع وجود الأصل السببى لا تصل النوبة إلى الأصل المسببى، فنقول: إن في المورد يكون الشك في بقاء وجوب صلاة الاحتياط، و كذا في كونها جابرة للنقص المحتمل، مسببا عن شرطية الفورية، أو شرطية عدم الفصل، أو مانعية الفصل بين الصّلاة و صلاة الاحتياط، فبعد كون الأصل جاريا في السبب أعنى: سبب الشك، و هو كون ذلك شرطا أو عدم كونه مانعا أم لا، و هو أصالة البراءة، فلا مجال لإجراء الاستصحاب أعنى: الأصل المسببى، فافهم. «1»

الوجه الثالث «2»: [تقريرا للاستصحاب التعليقي]
اشارة

من وجوه تقرير الأصل هو أن يقال: باجراء الاستصحاب

______________________________

(1)- أقول: و بعد ما سألت عن سيدنا الاستاد مد ظله و استشكلت عليه: بأنّه كيف يجرى الاستصحاب على النحو الأوّل، و أنّ كلام بعض الأعاظم؛ تمام، و هو في الحقيقة تفصيل في الاستصحاب بين كون المستصحب حكما كليا أو جزئيا، فلا يجرى في الأوّل إلا في النسخ و هذا التفصيل أحد أقوال الاستصحاب، قال مد ظله: نحن أيضا نقول بذلك، و لكن لا يصل الأمر بالاستصحاب في المقام حتّى نتكلّم في أنّه هل يجرى أم لا، لأنّ المورد كما قلنا مورد أصالة البراءة فلو فرض الاستصحاب في الحكم الكلي فلا يجرى في المقام، لكون أصالة البراءة حاكمة عليه لكون أصل السببى حاكما على المسببى. (المؤلّف)

و أنا أقول: إن

هذا الاستصحاب و لو يجرى لا يكفى لرفع الاشتغال بأصل الصّلاة، لأنه و لو استصحب وجوب صلاة الاحتياط لكن هذا لا يثبت كونها جابرة عن النقص المحتمل في الصّلاة، و لا يأتى هذا الإشكال في القسم الثانى من الاستصحاب المذكور في كلام بعض الأعاظم رحمه اللّه. (المقرّر).

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 387.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 229

التعليقى في المقام و بيان استصحاب التعليقى من وجهين:

الوجه الأوّل:

فملخص كلامه رحمه اللّه و حاصل تقريبه أن يقال: بأن صلاة الاحتياط كانت بحيث لو وقعت بعد تسليم الصّلاة الّتي شك فيها، يتدارك بها النقص المحتمل في الصّلاة شرعا، و لو شكّ في الزمان اللاحق في أنّه هل يكون هذا الأثر الشرعى الثابت لوجودها الخارجى سابقا و بعد التسليم، باق لها أم لا؟ نظير استصحاب النجاسة المعلقه على الغليان الخارجى.

و قال: و فيه أنّه لا مجال لهذا الاستصحاب، لأنّه ليس هذا اى كون صلاة الاحتياط يتدارك بها النقص المحتمل أثرا شرعيا، لأنّ تدارك النقص بها من فوائدها الواقعية لا من الآثار الشرعية.

الوجه الثاني:

أن يقال في تقريب الاستصحاب التعليقى، بعد الإشكال في الوجه الأوّل على ما عرفت: إن صلاة الاحتياط لو وقعت بعد التسليم و مع حفظ الفورية، كانت بحيث يتقبلها الشارع مصداقا للمأمور به، فنستصحب ذلك، و نقول:

بتقبلها الشارع فعلا لو وجد في الخارج، هذا هو الوجوه الاربعة في إجراء الاستصحاب. «1»

______________________________

(1)- (أقول: و الّذي ينبغى أن يقال في المسألتين- على ما أفاده سيدنا الاعظم مدّ ظله العالى عند التعرض لبعض المسائل الراجعة بصلوة الاحتياط، من كون طروّ أحد المنافيات و ما يبطل الصّلاة بين الصّلاة و صلاة الاحتياط، موجبا لبطلان الصّلاة و سقوط الاحتياط، و لهذا قال: بكون الحدث المتخلل بين الصّلاة و صلاة الاحتياط موجبا لبطلان الصّلاة، و سقوط الاحتياط خلافا لما قال العلّامة الحائرى؛، و ما قاله مد ظله العالى هو الحق- هو أنّه تبطل الصّلاة و تسقط صلاة الاحتياط عن قابلية صيرورتها جابرة لنقص المحتمل، لأنّه على الفرض تخلل بين الصّلاة و بين.

صلاة الاحتياط ما يبطل الصّلاة من الركوع و السجود، و لا أقل من تكبيرة الاحرام، ففي المسألتين لا بدّ

من استيناف أصل الصّلاة.

نعم لو أغمضنا عن ذلك و قلنا: بعدم بطلان الصّلاة و سقوط صلاة الاحتياط بواسطة تخلل بعض المنافيات، فيكون كلامه مد ظله العالى من ان المرجع البراءة لا الاستصحاب كلاما تماما، و العجب أنّه مد ظله العالى كيف لم يقل بما قلنا من لزوم استيناف الصّلاة في المقام، كما أن العجب من العلّامة الحائرى رحمه اللّه من أنّه كيف لم يقل بأن المرجع في المقام هو أصالة البراءة لكون الشك في الشرطية أو المانعية لا الاستصحاب، فإنه على مبناه من كون صلاة الاحتياط صلاة:

مستقلة و لا يضرّ تخلل منافيات الصّلاة بينها و بين الصّلاة كان اللازم أن يقول في المقام بوجوب صلاة الاحتياط و صحة الصّلاة، و عدم شي ء عليه غير صلاة الاحتياط، من باب أن الشّك يكون في اعتبار الفورية أو مانعية الفصل، و في المقامين تجري البراءة، فافهم و تأمّل جيدا.

و الحمد للّه و الصّلاة على رسوله و على آله و نرجوا منه أن يرزقنا خير الدنيا و الآخرة إن شاء اللّه. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 231

المقصد التاسع في بعض الفروع مربوطا بانقلاب الظن و الشّك

اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 233

بعض الفروع يكون مربوطا بانقلاب الظن و الشّك

ثمّ إن بعض الفروع يكون مربوطا بانقلاب الظن بالظن، أو الشّك بالشك، أو احد من الظن و الشك بالآخر لا يكون التعرض لها خاليا عن الفائدة فنتعرض لها في طى مسائل:

[في ذكر المسائل المربوطة بالباب]

المسألة الأولى:

ما إذا حصل له الظن حال الصّلاة، ثمّ انقلب بظن اخر حال الصّلاة، مثلا ظن بكون الركعة الركعة الثالثة، ثمّ قبل السّلام تبدل ظنّه بالظن بكون هذه الركعة الركعة الرابعة، فيراعى الظن اللاحق.

المسألة الثانية:

ما إذا شك ثمّ انقلب شكه بالظن، أو ظن ثمّ انقلب بالشّك قبل الفراغ، فيراعى حالته اللاحقة أي حالته الفعلية.

المسألة الثالثة:

ما إذا ظن قبل الفراغ، ثمّ انقلب بظن اخر بعد الفراغ، فيراعى أيضا حالته الفعلية أعنى: ما يقتضي الظن اللاحق.

المسألة الرابعة:

ما إذا شك قبل الفراغ، ثمّ انقلب شكه بشك اخر قبل الفراغ، فيراعى الشّك اللاحق اى حالته الفعلية.

المسألة الخامسة:

اشارة

ما إذا شك المصلّى قبل الفراغ، ثمّ بعد الفراغ منها انقلب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 234

شكه بشك اخر (و الفرض انقلاب الشّك باعتبار السابق بشك اخر لا بحسب حاله الفعلى، مثلا شك قبل الفراغ بين الاثنتين و الثلاث، ثمّ بنى على الثلاث و أتى بركعة اخرى و تمّ الصّلاة ثمّ بعد الفراغ انقلب شكه باعتبار ملاحظة السابق إلى الشّك بين الثلاث و الأربع.

فهل نقول، كما قال السيّد رحمه اللّه في العروة «1» و نحن وافقناه: بأن الشّك الأوّل قد زال، و الشك الثانى حدث بعد الفراغ، فتصح الصّلاة بدون احتياج إلى صلاة الاحتياط، أو سجدتى السهو، أو نقول: بأنّه لا مجال لإجراء قاعدة الفراغ هنا في مورد الانقلاب، و عدم كون المورد مورد الشّك قبل الفراغ أيضا.

و اعلم أن محلّ الكلام يكون فعلا في ما لا يوجب انقلاب الشّك للعلم بالنقيصة، أو الزيادة أو لأحدهما.

[نقل كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه]

اعلم أنّه يظهر من بعض الاعاظم (آية اللّه الحائرى رحمة اللّه في صلاته) «2» اختيار الثاني في مورد انقلاب الشّك في ما لا يوجب الانقلاب العلم بالنقيصة، أو الزيادة، أو لأحدهما، بل لا بدّ من إتيان ما يشك في إتيانه و عدم إتيانه من الركعات بعد السّلام الواقع من المصلّى متّصلا لا منفصلا.

و حاصل ما قاله هو أنّه لا يكون المورد مورد إجراء قاعدة الفراغ، لأنّ أدلتها تكون منصرفة إلى الشّك الحادث بعد الفراغ المتحقّق بتخيل كون السّلام هو الجزء الأخير واقعا، لا الجزء الأخير بناء بواسطة تخيل الأمر بالبناء على الأكثر و بزعم بقاء الشّك و لا أقول: بكون أدلة قاعدة الفراغ منصرفة بمورد يكون الفراغ الفراغ

______________________________

(1)- العروة الوثقى، فصل الشك فى الركعات، ص 621، مسأله 15.

(2)-

كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه ص 372.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 235

الواقعى، لعدم كون المراد منها ذلك، و إلّا يلزم أن يكون الشّك بين النقص و التمام بعد السّلام من الشبهة المصداقية لقاعدة الفراغ، بل مرادنا كما قلنا: هو أن المصلّى إذا أتى بالجزء الأخير من الصّلاة بتخيل كونه الجزء الأخير، ثمّ شك بعده في الصحة و الفساد من باب الشّك في وجود ما يعتبر فيها، يكون مورد قاعدة الفراغ.

و أمّا إذا أتى بالجزء الأخير أى: السّلام من الصّلاة من باب البناء لأجل العارض له، و تخيل بقاء هذا الشّك إلى أن يفرغ من الصّلاة، فأدلّة قاعدة الفراغ منصرفة عنه، و بعد عدم كون المورد مورد قاعدة الفراغ، نقول: بأنّ المفروض ليس داخلا في الشّك قبل الفراغ و حال الصّلاة حتّى يقال: يوجب هذا الشّك الثاني إتيان ما يقتضيه من صلاة الاحتياط، لعدم تحقق موضوعه، لأنّ لسان دليل الدال على وظيفة الشاك بين الثلاث و الأربع، أو غيره من البناء على الأكثر مصرح بأن ذلك من جهة حفظه الصّلاة من الزيادة و النقيصة، فالزيادة لا تضر لوجود السّلام، و النقيصة جابرة بالركعة المفصولة تعبدا، و مورد هذا الدليل ينحصر بما إذا لم التسليم المحتمل لكونه مانعا عن لحوق الزيادة.

و أمّا في ما نحن فيه فلما حصل الشّك بعد السّلام المحتمل كونه في محله، فلا تكون الزيادة مضرة قطعا، و لو كانت الصّلاة ناقصة، فيتدارك نقصها واقعا من دون حاجة إلى التعبد، بل لا دليل على تداركها بالركعة المفصولة، و لا يكون من الشبهات المصداقية لقاعدة الفراغ و للشك قبل الفراغ، و إلا يلزم أن يكون الشّك بين النقص و التمام بعد السّلام من الشبهة

المصداقية لقاعدة الفراغ، و للشك قبل الفراغ و لا يمكن الالتزام به، و ذكر بعض توال فاسدة اخرى.

ثمّ قال: إن الشّك قبل الفراغ ليس له عنوان خاص في الأدلة، فكل شك لا يشمله الأدلة الشّك بعد الفراغ، تجري عليه حكم الشّك قبل الفراغ.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 236

و قال في الجواب: بأنّه كما لا يشمل المورد قاعدة الفراغ، لكون المنصرف إليه منها هو الفراغ المحقّق بتحقّق اخر جزء الصّلاة، بتخيل كونه الجزء الآخر منها واقعا لا بزعم بقاء الشك، فكذلك لا يشمل الشّك قبل الفراع لما ذكر من أن مورد أدلتها يكون كل مورد تحفظ الصّلاة بالبناء على الأكثر من النقص و الزيادة، و هذا يكون فيما لم يوجد السّلام، و أمّا بعد وجوده فلا تضر الزيادة، و لا يجبر النقص المحتمل بالركعة المفصولة، هذا حاصل ما قاله رحمه اللّه في المقام. «1»

إذا عرفت ذلك نقول: بأن صور انقلاب الشّك بشك اخر و إن كانت كثيرة لو انضم الشّكوك الصحيحة المنصوصة، إلى الشّكوك الغير المنصوصة و الشكوك الباطلة، إلّا أنا نتكلم في صورة انقلاب الشّكوك الخمسة المنصوصة بعضها مع البعض الآخر، و ربّما يظهر من بيان حكم هذا القسم حكم بعض أقسام اخر، و من بيان حكم صور الانقلاب يظهر لك ما هو الحق في المقام، و هل يتم ما قاله بعض الاعاظم رحمه اللّه أو ليس بتمام، فنقول بعونه تعالى: إن صور انقلاب الشّكوك الخمسة المنصوصة بعضها ببعض تبلغ عشرين صورة من ضرب أربعة في خمسة، فنقول:

[الكلام في بعض الصور]

الصورة الأولى:

ما إذا شك بين الأربع و الخمس، ثمّ بعد السّلام تبدل و انقلب شكه إلى الاثنتين و الأربع.

الصورة الثانية:

ما إذا شك بين الأربع و الخمس، ثمّ انقلب بعد السّلام بين الثلاث و الأربع.

الصورة الثالثة:

ما إذا شك بين الأربع و الخمس فسلّم، ثمّ انقلب إلى بين الاثنتين و الثلاث و الأربع.

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 373.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 237

ففي هذه الصور الثلاثة يكون الشّك الأوّل ممّا لا حكم له لزواله، و الشك الثانى أيضا لا يعتنى به، لكونه حادثا بعد الفراغ، و لا يرد عليها ما أورده بعض الأعاظم رحمه اللّه من انصراف أدلة قاعدة الفراغ عن الفراغ البنائى، لأنّ في هذه الصور، بعد كون شكه حال الصّلاة بين الأربع و الخمس فسلامه على كل حال، سواء كانت الركعة المشكوكة الركعة الرابعة أو الخامسة، فقد وقع في محله و بتخيل كونه الجزء الأخير من الصّلاة واقعا، لأنّه لو كانت الركعة المشكوكة الرابعة فالسلام في محله، و إن كانت الركعة المشكوكة الخامسة فأيضا بعد أمر الشارع بعدم الاعتناء بالشّك و احتمال الزيادة، فقد وقع السّلام في محله و بتخيل أنّه الجزء الأخير من الصّلاة أيضا، فعلى كل حال كان السّلام هو الجزء الأخير من صلاته، فعلى هذا يكون الشّك المنقلب إليه شكا بعد الفراغ، فلا يتم كلامه رحمه اللّه «1» في هذه الصورة، و كذلك لو انقلب شكه بين الأربع و الخمس بعد السّلام بأحد الشّكوك المبطلة، لما قلنا فلا يعتنى به لكونه بعد الفراغ الواقعى.

الصورة الرابعة:

ما إذا شك بين الأربع و الخمس فسلم، ثمّ انقلب إلى بين الاثنتين و الثلاث فهو يعلم بأن تسليمه وقع في غير محله، فيعمل عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث من ركعة عن قيام أو ركعتين عن جلوس مفصولة، و لا مجال لما قاله رحمة اللّه «2» أيضا من ضم ما نقص موصولة، لأنّه في هذه الصورة يعلم بوقوع السّلام في

غير محله، فما تحقق الفراغ، فيكون من انقلاب الشّك بشك اخر قبل السلام، فلا بدّ من رعاية حالته الفعلية، و حيث إن حالته الفعلية هو الشّك بين الاثنتين و الثلاث،

______________________________

(1)- كتاب الصلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص 374.

(2)- كتاب الصّلاة لمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 375.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 238

فلا بدّ له من البناء على الأكثر و إتيان ركعة اخرى أى: الرابعة، ثمّ يتشهّد و يعمل عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث.

الصورة الخامسة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشك بين الأربع و الخمس.

الصورة السادسة:

ما إذا شك بين الثلاث و الأربع فسلم، ثمّ انقلب بين الأربع و الخمس.

الصورة السابعة:

ما اذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فانقلب بين الأربع و الخمس.

ففي هذه الصور أعنى: الخامسة و السادسة و السابعة حيث إن الشاك يعلم بعدم نقص في صلاته، و يحتمل زيادة ركعة، فلا يجب عليه عمل من صلاة الاحتياط، لأنّ الشّك الأوّل زال، و الشك الثانى بعد الفراغ الواقعى مسلّما، نعم هنا كلام من حيث وجوب سجدتى السهو عليه و عدمه، قد يقال: بوجوبه لأنها تجبان في الشّك بين الأربع و الخمس، و لكن الظاهر عدم وجوبهما لأنّه بعد كون الشّك بين الأربع و الخمس حادثا بعد الفراغ، فلا يعتنى بهذا الشك، فلا يترتب عليه ما هو اثره من سجدتي السهو.

الصورة الثامنة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الأكثر و أتى بالرابعة و سلم، ثمّ انقلب بالشّك بين الأربع و الخمس بحسب حاله السابق (أعنى: مع قطع النظر عن ضم الركعة بعد شكه الأوّل: فلو نظر إلى حاله السابق شاك فعلا بين الأربع و الخمس لا باعتباره الفعلى، لأنّ بحسب حاله الفعلى بعد كون شكه السابق فعلا بين الأربع و الخمس فباعتبار حالته الفعلى شاك بين الخمس و السّت، لأنّه بعد شكه الأوّل أتى بركعة، فقولنا بأنّه انقلب بالشّك بين الأربع و الخمس باعتبار حالته

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 239

السابقة، و مع قطع النظر عما عمل بعد الشّك السابق) فصلاته باطلة في هذه الصورة لأنّه عالم بأنّه زاد في صلاته ركعة أو ركعتين، لأنّه إن كان ما أتى اربعا فقد زاد ركعة، لأنّه أتى بعد شكه ركعة، و إن كان ما أتى به خمسا فقد زاد ركعتين في صلاته، فتبطل صلاته، ففي هذه الصورة لا يتمّ كلامه رحمه اللّه «1»

من ضم ما نقص موصولة:

الصورة التاسعة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث و أتى بركعة بعنوان الركعة الرابعة، فسلم، ثمّ انقلب إلى الشّك بين الاثنتين و الأربع بحسب حاله الأوّل، لا بحسب حاله الفعلى (كما بينا في الصورة السابقة) فتبطل الصّلاة أيضا لأنّه يعلم إمّا بنقصان صلاته أو بزيادة فيها، لأنّه بعد ما أتى بركعة، فإن كان ما أتى به ركعتين فالصّلاة ناقصة بركعة، و إن كان ما أتى به أربع ركعات فزاد في صلاته ركعة، فتبطل صلاته، فليس كلامه رحمه اللّه في هذه الصورة بتمام.

الصورة العاشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث، و أتى بالركعة الرابعة، و سلم، ثمّ بعد السّلام انقلب شكه بالشّك بين الثلاث و الأربع، فأيضا تبطل الصّلاة، لأنّ وظيفته كانت البناء على الأربع و إتمام الصّلاة، و جبر النقص المحتمل مفصولة، و هو أتى بالركعة الرابعة المحتملة نقصها موصولة فتبطل الصّلاة

الصورة الحادية عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث و أتى بالرابعة بعد البناء و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فأيضا تبطل الصّلاة، لأنّ وظيفته السّلام و عمل هذا الشّك من ركعتين عن قيام و ركعتين عن جلوس، لا ضم ركعة موصولة، ففي كل هذه الصور الّتي قلنا ببطلان الصّلاة على ما هو الحق، لا يجرى ما قاله بعض الاعاظم رحمه اللّه من صحة الصّلاة، و ضم

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه ص 373.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 240

ركعة موصولة.

الصورة الثانية عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الأربع ثمّ بنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين و الثلاث.

الصورة الثالثة عشرة:

ما إذا شك بين الثلاث و الأربع ثمّ انقلب شكه بعد ما بنى على الأربع و سلم بالشّك بين الاثنتين و الثلاث.

الصورة الرابعة عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين و الثلاث.

ففي كل هذه الصور اى الصورة الثانية عشرة و الثالثة عشرة و الرابعة عشرة يعمل عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث أعنى: إتيان ركعة عن قيام، أو ركعتين عن جلوس مفصولة، و تصح الصّلاة، و وجه ذلك أنّه بعد انقلاب شكه في كل هذه الصور بين الاثنتين و الثلاث فهو يعلم بوقوع سلامه في غير محله يقينا، فهو يعلم بعدم كونه بعد الفراغ، و يعلم بكون شكه حال الصّلاة و قبل الفراغ، فيجب عليه البناء على حكم الشّك بين الثلاث و الأربع فكما أنّه لو لم يسلم، و انقلب شكه من إحدى هذه الصور بالشك بين الاثنتين و الثلاث كان عليه أن يعمل بحالته الفعلية أى: العمل بحكم الشك بين الاثنتين و الثلاث، كذلك في هذه الصور لعلمه بوقوع السّلام في غير محله، و كون الشك قبل الفراغ، ففي هذه الصور لا يجرى ما قال بعض الاعاظم رحمه اللّه من ضمّ ما احتمل نقصه من الركعة موصولة، و الإشكال في كونه مورد إجراء قاعدة الفراغ، و في كونه مورد قاعدة الشّك قبل الفراغ، لما قلنا من العلم بعدم الفراغ، لعلمه بوقوع السلام في غير محله، هذا كله أربعة عشر صورة و قد عرفت عدم مجال لما قاله رحمه اللّه بل الحق فيها ما قلنا لك.

الصورة الخامسة عشرة:

ما إذا شك بين الثلاث و الاربع فبنى على الأربع

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 241

و سلم ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين و الأربع.

الصورة السادسة عشرة:

ما إذا شك بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه إلى الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع.

الصورة السابعة عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الثلاث و الأربع.

الصورة الثامنة عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين الثلاث و الأربع.

الصورة التاسعة عشرة:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الاثنتين و الأربع.

الصورة العشرون:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فبنى على الأربع و سلم، ثمّ انقلب شكه بالشّك بين الثلاث و الأربع.

فما نقول في هذه الصور الستة الأخيرة، هل نقول كما قال بعض: بأن الشّك الأوّل قد زال، و الشك الثانى يكون بعد الفراغ، فلا يجب عليه صلاة الاحتياط، و لا تبطل صلاته؟ أو نقول كما قال بعض الاعاظم ره: من أنّه بعد وقوع السّلام بعد البناء على الأكثر فلا يكون السّلام الجزء الأخير من الصّلاة حتّى يكون الصور مورد إجراء قاعدة الفراغ، و لا يكون مورد شمول الشّك قبل الفراغ، فلا بدّ من ضمّ نقص المحتمل بحسب الشك الثانى موصولة لا مفصولة؟ أو نقول: بأنّه لا بدّ من عمل الشّك اللاحق لا الشاك الزائل، فيعمل في الصورة الأولى من الصور الستة، عمل الشّك بين الاثنتين و الأربع، و هكذا في سائر الصور؟

[الكلام فى الصور المذكورة]

اعلم أن في كل هذه الصور باعتبار الشّك الزائل و الشك الحادث جامعا باعتبار ايجاب الشّك الزائل و كذا الشّك الحادث لصلاة الاحتياط، و كما قلنا سابقا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 242

شرعت صلاة الاحتياط لأن يجير به النقص المحتمل، و لا تقع الزيادة في الصّلاة، لأنّه إن كان في الصّلاة نقص واقعا فيجبر بصلوة الاحتياط، و إن كانت الصّلاة تامة، فلا تضر هذه الصّلاة بها، بل تقع نافلة.

إذا عرفت ذلك نقول: بأن السّلام الواقع بعد البناء يكون باذن الشارع، من باب حكمه في صورة طروّ أحد الشّكوك بالبناء على الأكثر و اتمام الصّلاة، و جبر النقص المحتمل، فبعد ما سلّم سلاما بنائيا تبدّل شكه في هذه الموارد الستة المذكورة إلى شك اخر.

فنقول: بأن في الصورة التاسعة عشرة و الصورة العشرين أعنى:

ما إذا شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فانقلب شكّه بعد الصّلاة بالشّك بين الاثنتين و الأربع، و بين الثلاث و الأربع، فلا اشكال في صحة الصّلاة، و وجوب العمل الشّك اللاحق أى: عمل الشّك بين الاثنتين و الأربع في اوليهما، و عمل الشّك بين الثلاث و الأربع في ثانيتهما، لأنّ الشّك اللاحق ليس الا الشّك السابق، غاية الأمر الشّك السابق كان ذو اطراف، و طرفيها هما الشّك اللاحق الباقى بعد الصّلاة، فما ذهب من الشّك الأوّل لا أثر له، و ما بقى منه لا بدّ من ترتيب أثره، فمن شك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع شاك في أنّه هل صلّى اثنتين أو صلّى ثلاثا أو صلّى رباعا.

فاذا تبدل شكه بعد الصّلاة بالثنتين و الأربع فشكه بالنسبة إلى الاثنتين و الأربع هو بقاء الشّك الأوّل لا أنّه ذهب شكه السابق المعلق أحد اطرافه بالاثنتين، و أحد اطرافه بالأربع و كان هذا حدوث شك اخر.

و كذلك من شك حال الصّلاة بين الاثنتين و الثلاث و الأربع ثمّ تبدل بعد الصّلاة بالشّك بين الثلاث و الأربع، فالأربع مشكوك عند الشاك، فشكه بين الثلاث و الأربع فعلا، عين شكّه السابق، غاية الأمر في الشّك السابق كان الشاك شاكا فى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 243

الثلاث أيضا و في الأربع و في الحال لم يكن شاكّا إلّا في اربع، فشكه بالنسبة إلى الركعة الرابعة هو عين شكه السابق و بقائه، لا شك حادث بعد الصّلاة، و بعد كون الشك المنقلب إليه في هاتين الصورتين هو الشّك السابق الحادث حال الصّلاة، فيكون الشّك حادثا قبل الفراغ مسلّما، فلا بدّ من ترتيب أثره أى: العمل الّذي أمر الشارع عند

طروّ الشّك أى ركعة، أو ركعتين مفصولة، فلا يترتب في الصورتين أثر على كون الفراغ المورد لقاعدة الفراغ، هو الفراغ بزعم كون السّلام الجزء الأخير لا الجزء البنائى، لأنّ في الصورتين لا إشكال في كون الشّك السابق قبل الفراغ، و على ما بينا يكون الشّك اللاحق بقاء الشّك السابق، فيكون موردا للشك قبل الفراغ الّذي حكمه البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل بعد الصّلاة بركعة من قيام، أو ركعتين من جلوس، أو ركعتين من قيام مفصولة، فافهم.

[في ذكر اشكال و دفعه]

إن قلت: إن لكل من الشّكوك الخمسة بخصوصيتها جعل الشارع حكما خاصا غير مربوط بالآخر منها، فكل شك حدث في الأثناء، و بقى إلى الشروع في صلاة الاحتياط كما قلت، أو إلى تمامية صلاة الاحتياط، فيجب عمله، و إن زال لا حكم، و على الفرض الشّك الأوّل زال، و الشك الثانى شك اخر حادث بعد الفراغ، لأنّ الأوّل الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، و الثانى الشّك بين الاثنتين و الأربع، أو الشّك بين الثلاث و الأربع، فالشك الأوّل شك مستقل زال، و اللاحق شك اخر حادث، و لا ربط لأحدهما بالآخر، فلا وجه لما قلت من وجوب عمل الشك اللاحق.

قلت: كيف يمكن أن يقال: بأن من يشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع شاك في أنّه صلّى ركعتين أو ثلاث ركعات، أو أربع ركعات، ثمّ تبدل شكه بأنّه هل صلّى ثلاثا أو أربعا إنّه بالنسبة إلى شكه في الركعة الرابعة في شكه اللاحق يكون شكّا اخر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 244

لا بقاء شك الأوّل بالنسبة إلى الرابعة، و لا ينبغى أن يخفى ذلك على من له أدنى ربط بالفضل و العلم فضلا عن الأفاضل،

فإن من يراجع الوجدان السليم، يفهم أن الشاك بالنسبة إلى الثلاث ذهب شكه، و بالنسبة إلى الرابعة شكه باق، و كذلك في ما تبدل بالشك بين الاثنتين و الأربع، و بعد كون الشّك اللاحق هو بقاء الشّك السابق لا شك اخر حادث، فلا إشكال في وجوب عمل الشّك اللاحق، لأنّ هذا الشّك حدث مسلّما قبل الفراغ، و باق بعد الفراغ فلا مجال لأن يقال: إن الشّك الأوّل زال و الثانى حادث بعد الفراغ، كما قال السيّد رحمه اللّه، و لا يجرى ما قاله بعض الأعاظم رحمه اللّه «1» من عدم كون مورد الانقلاب مورد إجراء قاعدة الفراغ، و لا قاعدة الشّك قبل الفراغ أعنى:

البناء على الأكثر في هاتين الصورتين، لما قلنا من حدوث الشّك مسلما قبل الفراغ، و كون هذا الشّك اللاحق بقاء الشّك الأوّل.

و أمّا في ما شك بين الاثنتين و الأربع، أو الثلاث و الأربع، و هى الصورة التاسعة عشرة و الثامنة عشرة فأيضا نقول: بأنّه يجب عمل الشّك اللاحق من صلاة الاحتياط من إتيان ركعتين عن قيام و ركعة عن قيام بناء على ما احتملنا من التخيير بين إتيان ركعة عن قيام أو ركعتين عن جلوس بعد الركعتين عن قيام في الشك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع و إن كان الحكم بذلك في هاتين الصورتين أشكل من الصورتين الأولتين من الصور الستة، لأنّ هذا أيضا بقاء الشّك الأوّل من حيث الشّك في وجود الثلاث و الأربع في الأولى من الصورتين، و بالنسبة إلى الرابعة بالنسبة إلى الصورة الثانية، و لا وجه لأنّ يقال: بإتيان ما احتمل نقصه في الشك اللاحق زائدا على ما احتمله في الشّك السابق موصولة، مثلا يقال في

ما شك

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 372.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 245

بين الاثنتين و الأربع و سلم، ثمّ تبدّل بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فبالنسبة إلى الثلاث الّذي زاد الشّك اللاحق على السابق يأتي بركعة موصولة بالصّلاة، أو شك بين الثلاث و الأربع و سلّم، و تبدّل شكه بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، بأنّه يأتي بركعتين موصولة، لأنّ الشّك بالنسبة إليهما لا يكون من صغريات الشّك بعد الفراغ، و لا من صغريات الشّك قبل الفراغ، لأنه لا يمكن الالتزام بذلك.

[توضيح المطلب و دفعه]

و نقول لتوضيح المطلب، و ما ينبغى أن يقال في المقام، و دفع هذا التوهم: في الصورتين المذكورتين.

إمّا أن يقال: بأن الشّك بالنسبة إلى الشّك الثانى يكون بعد الفراغ، و الشك الأوّل قد زال، فلا يجب عليه لا عمل الشّك الأوّل و لا الشّك الثانى، لأنّ الأوّل زال و الثانى بعد الفراغ.

و فيه أن في الصورتين لا تجري قاعدة الفراغ، لا لما قاله بعض الاعاظم (آية اللّه العظمى الحائرى)، بل الوجه في عدم جريانها هو أنّ مورد قاعدة الفراغ هو ما إذا وقع الفراغ من الصّلاة بمقتضى وضع تكوينى المصلّى لا التشريعى، فإذا فرغ من الصّلاة بحسب حاله التكوينى فيكون مورد إجراء قاعدة الفراغ.

و أمّا إذا تحقق الفراغ بأمر الشارع فهو خارج عن منصرف إليه أدلة قاعدة الفراغ، ففي صورة تحقق الفراغ بأمر الشارع بالبناء على الأكثر فهو و لو سلّم و لكن لم يتحقّق بهذا السلام ما هو موضوع لقاعدة الفراغ.

فعلى هذا لا مجال لأنّ يقال: بأن الشّك الأوّل زال، و الشك الثانى حادث بعد الفراغ، مضافا إلى أنّه كما قلنا في الصورتين السابقتين بأن الشّك

بالنسبة إلى مقدار يكون الشّك الثانى موافقا للشك الأوّل، يكون الشّك الثانى بقاء الشّك الأوّل، لأنّ من كان شاكّا بين الاثنتين و الأربع، ثمّ تبدّل شكه بعد السّلام بالشّك بين الاثنتين

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 246

و الثلاث و الأربع فشكّه بالنسبة إلى الاثنتين و الأربع هو بقاء الشّك الأوّل، و هكذا لو شك بين الثلاث و الأربع فشكه اللاحق بالنسبة إلى الشّك بين الثلاث و الأربع بقاء الشك الأوّل، غاية الأمر في الشّك الثانى زاد في شكه طرف اخر، و هو الاثنتين في الصورة الأولى، و الثلاث في الثانية.

و إمّا أن يقال: بأن في الصورتين أمّا بالنسبة إلى المقدار الّذي يكون اللاحق موافقا للشك السابق، فيعمل عمله مفصولة، لأنّ بالنسبة إليه يكون الشّك اللاحق بقاء الشّك الأوّل، و في المقدار الزائد لا يعتنى به، لأنّ الشّك بالنسبة إلى المقدار الزائد يكون بعد الفراغ، ففي الصورة الأولى، و هى ما إذا شك بين الاثنتين و الأربع و سلم، ثمّ تبدل شكه بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، يعمل عمل الشّك بين الاثنتين و الأربع مفصولة، و لا يعتنى بمقدار الزائد، أى: الشّك بين الثلاث و الأربع، لأنّ بالنسبة إلى ذلك يكون الشّك بعد الفراغ، و بالنسبة إلى الشّك بين الاثنتين و الأربع يكون قبل الفراغ، و هكذا في ما شك بين الثلاث و الأربع و سلم ثمّ، تبدل بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فهذا الشّك اللاحق بالنسبة إلى الثلاث و الأربع يكون حكمه عمل الشّك بين الثلاث و الأربع مفصولة، لأنّه بقاء الشّك الأول، و بالنسبة إلى الاثنتين و الأربع يكون الشّك بعد الفراغ لحدوثه بعد الفراغ.

و فيه أنّه لا يمكن القول

بذلك، لأنّه كما قلنا ليس هنا مورد قاعدة الفراغ، لأنّ مورده ما حصل الفراغ بوضع التكوينى لا بحكم الشارع، فلا مجال لإجراء قاعدة الفراغ، و بعد عدم كون الصورتين مورد قاعدة الفراغ لما عرفت

[في ذكر احتمالات ثلاثة]

اشارة

، فيحتمل في المقام احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل:

أن يقال، بأنّه يلزم إتيان المحتمل موصولة فيأتى في الصورتين- بعد تبدل الشّك فيهما بين الاثنتين و الثلاث و الأربع- ركعتين موصولة،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 247

لأنّه مع هذا الشّك يحتمل نقص ركعة أو ركعتين من صلاته، فبعد عدم كون مورد هما مورد قاعدة الفراغ، و لا الشّك قبل الفراغ، فلا بدّ من ضم نقص المحتمل موصولة، و تصح الصّلاة.

الاحتمال الثانى:

أن يقال، بأنّه في الصورتين يأتي بما يحتمل نقصه في اللاحق في المقدار الّذي يكون بقاء الشّك الأوّل، مفصولة من جبر النقص بصلوة الاحتياط، و في المقدار الّذي يكون الشّك اللاحق أزيد من السابق، موصولة ففيما شك بين الاثنتين و الأربع و تبدل بالاثنتين و الثلاث و الأربع، يأتي بركعتين من قيام مفصولة، لكون الشّك الثانى بالنسبة إلى احتمال نقص الاثنتين بقاء الشّك الأوّل، و لا إشكال في كون طروّ هذا الشّك قبل الفراغ، فلا بدّ من عمل هذا الشّك و هو إتيان ركعتين من قيام مفصولة، و أمّا بالنسبة إلى المقدار الزائد في الشّك اللاحق و هو الشّك في الثلاث و الأربع فيأتى بركعة واحدة يحتمل الشاك نقصها موصولة، لعدم كون الشّك اللاحق بالنسبة إليه مورد الشّك قبل الفراغ و لا مورد الشّك بعد الفراغ.

و هكذا في ما شك بين الثلاث و الأربع و سلم، ثمّ تبدل بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فيأتى بركعة مفصولة، لكون الشّك بالنسبة إليه هو بقاء الأوّل الحادث قبل الفراغ، و يأتي بركعتين موصولة، لعدم كون الشّك اللاحق بالنسبة إلى الاثنتين و الأربع مورد قاعدة الفراغ و لا مورد الشّك قبل الفراغ، فياتى موصولة.

و اعلم أنّه لا يمكن الالتزام لا بالاول و لا بالثانى في الصورتين، أمّا

الأوّل أى القول بإتيان كلّ ما يقتضي الشّك اللاحق موصولة، فلانه مع فرض كون اللاحق بالنسبة إلى المقدار الّذي كان شاكّا في شكه السابق، و هو احتمال نقص ركعتين في الشك بين الاثنتين و الأربع، و احتمال نقص ركعة في الشّك بين الثلاث و الأربع، هو

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 248

بقاء الشّك الأوّل، فكيف يمكن بإتيان ما احتمل النقص في الشّك اللاحق أى: بين الاثنتين و الثلاث و الأربع موصولة، لأنّ بالنسبة إلى ما يكون الشّك اللاحق بقاء الشك الأوّل، يكون الشّك اللاحق قبل الفراغ، و بعد الفراغ يكون بقاء السابق، لا الحادث بعد الفراغ.

الاحتمال الثالث:

أى، إتيان احتمال النقص في الشّك اللاحق بالنسبة إلى ما يكون بقاء الشّك الأوّل مفصولة و إتيان مقدار الزائد موصولة، مثلا إذا تبدّل بين الثلاث و الأربع بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فيأتى ركعتين موصولة باعتبار الشّك بين الاثنتين و الأربع المتجدد بعد السلام، و إتيان ركعة مفصولة باعتبار كون احد أطراف الشّك اللاحق الثلاث و الأربع الّذي هو بقاء الشّك السابق الحادث قبل الفراغ.

ففيه أنّه في ما شك بين الاثنتين و الأربع ثمّ تبدل بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فبعد ما قلنا من أنّه يجب إتيان ركعتين عن قيام أولا مفصولة، ثمّ ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام على الكلام فيه، فلا بدّ في ما نحن فيه أن يأتي أولا ركعتين مفصولة لأجل احتمال نقص الركعتين، ثمّ ركعة موصولة، و كيف يمكن ضم الركعة موصولة بالصّلاة مع الفصل بالركعتين المفصولتين (و أمّا لو شك بين الثلاث و الأربع، ثمّ تبدل بعد السّلام بالشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فأيضا لا يمكن ذلك،

لأنّه لو أتى بركعتين موصولة باعتبار الشّك اللاحق الّذي أحد اطراف بين الاثنتين و الأربع فيقطع بلغوية ركعة اخرى مفصولة لأجل طرفه الآخر، و هو الثلاث و الأربع الّذي يكون بقاء الشّك السابق، لأنّه إن كان ما صلّى هو الركعتان، فهو أتى بركعتين موصولة، و لا حاجة إلى صلاة الاحتياط، و إن كان ما صلّى ثلاثا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 249

فأيضا تكون الركعة المفصولة لغوا، لأنّه قد زاد في صلاته ركعة و بطلت صلاته، لأنّه بعد وقوع السّلام الأوّل في غير محله و غير مبطل، فهو أتى بركعتين آخرتين في صلاته و بعد فرض احتياج الصّلاة بركعة، فهو زاد ركعة في صلاته).

[في انّ الحقّ فى الصورتين عمل الشك اللاحق]

إذا عرفت عدم امكان الالتزام بالوجه الأوّل و الثانى فنقول: بأنّ الحقّ في الصورتين عمل الشّك اللاحق أى: عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث و الأربع مفصولة، لأنّه كما قلنا ليس موردنا مورد إجراء قاعدة الفراغ، لعدم كون هذا الفراغ و السّلام محقّقا لموضوع قاعدة الفراغ، فيكون الشّك قبل الفراغ، فيكون المورد مثل ما شك، ثمّ تبدل بشك اخر قبل السلام، فلا بدّ من عمل الشّك الثانى في هذا الحال، فيأتى بصلوة الاحتياط ركعتين من قيام، و ركعتين من جلوس، و تصح الصّلاة. «1»

و أمّا الصورة التاسعة عشرة و الصورة العشرون- و هما ما إذا شك بين الثلاث و الأربع ثمّ تبدل بعد السّلام إلى الشّك بين الاثنتين و الأربع، و ما إذا شك بين

______________________________

(1)- أقول: و لا بدّ من أن يقال في وجه ما اختاره مد ظله العالى مضافا إلى ما أفاده من عدم كون مورد الصورتين مورد قاعدة الفراغ- بأنّه يكون المورد مورد الشّك قبل الفراغ، و يأتي وجهه

في الصورتين الّتي نتعرض لهما بعدا، و يمكن ان يقال: بكون المورد مورد الشّك قبل الفراغ لعدم ورود ما قاله بعض الاعاظم رحمه اللّه من عدم كون الشّك في بعض صور الانقلاب لا مورد قاعدة الشك بعد الفراغ، و لا مورد الشّك قبل الفراغ، لأنّ ما قاله في وجه عدم كون الشّك قبل الفراغ من أن مورد أدلة الشّك قبل الفراغ، و البناء على الأكثر هو كل مورد لا يمكن حفظ الصّلاة من الزيادة الا بجبر النقص المحتمل مفصولة، و هو في ما لا يسلّم المصلّى، فهذا الكلام و إن فرض تماميته لا يجرى في الصورتين، لأنّه لو أتى النقص المحتمل في الشّك اللاحق موصولة، لا تكون مأمونة من الزيادة، لاحتمال كون النقص في الصّلاة ركعة أو ركعتين، فلو أتى ثلاث ركعات موصولة ركعتين لأجل احتمال الشّك بين الاثنتين و الأربع و ركعة لأجل كون الشّك بين الثلاث و الأربع أيضا، فلا يمكن إتيان ما احتمل نقصه موصولة، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 250

الاثنتين و الأربع فسلّم، و قبل الشروع في صلاة الاحتياط تبدل شكه إلى الشّك بين الثلاث و الأربع- فقد يقال في الصورتين: بأن الشّك الأوّل قد زال و الشك الثانى حدث بعد الفراغ، فتصح صلاته و لا شي ء عليه، و لكن الحق عدم كون مورد الشكين مورد إجراء قاعدة الفراغ،

[في بيان عدم جريان قاعدة الفراغ باحد النحوين]
اشارة

و بيان عدم جريان قاعدة الفراغ بأحد النحوين:

النحو الأوّل:

ما بينا في وجه عدم إجراء قاعدة الفراغ و يظهر ذلك من عبارة صاحب مصباح الفقيه «1»، و هو أن قاعدة الفراغ تجري في كل مورد يرى المصلّى بحسب وضعه الطبيعى و التكوينى نفسه فارغا عن الصّلاة و اتيا بالجزء الأخير أى:

السلام باعتقاد كونه الجزء الأخير، لأنّ لسان قوله (كلما مضى من صلاتك و طهورك فامضه كما هو) مثلا هو أن ما مضيت فيه باعتقاد أنك جئت بأجزائه و شرائطه بوصفه المعتبر فيه، ثمّ بعد الفراغ عنه شككت فيه، فامضه كما هو، فمن شرع في الصّلاة مثلا و حال الصّلاة يعتقد أنّه يأتي بأجزائها و شرائطها من التكبير إلى التسليم على وجهها و على نحو صار مطلوبا، و سلّم باعتقاد كونه الجزء الأخير من الصّلاة، و يرى نفسه بأنّه به يفرغ من الصّلاة، فسلّم، ثمّ بعد السّلام حدث له شك في صحة هذه الصّلاة و فسادها من باب الشّك في وجود جزء أو شرط أو ركعة مثلا، فمقتضى قاعدة الفراغ عدم الاعتناء بهذا الشك.

فمورد قاعدة الفراغ ما إذا تحقق الفراغ بحسب وضع تكوينى المصلّى، و بزعم يكون السّلام اخر أجزاء الصّلاة، و بعبارة اخرى كما قلنا عند البحث عن قاعدة الفراغ بأنّه يكون موضوع قاعدة الفراغ نظير الشك، فكما أن في الشّك السارى يكون الشخص قاطعا و معتقدا بشي ء في زمان، ثمّ في الزمان اللاحق يشكّ في ما

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 575.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 251

تيقّن به في الزمان السابق، و يتبدل يقينه بالنسبة إلى المتيقن في نفس الزمان تعلق به اليقين مشكوكا، كذلك في قاعدة الفراغ، فمن يشتغل بفعل مركب كالصّلاة معتقدا حين اشتغاله

به بحسب وضعه التكوينى إتيانه كما ينبغى، و على وجه ينبغى، أتمه، و بعد الفراغ عنه، يشكّ في صحة ما أتى به و فساده، فمقتضى أدلة قاعدة الفراغ عدم الاعتناء بهذا الشك، فيكون موضوع القاعدة كموضوع الشّك السارى، و امر في خصوص هذا الشّك السارى بعدم الاعتناء بالشك.

فتحصل لك أن مورد قاعدة الفراغ ما إذا أتى المصلّى بحساب وضعه الطبيعى بالصّلاة، و سلّم بزعم كونه جزئها الأخير، ثمّ بعد السّلام يشكّ في صحّتها و فسادها، و أمّا إذا أتى بالجزء الأخير، و سلّم لا بزعم الفراغ، و كونه الجزء الأخير من الصّلاة، بل مع شكه في كون هذا السّلام اخر أجزائها أم لا، سلّم بمقتضى أمر الشارع بالسّلام، كما يكون الأمر كذلك في تمام موارد الشّكوك الآتي أمر الشارع فيها بالسّلام، و جبر النقص المحتمل مفصولة، فلا يكون السّلام الواقع من المصلّى باعتقاد أنّه الجزء الأخير، فلا يشمل هذا المورد دليل قاعدة الفراغ.

إذا عرفت ذلك نقول: بأن في الصورتين المذكورتين لا مجال لدعوى اجراء قاعدة الفراغ، لأنّ الفراغ فيهما لم يتحقّق بزعم كونه فارغا عن الصّلاة، لأنّ الشاك بين الاثنتين و الأربع و بين الثلاث و الأربع لم يسلّم بعنوان كون هذا السّلام هو الجزء الأخير من الصّلاة، و بزعم أن به يفرغ من الصّلاة، بل السّلام وقع منه من باب أمر الشارع بأن يسلم في هذا الحال، و يعمل عمل الشّك بعد الصّلاة، فالمصلّى مع شكه في أن هذا السّلام الجزء الأخير، و أن به يفرغ من الصّلاة أم لا، يسلّم مع ذلك لأمر الشارع به، فبهذا السّلام لا يتحقق موضوع قاعدة الفراغ كما قلنا سابقا عند الكلام

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 252

في

الصورة السابعة عشرة و الثانية عشرة.

و قد ظهر لك ممّا بينا في وجه عدم شمول أدلة قاعدة الفراغ لما نحن فيه إنّا نقول: بعدم جريان القاعدة من باب كون الفراغ في ما نحن فيه لا بزعم الفراغ و بتخيل كون السّلام الجزء الأخير، بل من باب أمر الشارع بأن يسلّم في هذا الحال مع كون المصلّى شاكّا في كون هذا السّلام الجزء الأخير أم لا، لا من باب تخيله بقاء الشك الّذي طرأه قبل هذا السلام.

النحو الثانى:

ما يظهر من كلام آية اللّه الحائرى رحمه اللّه في صلاته «1» و قد ذكرنا كلامه سابقا، و هو أن قاعدة الفراغ تجري في كل مورد يكون وقوع السّلام من المصلّى من باب تخيله كون هذا السّلام هو السّلام الواقعى لا السلام البنائى، فإذا سلم بتخيل كون هذا السّلام هو الجزء الأخير من الصّلاة واقعا لا بناء يتحقّق موضوع قاعدة الفراغ، و كل شك حدث بعده يكون الشّك بعد الفراغ، و أمّا لو سلم من باب البناء على الأكثر من باب طروّ الشّك له، و سلّم بتخيل بقاء هذا الشك، فليس مورد قاعدة الفراغ فبناء على هذا لا مجال لجريان قاعدة الفراغ في الصورتين، لكون وقوع السّلام بتخيل بقاء الشك، و حيث لم تبق الشّك و زال، فلا يتحقّق موضوع قاعدة الفراغ.

و الفرق بين ما قلنا في وجه عدم اجراء قاعدة الفراغ في الصورتين و بين ما قاله بعض الاعاظم (آية اللّه الحائرى رحمه اللّه) هو أنّه على ما قلنا لا تجرى قاعدة الفراغ لكون الفراغ لا من باب اعتقاد الفراغ بحسب وضع التكوينى، بل من باب امر الشارع بأن يسلّم فعلا، فلو انقلب بعد الفراغ شكه أو ارتفع

شكه فأيضا لا مجال

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص 372.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 253

لجريان قاعدة الفراغ لعدم وقوع السّلام بزعم كونه الجزء الأخير و واقعا بعد ساير أجزاء الصّلاة بحسب وضعه التكوينى، بل السّلام وقع من باب أمر الشارع مع كونه شاكا في أنّه هل هو الجزء الأخير من الصّلاة أم لا.

و أمّا على ما اختاره بعض الاعاظم رحمه اللّه في وجه عدم جريان قاعدة الفراغ، فلا بد أن يقال في وجه اخراج المورد عن موضوع قاعدة الفراغ: بأن الشاك حيث تخيل بقاء الشّك و سلّم، ثمّ صار هذا التخيل خلاف الواقع، لأنّ شكه زال و تبدل بشك اخر، فلا يكون هذا السّلام محقّق موضوع قاعدة الفراغ، فهو يقول بعدم كون المورد مورد قاعدة الفراغ من باب عدم بقاء ما تخيله من بقاء الشك، فعلى مبناه لو بقى هذا الشك فيكون السّلام الواقع بناء محقّق موضوع قاعدة الفراغ، و أمّا على مختارنا، فلو فرض بقاء الشّك لا يكون هذا السّلام محقّق موضوع قاعدة الفراغ، لأنا قلنا بأن وجه عدم كون المورد مورد قاعدة الفراغ هو كون السّلام من باب البناء على الأكثر و أمر الشارع بالسلام، سواء بقى هذا الشّك أو زال، و سواء تبدل بشك اخر أو لا.

[الحقّ ما اخترنا في وجه عدم جريان قاعدة الفراغ]

إذا عرفت الفرق بين الوجهين نقول: بأنّ الحق هو الوجه الأوّل أعنى: ما اخترنا في وجه عدم جريان قاعدة الفراغ في صورة وقوع السّلام في حال الشّك في كونه الجزء الأخير من الصّلاة.

أمّا أولا: فلأن أدلة قاعدة الفراغ لا تشمل كل مورد وقع السّلام بأمر الشارع من باب البناء على الأكثر، مع كون المكلف شاكّا في كون هذا السّلام هو الجزء الاخير،

سواء بقى هذا الشك الّذي أمر معه الشارع بأن يسلّم الشاك، و يجبر النقص المحتمل مفصولة، أو لا يبقى هذا الشك، فلا يكون عدم شمول القاعدة لهذا المورد مبنيّا على زوال الشك، بل و لو لم يزل الشّك لا يكون المورد مورد قاعدة الفراغ، فلا

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 254

يتفرع عدم شمول قاعدة الفراغ للمورد على ما قاله بعض الاعاظم رحمه اللّه من أن حيث وقع بتخيل بقاء الشك، و بعد السّلام انكشف له عدم كون السّلام في محله، لانكشاف عدم بقاء شكه لزواله و تبدله بشك اخر.

أمّا ثانيا: فلأن الالتزام بأن السّلام يقع مراعى، فاذا بقى الشّك و استمر إلى الشروع في صلاة الاحتياط أو إلى الفراغ من صلاة الاحتياط (على الكلام في ذلك) ينكشف كون هذا السّلام هو السّلام الّذي محقّق لقاعدة الفراغ، و أمّا لو سلم و زال الشك، فلا يكون هذا السّلام موضوع قاعدة الفراغ، مشكل، فافهم.

إذا عرفت ممّا مرّ أن في هاتين الصورتين لا تجرى قاعدة الفراغ و لا تكون موردها، فما نقول في المقام؟ هل نقول: بأنّه يأتي بما يحتمل نقصه من الصّلاة موصولة، مثلا في ما تبدل الشّك بين الاثنتين و الأربع إلى الشّك بين الثلاث و الأربع يأتي بركعة بعد السّلام موصولة، و فيما تبدل الشّك بين الثلاث و الأربع إلى الشّك بين الاثنتين و الأربع يأتي بركعتين موصولة، و تصح الصّلاة باتيان ما احتمل موصولة، أو نقول:

بأن هذا الشّك الثانى حادث قبل الفراغ، لعدم تحقق موضوع قاعدة الفراغ بهذا السلام الواقع منه، فحكمه البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل مفصولة، ففي ما انقلب الشّك بين الاثنتين و الأربع إلى الشّك بين الثلاث و الأربع

يأتي بركعة عن قيام أو ركعتين من جلوس مفصولة، و فيما تبدل الشّك بين الثلاث و الأربع إلى الشّك بين الاثنتين و الاربع يأتي بركعتين عن قيام مفصولة.

الحقّ الثانى لأنّه بعد كون السّلام بامر الشارع من باب الشّك الطارئ له فلم يتحقّق موضوع قاعدة الفراغ، فلم يفرغ عن الصّلاة بعد، فشكه وقع قبل الفراغ، فلا بد من عمل الشّك اللاحق من البناء على الأكثر و عمل الشّك بعد الصّلاة، و لا وجه لأن يقال: بأن مورد الشّك قبل الفراغ هو ما إذا سلّم بعد الشّك لأنّ في ادلته

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 255

أمر بالبناء على الأكثر، ثمّ السلام، ثمّ عمل الشّك مفصولة، و في المقام بعد ما سلّم شك على الفرض فليس مورد ادلته.

لأنّا نقول: بأنّه لا دخل لهذه الخصوصية أي: وقوع السّلام بعد الشّك و بناء النقص المحتمل مفصولة. «1»

______________________________

(1)- أقول: و لكن يشكل جبر النقص المحتمل في الصورتين مفصولة كما قال سيدنا المعظم مد ظله العالى، لما قاله بعض الاعاظم؛: من أن مورد الشّك قبل الفراغ، اى مورد ادلّه الشّكوك حكمها البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل مفصولة، هو ما إذا كان جبر النقص موصولة موجبا للزيادة في الصّلاة على فرض عدم نقص فيها واقعا، فلا بدّ حفظا لوقوع الزيادة في كما علمه المعصوم عليه السّلام من جبر النقص المحتمل مفصولة حتّى تكون الصّلاة المفصولة جابرة للنقص على فرض النقص و لم تكن زيادة فيها على فرض عدم نقص فيها، و أمّا إذا لا يصير اتصال النقص المحتمل في الصّلاة موصولة موجبا للزيادة فيها على فرض تمامية الصّلاة فليس موردا للشك قبل الفراغ، و في الصورتين يكون كذلك، لأنّه بعد انقلاب

الشّك بعد السّلام لو أتى المصلّى بما احتمل نقصه من الصّلاة، من ركعة أو ركعتين موصولة فلا يوجب زيادة في الصّلاة لأنّ واقعا إن كانت ناقصة بركعة أو ركعتين فالسلام وقع في غير محله و يتم نقصها بركعة او ركعتين موصولة، و إن لم تكن ناقصة واقعا فحيث إنّه سلّم بعد تمامية الصّلاة بركعاتها فلا يوجب إتيان ركعة أو ركعتين زيادة في الصّلاة، لأنّ بالسلام فرغ عن الصّلاة و تحقق الانصراف إلا ان يكون نظر سيدنا الاستاد آية اللّه العظمى مد ظله العالى، إمّا إلى أن المستفاد من أدلة قبل الفراغ هو أنّه ما لم يقع السّلام بعنوان اخر الأجزاء بوضع التكوينى و حالة طبيعى المصلّى، فيكون هو في الصّلاة، و بعد كونه في الصّلاة فيشمله أدلة الشّك قبل الفراغ، لأنّ مفادها أنك إذا شككت في الأخيرتين فابن على الأكثر، غاية الأمر إذا كان بعد الفراغ، لا يعتنى بالشّك بمقتضى قاعدة الفراغ و على الفرض لم يكن موردنا مورد إجراء قاعدة الفراغ، أو أن يقال: بأنّه و إن كان مورد أدلة الشّك قبل الفراغ ما إذا كان الشاك بعد البناء على الأكثر مأمورا بالسلام، لأنّ مفادها أنّه سلّم، ثمّ تأتى بركعة أو ركعتين. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 256

صور انقلاب الشّكوك المنصوصة بعضها إلى بعض اخر

4 و 5

إلى 2 و 3 يعلم الشكاك بوقوع السّلام في غير محله فيعمل عمل 2 و 3 و 5 اشكال.

و إلى 3 و 4 و إلى 2 و 4

و إلى 2 و 3 و 4 تجري قاعدة الفراغ لوقوع في محله يقينا.

2 و 3 و 4

إلى 2 و 3 يعمل عمل الشاك اللاحق لعلمه بوقوع السّلام في غير محله

و إلى 2

و 4

و إلى 3 و 4 محل الكلام من حيث كونها مورد جريان قاعدة الفراغ و عدمه

و إلى 4 و 5 يعلم بعدم نقص في صلاته و احتمال الزيادة لا يضرّ و في وجوب سجدتى السهو و عدمه كلامه و لكن لا يجب على التحقيق لحدوث هذا الشك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 257

بعد الفراغ

3 و 4

و إلى 2 و 4

و إلى 2 و 3 و 4 محل الكلام من حيث اجراء قاعدة الفراغ و عدمه فيها

و إلى 2 و 3 يعمل عمل الشّك اللاحق لعلمه بوقوع السّلام في غير محله

و إلى 4 و 5 تصح الصّلاة لعلمه بعدم نقص في الصّلاة و احتمال الزيادة لا يضرّ و لا تحب سجدتى السهو على الاقوى.

2 و 3

إلى 2 و 4

و إلى 3 و 4

و إلى 2 و 3 و 4 (بحسب حاله الأوّل في كلها).

فهذا الشاك في الصورة الاولى بحسب حاله الفعلى شاك بين 3 و 5 لأنّه ان أتى ركعتين فعلى الفرض لم يأت بعد البناء إلا ركعة فصلاته ناقصة بركعة و إن كان ما أتى اربع ركعات فحيث إنّه أتى بعد بنائه السابق ركعة فقد زاد ركعة فى صلاته فتبطل صلاته لعلم الإجمالي بالنقص او الزيادة و في الصورة الثانية يكون بحسب حاله الفعلى شاكّا بين الاربع و الخمس فتصح الصّلاة لعدم احتماله النقص و الزيادة محتملة و في الصورة الثالثة اعنى ما إذا انقلب الشّك بين 2 و 3 بالشّك بين 2 و 3 و 4 فهو بحسب حاله الفعلى شاك بين 3 و 4 و 5 وجهان في هذه المورد

تبيان الصلاة،

ج 8، ص: 258

و إلى 4 و 5 فتبطل لعلمه زاد فى صلاته ركعة مسلما لأنّه إن كان ما أتى به اربع فحيث إنّه أتى ركعة بعد شك الأوّل فقد زاد ركعة.

2 و 4

و إلى 3 و 4

و إلى 2 و 3 و 4 محل الكلام من حيث اجراء قاعدة الفراغ و عدمه

و إلى 2 و 3 يعمل عمل الشّك اللاحق لعلمه بوقوع السّلام في غير محله

و إلى 4 و 5 تصح الصّلاة و لا شي ء عليه لعلم بعدم نقص في صلاته و احتمال الزيادة لا يضرّ و لا تجب سجدتى السهو على الأقوى.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 259

المقصد العاشر في سجدتى السهو

اشارة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 261

في سجدتى السهو

[لا خلاف في وجوب سجدتي السهو فى الجملة]

لا خلاف في وجوب سجدتى السهو في الجملة بين العامة و الخاصة و لا اشكال في تشريعها من صدر الاول، و لا اشكال في ان موجب وجوبها يحصل في الصّلاة لا في غيرها، و لهذا يحمل كل رواية أمر فيها بها بانّها واجبة بالصّلاة لا بغير الصّلاة، فقوله عليه السّلام في رواية سفيان بن السمط (تسجد سجدتى السهو في كل زيادة تدخل عليك او نقصان يحمل على وقوع النقص او الزيادة في الصّلاة) كما فهم سفيان بن السمط هذا أيضا.

و امّا ما قاله العامة من أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سجد سجدتى السهو فهو كلام في غير محله كما تحقق في محلّه، و بعض الروايات الواردة في طريقنا ممّا يدلّ على ذلك محمول على التقية لكونها موافقا لهم، و الرواية الّتي رواها زرارة «1» يدلّ (انه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يسجد سجدتي السهو قط و لا فقيه) و المراد من الفقيه الائمة عليه السّلام، فلا مجال لهذه النسبة به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، اذا عرفت ذلك نقول:

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 3 من ابواب الخلل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 262

[اقوال العامّة في الشكّ فى الركعات تكون ثلاثة]

اشارة

و اعلم ان العامة اوجبوا سجدتى السهو فى السهو المقارن للشك الحاصل في الركعات و تفصيله ان اقوالهم في الشّك في الركعات تكون ثلاثة:

القول الاوّل:

البناء على الاقل في ما اذا شك المصلّى في عدد الركعات مطلقا سواء كان يعرضه شك واحد او اكثر، ففي كلها يبنى على الاقل و يسجد سجدتي السهو.

القول الثاني:

البناء على الاقل اذا شك في عدد الركعات في المرة الاولى، و اذا شك ثانيا يتحرى، فان حصل له الظن فيبنى عليه و الّا يبنى على الاقل و يسجد سجدتي السهو على كل حال.

القول الثالث:

عدم الاعتناء بالشّك مطلقا في المرة الاولى و ما بعدها، و لازم هذا القول هو البناء على الاكثر و يسجد سجدتي السهو، و بهما يتلافى النقص، فترى انهم و ان اختلفوا في حكم الشّك في الركعات و لكن متفقون على وجوب سجدتي السهو في الشّك في الركعات مطلقا.

هذا بالنسبة الى السهو المقارن للشك فانهم اوجبوا فيه سجدتى السهو اذا كان الشّك في عدد الركعات.

و امّا فتواهم فى السهو المقارن للجهل المركب بالنسبة الى وجوب سجدتى السهو و عدمه، فانهم يقسمون افعال الصّلاة بثلاثة: فرض و سنة و رغائب.

ففي الاول، لا يجب سجدتي السهو بل اما يأتي به او يبطل الصّلاة.

ففي الثاني، و هو ما يكون اهمية في استحبابهم يجب.

ففي الثالث، و هو بعض المستحبات الغير المهمة لا يجب سجدتى السهو.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 263

[حمل الاخبار الواردة في طرقنا على التقيّة]

فقد تحقّق لك ان العامة في أي مورد تجبون سجدتي السهو، و من هنا يظهر لك ان بعض الروايات الواردة في طرقنا صدرت تقية مثل الرواية الدالة على انّه (لو شك بين النقص و الزيادة تجب سجدتي السهو) «1» الّتي رواها سماعة، و مثل الرواية التي رواها «2»، و مثل الرواية الّتي رواها سهل بن اليسع. «3»

و قوله أم نقصت أم زدت في الرواية الّتي رواها عبيد اللّه بن الحلبي. «4»

بناء على حمل الروايات على الشّك في انّه هل نقص أم لم ينقص او هل زاد أم لم يزد، لا على العلم الاجمالى بانّه نقص او زاد، لانّ كلام العامة في وجوب سجدتي السهو في الشّك لا على العلم الاجمالى بين النقص و الزيادة.

و مثل الرواية الّتي رواها على بن يقطين «5» بان هذه الروايات الدالة على وجوب سجدتي السهو

يجمل على التقية لكونها موافقة مع قول العامة، كما عرفت من وجوبهم سجدتي السهو في الشّك في الركعات).

و يأتي الكلام فى هذه الاخبار بعد ذلك عند التعرض لخصوصيات المسألة إن شاء اللّه.

و امّا حال سجدتى السهو عندنا فلا تجبان في السهو المقارن للشك بلا خلاف إلا في مورد واحد، و هو في الشّك بين الأربع و الخمس، و أوجبوهما عند السهو

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 23 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 13 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(5)- الرواية 6 من الباب 15 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 264

المقارن للجهل المركب في موارد

[في ذكر موجبات سجدتي السهو]

اشارة

فنقول موجبات سجدتى السهو امور:

الأوّل:

كما قلنا في الشّك بين الأربع و الخمس كما هو المشهور.

الثانى:

في نسيان التشهّد الأوّل كما هو المشهور أيضا.

الثالث:

في نسيان سجدة واحدة على ما هو المشهور أيضا.

الرابع:

في التكلم ناسيا كما هو المشهور أيضا.

الخامس:

السّلام في غير محله.

السادس:

في القيام في موضع القعود و بالعكس و هو محل الخلاف.

السابع:

في القراءة موضع التسبيح و بالعكس.

الثامن:

في كل زيادة و نقيصة، و لا شهرة على هذه الأخيرة و إن كان قائل بوجوبها، أو بالاحتياط فيهما.

[في بعض الخصوصيات الراجعة الى السجدتي السهو]

اشارة

هذا كله في موجبات سجود السهو عند العامة و الخاصة، و أمّا في كيفيتهما فلا خلاف بين العامة و الخاصة في كون المعتبر سجدتين، و لكن خلاف في خصوصياتهما الاخرى.

أحدها:

في اعتبار التشهّد و السلام فيهما و عدمه فالعامّة بعضهم يقولون بعدم تشهد و سلام فيها، و بعضهم بأن لها التشهّد لا السلام، و بعضهم بالعكس، و بعضهم بأنه إن شاء تشهد و سلم، و إن شاء لا، و بعضهم بأنّه إن سجد قبل السّلام لم يتشهد، و إن سجد بعد السّلام يتشهد.

و من مراجعة أقوالهم في هذا الباب ربما يستفاد أن قوله عليه السّلام في بعض الروايات (يتشهد تشهدا خفيفا) يكون نظره عليه السّلام إلى أنّه لا تطل التشهّد حتّى يصير

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 265

للفساد، لأنهم يفهمون أنك تشهدت، و الحال أن بعضهم مخالف لذلك، كما أنّه لا يبعد كون الرواية «1» الدالة على عدم تشهد فيها، صادرة على وجه التقية لأنّ بعضهم لا يقولون بالتشهد و أمّا ما هو الحق عندنا فيأتى الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

الثانية:

يظهر من العامة وجوب تكبيرة الاحرام قبلهما، و ليس في طرقنا ما يدل على ذلك و لا وجه لاعتبارها فيهما لانها افتتاح الصّلاة، فلا وجه لاعتبارها فيهما.

الثالثة:

يظهر من بعض العامة أن فيهما أربع تكبيرات عند الخفض إلى السجدة الأولى و الرفع عنها، و الخفض إلى الثانية و الرفع عنها، و ليس في طرقنا ما يدل على ذلك.

الرابعة:

لا يرد ذكر في كلمات العامة عن الذكر فيهما و لكن في طرقنا ورد ما يدلّ عليه، و يأتي إن شاء اللّه هذا كله يكون بعض جهات راجعة إلى السجدة السهو نتعرض لها إن شاء اللّه.

فالكلام في سجدتى السهو يقع في جهتين الجهة الأولى في موجباتهما، و الجهة الثانية في كيفيتهما.

أمّا الكلام في الجهة الأولى فموجباتهما على ما قيل أو ينبغى أن يقال امور و لكن قبل التعرض لما هو المختار في هذه الموارد نذكر الأخبار المربوطة بموجبات سجدتى السهو، ثمّ المختار فى كل مورد فنقول بعونه تعالى: بأن الأخبار المربوطة بالباب بعضها تعرضت لوجوب سجدتى السهو في السهو المقارن للجهل المركب،

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 20 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 266

و بعبارة اخرى تعرضت لوجوبهما في وجود ما يلزم عدم وجوده، أو عدم ما يلزم وجوده، و بعضها لوجوبهما في ما إذا طرأ للمصلّى السهو المقارن للجهل البسيط أعنى: الشك، و في هذا القسم تعرض بعضها لما يكون أحد طرفى الشّك أقوى من طرفه الآخر، و بعبارة اخرى يكون أحد طرفيه الظن و الاخر الوهم، و بعضها تعرض لوجوبها في الشّك المساوى طرفاه.

[في ذكر الاخبار المربوطة بالقسم الاوّل]

اشارة

أمّا الروايات المربوطة بالقسم الأوّل أى: وجوب سجدتى السهو في السهو المقارن للجهل المركب، فكما قلنا سابقا ورد في موارد:

المورد الأوّل:

اشارة

وجوبهما للتكلم الصادر سهوا، و يدل عليه روايات:

[الرواية] الأولى:

ما رواها ابن ابى يعفور (الواردة في الشّك بين الاثنتين و الأربع، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام فيها: و إن تكلم فليسجد سجدتى السهو). «1»

[الرواية] الثانية:

ما رواها عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (و فيها قال: و عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمّ ذكر قبل أن يقدّم شيئا، أو يحدث شيئا، فقال: ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلم بشي ء). «2»

[الرواية] الثالثة:

ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصّلاة (يقول: أقيموا صفوفكم) قال: يتم صلاته، ثمّ يسجد سجدتين). «3»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 11 من أبواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 23 من أبواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 4 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 267

[الرواية] الرابعة:

ما رواها سعيد الأعرج (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول الخ و فيها قال: و سجد سجدتين لمكان الكلام) «1». «2»

فهذه روايات أربعة دالة على وجوب سجدة السهو للتكلم ناسيا في الصّلاة، و لا بدّ من حمل الأخيرة منها على التقية.

و هنا بعض الروايات يستدل به على عدم وجوبهما للتكلم ناسيا.

منها ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلم؟ فقال: يتم ما بقي من صلاته تكلم او لا يتكلم، و لا شي ء عليه). «3»

و منها ما رواها محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام (في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة، فسلم و هو يرى أنّه قد أتم الصّلاة و تكلّم، ثمّ ذكر أنّه لم يصل غير ركعتين؟

فقال: يتم ما بقى من صلاته و لا شي ء عليه). «4»

و يمكن حمل الروايتين على عدم وجوب إعادة الصّلاة على المصلّى، فقوله عليه السّلام فيهما (لا شي ء عليه) من حيث الاعادة و اتيان الصّلاة، و هذا لا ينافي وجوب شي ء اخر عليه و هو سجدتى السهو.

و اعلم أن وجوب السجدة في: التكلم ناسيا يكون مورد وفاق الاصحاب تقريبا.

______________________________

(1)- الرواية 16 من الباب 3 من أبواب الخلل من الوسائل.

(2)- و اعلم أن هذه الرواية من جملة

الروايات الّتي ذكر فيها سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هذه الروايات على خلاف اصول المذهب، و غير معمول بها لصدورها تقية كما قلنا سابقا، فلا يعتني بها. (المقرر)

(3)- الرواية 5 من الباب 3 من أبواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 9 من الباب 3 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 268

و هنا روايتان آخران دالّتان على أن من تكلم ناسيا كبّر تكبيرات، و هما رواية عقبة بن خالد «1» و مرسلة الصدوق «2»، و هما لا تدلان على عدم وجوب سجدتي السهو، بل غاية ما تدلان عليه أن من تكلم ناسيا في الصّلاة يكبر تكبيرات، و لازم ذلك وجوبهما عليه أيضا لو لم تكن الروايتان ممّا أعرض عنهما الاصحاب.

المورد الثاني:

اشارة

وجوبهما لمن نسي التشهّد الأوّل حتّى دخل في الركوع، و هذا لحكم ممّا لا يكون مخالف له بين الأصحاب و يدلّ عليه روايات:

[الرواية] الاولى:

الرواية 3 من الباب 7 من أبواب التشهّد من الوسائل،

[الرواية] الثانية:

الرواية 4 من الباب المذكور،

[الرواية] الثالثة:

الرواية 5 من الباب المذكور،

[الرواية] الرابعة:

الرواية 6 من الباب المذكور، بناء على حملها على التذكر بعد الركوع من الثالثة،

[الرواية] الخامسة:

الرواية 1 من الباب 8 من أبواب التشهّد من الوسائل،

[الرواية] السادسة:

الرواية 1 من الباب 9 من أبواب التشهّد من الوسائل،

[الرواية] السابعة:

الرواية 3 من الباب المذكور،

[الرواية] الثامنة:

الرواية 2 من الباب 26 من أبواب الخلل من الوسائل،

و هذا الحكم ممّا قامت الشهرة عليه، كما يظهر للمراجع إلى كلمات الاصحاب.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 4 من أبواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 4 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 269

المورد الثالث [لوجوب سجدتى السهو]

: وجوب سجدتى السهو لمن ترك سجدة واحدة نسيانا، و دليل هذا الحكم ليس إلا الشهرة، و هى تكفى لنا لأنّ كون الحكم مشهورا عند القدماء رحمه اللّه دليل على وقوفهم على نص يدلّ على الحكم لم يصل إلينا،

و لا وجه للتمسك لهذا الحكم بما رواه سفيان بن السمط بتوهّم أنّ في ذيلها قال: و من ترك سجدة فقد نقص، لأنّ هذه الزيادة ليست جزء الرواية، بل كلام الشيخ، و اشتبه الأمر على صاحب الوافى، و صاحب ترتيب التهذيب حيث جعلها جزء الرواية، لأنّ الشيخ رحمه اللّه في مقام ذكر وجه لما قال في المقنعة من وجوب سجدتى السهو لنسيان سجدة واحدة قال فى التهذيب، و هو الشرح على المقنعة في صفحة 179 المطبوع: (فأمّا الّذي يدلّ على وجوب سجدتى السهو على من ترك سجدة لم يذكرها الا بعد الركوع حسب ما ذكره رحمه اللّه ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان السمط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سجدة السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان، و من ترك سجدة فقد نقص الخ).

فيظهر لمن له أدنى بصيرة بأن جملة (و من ترك سجدة فقد نقص) كلام الشيخ رحمه اللّه إذ هو في مقام ذكر الدليل لكلام المقنعة من وجوبهما لنسيان سجدة واحدة،

ذكر رواية سفيان الدالة بإطلاقها على المورد، و لهذا قال الشيخ رحمه اللّه (و من ترك سجدة فقد نقص) فهذا استفادته من الرواية، لا أنّه جزء الرواية، و الشاهد على ذلك أنّه رحمه اللّه ذكر الرواية في الاستبصار بدون هذه الضميمة، و توجه صاحب الوسائل بعدم كونها جزء الرواية، و لهذا لم ينقل- حين نقل رواية سفيان بن السمط في الباب 32 من أبواب الخلل- هذه الزيادة.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 270

و لا بالرواية الّتي رواها معلى بن خيس «1»، لأنّ الظاهر منها كون المنسى السجدتين معا لا السجدة الواحدة، و لهذا لو تذكر نسيانهما بعد الركوع امر بإعادة الصّلاة. و لا بالرواية 7 من الباب المذكور.

فلمّا قلنا لم يصل بأيدينا رواية تدلّ على هذا الحكم و تكفى الشهرة.

و في قبال هذه الشهرة بعض الروايات ربما يستدل أو يتوهم دلالته على عدم وجوب سجدتى السهو في نسيان سجدة واحدة، مثل الرواية الّتي رواها عمّار و الرواية مفصلة نذكرها بعد ذلك بتمامها. «2»

و مثل ما رواها أبو بصير (قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم؟ قال: يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلواته، فاذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو). «3»

المورد الرابع: [لوجوب سجدتى السهو]

من الموارد الّتي تجب سجدتي السهو للسهو المصطلح في السلام الواقع في غير محله نسيانا، و هذا الحكم مشهور عند الفقهاء رحمه اللّه.

و أمّا ما يدلّ عليه من الأخبار فهي الرواية الدالة على سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لكن تعالى شانه الشريف عنه «4»، فلا يمكن التعويل على أمثال هذه الروايات.

و الرواية الّتي هى فقرة من فقرات رواية عمار

نذكرها بتمامها ان شاء اللّه، فيها (قال أبو عبد اللّه عليه السّلام- عن رجل صلّى ثلاث ركعات، و هو يظن أنها أربع، فلما سلّم

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 14 من أبواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 26 من أبواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 14 من أبواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 11 من الباب 3 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 271

ذكر أنّها ثلاث، قال: يبنى على صلاته متى ما ذكر، و يصلّى ركعة، و يتشهد، و يسلم، و يسجد سجدتى السهو، و قد جازت صلاته). «1»

و ما رواها العيص قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسى ركعة من صلاته حتى فرغ منه، ثمّ ذكر أنّه لم يركع، قال: يقوم، فيركع، و يسجد سجدتين «2». «3»

و هل وجوب سجدة السهو في السّلام في غير محله يكون من باب خصوصية في زيادة السلام، أو يكون ذلك من باب كون السّلام في غير محله نسيانا موجبا لهما من باب كونه من أفراد الكلام الصادر نسيانا، فهو بحث اخر.

المورد الخامس [لوجوب سجدتى السهو]

اشارة

من الموارد الّتي قيل فيه بوجوبهما في السهو المقارن للجهل المركب، هو وجوبهما للقيام في موضع القعود و بالعكس، و في وجوبهما فيهما خلاف بين الأصحاب، و يدلّ على هذا الحكم روايتان.

[في ذكر الروايات المربوطة بهذا المورد]
الاولى:

ما رواها الكلينى عن على بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن معاوية بن عمار (قال: سألته عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود، أو يقعد في حال قيام؟ قال: يسجد سجدتين بعد التسليم و هما المرغمتان ترغمان الشيطان). «4»

الثانية:

ما رواها عمار بن موسى الساباطى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

(1)- الرواية 14 من الباب 3 من أبواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 11 من أبواب الخلل من الوسائل.

(3)- أقول: و يحتمل كون وجوب السجدة في الرواية الثانية و الثالثة من باب نفس الشّك كما يكون كذلك في الشّك بين الأربع و الخمس، و لا ظهور لهما في كون وجودهما مسببا عن زيادة السلام، و على هذا تكونان غير معمول بهما. (المقرّر).

(4)- الرواية 1 من الباب 32 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 272

السهو أ يجب فيه سجدتا السهو فقال إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت تقرأ فسبّحت، أو أردت أن تسبّح فقرات، فعليك سجدتا السهو). «1»

و تمام الرواية نذكرها إن شاء اللّه عند التعرض للمورد السادس، و هو ما إذا قرء سهوا في موضع التسبيح أو بالعكس.

[في ذكر كلام مفتاح الكرامة]

اعلم أن المحكي عن بعض القدماء (على ما في مفتاح الكرامة) مثل علم الهدى رحمه اللّه في الجمل و به قال في الغنية ابن زهرة و به قال في السرائر ابن ادريس رحمه اللّه، و قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: إنهما تجبان لنسيان السجدة و التشهد، و للشك بين الأربع و الخمس، و للسلام ناسيا في غير موضعه، و للتكلم ناسيا، و قال: بأن في أصحابنا من قال: إن من قام في حال قعود أو قعد في حال قيام فتلافاه، كان عليه سجدتا السهو، و كذا نقل انهما تجبان للكل زيادة و نقصية

و حيث إن الشيخ رحمه اللّه نقل أن في أصحابنا من قال بوجوبهما للقيام في موضع القعود و

بالعكس لو تلافاه، فإن كانت الروايتان المتقدمتان مقيدتين بصورة التلافى، فتعارضهما الرواية الّتي رواها سماعة (قال: من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، إنّما السهو على من لم يدر أ زاد أم نقص منها). «2»

كما أن المحقّق ردّ في المعتبر وجوبهما فى القيام موضع القعود و بالعكس بهذه الرواية، لأنّه لو قام في موضع القعود و بالعكس ثمّ تلافاه فاذا قام في موضع القعود مثلا ثمّ جلس فلا بجب عليه سجدتا السهو بمقتضى رواية سماعة، لأنّه حفظ سهوه و

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 32 من أبواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 23 من أبواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 273

لهذا نقل في مفتاح الكرامة أن استاده (اى بحر العلوم رحمه اللّه أو البهبهانى رحمه اللّه) صار بصدد الجمع بين الروايتين بأنّه يحمل ما دل على وجوبهما في القيام موضع العقود أو العكس على ما إذا وقع القيام في موضع القعود أو عكسه ساهيا لا عامدا مثل ما إذا سها التشهد أو السجود، فبزعم إتيانهما قام عمدا.

و اعلم ان هذا موجب لحمل الروايتين على موردنا در و هو الخصوص ما إذا وقع القيام موضع القعود أو العكس سهوا و عن غفلة، لا بزعم كونهما في محلهما من باب سهوه و تخيله اتيان السجدة أو التشهّد و الحال أنّه لم يأت بها، (و يأتي بعد ذلك الكلام في رواية سماعة ان شاء اللّه عند التعرض لمسألة وجوبهما لما إذا لم يدر أزاد أم نقص) و على كل هل تجب سجدتى السهو في هذا المورد أم لا؟

اعلم أن الظاهر من الروايتين المتقدمين و إن كان وجوبهما فى القيام موضع العقود و بالعكس

مع الإشكال في الرواية الثانية من حيث ما في فقرتها الاخرى من وجوبهما في ما قام فى موضع العقود إذا تكلم، و من حيث كون بعض فقراتها ممّا لا يعمل بها، و يأتي تمام الخبر إن شاء اللّه في المورد السادس من الموارد الّتي تدلّ بعض الروايات على وجوب سجدتى السهو فيه، إلا أنّه يستفاد من بعض الروايات عدم وجوبهما في هذا الموضع، و هو بعض الأخبار الواردة في نسيان التشهّد الأوّل و تذكره قبل الدخول في ركوع الثالثة نذكرها ان شاء اللّه في المورد السابع، و هو المورد الّذي يقع الكلام في وجوبهما و عدمه لكل زيادة و نقيصة، فلا بدّ من حمل الروايتين على الاستحباب.

[في القيام في موضع القعود يمكن وقوعه في مواضع اربع]
اشارة

ثمّ اعلم بان القيام في موضع القعود في الصّلاة يمكن وقوعه في مواضع اربع:

الموضع الاول:

القيام في موضع القعود للتشهد الأوّل نسيانا.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 274

الموضع الثاني:

القيام في موضع القعود للتشهد الثاني نسيانا، و هل القعود في الموضعين واجب مستقل في مقابل التشهد، او يكون شرطا للشهد، يظهر من العامة ان القعود واجب مستقل بعد الركعة الثانية و الرابعة، و لهذا يوجبونه حتّى من لم يجب منهم، و امّا عندنا فالجلوس شرط في التشهد.

الموضع الثالث:

القيام في موضع الجلوس الواجب بين السجدتين من كل ركعة نسيانا، فان الجلوس واجب خلافا لابى حنيفة و نسيان هذا الجلوس و القيام موضعه نادر، لانه يتفق نسيان الجلوس بان يرفع المصلّى رأسه من السجدة الاولى و بدون تحقّق جلوس ما يهوى الى السجدة الثانية و لكن القيام في هذا الموضع نسيانا نادر.

الموضع الرابع:

القيام نسيانا موضع الجلوس بعد السجدة الثانية من الركعة الاولى و الثالثة المسمّى بالجلسة الاستراحة، و وجوب الجلسة الاستراحة محل خلاف عندنا و عند العامة، فهذه أربعة مواضع يمكن ان ينسى المصلّى فيقوم المصلّى في موضع الجلوس.

و هل وجوب سجدتى السهو في القيام موضع القعود و القعود موضع القيام على تقدير وجوبهما يكون من باب وقوع النقص في الصّلاة او من باب وقوع الزيادة فيها، فمن قام في موضع القعود يجب عليه سجدتي السهو من باب وقوع نقص في الصّلاة لاجل تركه القعود نسيانا او لاجل زيادة القيام في غير موضعه نسيانا.

و هل يكون وجوبهما في خصوص فرض عدم احدهما و وجود الآخر أم لا مثلا يجب سجدتي السهو اذا نسى القعود و قام في موضعه او العكس او لا يلزم ذلك،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 275

بل بمجرد ترك القعود و ان لم يتحقّق القيام يجب سجدتى السهو كل محتمل. (و ان كنا قائلا بوجوبهما في هذا المورد كان اللازم بيان حكم هذه الفروع و لكن بعد عدم وجوبهما في هذا المورد اصلا بل استحبابهما فلا حاجة الى اطالة الكلام).

المورد السادس [لوجوب سجدتي السهو]

اشارة

من الموارد الّتي تجب سجدتى السهو في السهو المساوق للجهل المركب أعنى: السهو المصطلح هو وجوبهما للقراءة سهوا في موضع التسبيح، و للتسبيح نسيانا في موضع القراءة، على ما يظهر من رواية واحدة، و هى الرواية الّتي رواها عمّار الساباطى، و هى مشتملة على فقرات، و من جملة فقراتها هى الفقرة الّتي يستفاد منها هذا الحكم حيث إنّ عمار يروى أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام (عن السهو ما يجب فيه سجدتا السهو؟ قال: اذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت،

أو أردت أن تقرأ فسبحت، أو أردت أن تسبح فقرات، فعليك سجدتا السهو). «1»

[في ذكر رواية عمار الساباطي]

و نحن نذكر تمام الرواية الآن إن شاء اللّه تتميما للفائدة، لأنّ صاحب الوسائل ره كما هو دابه، قطعها، و نقل فقراتها متفرقة، كما ترى أن الفقرة المذكور نقلها في الباب 32 من أبواب الخلل و ذكر الشيخ رحمه اللّه هذه الرواية في أبواب الزيادات من التهذيب في أحكام السهو في صفحة 237.

و هى هذه عنه عن احمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقه عن عمار بن موسى الساباطى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السهو ما يجب فيه سجدتا السهو؟ فقال: إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبّحت، أو أردت أن تسبح فقرأت، فعليك سجدتا السهو، و ليس في شي ء

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 32 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 276

ممّا يتمّ به الصّلاة سهو. و عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمّ ذكر من قبل أن يقوم (يقدم خ ل) شيئا، أو يحدث شيئا؟ قال: ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلم بشي ء.

و عن الرجل إذا سها في الصّلاة فينسى أن يسجد سجدتى السهو؟ قال يسجدهما متى ذكر. و عن الرجل صلّى ثلاث ركعات، و هو يظن أنها رابع، فلما سلم ذكر أنّها ثلاث، قال: يبنى على صلاته متى ما ذكر، و يصلى ركعة، و يتشهد، و يسلم، و يسجد سجدتى السهو، و قد جازت صلاته. و سئل عن الرجل نسى الركوع، أو ينسى سجدة، هل عليه سجدتا السهو؟ قال: لا، قد أتم الصّلاة. و عن الرجل يدخل مع الإمام

و قد صلّى الإمام ركعة أو أكثر فسهى الإمام، كيف يصنع الرجل؟ قال: إذا سلم الإمام فسجد سجدتى السهو فلا يسجد الرجل الّذي دخل معه، و إذا قام و بنى على صلاته، و اتمها سلم و سجد الرجل سجدتى السهو. و عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتّى يصلى الفجر، كيف يصنع؟ قال: لا يسجد سجدتى السهو حتى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها. و عن رجل سها خلف الإمام، فلم يفتتح الصّلاة؟ قال: يعيد الصّلاة، و لا صلاة بغير افتتاح. و عن رجل و جبت عليه صلاة من قعود، فنسى حتّى قام و افتتح الصّلاة و هو قائم، ثمّ ذكر؟ قال: تقعد و يفتتح الصّلاة و هو قاعد، و كذلك إن وجبت عليه الصّلاة من قيام، فنسى حتّى افتتح الصّلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته و هو يقوم، فيفتتح الصّلاة و هو قائم و لا يعتدي بافتتاحه و هو قاعد).

المورد السابع [لوجوب سجدتي السهو]

وجوبهما لكل زيادة و نقيصة، و ما يدلّ على ذلك من الأخبار، مثل الرواية الّتي رواها ابن أبى عمير عن بعض اصحابنا عن سفيان بن السمط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: تسجد سجدتى السهو في كل زيادة تدخل عليك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 277

أو نقصان). «1»

اعلم أن وجوبهما في هذا الموضع محل خلاف و المشهور عدم وجوبهما فيه، فهل نلتزم بوجوبهما فيه أم لا؟ اعلم أن الظاهر من الرواية المتقدمة وجوبهما، لأنّ الظاهر من الأمر أعنى: تسجد، هو الوجوب، و لكن المستفاد من غير واحد من الروايات عدم وجوبهما في بعض مواضع وقعت زيادة أو نقيصة في الصّلاة، و هذه الروايات على نحوين:

قسم منها يدلّ على أنّه لو

زاد في صلاته أو نقص منها من حيث قراءة أو جهر، أو إخفات، أو زيادة قيام، لا شي ء عليه و تمّت صلاته مثل الروايتين اللّتين قال فيهما لو قرء الجهر في موضع الاخفات، أو العكس قال: إن كان ناسيا لا شي ء عليه، و في الاولى قال: لا شي ء عليه و قد تمّت صلاته، و هما تدلّان على عدم وجوب سجدتي السهو فى النقص في كيفية القراءة بناء على صدق نقيصة الجزء على ترك الجهر و العكس. «2»

و مثل الرواية الّتي فيها قال في مورد ترك القراءة: (تمت صلاتك إذا كانت نسيانا) «3»، فتدلّ على عدم وجوب سجدتى السهو في نقص القراءة.

و مثل الروايات الّتي تدلّ على عدم شي ء عليه بترك القنوت نسيانا فتدلّ على عدمها عليه، «4» فبناء على شمول رواية سفيان لمطلق النقص و الزيادة نقص المستحبات و زيادتها فتدل هذه الروايات بمقتضى قوله فيها (بعدم شي ء عليه) على

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 1 و 2 من الباب 26 من ابواب القراءة من الوسائل.

(3)- الرواية 1 و 2 من الباب 27 من ابواب القراءة من الوسائل.

(4)- الروايات الواردة من الباب 15 من ابواب القنوت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 278

عدم وجوبهما في نقص القنوت المستحب).

و مثل الرواية الّتي تدلّ على عدم شي ء أى: عدم الاعادة و عدم السجدة عليه، في ترك ذكر الركوع ناسيا. «1»

و لكن في دلالة هذه الطائفة من الأخبار إشكال من حيث إن ما ورد فيها من أنّه لا شي ء عليه أو تمّت صلاته يكون ناظرا إلى عدم وجوب إعادة الصّلاة، و أن الصّلاة صارت تامة، و لا تدلّ على عدم وجوب

سجدتى السهو عليه فى هذا المواضع، فهذه الأخبار لا تنافي رواية سفيان بن السمط، فافهم.

و قسم منها ما يدلّ على عدم وجوب سجدتى السهو مع فرض وقوع زيادة أو نقصان نسيانا في الصّلاة، و لا يرد عليه الإشكال المتقدم في القسم الأوّل، من عدم ظهور قوله (لا شي ء عليه أو تمت صلاته) فى عدم وجوب سجدتى السهو عليه، لانّ الظاهر من هذا القسم على ما ترى، هو عدم وجوب سجدتى السهو، و هي روايتان اللّتان وردتا في نسيان التشهد لأنّ فيهما قال في نسيان التشهد: (بأنه لو تذكر نسيانه قبل الركوع، فليجلس، و إن ذكر بعد الركوع يسجد سجدتى السهو) «2»، فهما ظاهرتان في عدم كون سجدتى السهو لو تذكر نسيانه قبل الركوع.

و لا وجه لأن يقال: بانّها لا تدلان على ذلك إذ غايته عدم تعرض لو تذكر قبل الركوع من وجوب السجدة و عدمه عليه.

لأنّا نقول: بعد التصريح بوجوبهما لو تذكر نسيانه بعد الركوع، يكشف عن

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 15 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 5 و 3 من الباب 7 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 279

عدم وجوبهما لو تذكر قبل الركوع، و تدلّان أيضا على عدم وجوب سجدتى السهو في القيام في موضع القعود، لانه مع فرض قيامه و عدم جلوسه للتشهد لو تذكر قبل الركوع نسيان التشهد، لم يجب سجدتى السهو (و أيضا تدلّان على عدم وجوبهما لترك تسبيحات الأربع، أو القراءة بناء على التخيير في الثالثة و الرابعة بينهما و لا في ترك أبعاضها، لأنّه مع اتفاق تذكر نسيان التشهّد بعد التسبيح، أو أثنائها كثيرا ما و مع ذلك لم يتعرض و لم يفصّل

بين التذكر قبل قراءة التسبيح و بعده، بين عدم وجوب سجدتى السهو و وجوبهما، بل قال بقول مطلق لم يجب سجدتى السهو، فمن عدم الفصل، نكشف عدم وجوبهما لترك التسبيح، بل لترك القراءة أيضا).

و مثل روايتين اللّتين فى التشهد أيضا و هما تدلّان على عدم وجوب سجدتى السهو لو تذكر نسيان التشهّد قبل الركوع، كما بينا في الروايتين السابقتين (و كذلك تدلّان على عدم وجوبهما في القيام موضع القعود، و في ترك التسبيح، أو القراءة على ما بينا في الروايتين السابقتين). «1»

و مثل الرواية المذكورة فى هذا الباب، بناء على حملها على كون تذكر نسيان التشهد قبل الركوع، فدلالتها على هذا الحمل تكون على عدم وجوب سجدتى السهو في هذه الصورة، أوضح من غيرها من الروايات، للتصريح فيها بعدم سجدتى السهو في نسيان التشهد. «2»

و مثل رواية محمّد بن على بن أبى حمزه الدالة على عدم وجوب سجدتى السهو لو تذكر نسيان التشهّد قبل ركوع الركعة الثالثة، و أنّه لو تذكر نسيانه

______________________________

(1)- الرواية 1 و 3 من الباب 9 من ابواب التشهّد من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 9 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 280

بعد الركوع قضاها، و يسجد سجدتى السهو. «1»

فهذا كله الروايات الدالة على عدم وجوب سجدتى السهو في صورت وقوع الزيادة من حيث القيام في موضع القعود، و كذلك من جهة التسبيح، أو القراءة الزائدة أحيانا.

إذا عرفت ذلك ترى أن هذه الطائفة من الروايات تعارض مع رواية سفيان بن السمط الدالة على وجوب سجدتى السهو في كل زيادة و نقيصة، ففي مقام رفع التعارض و الجمع بين الطائفتين هل نقول بتقييد رواية سفيان، أو تخصيصها بهذه الطائفة

من الروايات، فتكون النتيجة استحباب سجدتى السهو لكل زيادة أو نقيصة و يبعد الثانى لأنّ تخصيص رواية سفيان بما يقابلها من الأخبار يكون تخصيصا مستهجنا لا يساعد معه العرف، ففي هذا المورد تكون سجدتا السهو مستحبين و إن كان الاحتياط بإتيانهما فيه حسن لأهمية أمر الصّلاة و مطلوبية رعاية الجهات الراجعة إليها.

[القسم الثانى: ما ورد في وجوب سجدتى السهو في السهو المقارن للشك]

اشارة

و أمّا القسم الثانى أعنى: ما ورد في وجوب سجدتى السهو في السهو المقارن للشك، فهذه الروايات إمّا وردت في ما شك، و يكون مساوى الطرفين أي:

المصطلح، و إمّا يكون في ما يكون الظن بأحد طرفيه، و هى موارد:

المورد الأوّل:

اشارة

في الشّك بين الأربع و الخمس و يدلّ عليه روايات:

[الرواية] الاولى:

ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت لا تدرى أربعا صلّيت أم خمسا فاسجد سجدتى السهو بعد تسليمك، ثمّ

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 281

سلّم بعد هما). «1»

[الرواية] الثانية:

ما رواها ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا لم تدر خمسا أم أربعا فاسجد السجدتى السهو بعد تسليمك و أنت جالس، ثمّ سلّم بعد هما). «2»

[الرواية] الثالثة:

ما رواها عبيد اللّه بن على الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت، فتشهد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة فتشهد فيهما تشهدا خفيفا). «3»

و في هذه الرواية كلام من حيث قوله فيها (أم نقصت أم زدت) يأتي إن شاء اللّه.

و الحكم بوجوب سجدتى السهو فى الشّك بين الأربع و الخمس يكون مشهورا عند الاصحاب

المورد الثاني:

وجوب سجدتى السهو في ما ظن بالتمام سواء كان في بين الثلاث و الأربع، أو في غيره.

و يدلّ عليه ما رواها اسحاق بن عمار (قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا ذهب وهمك إلى التمام ابدا في كل صلاة: فاسجد سجدتين بغير ركوع، أ فهمت؟

قلت: نعم). «4»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 282

المورد الثالث:

ما إذا شك بين الثلاث و الأربع و ذهب وهمه إلى الأربع، و الدال عليه من الروايات، الرواية الّتي رواها حماد عن الحلبى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: إذا كنت لا تدرى ثلاثا صليت أم أربعا، و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلم، ثمّ صل ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بام الكتاب، و إن ذهب وهمك إلى الثلاث، فقم فصل الركعة، و لا تسجد سجدتى السهو، فان ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد و سلم، ثمّ اسجد سجدتى السهو). «1»

المورد الرابع:

وجوبهما لما إذا شك و ذهب وهمه إلى الثالثة، و الدال عليه الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم (أنّه روى: إن ذهب وهمك إلى الثالثة، فصل ركعة، و اسجد سجدتى السهو بغير قراءة الخ). «2»

و في هذه الموارد الثلاثة الأخيرة روايات ثلاثة دالة على وجوب سجدتى السهو في صورة الشّك إذا ذهب الوهم إلى التمام، أو إلى الرابعة، أو إلى الثالثة، و لكن هذه الروايات غير معمول بها، فلا تجب سجدتا السهو في هذه الموارد.

المورد الخامس:

في الشّك بين الاثنتين و الأربع، و الخبر الدال عليه الرواية التي رواها أبو بصير عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين، فقم و اركع ركعتين، ثمّ سلّم، و اسجد سجدتين و أنت جالس، ثمّ سلم بعد هما). «3»

و الرواية الّتي رواها بكير بن أعين عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: رجل شك، فلم يدر أربعا صلّى أم اثنتين و هو قاعد؟ قال: يركع ركعتين و أربع سجدات، و

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 10 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 283

يسلّم، ثمّ يسجد سجدتين و هو جالس). «1»

و الروايتان غير معمول بهما، فلا تجب سجدتى السهو فى الموردين.

المورد السادس:

في الشّك بين الاثنتين و الثلث و الأربع، و الخبر الدال عليه الرواية الّتي رواها سهل بن اليسع عن الرضا عليه السّلام (فى ذلك (أي في هذا الشّك على نقل الصدوق) أنّه قال: يبنى على يقينه، و يسجد سجدتى السهو بعد التسليم، و تشهدا خفيفا). «2»

و هذه الرواية غير معمول بها أيضا لإعراض الأصحاب عنه إلّا ما نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه من عمل ابن بابويه عليها، فافهم.

المورد السابع:

في الشّك بين الاولى و الاثنتين و الثالثة، و الخبر الدال على ذلك الرواية الّتي رواها عنبسة (قال: سألته عن الرجل لا يدرى ركعتين ركع أم واحدة أو ثلاثا قال: يبنى صلاته على ركعة واحدة يقرأ بفاتحة الكتاب، و يسجد سجدتى السهو). «3»

و هذه الرواية غير معمول بها، فلا يمكن التعويل عليها.

المورد الثامن:

في ما لم يدر كم صلّى، و الدال عليه الرواية الّتي رواها على بن يقطين (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل لا يدرى كم صلّى واحدة أم اثنتين أو ثلاثا؟ قال: يبنى على الجزم، و يسجد سجدتى السهو، و يتشهّد تشهدا خفيفا). «4»

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 24 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 15 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 284

و الرواية غير معمول بها أيضا.

المورد التاسع:

اشارة

وجوب سجدتى السهو لما إذا لم يدر أزاد أم نقص، و ما على هذا روايات قد أفتى على ذلك ابن بابويه، و نحن نذكر ما يدلّ على ذلك حتّى يظهر لك ما هو الحق في المقام، فنقول بعونه تعالى:

الرواية الاولى:
اشارة

ما رواها عبيد اللّه بن على الحلبى عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال:

إذا لم تدر اربعا صليت أم خمسا، أم نقصت أم زدت، فتشهد و سلم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة فتشهّد فيها تشهدا خفيفا). «1»

اعلم أن في هذه الفقرة من الرواية أعنى: قوله عليه السّلام (أم انقصت أم زدت) احتمالات:

الاحتمال الأوّل:

أن يكون المراد أنك لا تدرى نقصت من الأربع أم زدت على الخمس أم لا، فإن كان هذا مفاد الرواية، فلازمه صحة الصّلاة في صورة الشك بين الخمس و الست، مع أنّه يعلم بزيادة ركعة، لأنّ الشاك بين الخمس و أزيد يعلم الخمس، و لا يمكن الالتزام بمفادها، كما أنّه في صورة الشّك بين الأربع و أنقص منه، فإن كان طرف النقص هو الثلاث فلا بدّ من العمل بالشّك بين الثلاث و الأربع لا وجوب سجدتى السهو فقط، و إن كان طرف الأربع الثلاث و الاثنتين و الواحدة، فتبطل الصّلاة في بعضها، لا أن تصح و يوجب سجدتى السهو، فعلى هذا الاحتمال لا يمكن العمل بهذه الفقرة.

الاحتمال الثانى:

أن تكون هذه الفقرة في مقام حكم مستقل غير مربوط

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 285

بالحكم الأوّل، و هو أنّه إذا لا تدرى أربعا صليت أم خمسا فهو حكم، و الثانى إذا لا تدرى نقصت من صلاتك ركعة أم لا؟ و الثالث إذا لا تدرى زدت في صلاتك ركعة أم لا، فتجب عليك في كلها سجدتى السهو، و هذا خلاف الظاهر.

الاحتمال الثالث:

أن يكون النظر في هذه الفقرة إلى العلم الإجمالى، فيكون المراد أنّه إذا تعلم بوقوع الصّلاة على غير وصفها من حيث الركعات، و لكن لا تدرى نقصت منها ركعة، أو زدت عليها ركعة، فيكون المفروض صورة العلم الإجمالي بوقوع الزيادة، أو النقيصة من حيث الركعة في الصّلاة، فمع العلم الإجمالي بأحدهما لا وجه لصحة الصّلاة و وجوب سجدتى السهو، فإن كان هذا هو المراد من هذه الفقرة، فلا يمكن العمل بها.

الاحتمال الرابع:

أن يكون المراد من هذه الفقرة مطلق الشّك في نقص الصّلاة و عدمه، أو الشّك في الزيادة و عدمها، لا خصوص الشّك في نقص الركعة و عدمها، أو الشّك في زيادة الركعة و عدمها، و بعبارة اخرى يكون مفادها مثل مفاد رواية سفيان بن السمط الدالة على وجوب سجدتى السهو لكل زيادة و نقيصة فيكون المراد من الرواية أنك إذا لا تدرى أربعا صليت أم خمسا، أو نقصت في صلاتك، أو زدت، فعليك سجدتى السهو، فتدل على هذا على وجوبهما في مطلق النقص او الزيادة (هذا بناء على حملها على صورة العلم بمطلق النقص، أو العلم بالزيادة، و أما بناء على حملها على الشّك في النقيصة و عدمها، أو الزيادة و عدمها، أو على صورة العلم الإجمالي باحدهما، فقيل أيضا بدلالتها على وجوبهما في مورد العلم بخصوص نقص في الصّلاة، او الزيادة فيها بالاولوية القطعيّة).

و اعلم أن هذا الاحتمال و إن كان يأتي في الرواية و لكن يكون خلاف

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 286

ظاهرها، لأنّ الظاهر كون المراد من قول (أم نقصت أم زدت) باعتبار الفقرة السابقة، كون الشّك أو العلم في نقص الركعة، و زيادة خصوص الركعة، فعلى أى حال تكون الرواية

مجملة باعتبار طروّ هذه الاحتمالات فيها، و عدم ظهور عرفى يمكن الاتكال عليه في أحدها و إن كان بعض الاحتمالات أرجح من بعض اخر، فافهم.

الرواية الثانية:

ما رواها زرارة (قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: قال رسول اللّه عليه السّلام إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس، سماها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم المرغمتين). «1»

و يحتل فيها ما احتمل في الرواية الاولى، و لا يبعد كون الشّك في زيادة الركعة، أو نقصها، لا مطلق الزيادة، لأنّ الزيادة لا بدّ و أن يكون من جنس المزيد عليه، فالمناسب كون النقيصة أو الزيادة بالركعة.

الرواية الثالثة:

ما رواها الفضيل بن يسار أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السهو؟

(فقال: من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو، و إنما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها). «2»

الرواية الرابعة:

ما رواها سماعة (قال: قال: من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو، إنما السهو على من لم يدر أزاد أم نقص منها). «3»

و يحتمل في الروايتين الاحتمالات المتقدمة فى الرواية الاولى، و لكن لا ظهور

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 8 من الباب 23 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 287

معتد به في أحدها، فتصير هذه الروايات الأربعة مجملة من حيث الدلالة، فلا يمكن التعويل عليها.

و قد عرفت ممّا بينا وجوب سجدتى السهو في مواضع خمسة:

الأوّل: للسجدة الواحدة المنسيّة.

الثانى: للتشهد الأوّل المنسىّ.

الثالث: الكلام ناسيا

الرابع: للسلام الزائد ناسيا

الخامس: في الشّك بين الأربع و الخمس.

و أمّا في القيام موضع العقود و لكل زيادة و نقيصة، فلا تجبان و إن كان الاحتياط فيهما لا ينبغى تركه، فافهم.

[الكلام في كيفية سجدتي السهو و الامور المربوطة بما نحن فيه]

اشارة

و أمّا الكلام في الجهة الثانية أعنى: في كيفية سجدتى السهو فيقع فى طى أمور.

الأمر الأوّل:

لا خلاف بين الخاصّة و العامة في كون السجدتين فيها و ينادى به الأخبار أيضا.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 8، ص: 287

الأمر الثاني: هل يجب فيها تكبيرة الإحرام

كالصّلاة أم لا؟ قال العامة:

باعتبارها فيها، و لكن الحق عدم اعتبارها، لأنّ رواياتنا خالية عن اعتبارها فيها، و إن شككنا في اشتراطها فيها فالمرجع البراءة

الأمر الثالث: هل يجب فيهما التشهّد و التسليم أم لا؟

اعلم أن أقوال العامة مختلفة في هذا الأمر كما قلنا في صدر المبحث، فبعضهم قال بعدم اعتبارهما فيهما، و بعضهم بأن لهما التشهّد لا السلام، و بعضهم بالعكس، و بعضهم بأن له الخيار إن شاء تشهد و سلم، و إن شاء لا يأتى بهما، و بعضهم بأنّه إن

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 288

سجد قبل السّلام لم يتشهد، و إن تشهد بعده يتشهد.

و أمّا عندنا فالمشهور وجوبهما فيهما، و يدلّ على اعتبار التشهّد الرواية الّتي رواها الحلبى (و فيها قال أبو عبد اللّه عليه السّلام فتشهد فيهما تشهدا خفيفا). «1»

و يدلّ على وجوب السّلام فيهما الرواية الّتي رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت لا تدرى أربعا صليت أم خمسا، فاسجد سجدتى السهو بعد تسليمك، ثمّ سلم بعدهما). «2»

و أمّا ما في خبر عمار المفصلة الّتي قدمنا ذكرها و فيه قال: (و ليس عليه أن يسبح فيهما و لا فيهما تشهد بعد السجدتين) فلا يعبأ به، لكونه موافقة مع التقية.

الأمر الرابع: هل يكون محلهما قبل السّلام أو بعد السلام.

اعلم أن المشهور عندنا كون محلهما بعد تسليم الصّلاة، و يدلّ على ذلك رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة «3»، و رواية عبد سنان المتقدمة «4».

و أمّا ما ورد في طرقنا من الأخبار الدالة على كون محلهما قبل التسليم «5» أو الدالة على كون محلهما قبل التسليم إذا وجبتا لنقص فى الصّلاة، و بعد التسليم إذا وجبتا لزيادة في الصّلاة «6» فلا بدّ من طرحها لكونها موافقة مع العامة، لأنّ فيهم من يقول: بكون محلهما قبل السلام، و فيهم من يقول: بأنّه إن نقصت فقبل التسليم، و إن

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 20 من ابواب الخلل من

الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 14 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 2 و 3 من الباب 5 من ابواب الخلل من الوسائل.

(5)- الرواية 5 من الباب 5 من ابواب الخلل من الوسائل.

(6)- الرواية 4 و 6 من الباب 5 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 289

زدت فبعده.

الأمر الخامس: هل يجب فيهما ذكر أم لا؟

اعلم أنّه لا يرى في كلمات العامة تعرضا له أصلا، و أمّا عندنا فالمسألة ذات أقوال فبعضنا قال: بعدم وجوبه، و بعضنا قال: بوجوب الذكر، و هم بين من يقول:

بذكر خاص، و من يقول بعدم اعتبار ذكر خاص.

و أمّا رواياتنا في هذه الجهة، فليس فيها ما يكون مربوطا بهذا الأمر إلّا رواية واحدة، و هى ما رواها الصّدوق في الفقيه باسناده عن الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: تقول في سجدتى السهو (بسم اللّه و باللّه و صلّى اللّه على محمد و آل محمد) اللهم صل على محمد و آل محمد خ ل) قال: و سمعت مرة اخرى يقول (بسم اللّه و باللّه السّلام عليك أيها النبي و رحمه اللّه و بركاته). «1»

و اعلم أنّه ليس في نقل التهذيب و الكافي، ما في الفقيه (اللهم صل على محمد و آل محمد بنحو خ ل) و أيضا يكون في نسخة و سمعته مرة تقول و في نسخة و سمعته مرة يقول، و أيضا يكون على نسخة (و السلام عليك) و في نسخة (السلام عليك) بدون لفظة واو.

و على كل حال هل نقول في المقام بأنّه يعتبر الذكر فيهما، و في مقام الذكر يلزم اختيار أحد الذكرين المذكورين في الرواية إمّا (بسم اللّه

و باللّه و صلّى اللّه على محمد و آل محمد) أو (اللهم صل على محمد و آل محمد) على اختلاف في النسخ و إمّا (بسم اللّه و باللّه السّلام عليك ايها النبي و رحمة اللّه و بركاته) على اختلاف الفاظ هذا الذكر باعتبار اختلاف النسخ، و بعبارة اخرى يكون المكلف مخيرا بين

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 20 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 290

أحد الذكرين، و لا يجوز غيرهما، أو ليس كذلك بل يكون مخيرا في اختيار أى عبارة مشتملة على معنى الذكرين، فيكفى كلما يفيد معنى (بسم اللّه و باللّه و الصّلاة على محمد و آل محمد) أو (السلام عليه و عليهم).

لا يعبد عدم خصوصية في هذه الالفاظ، و الشاهد عليه اختلاف الفقرتين، و الفرض كفاية كل منهما، و لكن الأحوط الاقتصار على خصوص أحد الذكرين المذكورين في هذه الرواية.

الأمر السادس: هل تكون سجدتى السهو شرطين في صحة الصّلاة

بحيث لو تركهما تفسد الصّلاة، أو ليس كذلك، بل هما واجبتان مستقلتان شرّعتا في موارد خاصّه.

الحق هو الثانى، لأنّ ظاهر الادلة كونهما واجبتان مستقلتان و ان كانتا مسببتان عن بعض الامور الواقعة في الصّلاة، و الشاهد على ذلك ما في رواية عمار المفصلة المذكورة سابقا الدالة على أنّه لو نسيهما يأتي بهما متى تذكر بدون تعرض لبطلان الصّلاة في هذه الصورة، مضافا إلى أنا لو شككنا فى شرطيتهما أو جزئيتهما للصّلاة و عدمها، فيكون المرجع البراءة، فالحق هذا و إن كان ذهب إليه بعض أصحابنا و نقل في الخلاف الاجماع على الأوّل و أنّه مقتضى الاحتياط، و لكن اجماعات الشيخ رحمة اللّه في الخلاف، و ما يقول فيه يكون بحسب وضع كتابه في محيط العامة و جميع المسلمين، فلا يكون

إجماعه مثل نقل اجماعه في غير الخلاف، مضافا إلى أنه رحمة اللّه لم يقل بذلك في ساير كتبه.

الامر السابع: [هل يعتبر في سجدتي السهو قصد موجبها او لا؟]
اشارة

هل يعتبر في سجدتى السهو (مضافا إلى قصد العبودية فيهما) قصد السبب الموجب لهما أم لا؟ مثلا إذا تكلم نسيانا و وجب عليه سجدة السهو، هل يجب أن يقصد حين إتيانهما بأنّه (أسجد سجدتى السهو لأجل الكلام الصادر

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 291

سهوا) أو لا يجب قصد ذلك.

قد يقال: باعتبار ذلك، لظهور ادلة موجباتهما في ذلك، مثلا قوله (تجب سجدتى السهو لكل زيادة و نقيصة) ظاهر في كون سجدتى السهو لهما، و لا يصدق كونهما لهما إلا بأن يقصد هما،

و لكن هذا كلام غير تمام، لأنّه لا يستفاد من أدلتهما إلا كون وجوبهما لتلك الموجبات، لا لزوم قصد ما يوجبهما، فعلى هذا لو شككنا في اعتبار هذا القصد، فيكون المرجع البراءة، لكون الشّك في دخل شي ء و عدمه في المامور به، و الاصل في هذا المقام عدم اعتباره لاصالة البراءة.

ثمّ إنّه لو قلنا باعتبار هذا القصد في سجدتى السهو، فلا بد من أن يقصد كل سبب يوجبهما حين إتيانهما، أمّا إذا قلنا بعدم اعتبار ذلك فلا يجب ذلك، فلو حصل له أكثر من موجب واحد مثلا تكلم، و نقص التشهّد الأوّل و ترك سجدة واحدة نسيانا، فيجب على الأوّل أن يقصد حين إتيان كل من سجدتى السهو القصد باحدها، فياتى سجدتي السهو ثلاث مرات، مرة بقصد الكلام نسيانا، و مرة بقصد التشهد المنسى، و مرة بقصد السجود المنسيّ، و أمّا على الثانى فلا يجب الا إتيان سجدتى السهو مرات ثلاثة بدون أن يقصد حين إتيان كل منها أحد الموجبات، فلو أتى بها ثلاث مرات امتثل الامر

المتعلّق بها و إن لم يقصد أحد الموجبات بعينه.

ثمّ إنّه لو قلنا باعتبار قصد الموجب لسجدة السهو في امتثال الأمر المتعلّق بها، فلا يكون ما نحن فيه لو تعدد الموجب من صغريات باب تداخل الاسباب و المسببات، لأنّه على هذا و إن كان السبب متعددا يكون المسبب متعددا لأنّ كلا من الموجبات على هذا يوجب سجدتى السهو غير ما يوجبها الاخر، فلو تكلم يوجب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 292

سجدتى السهو المقيد باتيانهما بقصد التكلم، و لو نقص سجدة يجب عليه سجدة السهو المقيد بكون امتثاله بقصد سجدة المنسية، فكل سبب موجب لمسبب خاص، فلا يجرى في المسألة النزاع المعروف بتداخل الاسباب و المسببات.

و أمّا لو قلنا بعدم اعتبار قصد الموجب في امتثال سجدتي السهو، فنقول بعونه تعالى: إن المسألة ذات أقوال ثلاثة: قول بالتداخل، و قول بعدمه، و قول بالتفصيل بين ما اذا تحقق سبب واحد مكررا فالتداخل، و بين ما إذا وجد أسباب مختلفة، فمقتضى القاعدة عدم التداخل، قال المحقق الخونساري رحمه اللّه بأن الأصل التداخل.

اعلم أن منشأ القول بالتداخل هو أنّه بعد كون متعلق الطلب صرف وجود الطبيعة فهو غير قابل للتكرر، فلو طلب المولى الطبيعة عند حصول أسباب مختلفة، فلا يدعو هذا الطلب الا الطبيعة، و هى تحصل بمجرد وجودها و صرف تحققها في الخارج، فيسقط الأمر المتعلّق بها عند وجود كل سبب قهرا، مثلا إذا قال المولى (إذا نمت فتوضأ و إذا بلت فتوضأ) فلا يدعو الأمر المتعلّق بالوضوء عند وجود النوم إلا صرف طبيعة الوضوء و كذلك الأمر المتعلّق بالوضوء عند وجود البول، فعلى هذا لو وجد كل منهما يكفى وضوء واحد لحصول الطبيعة به، بل لا يمكن بقاء

الأمر بعده، لتحقّق الامتثال بوضوء واحد، فلو توضأ بعد ذلك فلا يكون امتثالا.

و أمّا منشأ القول بعدم التداخل فهو أن يقال: إن علل الشرعية سواء كانت عللا اصطلاحيا أو معرفات، تقتضى كل واحد منها حدوث المعلول المرتبط به عند حدوث كل علّة و سبب، ففي المثال إذا قال المولى (إذا نمت فتوضأ) يكون ظاهره حدوث وضوء عند حدوث النوم، و كذا قوله (إذا بلت فتوضأ) يكون ظاهره حدوث وضوء عند حدوث البلل، و لازم ذلك أنّه لو حدث سبب واحد، يجب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 293

وضوء واحد و إذا حدث كل من السببين فيجب وضوءان: وضوء للنوم و وضوء للبول، فهل نقول بالأول أو بالثانى؟

اعلم مقدمة أنّه إذا ورد من قبل المولى أمر مطلق بشي ء ثمّ أمر مطلق بهذا الشي ء مثلا قال المولى (أكرم زيدا) ثمّ قال بعد ذلك (أكرم زيدا) قبل امتثال الأوّل، فلا اشكال عندهم في كون الأمر الثانى تاكيدا للامر الأوّل، لا باعثا إلى اكرام مجدد غير ما صار الأمر الأوّل باعثا له، كما لا إشكال في أنّه إذا أمر المولى بشي ء على عنوان مثلا قال (أكرم عالما) ثمّ أمر بعنوان اخر قبل امتثال الأوّل مثلا قال (أكرم عالما هاشميا) فأيضا يكفى في امتثال كل منهما مجرد ايجاد الطبيعة في مورد يجمع العنوان، فإذا أكرم عالما هاشميا تحقق الامتثال و ليس كل ذلك إلا من باب أن الأمرين لا يدعوان إلا إلى إيجاد طبيعة الاكرام و صرف وجودها باكرام واحد و ايجاد طبيعة الاكرام.

[الحق التداخل اذا تعدد اسباب سجدتي السهو]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ الحق التداخل، لأنّه بعد كون مفروض الكلام ما إذا يكون تمام الموضوع لتعلق الحكم عند حدوث كل سبب من السببين، أو الأكثر

بالطبيعة هو نفسها، بدون دخل قيد اخر، فاذا كان متعلق الحكم هو الطبيعة و على الفرض لا يدعو الأمر و الطلب إلا بايجادها فاذا وجد احد من السببين فلا يقتضي وجوده إلّا وجوب ايجاد الطبيعة، و كذلك لو وجد السببين أو أكثر، فلا يقتضيان أيضا الا مجرد ايجاد الطبيعة و معنى (الصرف) في الكلمات أى: صرف وجود الطبيعة ليس إلا هذا أعنى: مجرد الطبيعة، و يكون تحقق الامتثال بمجرد ايجاد صرف الطبيعة، لأجل ما قلنا من أن تمام الموضوع في تعلق الأمر ليس إلا هى بنفسها بدون تقييد بأمر اخر.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 294

و على هذا لا بدّ و أن يقال: بأنّه إذا حدث سبب واحد، فهو يصير علّة لحدوث مسببه و هو صرف الطبيعة، و إذا حدث بعده سبب اخر قبل امتثال الأمر الأوّل فحيث إنّه لا يقتضي إلا صرف الطبيعة، فقهرا يكون السبب الأوّل مؤثرا في حدوث المسبب أعنى: صرف الطبيعة، و الثانى له التأثير في بقاء ما حدث بالسبب الاول، لا لحدوث مسبب اخر، لعدم كون المسبب إلا ما صار السبب الأوّل سببا له، فلا يمكن حدوث مسبب اخر بسبب الثانى، لأنّ كلا من السببين لا يطلبان إلا الطبيعة فبمجرد حدوث صرف وجودها يسقط الأمر المتعلّق بها عند السببين.

[في الاشكال و دفعه]

إن قلت: إنّه بعد ظهور الأمر في حدوث المامور به عند كل سبب، فلا بد من التصرف في المتعلق، و عدم كون المطلوب منه صرف الوجود و إن أبيت عن كون اللازم التصرف في المتعلق، لظهور الأمر في إحداثه عند حدوث كل سبب، فلا أقل من الدوران بين حفظ ظهور كل سبب في حدوث المسبب، و بين ظهور المسبب في كونه مجرد

الطبيعة و صرف وجودها، فلا وجه لتقديم ظهور المسبب في كون مجرد طبيعتها تمام الموضوع في متعلقيته للطلب، و التصرف في السبب بأنّه مع التعدد يكون الأوّل سببا للحدوث، و ما يوجد بعده من الأسباب سببا لبقاء ما أحدثه السبب الأوّل من طلب ايجاد الطبيعة عنده.

قلت: المنشأ الّذي نلتزم لأجله بالتداخل هو أنّه لا يمكن التصرف في المسبّب الّذي ظاهره كون صرف وجوده مسببا و معروضا للحكم لعدم إمكان رفع اليد عن إطلاق المسبب في كون نفس الطبيعة معروض الحكم بدون تقييدها بشي ء، لأنّ تقييد المسبب في المقام في صورة تقدم سبب اخر غير معقول، مثلا إذا قال: إذا بلت فتوضأ، ثمّ قال: إذا نمت فتوضأ، فالظاهر منهما كون المطلوب صرف وجود

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 295

طبيعة الوضوء و الصرف غير مقتض، بل غير قابل للتكرر، و لا يقبل التقييد لان تقييد كل منهما بغير ما تعلق به الاخر ليس له معنى معقول صحيح، مثلا يكون المسبب في قوله: إذا نمت فتوضأ هو الوضوء المقيد بكونه غير الوضوء الّذي أوجبه المولى في قوله: إذا بلت فتوضأ، و كذلك المسبب في قوله: إذا بلت فتوضأ هو الوضوء المقيد بكونه غير الوضوء الّذي مطلوب في قوله: إذا نمت فتوضأ، و هذا معنى لا نتعقله و أنّه كيف يكون كل منهما مقيد بغير ما تعلق به الاخر، و بعد عدم إمكان تقييد المسبب كما عرفت في كل من السببين، فلا بدّ من التصرف في السبب و أنّه لا يوجب كل منهما حدوث المسبب إذا اجتمعا، نعم إذا حدث سبب واحد يقتضي حدوث المسبب، فمن هذه الجهة نقول: إن الحق هو التداخل.

و ما قيل: من أن متعلق الطلب

ليس صرف الوجود، بل يكون مطلق الوجود فنقول بعدم التداخل، لأنّ المطلق يكون في ضمن كل فرد فلو حدث سببان فكلّ منهما يقتضي وجود فرد من الطبيعة، و ليس متعلّق الوجوب صرف الطبيعة حتّى يقال بعدم قابلية الصرف للتكرر، بل المطلق يكون متعلق الوجوب، و هو قابل للتكرر.

ليس في محله كما أشرنا سابقا، لأنّه مع فرض كون تمام الموضوع لمعروضية الحكم نفس الطبيعة بدون قيد و شرط، فلا يكون الأمر داعيا و باعثا إلى غيرها، بل يبعث نحوها و الطبيعة توجد بصرف وجودها، فبمجرد وجودها يسقط الأمر، و لا يبقى مجال لامتثال الأمر بايجاد فرد اخر منها، فنجد كل من الأمرين المتعلّق بطبيعة الوضوء مثلا عند تحقق سببين متعلقين بصرف وجود الطبيعة، فبمجرد وجود الصرف يسقط الأمرين، و حصل الامتثال، فتحقق ممّا ذكر أن الحق في ما إذا تعدد الشرط و اتّحد الجزاء هو التداخل، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 296

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّه في ما نحن فيه أعنى: في صورة تعدد موجب السهو، لا يبعد كون المطلوب تعدد سجدتى السهو، لأنّ ظاهر بعض أدلتهما ربما يكون ذلك، مثلا قوله (تسجد لكل زيادة تدخل عليك) لا يبعد دلالتها على كون نشو السجدة من هذا السبب، أو هو يتحقّق بقصد الموجب حين إتيانهما، و إن أبيت عن ذلك فالاحوط وجوب سجدتى السهو لكل سبب يوجبهما، فعلى هذا و لو قلنا بالتداخل على القاعدة، نحتاط هنا لأجل ما قلنا من أن المترائى من بعض أدلتها كون المعتبر فيهما قصد السبب، و بعد اعتبار القصد يخرج عن موضوع مسئلة التداخل، لأنّ معنى اعتبار القصد كون المطلوب في كل سبب فرد خاص من الطبيعة، لا صرف وجود

الطبيعة، فافهم.

الأمر الثامن: لو تكلم سهوا في الصّلاة

فقد تقدم وجوب سجدتى السهو عليه، فلو تكلم بكلام طويل مثلا جملة أو كلمتين، فهل يجب سجدتى السهو الواحدة لتمام هذا الكلام، أو يجب سجدتى السهو لكل كلمة، بل لكل حرف من الكلمة، و هكذا لو قلنا بوجوبهما لكل زيادة و نقيصة فيجب سجدتى السهو الواحدة للزيادة، أو للنقيصة و إن طال، أو لا تجب الا سجدة واحدة.

لا يبعد كون المرجع في ذلك العرف، لأنّه بعد عدم تعيين من قبل الشارع مع عموم الابتلاء به فلا بد أن يكتفي الشارع بما يحكم به العرف، و لا يبعد كون العرف حاكما بوجوب سجدتى السهو الواحدة لكلام واحد و إن طال، لأنه يعده كلاما واحدا، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 297

الكلام في الشّك في النافلة

اشارة

اعلم أن المشهور بين أصحابنا تخيير الشاك في النافلة بين الأقل و الأكثر، و في الامالى إنّه من دين الامامية ألا سهو في النافلة، كما أنّ المشهور كون الأفضل البناء على الأقل.

[في ذكر الاخبار فى الباب]
اشارة

و ما يمكن أن يقال دليلا له روايات:

الرواية الاولى:

ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام (قال: سألته عن السهو في النافلة؟ فقال: ليس عليك شي ء). «1»

اعلم أنّه كما قلنا سابقا يكون المراد من السهو، هو ذهول الواقع سواء كان مقارنا للجهل المركب أعنى: السهو المصطلح، أو مقارنا للجهل البسيط و الشك، فلا يبعد شمول قول السائل و المعصوم عليه السّلام في هذه الرواية لكلا القسمين من السهو، و أنّه في النافلة إذا عرض السهو مطلقا- لعدم ذكر من خصوص السهو المقارن للجهل المركب او الجهل البسيط- ما الحكم، و ما الوظيفة؟ فقال عليه السّلام (ليس عليك شي ء)

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 18 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 298

فيكون المراد أن السهو لا يوجب شيئا في النافلة (أعنى: لا يوجب ما يوجب السهو من الإتيان، أو سجدتى السهو، أو البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل بعد الصّلاة، و بعبارة اخرى لا يكون من الشارع تكليف و وضع عليه من إتيان الجزء أو الركعة موصولة أو مفصولة، أو قضاء جزء، أو سجدتى سهو، و إعادة صلاة في النافلة في صورة السهو).

[الرواية] الثانية:

ما رواها الكلينى (قال: و روى أنّه إذا سها في النافلة بنى على الأقل). «1»

و يستفاد من هذه الرواية أنّه يبنى على الأقل و بعد دلالة الرواية السابقة و بعض روايات أخر على عدم شي ء عليه، أو على أنّه يبنى على الأكثر، يكون النتيجة هو التخيير بين الأقل و الأكثر، لأنّ مفاد الرواية الاولى هو عدم شي ء عليه فلو كان اللازم عليه البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل مفصولة، أو البناء على الأقل و إتيان النقص المحتمل موصولة، لا يناسب أن يقول (لا شي ء عليه) فمفاد

الاولى هو البناء على الأكثر بدون شي ء عليه، فيجمع بينهما و بين الثانية بالتخيير بين الأقل و الأكثر.

[الرواية] الثالثة:
اشارة

ما رواها ابراهيم بن هاشم (في نوادره إنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إمام يصلى، إلى أن قال: ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الفجر سهو، و لا في الركعتين الاولتين من كل صلاة سهو، و لا

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 18 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 299

سهو في نافلة الخ). «1»

[في ذكر اشكال و دفعه]

و إن استشكل في دلالة الرواية على عدم كون الرواية دالة على عدم ترتب شي ء على السهو في النافلة من الإتيان و غير ذلك، لأنّه بعد ما نرى من أن نفى السهو في هذه الرواية عن بعض المذكورات مثل (و ليس في المغرب سهو، و لا فى الفجر سهو و لا في الركعتين الأولتين من كل صلاة سهوه) ليس معناه عدم الاعتناء بالسهو، بل معناه البطلان، فيحتمل أن يكون قوله (و لا سهو في نافلة) معناه فساد النافلة بالسهو فيها.

نقول: إنّه لا وجه لهذا الإشكال، لأنّ المراد من نفى السهو، هو نفى الحكم الثابت للسهو من صحة الصّلاة، و البناء على الأكثر و جبر النقص مفصولة، و لو لا الدليل من الخارج من عدم السهو فى المغرب و الفجر و الاولتين، و أنّه تبطل بالشك فيها لم نقل بهذه الرواية ببطلانها بالشّك فيها، فعلى هذا يكون المراد من نفى السهو في النافلة، هو نفى الحكم الثابت للسهو في الفريضة، و مقتضى الامتنان من نفى السهو فيها من الشارع هو هذا، لأنّه في الفريضة إذا شك المصلّى

في الأولتين تفسد، و إذا شك في الأخيرتين يبنى على الأكثر و يجبر النقص المحتمل مفصولة، فنفى السهو في النافلة هو البناء على الأكثر و عدم شي ء عليه، لا موصولة و لا مفصولة، و لا وجوب سجدتى السهو فمفاد هذه الرواية على هذا هو البناء على الأكثر بدون وجوب شي ء عليه مفصولة، غاية الأمر نقول بالتخيير بين الأقل و الأكثر بمقتضى الجمع بينها و بين الرواية الثانية.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 25 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 300

[الرواية] الرابعة:

ما رواها الحسن الصيقل عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، و هذه الرواية تدلّ على عدم وجوب سجدتى السهو في نسيان التشهّد في النافلة. «1»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 8 من ابواب التشهّد من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 301

ختام فيه مسائل متفرقة (فروع العلم الاجمالي)

[في البحث فى الفروع الّذي تعرض له السيد اليزدي ره]

اشارة

اعلم أن السيّد رحمه اللّه في العروة الوثقى «1» ذكر في ذيل هذا العنوان مسائل تبلغ إلى الخمسة و الستين، و قد تعرض بعض من تأخر عنه في صلاته (آية اللّه العظمى الحائرى رحمه اللّه) «2» لبعضها، و نحن نتعرض لبعض مسائلها لا لكلها خوفا من الاطناب.

فنقول بعونه تعالى: قال السيّد رحمه اللّه: الرابعة إذا كان في الركعة الرابعة مثلا، و شك في أن شكه السابق بين الاثنتين و الثلاث كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما، بنى على الثانى، كما أنّه كذلك إذا شك بعد الصّلاة.

اعلم أنّه كما يظهر من العبارة تارة يطرأ للمصلى هذا الشّك بعد الفراغ من الصّلاة، و اخرى في اثناء الصّلاة في الركعة الرابعة منها، فإن كان الشّك بعد الفراغ بمعنى أنّه بعد الفراغ شك في أن شكه السابق بين الاثنتين و الثلاث كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما، بنى على كونه بعد الاكمال، و تصح صلاته، لأنّ الشّك يكون في صحة الصّلاة و عدمها بعد الفراغ فتجرى قاعدة الفراغ، لأنّ مورد القاعدة على

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 646.

(2)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 421.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 302

ما بينا في محله يكون في صحة المركب و عدمه، و في ما نحن فيه يكون كذلك.

و أمّا إن طرأ الشّك فى الركعة الرابعة البنائية لأنّه حسب الفرض بعد ما شك بين الاثنتين و الثلاث، بنى على الثلاث و اشتغل

بالرابعة، ففي أثنائها شك في أن شكه الّذي بين الاثنتين و الأربع هل كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما- فهل نقول: بأنّه يبنى على كون الشّك بعد الإكمال كما قال السيّد رحمه اللّه أو لا؟

ما يمكن أن يكون وجها لما اختاره السيّد رحمه اللّه هو أن يقال بأنّه بعد كون هذا الشك في الركعة الرابعة، فهو قد تجاوز عن المشكوك و دخل في غيره لأنه لا يدرى أن شكه الّذي بين الانثتين و الثلاث هل حصل قبل إكمال السجدتين حتّى تفسد الصّلاة، أو بعد هما، فيكون الشّك فى وجود سجدتين صحيحين أم فاسدتين، فمقتضى قاعدة التجاوز عدم الاعتناء بهذا الشك.

و قال العلّامة الاصفهانى رحمه اللّه فى حاشيته على العروة: إنّه يشكل ذلك و اقتصر على مجرد الإشكال و أنّه يحتاط بالاتمام، و عمل الشك، ثمّ اعادة الصّلاة.

و يمكن أن يكون وجه الإشكال فيها هو احتمال وقوع الشّك في الاولتين، لأنه بعد ما يشكّ في أن شكه هل كان قبل الإكمال أو بعده، و لأجل عدم كون الأولتين محرزا بالوجدان، و للشك في وقوع الشّك فيهما فتفسد الصّلاة.

[في ذكر اشكال فى المورد]

إن قلت: بأنّه بعد فرض كونه في الرابعة و إتيانه بالسجدتين، فهو يشكّ في أنّه هل وقعت سجدتاه متصفتان بوصف الصحة أم لا، فيكون مقتضى قاعدة التجاوز عدم الاعتناء بهذا الشك.

لا يقال: إن قاعدة التجاوز كما بين، يكون موردها ما إذا شك في وجود شي ء و عدمه من الأجزاء و الشرائط، و في المقام يعلم بإتيان الجزء و هو السجدتان، و كذا ساير اجزاء الركعتين الاولتين، و لكن يشكّ في أنّه هل طرأ له الشّك قبل الإكمال

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 303

حتى لا يقبل الأجزاء الصحة، فيكون

الشّك في الصحة لا فى الوجود، فليس مورد قاعدة التجاوز.

لأنّا نقول: مورد أدلة قاعدة التجاوز و إن كان الشّك في الوجود، لكن يمكن القول بشمولها لما إذا شك في صحة الجزء أو الشرط من باب إلغاء الخصوصية في دليلها، بل بالأولوية القطعية إذا كان مشكوك الوجود محكوما بالوجود بمقتضى هذه القاعدة، فالشك في الصحة أولى بذلك.

[في جواب الاشكال لا وجه للتمسك بقاعدة التجاوز]

قلت: إنّه لو تم ما قال من شمول القاعدة لما إذا كان الشّك في صحة الجزء أو الشرط بعد التجاوز عنه، و لكن مع ذلك في ما نحن فيه لا وجه للتمسك بقاعدة التجاوز، و الحكم ببركتها بكون الشّك بعد الإكمال لأنّ عدم وقوع الشّك في الأولتين ليس شرطا في صحة الأجزاء، فليس شرطا في صحة السجدتين حتّى يقال: بأن مقتضى قاعدة التجاوز هو وقوعهما متصفتان بوصف الصحة بل وجود الشّك قبل الاكمال مانع من أن يلحق الأجزاء السابقة المتصفة بالصحة التأهلية باللاحقة، أو عدم الشّك قبل الإكمال شرط، فلا يكون شك في السجدتين حتّى لا يعتنى به لقاعدة التجاوز، فعلى هذا حيث يكون الشّك في كون الشّك واقعا في الأولتين، و ليس ما يدل على عدم الاعتناء به فتفسد الصّلاة، لعدم احراز هما بالوجدان.

[في كلام العلامة الحائري رحمه اللّه]

و يظهر من العلّامة الحائرى رحمه اللّه «1» في صلاته فساد الصّلاة في ما نحن فيه لوجه اخر، و هو أنّه قال: بأن احتمال المضى على الشّك قبل الإكمال و إن كان خلاف الاصل، لكن لا يثبت بهذا الاصل كون الشّك حادثا بعد الإكمال، و يكون مراده أنّه بعد ما شككنا في أن الشّك هل حدث قبل الإكمال أو بعده، فبمقتضى أصالة تاخر

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائرى رحمه اللّه، ص 421، مسأله 2.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 304

الحادث أعنى: استصحاب عدم حدوث الشّك إلى ما بعد إكمال السجدتين و إن كان ينفي حدوث الشّك قبل الإكمال، و لكن هذا الاصل لا يفيد لاثبات كون الشك حادثا بعد إكمال السجدتين إلا على القول بالاصول المثبتة، و إذا لم يثبت كون الشّك حادثا بعد الإكمال، فليس المورد مورد الدليل الدال على

البناء على الأكثر في الشّك بين الاثنتين و الثلاث، لأنّ مورد هذا الدليل إذا حدث الشّك بعد الإكمال فتفسد الصّلاة، و لكن مقتضى الاحتياط العمل بقواعد الشك، ثمّ إعادة الصّلاة، هذا حاصل كلامه. «1»

و هل يستفاد من الأدلة اعتبار كون الشّك حادثا بعد الإكمال في مورديته للبناء على الأكثر أولا يستفاد ذلك، بل غاية ما يكون مفاد الأدلة هو عدم كون السهو في الأولتين و أنهما لا تحتملان السهو، و بالاستصحاب يثبت ذلك، إذ استصحاب عدم حدوث الشّك إلى ما بعد الإكمال يثبت عدم وقوع السهو في الأولتين، و لا يلزم أزيد من ذلك من إحراز حدوث الشّك بعد الإكمال، لعدم دلالة للأدلة الدالة على البناء على الأكثر على ذلك أصلا، فيكفى في كون المورد موردا

______________________________

(1)- أقول: و قد يقال: بأنّه كما أن في المقام يقال بأن استصحاب عدم حدوث الشّك في الأولتين يجرى، و يكون أثره كون الشّك بعد الإكمال، كذلك يجرى استصحاب اخر، و هو استصحاب بقاء الركعة الثانية إلى زمان حدوث الشك، لأنّ للركعة وجودا اعتباريا و واحدة اعتبارية، فيستصحب هذه الركعة إلى زمان حدوث الشك، فيكون أثره وقوع الشّك فى الأولتين، و يقع التعارض بينهما.

لكن الحق كما يكون استصحاب عدم حدوث الشّك إلى ما بعد الإكمال مثبتا كذلك هذا الاستصحاب يكون مثبتا، لأنّ به لا يثبت كون الشّك في الأولتين، فيكون الاستصحابان مثبتين فلا تصل النوبة إلى تعارضهما حتّى يسقطان بالتعارض. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 305

للبناء على الأكثر عدم حدوث الشّك قبل الإكمال، و هذا يثبت بالاستصحاب. «1»

______________________________

(1)- (أقول: قلت بحضرته مد ظله العالى: بأنّه يستفاد من بعض الأدلة الواردة في عدم السهو في الأولتين و أن السهو في

الآخرتين، اعتبار حدوث الشّك في الآخرتين، حتّى يصير الشك موردا للادلة الدالة على البناء على الأكثر، فعلى هذا يتم ما قاله العلّامة الحائرى؛ و لم يقل بعد ذلك شيئا، و لعله صار مرضيا له.

ثمّ اعلم أنّه لو فرض كون المورد مورد إجراء قاعدة التجاوز و أن ببركتها يقال بعدم وقوع الشك في الأولتين، و لكن هذا لا يثبت كون الشّك حادثا بعد الإكمال، كما لم يثبت ذلك بالاستصحاب، إلا أن يقال بكون قاعدة التجاوز من الأمارات، فتأمّل.

ثمّ إن ما أفاده مد ظله العالى من أن هذا الشّك لو عرض بعد الفراغ لا يعتنى به لقاعدة الفراغ، يكون مخالفا مع ما اختاره مدّ ظله العالى في بعض الفروع السابقة من أن السّلام إذا لم يقع بعنوان كونه اخر أجزاء الصّلاة، بل وقع من باب البناء على الأكثر، لم يكن الفراغ المحقق بهذا السلام البنائى موضوعا لقاعدة الفراغ، لانصراف أدلة قاعدة الفراغ إلى ما إذا وقع الفراغ بالسلام الواقع باعتقاد كونه اخر أجزاء الصّلاة، فعلى هذا يشكل ما اختاره في المقام من أنّه لو حدث بعد الفراغ الشك في أن شكه السابق بين الاثنتين و الثلاث هل حدث قبل إكمال السجدتين المتحقق بهما تمامية الركعة، أو بعد اكمالهما لا يعتنى به، لكون الشّك بعد الفراغ، لأنه بعد كون المصلّى في هذه الصّلاة شاكّا بين الاثنتين و الثلاث، و بنى على الثلاث، و أتى بالرابعة، و سلّم بناء فليس هذا السلام الواقع في اخر الصّلاة موضوعا لقاعدة الفراغ، لأنّه سلام بنائى، لا بعنوان أنّه اخر أجزائها،

و بعد ما قلت بمحضره الشريف قال: بأنّه يمكن تصحيح ما قلنا هنا من أن هذا الشّك لو حدث بعد الفراغ لا يعتنى

به، لكونه بعد الفراغ، بدون أن ينافي مع ما قلنا من انصراف أدلة قاعدة الفراغ عن الفراغ الحاصل بناء بأن نقول: أن منشأ الانصراف في ما قلنا هو أنّه في صورة وقوع السلام بعد البناء على الأكثر، لم يحصل الفراغ من ناحية ما شك فيه، بل يحصل الفراغ في الحقيقة بعد وقوع صلاة الاحتياط التي أوجبها الشّك الواقع في الصّلاة، فعلى هذا نقول: بأنّه من غير ناحية الشّك الطارئ حال الصّلاة تحقق الفراغ، فيشمله أدلة قاعدة الفراغ، ففي المقام نقول: بأن.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 306

و لا فرق في كون الشّك موجبا للبطلان، أو للبناء على الأكثر بين ما حدث هذا الشّك في حال القيام من الركعة الرابعة البنائية، و بين حدوث هذا الشك بعد الإكمال فلو رفع راسه و شك في أن الركعة الّتي كانت بيدها هل كانت الثانية أو الثالثة، و شك فى هذا الحال في أن هذا الشّك هل حدث فى الآن أى: بعد الإكمال، أو حدث قبل الإكمال، فيكون حكمه حكم ما إذا حدث هذا الشّك بعد البناء على الثلاث و الدخول في الرابعة البنائية فإن قلنا بالبطلان نقول في كليهما، و إن قلنا بصحة الصّلاة، و لزوم إتمامها بالبناء على الثلاث، و ضم ركعة، ثمّ جبر النقص المحتمل بعد الصّلاة فأيضا نقول في كليهما، لأنّه لو بنى على كون الشّك مصداقا للشك بين الاثنتين و الثلاث بعد الإكمال فنقول في كلتا الصورتين، و إن لم نقل فلا نقول في كلتيهما.

إذا عرفت ما بينا لك يظهر أنه إن كان وجه الحكم في المسألة هو البناء على كون الشك بعد الإكمال لكون المورد مورد قاعدة التجاوز بالبيان المتقدم بأن يقال نشك في

أنّه هل وقعت السجدتان صحيحتين و واجدتين للشرط أولا، لأنّه لو حدث قبل الإكمال فلم تقعا صحيحتين و إن حدث الشّك بعد الإكمال وقعتا صحيحتين و

______________________________

السلام الواقع ليس محققا للفراغ من ناحية الركعة، لأنّه مع الشّك بين الاثنتين و الثلاث لم يحصل الفراغ من هذا الحيث الا بعد صلاة الاحتياط، و أمّا بالنسبة إلى غير هذه الجهة فالشك الطارئ يكون بعد الفراغ، لأنّ السّلام بالنسبة إلى هذا الشّك وقع في محله، و بعنوان اخر أجزاء الصّلاة، فبالنسبة إلى كون الشّك السابق قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية أو بعده يكون بعد الفراغ، و يشمله أدلة قاعدة الفراغ.

و لكن كما قلت بحضرته مد ظله العالى: إن قلنا: بكون منصرف أدلة قاعدة الفراغ هو الفراغ الواقع بعد السلام الواقع بعنوان كونه اخر أجزاء الصّلاة، فهذا السّلام لم يقع كذلك، فلم يحصل موضوع أدلة قاعدة الفراغ، فكل شك وقع بعد السلام البنائى لم يكن محكوما بعدم الاعتناء، فتأمّل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 307

واجدتين للشرط، و مقتضى القاعدة- بعد دلالتها على عدم الاعتناء حتّى بالنسبة إلى الشّك في الشرائط المؤثرة في الصحة- هو عدم الاعتناء بالشك.

فلا يكون تماما لما قلنا من أن عدم وقوع الشّك في الأولتين ليس شرطا للسجدتين، أو وجود الشك مانع عنهما حتّى يقال بعد المضى عنهما بأنّه لا يعتنى بالشك في صحتهما و فسادهما من باب الشكّ في وجود ما يعتبر في صحتهما و عدم وجوده.

[استصحاب تأخر الحادث لا يكون مفيدا]

و إن كان الوجه هو استصحاب تأخر الحادث، و بعبارة اخرى اصالة عدم حدوث الشّك إلى ما بعد الإكمال، فهو غير مفيد.

أمّا أولا فلأن هذا الاصل و إن كان يثبت به عدم وقوع الشّك في الأولتين، و

يترتب عليه كل أثر مترتب على هذا العدم، إلا أنّه لا يثبت به كون الشّك حادثا في الأخيرتين حتّى يكون موردا للبناء على الأكثر إلا على القول بالاصول المثبتة.

و ثانيا لو فرض عدم كون ذلك مثبتا بأن يقال: مجرد إثبات عدم وقوع في الأولتين كاف في ثبوت موضوع حكم البناء على الأكثر، لعدم اعتبار إثبات كون الشك حادثا في الأخيرتين، فنقول: إنّ هذا الاستصحاب يعارض مع استصحاب بقاء الركعة الثانية إلى زمان حدوث الشّك فينتج كون الشّك واقعا في الأولتين، فتبطل الصّلاة.

إن قلت: إن هذا لا يثبت كون الشّك متصفا بكونه حادثا في الأولتين.

نقول: إن استصحاب عدم حدوث الشّك إلى ما بعد الإكمال لا يثبت كون الشك متصفا بوجوده في الأخيرتين.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 308

فتحصل أن هذين الوجهين لا يثبتان كون الشّك بعد الإكمال.

إذا عرفت ذلك نقول: إن المراد ممّا يدلّ على لزوم حفظ الركعتين الأولتين من السهو و لزوم إحرازهما ليس كون ذلك شرطا في الصّلاة، أو السهو فيهما مانعا من موانع الصّلاة، لأنّ المصلّى لو صلّى و شك، فكلما يشكّ في أنّه هل أتى بركعتين أو أزيد، فهما محزران و لو وقع نقص فقد وقع في الأخيرتين، فإحراز هذا الشرط ممكن في الصّلاة و حاصل و متحقق، لأنّه بعد ما يأتي المصلّى بعد الأولتين ركعتين آخرتين، فلو وقع نقص في صلاته فهذا النقص غير واقع في الأولتين، بل هما محزران، فهذا الشرط أى إحرازهما متحقق، بل المراد من لزوم حفظهما و إحرازهما، و عدم السهو فيهما، هو لزوم كون المصلّى حافظا فيهما و عدمه كونه ساهيا و مبتلى بالسهو حالهما، و معنى ذلك كون الحافظية إمّا شرط في الركعة الاولى و الثانية

أو السهو مانع لهاتين الركعتين.

فما يعتبر بعنوان الحفظ، أو عدم السهو ليس معتبرا على سبيل الشرطية أو المانعية في الصّلاة، بل هو شرط أو مانع في الركعة، و بعبارة اخرى من شرائط الركعتين الأولتين أو من موانعهما كون المصلّى حافظا لهما، أو عدم وقوع السهو منه فيهما، فان كان ذلك معتبرا في نفس الركعة في الأولتين فيقول: بأنّه بعد ما شك بين الاثنتين و الثلاث، ثمّ بنى على الثلاث و شرع في الركعة الرابعة و شك في أن شكه هذا هل حدث قبل الإكمال أو بعد الإكمال، فيكون شكه في أنّه هل أتى بما هو شرط فى الركعة الثانية من لزوم حفظها عن السهو، أو هل ترك مانعها أي: السهو فيها، أولا، فيكون شكه راجعا إلى أنّه هل أتى بالركعة الثانية صحيحة و على ما هى عليه أولا، ففي هذا المورد يجرى قاعدة التجاوز، و يكون موردها، لأنّه بعد ما قلنا من أنها كما تشمل الشّك في نفس الجزء، تشمل لما إذا كان الشّك في أن الجزء هل وقع صحيحا و

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 309

واجدا للشرط أم لا بطريق الاولى، ففي المقام نقول: يكون مجرى قاعدة التجاوز لأنّ الشك يكون في أن جزء الصّلاة أى: الركعة الثانية هل وقعت صحيحة أم لا، فببركة قاعدة التجاوز نحكم بوجودها صحيحة، و لا يعتنى بهذا الشك، فلا وجه لبطلان الصّلاة، فيكون الشّك بعد الإكمال كما قال السيّد رحمه اللّه في العروة و نحن وافقنا معه فى هذه المسألة. «1»

[في ذكر كلام السيد اليزدي ره]

قال السيّد رحمه اللّه في العروة:

الاولى: إذا شك في أن ما بيده ظهر أو عصر فإن كان قد صلّى الظهر، بطل ما

______________________________

(1)- (أقول: اعلم أن ما

افاده مد ظله العالى لا يفيد لكون الشّك بعد الإكمال أمّا أولا فلأن إجراء قاعدة التجاوز في الركعة محل إشكال، لأنّ مورده الشّك في وجود الجزء أو الشرط، لا لوجود الركعة على ما هى عليه، و إلا ففي الركعتين الأخيرتين لا بدّ أن يقال بتعارض (ابن على الأكثر) مع قاعدة التجاوز لو شك في الركعة بعد مضى محله، مثل ما إذا شك في الرابعة بعد ما يكون في التشهّد الأخير، و لا يقال به، فتأمّل و هذا الوجه إن لم يتم و قلنا بجريان قاعدة التجاوز كما أفاده مدّ ظله العالى فاقول: و أمّا ثانيا فلأن إجراء قاعدة التجاوز فى الركعة الثانية، و كون اثرها عدم الشّك حادثا فيها، لا يثبت كون الشّك حادثا في الركعة الثالثة و بعد الإكمال، لعدم كونها أمارة حتّى يكون مورد البناء على الأكثر.

إن قلت: إن مجرد عدم حدوث الشّك في الأولتين كاف لكون الشكّ محكوما بالبناء على أكثر.

قلت: على هذا يكفى استصحاب عدم حدوث الشكّ فى الأولتين، إلا أن يقال بتعارض هذا الاستصحاب باستصحاب بقاء الركعة إلى حدوث الشك، كما ذكرنا سابقا.

و على كل حال بعد كون ظاهر بعض الأخبار اعتبار حدوث الشّك في الأخيرتين، لكون الشك موضوعا للبناء على الأكثر، فلا يثبت ذلك لا بالاستصحاب، و لا بقاعدة التجاوز، فتبطل الصّلاة، و الاحتياط إتمامها ثمّ عمل الشّك بين الاثنتين و الثلاث، ثمّ إعادة أصل الصّلاة، فتأمّل.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 310

بيده، و إن كان لم يصلها، أو شك في أنّه صلاها أو لا عدل به إليها.

الثانية: إذا شك في أن ما بيده مغرب أو عشاء فمع علمه بإتيان المغرب بطل، و مع علمه بعدم الإتيان بها أو الشّك

فيه، عدل بنيته إليها إن لم يدخل في ركوع الرابعة، و إلا بطل أيضا. «1»

قال مدّ ظلّه «2»: إذا شك في أن ما بيده ظهر أو عصر، و علم بعدم إتيان الظهر، فيعدل إلى الظهر، و تصح الصّلاة، لأنّه إن افتتح ما بيده من الصّلاة ظهرا فهذه النية لا تنافيه، و إن افتتحها عصرا فبالعدول يجعلها ظهرا، و كذا في ما يشكّ أن ما بيده مغربا أو عشاء و لم يمض محل العدول أى: لم يدخل في الركعة الرابعة على قول، أ و لم يدخل في الركوع من الركعة الرابعة على ما هو المعروف بين المقار بين من عصرنا، ففي هذه الصورة أيضا يعدل إلى المغرب.

ثمّ إنّه لو دخل في موضع لا يمكن العدول إلى المغرب مثل ما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة فهنا مسألتين:

الاولى: أن يعلم بعد الدخول في ركوع الرابعة من العشاء، عدم إتيان المغرب، فلا يكون مورد العدول لمضى محله، فهل يتمها عشاء، ثمّ يأتي بعدها بالمغرب، أو تبطل ما بيده، فلا بد من إتيان المغرب و العشاء؟

______________________________

(1)- (أقول للمسألتين صور ثلاثة، لأنّه إما أن يعلم بعدم إتيان الظهر أو المغرب، و يشكّ أن ما بيده ظهر أو عصر أو مغرب أو عشاء، و إمّا أن يعلم بإتيان الظهر أو المغرب و إمّا أن يكون شاكا في إتيانهما، و تعرض سيدنا الاستاد مد ظله العالى حين المذاكرة للصورة الاولى كما فى المتن.

(المقرّر).

(2)- العروة الوثقى، ص 645.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 311

وجه إتمام ما بيده عشاء هو أنّه و إن كان في هذا الحال متذكرا لعدم إتيان المغرب، فلا يراعى في ما بقى شرطية الترتيب، لوقوعها قبل المغرب، لكن يقال: يستفاد من

بعض الأدلة الدالة على أنّه لو وقع العشاء قبل المغرب نسنايا، و بعد الفراغ تذكر عدم إتيان المغرب تصح العشاء، و يأتي بالمغرب بعدها، أن شرطية الترتيب ساقطة في ما لا يمكن جعل المرتب أى: العشاء مغربا بإلغاء الخصوصية بين ما يكون عدم إمكان حفظ الترتيب لأجل السهو عن إتيان المغرب، أو لأجل عدم إمكان حفظه لأجل مضى محل العدول و إن كان عالما به.

وجه بطلان العشاء الّذي بيده هو أنّه بعد عدم إمكان العدول منه إلى المغرب لا يمكن إتمامه عشاء لأنّه فاقد للترتيب المعتبر فيه، لأنّ ما مضى منه و إن سقطت شرطية الترتيب بالنسبة إليه، إلا أنّ ما بقى منه فاقد لهذا الشرط مع كونه متذكرا بهذا الشرط، فتبطل هذه الصّلاة.

لا يعبد الأوّل أى: صحة هذه الصّلاة بإتمامها عشاء.

الثانية: لو شرع في العشاء و قبل مضى محل العدول شكّ بين الاثنتين و الثلاث في هذه الصّلاة فتذكّر عدم إتيانه المغرب، فتكون هذه المسألة من حيث الحكم مثل المسألة السابقة بعد عدم إمكان العدول منه إلى المغرب، لأنّه لو عدل إلى المغرب يلزم وقوع الشّك في ركعات المغرب، و تبطل الصّلاة، فليس محل العدول، لأنّ كل مورد يمكن أن تقع الصّلاة صلاة يعدل إليها، يكون محل العدول و إلّا فلا، لأنّه إذا لم يمكن العدول فقابلية وقوع ما بيده عشاء أو عدم قابليته و بطلانه مبنىّ

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 312

على الوجهين المتقدمين في المسألة السابقة، فافهم. «1»

[في ذكر المسألة السادسة و العشرون من العروة]

قال السيّد رحمه اللّه في العروة «2»: السادسة و العشرون: إذا صلّى الظهرين، و قبل أن يسلّم للعصر علم إجمالا أنّه إمّا ترك ركعة من الظهر، و التى بيده رابعة العصر، أو أن ظهره

تامة و هذه الركعة ثالثة العصر، فبالنسبة إلى الظهر شك بعد الفراغ، و مقتضى القاعدة البناء على كونها تامة، و بالنسبة إلى العصر شك بين الثلاث و الاربع، و مقتضى البناء على الأكثر الحكم بأن ما بيده رابعتها و الإتيان بصلوة الاحتياط بعد إتمامها، إلا أنّه لا يمكن إعمال القاعدتين معا، لأنّ الظهر إن كانت تامة، فلا يكون ما بيده رابعة، و إن كان ما بيده رابعة، فلا يكون الظهر تامة، فيجب إعادة الصلاتين لعدم الترجيح في إعمال إحدى القاعدتين، نعم الاحوط الإتيان بركعة اخرى للعصر، ثمّ إعادة الصلاتين، لاحتمال كون قاعدة الفراغ من باب الأمارات، و كذا الحال في العشاءين إذا علم أنّه إمّا صلّى المغرب ركعتين، و ما بيده رابعة العشاء، أو صلاها ثلاث ركعات و ما بيده ثالثة العشاء.

و نحن علقنا في حاشيتنا على العروة في هذه المسألة في قوله (لأن الظهر) بأن (الحكم بتمامية الظهر ظاهرا لا يستلزم الحكم بنقص العصر و أن ما بيده ثالثتها، و ليس

______________________________

(1)- أقول: كما قلت، لم يتعرض مد ظله العالى لصورة الشّك في أن ما بيده عصر أو ظهر، أو عشاء أو مغرب مع علمه بإتيان الظهر و المغرب، أو مع الشّك في إتيانهما أمّا في صورة علمه بإتيانهما فتبطل الصّلاة الّتي بيده لأنّه لا يدرى بأىّ عنوان أتى به، فإن أتاه بقصد الظهر، فلا تقع عصرا فلا يدرى ما أتى به في الخارج صار معنونا بعنوان العصر أم لا، و أمّا لو كان شاكّا في إتيانهما فحيث إن الشّك في وجود الظهر أو المغرب في الوقت فمقتضى الاشتغال وجوب إتيانهما و كونهما محكومين بالعدم، فلا بدّ من العدول إليهما، و تقع ما بيده

ظهرا أو مغربا بلا اشكال، فافهم. (المقرّر).

(2)- العروة الوثقى، ص 653.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 313

الواجب عند الشك في الثلاث و الأربع هو الالتزام بعدم النقص و أنها اربع، بل إتمامها على ما بيده كائنا ما كان مع جبر النقص المحتمل فيها بصلوة الاحتياط فلا تدافع بين القاعدتين، و لا بينهما و بين العلم الإجمالي و العمل بهما متعين.

[مراد السيد عدم الجمع بين العلم الاجمالي و اعمال القاعدتين]

أعلم أن حاصل ما قال السيّد رحمه اللّه هو أنّه في مفروض الكلام لا يمكن مع هذا العلم الإجمالي اعمال القاعدتين أى: قاعدة الفراغ و البناء على الأكثر معا، لأنّ الظهر إن كانت تامّه فلا يكون ما بيده رابعة، و إن كان ما بيده رابعة فلا تكون الظهر تامة، فيجب إعادة كل من الصلاتين لعدم ترجيح فى البين، فهو تخيل أن إجراء القاعدتين مخالف مع العلم الإجمالي، و لكن الحق ما قلنا من عدم كون العلم الإجمالي منافيا مع إجراء القاعدتين و لا تدافع بينهما.

بيانه أن في العلم الإجمالي تارة نقول: بأن مع العلم الإجمالي لا تجري الاصول في الأطراف من باب المناقضة، و بعبارة اخرى إجراء الأصل في كل طرف مناقض مع العلم الإجمالي فعلى هذا لا يجرى الاصل و لو لم يوجب المخالفة مع العلم الإجمالي، حتى لو كان الأصل في بعض الأطراف أو تمامه موافقا مع العلم الإجمالي لا يجرى هذا الأصل، لأنّه مناقض مع العلم الإجمالي، فعلى هذا المبنى لا يدور عدم إجراء الأصل في الأطراف و عدمه مدار عدم استلزام مخالفته مع العلم و استلزامه لذلك.

و تارة نقول: بأن الأصول لا تجرى في أطرافه إذا صار إجرائها موجبا للمخالفة العملية له، و بدون ذلك لا مانع من إجرائها كما اختاره الشّيخ

الانصارى رحمه اللّه في الرسائل، و هذا هو الحق، لأنّه لا وجه لعدم إجراء الأصل في خصوص كل طرف من الأطراف بنفسه إلا إذا صار موجبا للمخالفة العملية للعلم الإجمالى.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 314

إذا عرفت أنّ الحقّ هو عدم مانع من إجراء الاصول فى أطرافه إلّا إذا صار موجبا للمخالفة العملية له، و أمّا لو لم يكن موجبا لذلك، فلا مانع من اجراء الاصول، نقول: ان في المورد لا يوجب إجراء قاعدة الفراغ في الظهر، و لا قاعدة البناء على الأكثر في العصر موجبا لمخالفة عملية للعلم الإجمالي بنقص الركعة في أحدهما، لأنّ إجراء قاعدة الفراغ في الظهر، و البناء على الأكثر في العصر، و جبر النقص موصولة غير مخالف مع العلم، نعم لو التزمنا بقاعدة الفراغ في الظهر، و عدم نقص في العصر، و عدم إتيان ركعة مفصولة، كان إجراء القاعدتين مخالفا مع العلم الإجمالي في البين، و لكن على ما قلنا لا يوجب إجرائهما للمخالفة القطعية مع العلم الإجمالي.

[في ذكر اشكالين و رفعهما]

و أماما قد يقال، كما قال السيّد رحمه اللّه من أن إجراء قاعدة الفراغ في الظهر لازمه وقوع النقص في العصر، فيجب إتيان ركعة موصولة، فليس في محلّه لعدم كون لسان قاعدة الفراغ لسان الأمارة، بل هو من الاصول و ليست مثبتها حجة.

إن قلت: إن قاعدة الفراغ جارية في الظهر، و لكن لا مجال في المقام للبناء على الأكثر في العصر، و جبر النقص المحتمل مفصولة للعلم التفصيلى بفساد هذه الصّلاة إمّا لنقص ركعة منها، و إمّا لفقد الترتيب المعتبر فيها لو حصل نقص الركعة في الظهر، فبالبناء على الأكثر لا تصح هذه الصّلاة، لأنّه إن كانت الركعة الناقصة منها، فلا مورد للبناء

على الأكثر و إن كانت من الظهر، فتبطل هذه الصّلاة لعدم إمكان حفظ الترتيب في الأجزاء الباقية منه من التشهّد و السلام، فتبطل هذه الصّلاة، و لا بدّ من إعادتها.

و بهذا البيان عرفت ان العلم الاجمالى ينحل بالعلم التفصيلى و الشك البدوى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 315

العلم التفصيلى ببطلان العصر، لانه بعد عدم امكان اجراء قاعدة البناء على الاكثر فلا يمكن اتيان ركعة موصولة لاحتمال كونها زيادة في الصّلاة فيقطع ببطلان صلاة العصر بهذا الحال اما لنقص فيها او لفقد شرط الترتيب.

قلت: بان مقتضى اجراء قاعدة الفراغ في الظهر يكفي فى صحة العصر من حيث شرطية الترتيب، لانّ معنى الترتيب وقوع العصر بعد الظهر و العشاء بعد المغرب، و بعد ما قلنا بصحة الظهر لقاعدة الفراغ، فالعصر واقع بعده واجدا لشرطية الترتيب، و بعد واجديته للترتيب فيحتمل فيه النقص و هو متدارك بركعة مفصولة فتصح العصر بذلك، و لا يوجب البناء على الاكثر في العصر مع اجراء قاعدة الفراغ في الظهر منافات مع العلم الاجمالى.

ان قلت على ما قلت يثبت بقاعدة الفراغ الجارية في الظهر كون العصر واجدا لشرط الترتيب، و هذا لا يساعد الّا مع كون قاعدة الفراغ من الامارات، و يصح ان يقال بانّها يثبت كون النقص بركعة واقعا فى العصر، لانّ لازم كون الظهر تامة كون النقص فى العصر فبضم ركعة موصولة بالعصر يصح العصر أيضا كالظهر، و لا مجال للبناء على الاكثر و جبر النقص المحتمل مفصولة.

قلت انا لا نقول بكون قاعدة الفراغ من الامارات حتّى يقال بانّها يثبت لوازمها و من جملة لوازمها كون النقص المتعلّق به العلم الاجمالى واردا بالعصر.

و لا نقول باثبات شرطية الترتيب المعتبر فى العصر

بقاعدة الفراغ الجارية في الظهر لاجل كون ذلك من لوازمها حتّى يرد علينا ما قلت.

بل نقول بانّه بعد كون الترتيب المعتبر في العصر هو وقوع العصر بعد الظهر الصحيح فبعد اجراء قاعدة الفراغ نحكم بوقوعها تامة و خصوصا على مختارنا في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 316

الاجزاء تدلّ على ان هذه الصّلاة ان كانت ثلاث ركعات واقعا فيكون مثل اربع ركعات فببركتها تقع الظهر صحيحة، فالعصر الواقع بعده تقع واجدة للشرط.

إن قلت: بأنّه بعد ما سلّم للعصر قبل أن يأتي بالنقص المحتمل على ما قلت من اجراء قاعدة البناء على الأكثر، فهو يقطع تفصيلا ببطلان صلاته إمّا لنقص فيها، و إما لنقص في الظهر، فهو يعلم تفصيلا ببطلان هذه الصّلاة، لأنّه إمّا نقص من الظهر ركعة فالعصر فاقد لشرطية الترتيب، و إمّا نقص من نفس العصر ركعة، فبطلت صلاته على كل حال.

قلت لو تأمّلت في ما قلنا يظهر لك عدم مجال لهذا الإشكال لأنا إن قلنا بتمامية العصر بالسلام، و عدم وجوب ركعة مفصولة، صح ما قلت من علمه التفصيلى، و أمّا بعد ما قلنا من أنّه يبنى على الأكثر، فهو مع أنّه سلم، و لكن ما حصل فراغ الذمّة من العصر إلا بإتيان ركعة مفصولة، و بعد إتيانها لا يعلم تفصيلا بوقوع عصره فاسدا و لا يوجب ذلك مخالفة قطعية للعلم الإجمالي.

فتلحض ممّا مر أنّه في المسألة قد يقال بما قال السيّد رحمه اللّه: من أنّه مع العلم الإجمالي بنقص ركعة يوجب عدم اجراء كل من قاعدة الفراغ في الظهر، و البناء على الأكثر في العصر، فنقول: بأنّه لا ينافى إجرائهما لأنّ منشأ عدم إجرائهما هو لزوم المخالفة للعلم الإجمالي، لعدم إجرائهما لمخالفة قطعية

للعلم الإجمالي إلا إذا قلنا بأن نفس العلم مانع من إجراء الاصول في أطرافه و لو لم يلزم مخالفة قطعية، و نحن لم نقل بذلك.

و قد يقال: بأنّه بعد إجراء قاعدة الفراغ في الظهر، فيكون لازمه وقوع النقص في العصر، كما اشار إليه السيّد رحمه اللّه في ذيل كلامه، فيكون أثر ذلك لزوم اتيان ركعة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 317

موصولة في العصر لا مفصولة.

و فيه أنّه لا يثبت بقاعدة الفراغ لوازمه حتّى بناء على كونها أمارة، لأنّ أماريتهما لا تلازم مع كون مثبتها حجة (أقول: لم يبين مد ظله العالى وجهه) فلا وجه لضم ركعة موصولة بالعصر.

و قد يقال: بلزوم إعادة العصر للعلم التفصيلى بفسادها إمّا لأجل فقد الترتيب، و إمّا لنقص ركعة منه.

و فيه كما عرفت عدم حصول هذا العلم، لأنّ مع البناء على الأكثر و جبر النقص المحتمل مفصولة كيف يحصل العلم التفصيلى بفساد العصر.

[في انّ الحقّ فى المسألة ما اخترنا]

و يبقى احتمال اخر، و هو ما اخترنا في حاشيتنا، و هو الحق من أن إجراء القاعدتين لا يوجب لمخالفة قطعية مع العلم الإجمالي، فيجرى قاعدة الفراغ في الظهر، و يكون في العصر وجدانا شاكا بين الثلاث و الأربع فيبنى على الأربع و يأتي بركعة مفصولة كى لا تقع زيادة في الصّلاة إن كان ما أتى به أربعا واقعا، و يجبر بها النقص ان كانت الصّلاة ناقصة بركعة، و لا تقل: إن مع إجراء قاعدة الفراغ في الظهر لا بدّ من ضم ركعة موصولة في العصر، لما قلنا من أن ضمها موصولة يوجب احتمال الزيادة، و الشارع علّم طريقا على أن تأمن الصّلاة من النقيصة و الزيادة و هو البناء على الأربع و جبر النقص المحتمل أى

الركعة مفصولة، فالحق ما اخترنا في حاشيتنا على العروة، فتأمل جيّدا.

ثمّ إنّه ربما يستشكل على ما اخترنا بأنّه إن كانت قاعدة البناء على الأكثر حكما واقعيا، فلا يوجب مع العمل بها المخالفة القطعية للعلم الإجمالي و أمّا بناء على كونها حكما ظاهريا، كما هو الحق لجعلها في مورد الشك، فما نصنع مع العلم الاجمال بنقص الركعة واقعا.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 318

و نقول جوابا عن ذلك: بأنّه على ما اخترنا في الإجزاء من أن الأحكام الظاهرية سواء كانت أمارة أو اصلا مجزية عن الواقع إذا كان لسانها لسان الفردية فالطهارة المستصحبة أو الثابتة بالأمارة، تكون فردا للطهارة و هكذا، فنقول: بأن الصّلاة البانية فيها على الأكثر بمقتضى (ابن على الاكثر) و إتيان محتمل النقص منها مفصولة، فرد للصّلاة، ففي المقام من يأتي مع الشّك بين الثلاث و الأربع بركعة مفصولة و بهذا النحو أتى بالصّلاة بحكم (ابن على الأكثر) لا أنّه لم يأت بها، و لكن الشارع تقبل غير الصّلاة مقام الصّلاة، فعلى هذا لا يبقى مع البناء على الأكثر العلم بنقص ركعة من إحدى الصلاتين واقعا. «1»

[في الكلام السيّد اليزدي رحمه اللّه في العروة]

اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: السابعة و الخمسون إذا توضأ و صلّى ثمّ علم أنّه إمّا ترك جزء من وضوئه، أو ركنا من صلاته فالأحوط إعادة الوضوء ثمّ الصّلاة، لكن لا يبعد جريان قاعدة الشّك بعد الفراغ في الوضوء، لأنها لا تجري في الصّلاة حتّى يحصل التعارض، و ذلك للعلم ببطلان الصّلاة على كل حال. «2»

و الحق هذا أى: إعادة الصّلاة فقط للعلم التفصيلى ببطلانها إما لعدم كونها واجدة لشرطية الطهارة لنقص في وضوئه و إمّا لفقد ركن من نفس صلاته فصلاته فاسدة على كل حال.

قال السيّد رحمه

اللّه: الثامنة و العشرون إذا علم أنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات، و قبل السّلام من العصر شك في أنّه هل صلّى الظهر أربع ركعات، فالتى بيده رابعة العصر، أو أنّه نقص من الظهر ركعة، فسلّم على الثلاث، و هذه الّتي بيده خامسة

______________________________

(1)- (أقول: لا فرق في ذلك بين القول بالإجزاء كما هو مختاره مد ظله العالى، و عدمه.

(المقرّر).

(2)- العروة الوثقى، ص 663.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 319

العصر، فبالنسبة إلى الظهر شك بعد السلام، و بالنسبة إلى العصر شك بين الأربع و الخمس، فيحكم بصحة الصلاتين، إذ لا مانع من اجراء القاعدتين فبالنسبة إلى الظهر يجرى قاعدة الفراغ، و الشك بعد السلام فيبنى على أنّه سلّم على أربع، و بالنسبة إلى العصر يجرى حكم الشكّ بين الأربع و الخمس فيبنى على الأربع إذا كان بعد اكمال السجدتين، فيتشهد، و يسلم، ثمّ يسجد سجدتى السهو، و كذا الحال في العشاءين إذا علم قبل السّلام من العشاء أنّه صلّى سبع ركعات، و شك في أنّه سلّم من المغرب على ثلاث، فالتى بيده رابعة العشاء، أو سلّم على الاثنتين، فالتى بيده خامسة العشاء، فإنه يحكم بصحة الصلاتين و إجراء القاعدتين. «1»

[صحّة كلام السيّد اليزدي ره في هذه المسألة]

و ما قاله حق في المقام و وافقنا معه رحمه اللّه، و وجهه واضح، لعدم مانع من إجراء قاعدة الفراغ في الظهر و المغرب و عدم مانع من البناء على الأربع في العصر و العشاء لكون الشّك وجدانا بين الأربع و الخمس، و ليس في البين علم إجمالى بنقص أو زيادة في أحدهما بل يحتمل النقص في الظهر و المغرب، و الزيادة فى العصر و العشاء، فتجرى القاعدتين بلا إشكال، فافهم. «2»

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 654.

(2)- أقول:

و هنا كلام من آية اللّه العراقى؛ في الإشكال في إجراء قاعدة البناء على الأكثر و ذلك لأنّ التعبد بالأربع إنما يجي ء في مورد يشكّ في الاربع في ظرف صحة صلاته و في المقام لا يشكّ فيه على فرض الصحة، للجزم بوقوعها رابعة، و إنما شكه فيها من جهة الشّك في فسادها الناشئ عن وقوع الاولى ثلاثا أم خمسا الموجب لبطلان الثانية أيضا لفقد الترتيب، و على أى حال يعلم حينئذ إجمالا بخلل في التعبد بالأربع في هذه الصّلاة إمّا لعدم الشك، أو لعدم الأثر و مع هذا العلم لا يبقى مجال لشمول أدلّة التعبد بالأربع و ذلك ظاهر، كما أنّه لا مصحح لها من جهة اخرى بعد سقوط أصالة الاقلّ عن الاعتبار، كما أن أصالة الفراغ في السابقة أيضا لا تجري في تصحيح هذه الصّلاة، لعدم رفع العلم الإجمالي الوجدانى بالزائد كما لا يخفى. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 320

[في ذكر المسألة التاسعة و العشرون من العروة]

اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: التاسعة و العشرون لو انعكس الفرض السابق بأن شك- بعد العلم بأنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات قبل السّلام من العصر- في أنّه صلّى الظهر أربع، فالتى بيده رابعة العصر، أو صلاها خمسا، فالتى بيده ثالثة العصر فبالنسبة إلى الظهر شك بعد السلام، و بالنسبة إلى العصر شك بين الثلاث و الأربع، و لا وجه لإعمال قاعدة الشّك بين الثلاث و الأربع في العصر، لأنّه إن صلّى الظهر أربعا، فعصره أيضا أربعة، فلا محل لصلاة الاحتياط، و إن صلّى الظهر خمسا، فلا وجه للبناء على الأربع في العصر و صلاة الاحتياط، فمقتضى القاعدة إعادة الصلاتين، نعم لو عدل بالعصر إلى الظهر، و أتى بركعة اخرى و أتمها، يحصل له العلم بتحقق

ظهر صحيحة مرددة بين الاولى إن كان في الواقع سلم فيها على الأربع، و بين الثانية المعدول بها إليها إن كان سلم فيها على الخمس، و كذا الحال في العشاءين إذا شك- بعد العلم بأنّه صلّى سبع ركعات قبل السّلام من العشاء- في أنّه سلم في المغرب على الثلاث حتّى يكون ما بيده رابعة العشاء، أو على الأربع حتّى يكون ما بيده ثالثتها الخ.

و نحن قلنا في هذه المسألة في حاشيتنا على العروة عند قوله (و لا وجه لإعمال قاعدة الشّك بين الثلاث و الأربع) بأنّه (بل الوجه هو العمل بها، لأنّ استلزام صحة الظهر لكون العصر أربعا بحسب الواقع، لا يوجب استلزامه في الحكم الظاهرى، مع أن الموضوع لصلاة الاحتياط هو احتمال النقص لا النقص و هو متحقق بالوجدان) و الفرض أنّه مع فرض أن قاعدة الفراغ الجارية في الظهر لا يثبت كون العصر أربعا، فالمصلّى في هذا الفرض في عصره شاك وجدانا بين الثلاث و الأربع، و لا ينافي كون تكليفه هذا ان مع فرض كون الظهر أربعا يكون العصر أربعا، لأن في تمام موارد الشكوك المنصوصة يحتمل كون الصّلاة تامّه، كما يحتمل كونها ناقصة، فمع الشّك في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 321

النقص و عدمه يكون التكليف البناء على الأكثر، ففي المقام مع الشكّ وجدانا بين الثلاث و الأربع في عصره تكون الوظيفة البناء على الأربع، و جبر النقص المحتمل بصلوة الاحتياط، و لا وجه لفساد صلاة عصره أصلا.

[لا وجه لما قاله السيّد اليزدي رحمه اللّه من العدول من العصر الى الظهر]

و كذلك لو شك قبل سلام العشاء مع علمه بإتيانه سبع ركعات، في أنّه هل أتى مغربه ثلاث ركعات حتّى يكون ما بيده رابعة العشاء فيكون شكّه في العشاء بين الثلاث و الأربع

فتصح صلاته، و يعمل عمل هذا الشك، و لا تصل النوبة إلى ما قال السيد رحمه اللّه من العدول من العصر إلى الظهر، و من العشاء إلى المغرب.

و قال السيّد رحمه اللّه: السابعة و العشرون لو علم أنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات، و لكن لم يدر أنّه صلّى كلا منهما أربع ركعات أو نقص من إحداهما ركعة و زاد في الاخرى، بنى على أنّه صلّى كلا منهما أربع ركعات عملا بقاعدة عدم اعتبار بعد السلام، و كذا إذا علم أنّه صلّى العشاءين سبع ركعات، و شك بعد السلام في أنّه صلى المغرب ثلاثة و العشاء أربعة، أو نقص من إحداهما و زاد في الاخرى، فيبنى على صحّتهما «1».

و وجهه واضح كما أشار إليه لأنّ قاعدة الفراغ في كل من الصلاتين جارية و مقتضاها عدم نقص و لا زيادة في كل واحد منهما، و لا مانع من إجرائها، لأنّه يكون شاك في وقوع الزيادة فى إحداهما و النقيصة في الاخرى.

و قال السيّد رحمه اللّه: الرابعة و العشرون إذا صلّى الظهر و العصر، و علم

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 654.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 322

بعد السلام نقصان إحدى الصلاتين ركعة، فإن كان بعد الإتيان بالمنافى عمدا و سهوا أتى بصلوة واحدة بقصد ما في الذمّة و إن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى الثانية ركعة، ثمّ سجد للسهو عن السّلام في غير المحلّ، ثمّ أعاد الاولى، بل الأحوط ألا ينوى الاولى، بل يصلى أربع ركعات بقصد ما فى الذمّة لاحتمال كون الثانية على فرض كونها تامّه محسوبة ظهرا.

[في كلام السيّد اليزدي رحمه اللّه]

و ما قال فى المسألة فى صورة تذكره قبل فعل المنافى من أن الأحوط أن لا ينوى الاولى أى:

الظهر، وجهه بعض الأخبار الدالة على أنّ بعد صلاة العصر لو تذكر أنّ الظهر غير مأتى به يعدل من العصر إليه ففي المسألة بعد إتيان ركعة في الثانية، فعلى فرض عدم صحة الظهر صارت هذه الصّلاة ظهرا فلهذا لا يقصد في أربع ركعات يأتي بعدها الظهر أو العصر.

و لكن نحن قلنا: بأن هذه الرواية غير معمول بها، فلا يكون مورد العدول من اللاحقة إلى السابقة إلا في الأثناء مع بقاء محل العدول، ثمّ إنّه في صورة العلم بالنقص بعد الإتيان بالمنافى، يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة لأنّ مقتضى العلم ليس إلا وجود النقص في إحدى الصلاتين، لأنّه كما يعلم بنقص إحدى الصلاتين، يعلم بتمامية الاخرى، لأنّ الفرض وجود النقص في إحداهما فقط، فبإتيان الأربع بقصد ما في الذمّة تحصل البراءة (بناء على عدم اعتبار الترتيب بين الظهر و العصر في هذا الفرض، و إلّا فلو قلنا باعتباره، فلا بد من إعادة كل من الظهر و العصر، و يأتي الكلام فيه في طى المسألة ان شاء اللّه).

و أمّا لو تذكر النقص بعد السلام من العصر قبل فعل المنافى، فيحث إنّه يعلم بوجود النقص إمّا في ما بيده من صلاة العصر، و إمّا في الظهر، فلا بد من إضافة ركعة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 323

إلى الثانية، ثمّ سجدتى السهو للسلام الواقع في غير محله، ثمّ إعادة الظهر لاقتضاء العلم الإجمالي لذلك و هذا إذا لم نقل بشرطية الترتيب بين الظهر و العصر في هذه الصورة.

و أمّا لو قيل بوجوب إعادة العصر، لأجل العلم التفصيلى ببطلانه إمّا لأجل نقص فيها بركعة، و إمّا لفقده شرط الترتيب، و يقال بذلك في صورة تذكر النقص بعد فعل

المنافى.

فنقول: بعد كون الترتيب شرطا ذكريا يكون معنى شرطيته أنّه لا يجوز الدخول في العصر مع التوجّه و العلم بعدم إتيان لظهر، و أمّا لو تخيل إتيان الظهر، و دخل في العصر بزعم إتيانه الظهر، ثمّ انكشف عدم اتيان الظهر، فإن انكشف في أثناء العصر، و يكون محل العدول يعدل منه إلى الظهر، و ان انكشف بعد العصر، فيصح العصر، و يأتي بعده بالظهر، و لا يضرّ فقد الترتيب و صحة العصر في هذه الصورة مسلمة، فكذلك في محل الكلام، لأنّ دخوله في العصر كان بزعم أنّه أتى بالظهر الصحيح، فانكشف بعد سلام العصر نقص في أحد من الظهر و العصر فلا يعتبر في هذا العصر ترتبه على الظهر.

إن قلت: إنّ في صورة تذكر النقص بعد سلام العصر قبل المنافى، كيف يأتي بركعة بقصد الرابعة من العصر، مع فقد هذه الركعة للترتيب، لاحتمال وقوعها بعد الظهر الغير الصحيح.

نقول: هذا كلام فاسد و في غير محله، لأنّه إمّا يكون النقص بركعة فى الظهر واقعا، فيعلم في هذه الصورة بعدم وجود نقص في صلاة العصر، فوقع سلامها في محله، و على هذا الفرض كانت صلاة عصره تامّة و لا يعتبر فيها الترتيب لوقوعها في حال يزعم إتيانه بالظهر الصحيح، و إن كان النقص بركعة واقعا فى العصر واقعا،

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 324

فهو في هذه الصورة يعلم بوقوع ظهره صحيحة تامّه فصلاة عصره واجدة للترتيب و هذه الركعة على هذا واجدة لشرطية الترتيب، فالحكم ما قلنا في المسألة.

و مثل هذه المسألة في الحكم المسألة الخامسة و العشرون من الفروع الّتي تعرض لها السيّد رحمه اللّه في العروة و هو ما إذا صلّى المغرب و العشاء، ثمّ بعد

سلام العشاء يعلم بنقص ركعة فى المغرب أو في العشاء، فراجع.

[فى المسألة الثالثة و الخمسون من العروة]

اشارة

و قال السيّد رحمه اللّه: المسألة الثالثة و الخمسون، إذا شك في أنّه صلّى المغرب و العشاء أم لا قبل أن ينتصف الليل، و المفروض أنّه عالم بأنّه لم يصلّ في ذلك اليوم إلا ثلاث صلوات من دون العلم بتعيينها، فيحتمل أن يكون الصلاتان الباقيتان المغرب و العشاء، و يحتمل أن يكون اتيا بهما و نسي اثنتين من صلوات النهار، وجب عليه الإتيان بالمغرب و العشاء فقط، لأنّ الشّك بالنسبة إلى صلوات النهار بعد الوقت، و بالنسبة إليهما في وقتهما، و لو علم أنّه لم يصلّ في ذلك اليوم إلا صلاتين، أضاف إلى المغرب و العشاء قضاء ثنائية و رباعية، و كذا إن علم أنّه لم يصلّ إلّا صلاة واحدة. «1»

اعلم أن في الصورة الاولى من المسألة أى: ما إذا علم قبل أن ينتصف الليل بأنه ما صلّى في هذا اليوم و الليلة صلاتين، و لا يدرى هل هما العشاءان، أو يكون المتروك من الفجر و الظهر و العصر، فحيث إن إجراء قاعدة الشّك بعد الوقت بالنسبة إلى صلاة الفجر و الظهر و العصر يكون بلا معارض، و يكون الشّك بالنسبة إلى المغرب و العشاء في الوقت، فمقتضى الاستصحاب عدم إتيانهما، بل لا حاجة إليه، لأن مقتضى الاشتغال اليقينى هو لزوم إتيانهما فيجب أن يأتي بهما، و لا يصير إجراء قاعدة الشّك بعد الوقت في الفجر و الظهر و العصر موجبا للمخالفة القطعية للعلم

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 662.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 325

الإجمالي في البين.

و من هنا يظهر لك الفرق بين ما إذا يعلم إجمالا ترك صلاتين من الصلوات الخمس من اليوم و

الليلة بعد مضى وقت كل منها، و بين مفروض المسألة، لأنّ في تلك الصورة يكون الشّك بالنسبة إلى كل من الصّلوات شكّا بعد الوقت، و إجراء قاعدة الشّك بعد الوقت في كل منها مناف مع العلم الإجمالي، فلا بدّ من اتيان ركعتين، و ثلاث ركعات و رباعيتين.

[اجراء قاعدة الشك بعد الوقت بالنسبة الى الثلاثة بلا مانع]

و أمّا في فرض المسألة فيكون اجراء قاعدة الشّك بعد الوقت بالنسبة إلى الفجر و الظهر و العصر بلا مانع، و يكون بالنسبة إلى المغرب و العشاء شكّا في الوقت «1».

______________________________

(1)- أقول: لم يتعرض سيدنا الاستاد آية اللّه العظمى مد ظله العالى في مجلس البحث لصورة ما إذا علم أنّه لم يصلّ في ذلك اليوم إلا صلاتين، مع كون هذا الشّك قبل انتصاف الليل، و في الفرض أيضا كما قال السيّد رحمه اللّه يأتي العشاءين و يضيف إليهما ثنائية و رباعية، لأنّ مع العلم الإجمالي بعدم إتيان ثلاث صلوات من الخمسة، فيأتى بالمغرب و العشاء لكون الشّك فيهما في الوقت، و حيث يعلم بفوت صلاة اخرى من الفجر و الظهر و العصر يأتي ثنائية و رباعية، فإن كان ما فات هو الفجر فأتى بثنائية، و إن كان واحدا من الظهر و العصر فبإتيان رباعية تحصل البراءة.

و أمّا إن علم أنّه لم يصلّ إلا صلاة واحدة، فقال السيّد رحمه اللّه: بأن هذه الصورة مثل السابقة، يعنى:

يضيف بالمغرب و العشاء ثنائية و رباعية و لكن كما أفاد سيدنا الاعظم مد ظله العالى في حاشيته على العروة (فى هذا الفرض يجب الإتيان بالخمس) لأنّ في هذا الفرض يعلم إجمالا بعدم إتيان أربع من خمس صلوات، فلا بدّ من إتيان المغرب و العشاء، و حيث إنّه يعلم بعدم إتيان صلاتين من الفجر

و الظهر و العصر، فلا بدّ من إتيان ثنائية و رباعيتين، و لا يكفى ثنائية و رباعية، لأنّ المحتمل كون ما علم به إجمالا، هو كلا من الظهر و العصر، لا الفجر و واحد من الظهرين، كما أنّه.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 326

[في المسألة الرابعة و الخمسون من العروة]

قال السيّد رحمه اللّه: المسألة الرابعة و الخمسون، إذا صلّى الظهر و العصر، ثمّ علم إجمالا أنّه شك في إحداهما بين الاثنتين و الثلاث، و بنى على الثلاث، و لا يدرى أن الشك المذكور في أيهما كان، يحتاط باتيان صلاة الاحتياط، و إعادة صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة.

اعلم أن وجه ما قال السيّد رحمه اللّه- بأنّه يأتي بصلوة واحدة بقصد ما فى الذمة، لا بقصد الظهر- هو ما اختاره من جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة حتّى بعد الفراغ عن المعدول عنه، فعلى هذا في الفرض بعد إتيان صلاة الاحتياط تقع هذا العصر ظهرا لأنّها أربع مكان اربع.

و لكن قلنا في محله بأنّه يكون محل العدول في أثناء الصّلاة لا بعد الفراغ، فتقع ما تراه عصرا صلاة العصر و لو تذكر عدم إتيان الظهر بعدها، يجب إتيان الظهر، فلا وجه لأن يقصد في مقام إتيان صلاة واحدة ما في الذمّة بل ينويها ظهرا.

و أمّا وجه ما اختاره و اخترنا من إتيان صلاة الاحتياط، ثمّ إتيان صلاة واحدة، فهو أنّه إن كان الشّك في العصر فصلاة الاحتياط في محلها، و أمّا إن كان الشك في الظهر، فحيث إنّه حصل الفصل بصلوة العصر بين صلاة الظهر و صلاة الاحتياط، فلا مورد لصلاة الاحتياط لاخلال الفصل، فلا يجبر بصلوة الاحتياط النقص المحتمل، فلا بد- بمقتضى العلم الإجمالي بوقوع الشّك في إحدى الصلاتين- من إتيان

صلاة الاحتياط بعد العصر، ثمّ إتيان صلاة الظهر، و الترتيب غير معتبر

______________________________

يحتمل كون المتروك الفجر و إحداهما، فمع العلم الإجمالي، و عدم وجود معين لا بدّ من إتيان خمس صلوات، فافهم. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 327

فى مثل المقام، كما قلنا في بعض الفروع السابقة. «1»

[فى المسألة الثلاثون من العروة]

اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: الثلاثون إذا علم أنّه صلّى الظهرين تسع ركعات، و لا يدرى أنّه زاد ركعة في الظهر أو العصر، فإن كان بعد السلام من العصر وجب عليه إتيان صلاة أربع ركعات بقصد ما في الذمة، و إن كان قبل السلام، فبالنسبة إلى الظهر يكون من الشّك بعد السلام، و بالنسبة إلى العصر من الشّك بين الأربع و الخمس، و لا يمكن إعمال الحكمين، لكن لو كان بعد إكمال السجدتين عدل إلى الظهر، و أتم الصّلاة، و سجد للسهو، يحصل له اليقين بظهر صحيحة إمّا الاولى أو الثانية. «2»

اعلم

أن للمسألة صورتين:
الاولى:

أن يحدث العلم بوقوع الزيادة بركعة في إحدى الصلاتين بعد سلام

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مد ظله العالى على ما أفاده دام تاييده في فرع من الفروع المتعلقة بصلوة الاحتياط سابقا من أنّه لو أتى في صلاة الاحتياط ما يبطلها، أو شرع في صلاة مترتبة قبلها- مثلا شك في الظهر بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع، و قبل أن يأتي بصلوة الاحتياط شرع نسيانا في صلاة العصر، ثمّ في أثنائها تذكر عدم إتيانه صلاة الاحتياط، فاختار مد ظله أنّه يرفع إليه عن هذه الصّلاة و يأتي بصلوة الاحتياط- لا يضرّ الفصل الحاصل بين صلاة الظهر و صلاة الاحتياط بصلوة الاحتياط الباطلة، أو بالعصر، لأنّ منشأ الشّك في كون صلاة الاحتياط جابرة في هذه الصورة هو الشك في أنّه هل الفورية شرط أو الفصل مانع فيها أم لا، و حيث أن الشّك يكون في الشرطية أو المانعية، و المرجع في الشّك في الشرطية و المانعية هو أصالة البراءة، فتكون النتيجة عدم مضرية الفصل الواقع، لا بدّ من أن يلتزم مدّ ظلّه في

هذه المسألة بكفاية صلاة احتياط واحدة بقصد ما في ذمته للشك بين الاثنتين و الثلاث و لا يجب إتيان أربع ركعات بعد ذلك، إذ الشّك إن كان واقعا في الظهر، فهذه الصّلاة الاحتياط الواقعة بعد صلاة العصر جابرة لاحتمال النقص و لا يضر فصل صلاة العصر، و إن كان الشّك واقعا في العصر فهذه الاحتياط كاف لها، و لم يجب هذا الإشكال سيدنا الاعظم مد ظله العالى. (المقرر)

(2)- العروة الوثقى، ص 655.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 328

العصر، ففي هذه الصورة بعد عدم إمكان إجراء قاعدة الفراغ في الصلاتين، لتعارض قاعدة الفراغ في كل منهما مع قاعدة الفراغ في الاخرى، للعلم الإجمالي بوقوع زيادة ركعة في إحداهما، فالحق ما قال السيّد رحمه اللّه من أنّه يجب عليه إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمة، لأنّ مقتضى العلم الإجمالي ليس إلا وقوع الزيادة في إحداهما، فبطلت إحداهما بزيادة ركعة، فلو أتى بأربع ركعات بقصد ما في الذمة، لا بقصد خصوص الظهر أو خصوص العصر، تحصل براءة الذمّة من الاشتغال الثابت بالعلم الإجمالي.

و لا مجال لدعوى العلم التفصيلى ببطلان العصر إمّا لزيادة ركعة فيها، و إمّا لزيادة ركعة في الظهر، و معها ما وقعت العصر بعد الظهر، فالعصر فاقد للترتيب، لما قدّمنا من عدم اعتبار الترتيب في أمثال المقام لأنّ دخوله في العصر كان بزعم أنّه أتى بالظهر قبله.

الثانية:

ما إذا حدث العلم الإجمالي بزيادة ركعة في إحداهما قبل سلام العصر.

فهل نقول في المقام بإجراء كل من قاعدة الفراغ، و قاعدة الشّك بين الأربع و الخمس في الظهر و العصر، لأنّ الشّك في الظهر بعد الفراغ، و في العصر يكون المصلّى وجدانا شاك بين الأربع و الخمس كما

قلنا بإجراء قاعدة الفراغ في الظهر، و قاعدة البناء على الأربع بالنسبة إلى العصر في ما إذا علم إجمالا بنقص ركعة في إحدى الصلاتين.

أو نقول: بعدم إجراء القاعدتين في المقام أصلا، بل لا بدّ من إعادة كل من الصلاتين بمقتضى العلم الإجمالي.

أو نقول: بأنّه يتم ما بيده من العصر بعد قصد العدول من العصر إلى الظهر، و سجدتى السهو للشك بين الأربع و الخمس في ما بيده من الصّلاة وجدانا، ثمّ إتيان

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 329

أربع ركعات بقصد العصر بعد ذلك.

[اجراء القاعدتين يوجب للمخالفة القطعية مع العلم الاجمالي]

اعلم أنّه لا يمكن الالتزام بالاحتمال الأوّل في المقام أى: إجراء كل من القاعدتين، لأنّ إجرائهما يوجب للمخالفة القطعية مع العلم الاجمالى، لأنّ فى مفروض الكلام يعلم المكلف بزيادة ركعة في إحدى الصلاتين، فإجراء قاعده الفراغ في الظهر، و البناء على الأربع فى العصر الّذي اثره الحكم بتمامية الظهر و العصر، و عدم زيادة فيهما يوجب المخالفة القطعية للعلم الإجمالي بزيادة ركعة في إحداهما، و هذا بخلاف ما إذا علم إجمالا بنقص ركعة في إحداهما، فإن قاعدة الفراغ في الظهر و البناء على الأربع في العصر و إتيان ركعة مفصولة، لا يوجب للمخالفة القطعية للعلم الإجمالي بوقوع نقص ركعة في إحداهما.

نعم لو قلنا: بأن بالسجدة السهو الواجبة في الشّك بين الأربع و الخمس تجبر الزيادة المحتملة فيمكن الالتزام بإجراء القاعدتين، و عدم لزوم إجرائهما لمخالفة قطعية مع العلم الإجمالي، و يأتي ان شاء اللّه بيانه بعد ذلك.

و أمّا الاحتمال الثالث أى: العدول من العصر إلى الظهر، و إتمام ما بيده ظهرا ثمّ سجدتى السهو، ثمّ إتيان أربع ركعات بقصد العصر بعد عدم إمكان إجراء القاعدتين، فان كنا ملتزمين بالعدول في مثل الفرض

رجاء فكان وجها صحيحا، لأنّ بعد العدول يقطع تفصيلا بوقوع ظهر صحيحة عن الزيادة، لأنّ إحدى الصلاتين الّتي أتى بهما خال عن الزيادة مسلما، و بعد ذلك يأتي بصلوة العصر (و أماما قال السيّد رحمه اللّه: من وجوب سجدتى السهو بعد العدول من باب أنّه شاك بين الأربع و الخمس في ما بيده من الصّلاة، فلا وجه له لإمكان أن يقال بعدم الحاجة إلى سجود السهو، لأنّه بعد العدول فزيادة الركعة غير محتملة في صلاة الظهر الواقعية من هاتين الصلاتين، لأنّه إن كانت الصّلاة الاولى أربع ركعات فهى الظهر، و ليست

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 330

زيادة فيه، و إن كانت الزيادة واقعة في الاولى، فالثانية تصير ظهرا بعد العدول، فهى أيضا تكون الزيادة فيها غير محتملة، فلا موجب لسجود السهو) و إن لم نقل بالعدول في المقام، لعدم محل للعدول مع الشّك في وجود السابقة، فلا وجه له، و يأتي الكلام في ذلك بعد ذلك في ذيل المسألة ان شاء اللّه.

و أمّا الاحتمال الثانى أى: عدم إجراء القاعدتين، و وجوب إعادة كل من الصلاتين من باب العلم الاجمالي بوقوع الزيادة في إحداهما، فنقول: قد بينا في حكم الشك بين الأربع و الخمس من البناء على الأربع و إتيان سجدتى السهو بعد الصّلاة، بأن وجه وجوب سجدتى السهو في هذا الشّك يمكن أن يكون أحد الامرين: إمّا أن يكون وجوبهما لأجل نفس هذا الشّك أى: الشّك بين الأربع و الخمس، و بعبارة اخرى أوجبهما لأجل طروّ هذا الشك، و أنك لم شككت و لم تواظب حتّى لا تبتلي بالشك.

و إمّا أن يكون وجوبهما لأجل جبر الزيادة المحتملة، و أنّه لو فرض كون الصّلاة خمس ركعات

فبسجدتى السهو تجير هذه الزيادة الواقعة في الصّلاة، فكما أن بصلوة الاحتياط يجبر النقص المحتمل، كذلك سجدتى السهو في الشّك بين الأربع و الخمس تجبر الزيادة المحتملة، و نحن قوينا الاحتمال الأوّل.

فإن قلنا بالاحتمال الثانى، ففي المقام يمكن أن يقال: بأنّه لا مانع من إجراء القاعدتين و عدم لزوم مخالفة قطعية للعلم الإجمالي، لأنّه بعد البناء على الأربع في العصر، لأجل كونه شاكّا وجدانا بين الأربع و الخمس، و إتيان سجدتى السهو، فلو وقعت زيادة ركعة فرضا في العصر، فزيادتها منجبرة بسجدتى السهو، كما أن نقص الركعة في صورة العلم الإجمالي بنقص ركعة في إحدى الصلاتين حيث كانت منجبرة بصلوة الاحتياط، و لم يكن اجراء القاعدتين منافيا مع العلم الإجمالي بنقص

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 331

ركعة في إحداهما، فلا يوجب في ما نحن فيه إجراء قاعدة الفراغ في الظهر، و البناء على الأربع في العصر موجبا للمخالفة القطعية مع العلم الإجمالي، لأنّ الزيادة إن حصلت فى العصر فبسجدتى السهو تجبر هذه الزيادة، فعلى هذا لا ينافى إجراء القاعدتين مع العلم الإجمالي.

فإن أمكن أن يقال بذلك الاحتمال الثانى، فيمكن أن يقال باجراء القاعدتين، و إن قلنا بالاول فلا، بل لا بدّ إمّا أن يقال: بأن مقتضى العلم الإجمالي هو بطلان كل من الصلاتين، أو أن يقال: بأنّه يعدل رجاء من العصر إلى الظهر، فيتم ما بيده ظهرا ثمّ يأتي بعده بأربع ركعات بقصد العصر.

[في ذكر كلام العلّامة العراقي]

اعلم أن ما قال العلّامة العراقى رحمه اللّه في حاشيته على العروة، من أن في الفرض يعلم تفصيلا ببطلان صلاة العصر إمّا لنقص ركعة منها، و إمّا لفقدها شرطية الترتيب، لأنّه لا يخلوا إمّا أن تقع الزيادة في الظهر فالعصر باطل

لفقدها الترتيب، و إن وقعت في العصر فهو باطل أيضا لوقوع الزيادة فيها، فيقطع تفصيلا بطلان العصر يكون في محلّه لو قلنا بعدم محل للعدول في المقام، و أمّا لو قلنا بأنّه يعدل رجاء من العصر الّذي بيده، و يتمّه ظهرا فكيف يقطع ببطلان ما بيده من العصر تفصيلا كما قال السيّد رحمه اللّه، و ثمرة هذا العدول هو العلم التفصيلى بوقوع ظهر صحيح منه، لأنّه إن وقعت الزيادة واقعا في العصر، فما نواه ظهرا وقع امتثالا لصلاة الظهر، و الثانية افتتحها بقصد العصر صارت باطلة، و إن وقعت الزيادة في الصّلاة الاولى أى:

الظهر، فهى و إن صارت باطلة إلا أنّه بعد العدول من الثانية أى: ما بيده من العصر إلى الظهر تصير هذا العصر ظهرا فبعد العدول من العصر إلى الظهر رجاء و إتمامه ظهرا يعلم بإتيان ظهر صحيح، و يأتي بعده صلاة العصر (و يمكن استفادة جواز العدول في الفرض رجاء من ادلة العدول من اللاحقة إلى السابقة، لأنّ المستفاد منها

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 332

هو أنّه مع بقاء اشتغال الذمّة بالسابقة يعدل من اللاحقة إليها، و على الفرض إمّا أن يكون مورد العدول من باب وقوع الزيادة في الظهر و بطلانها، فيكون محل العدول من العصر إلى الظهر و إمّا وقع الظهر صحيحة فصار العدول بلا أثر).

و على فرض جواز العدول فكما قال السيّد رحمه اللّه يكون محله ما إذا حدث العلم الإجمالي بزيادة ركعة بعد إكمال السجدتين، فهو لا يدرى أن ما فرغ منه من الركعات كانت رابعة بناء على فرض وقوع الزيادة في الظهر، أو يكون خامسة بناء على وقوع الزيادة في العصر.

و قال العلّامة الحائرى رحمه اللّه «1»

على ما في صلاته و العلّامة الاصفهانى رحمه اللّه على ما فى حاشيته على العروة فى هذا المقام: بأنّه لا خصوصية لجواز العدول في كونه بعد إكمال السجدتين، لأنّه على كل تقدير، سواء كان بعد الاكمال أو قبله، يجوز العدول رجاء و يقطع بوجود ظهر صحيح بعد العدول، و لكن تقييد السيّد رحمه اللّه بكون ذلك بعد إكمال السجدتين يكون في محله، و وجهه هو أن مورد الشّك بين الأربع و الخمس بحسب أدلته، هو ما إذا حدث الشّك بعد إكمال السجدتين و أن في هذا الحال لا يدرى أن صلاته بحسب ركعاتها التامّة كانت أربعا أو خمسا، و ليس قبل الإكمال ما يدلّ على كونه محكوما بالبناء على الأربع، و إتيان ما بقى من الركعة كما أوفينا في محله، لأنّه لو حدث هذا الشّك بعد الركوع أو في السجود، فلا دليل لنا يدلّ بأنّه (ابن على الأربع) و تتمّ ما بقى من الركعة بعنوان الأربع، فافهم.

و قال السيّد رحمه اللّه: الرابعة عشرة إذا علم بعد الفراغ من الصّلاة أنّه ترك سجدتين، و لكن لم يدر أنهما من ركعة واحدة أو من ركعتين، وجب عليه الاعادة،

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري رحمه اللّه، ص 432.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 333

و لكن الاحوط قضاء السجدة مرتين، و كذا سجود السهو مرتين أوّلا، ثمّ الاعادة، و كذا يجب الاعادة إذا كان ذلك في أثناء الصّلاة، و الأحوط إتمام الصّلاة و قضاء كلّ منهما و سجود السهو مرّتين، ثمّ الإعادة. «1»

[في نقل كلام الشيخ في المبسوط و المحقّق في الشرائع]

أمّا إذا علم بعد الفراغ بترك السجدتين، و لكن لم يدر أنهما من ركعة واحدة أو من ركعتين، فنقول: تعرض للمسألة الشيخ رحمه اللّه في المبسوط «2» و

حيث إنّه رحمه اللّه كان مختاره في أن ركعتين الأولتين لا تحتملان السهو و أن السهو في الاولتين موجب للبطلان سواء كان السهو مساوقا للجهل المركب أي: السهو المصطلح، أو مساوقا للجهل البسيط أى: الشك، و سواء كان السهو في الركعة من الاولتين، أو في الاجزاء، فعلى هذا كان لازم ذلك بطلان الصّلاة لو علم بترك السجدتين إمّا من الركعة الاولى أو الثانية، أو بترك سجدة في الاولى و سجدة في الثانية، أو كان طرف الاحتمال الثانية و الثالثة، ففي كل صورة يكون طرف الشّك ركعتين الأولتين أو إحداهما فتبطل الصّلاة، لوقوع السهو في الاولتين، و كما ترى المحقق رحمه اللّه مع عدم التزامه بذلك تعرض للمسألة، و قال في الشرائع «3»: بأن الأخذ بجانب الاحتياط أرجح، و هل مراده من الاحتياط هو قضاء السجدتين و سجدتى السهو مرتين، ثمّ إعادة الصّلاة، أو مجرد إعادة الصّلاة.

ثمّ فى المقام هل نقول في المسألة: بأنّه يجب قضاء السجدة مرتين و كذا سجود السهو مرتين، ثمّ إعادة الصّلاة، لأنّ مقتضى العلم الإجمالي ذلك، إذ بعد العلم الإجمالي بأنّه إمّا ترك السجدتين من ركعة واحدة مثلا من الركعة الثالثة أو الرابعة، و

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 649.

(2)- المبسوط، ج 1، ص 120- 121.

(3)- الشرائع، ج 1، ص 105.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 334

إمّا ترك كل واحد من السجدتين من ركعة مثلا ترك واحدة منهما في الركعة الثالثة و واحدة منهما في الركعة الرابعة، فيعلم إجمالا إمّا بوجوب إعادة الصّلاة عليه، لأنّ على فرض تركهما في ركعة بطلت صلاته، فيجب عليه إعادة الصّلاة و إمّا بوجوب قضاء السجدة مرتين، لأنّه لو ترك كل واحد منهما في ركعة صحت الصّلاة و

يجب عليه قضاء السجدة مرتين و سجدتى السهو مرتين.

أو نقول: بأنّه يكفى في الفرض إعادة الصّلاة فقط، و لا يجب قضاء السجدة و لا سجدتى السهو، لأنّه بعد العلم الإجمالي بأحد الامرين إمّا تركهما في ركعة و إمّا تركهما في ركعتين، يكفى إعادة الصّلاة، لأنّه بعد ما يكون أحد طرفى العلم الإجمالي ترك السجدتين في ركعة واحدة، فلا يعلم بصحة الصّلاة، و على فرض كون الشّك في صحة الصّلاة، فلا تصل النوبة إلى لزوم قضاء السجدة، لأنّ قضاء السجدة متفرع على صلاة صحيحة، و بعد كون الصحة مشكوكة، فلم يكن مورد لقضاء السجدة، فليس قضاء السجدة في مرتبة إعادة الصّلاة حتّى يكون الدوران بينهما، فيوجب العلم الإجمالي وجوب قضائهما و وجوب إعادة الصّلاة.

و فيه أن لزوم قضاء السجدة و إن كان مورده الصّلاة الصحيحة، و لا يكون واجبا مع فرض بطلان الصّلاة إلا أن في محل الفرض لا مورد لهذا الكلام، إذ في فرض العلم الإجمالي بوجوب أحدهما لا تقدم و لا تاخر بينهما و لا طولية لاحدهما على الاخر، بل هو بعد الصّلاة يعلم بوجوب أحدهما، و كل واحد منهما طرف للعلم في عرض واحد، و العلم الإجمالي يقتضي الاحتياط بإتيان كل من طرفيه و هما قضاء السجدة و سجدتى السهو و إعادة الصّلاة.

أو نقول: بوجوب قضاء السجدة مرتين و سجدتى السهو مرتين، و لا يجب إعادة الصّلاة، و وجهه ما ذكرنا فى الاحتمال الثانى لأنّه بعد كون وجوب قضاء

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 335

السجدة في طول صحة الصّلاة، لكون مورد مطلوبته فرض وجود صلاة صحيحة، ففي صورة الشّك في صحة أصل الصّلاة لا يكون القضاء أى: قضاء السجدة في عرضه، فقاعدة الفراغ

بالنسبة إلى أصل الصّلاة بلا معارض، فتكون النتيجة وجوب قضاء السجدة مرتين و سجدتى السهو مرتين.

و فيه ما قلنا فى الجواب عن وجه الاحتمال الثانى بانّه في مقام العلم الاجمال لا تقدم و لا تاخر بينهما، فهو يعلم إجمالا إمّا بوجوب قضاء السجدة و سجدتى السهو مرتين و إمّا بوجوب إعادة الصّلاة.

[في ذكر صور للمسألة]
اشارة

ثمّ نقول لمزيد الفائدة: بأن للمسألة صورا:

الصورة الاولى:

أن يعلم بترك سجدتين معا إمّا من الاولى أو الثانية، و إمّا إحداهما من الركعة الاولى، و الاخرى منهما من الثانية، و الحال أنّه في حال الجلوس من الركعة الثانية، فهو لا يعلم أن هذا هو الجلوس قبل السجدتين أو الجلوس بعد هما، فما مضى في الفرض عنهما و لم يتحقّق التجاوز عنهما، فالشّك فيهما بالنسبة إلى السجدتين من الركعة الثانية يكون الشّك فى محله، فقاعدة التجاوز بالنسبة إلى كل من السجدتين من الركعة الاولى تجري بلا معارض، و بالنسبة إلى السجدتين من الركعة الثانية لا تجري لكون الشّك قبل التجاوز، فيأتى بالسجدتين في الركعة الثانية، و تصح الصّلاة، و لا يوجب ذلك مخالفة قطعية للعلم الاجمال.

الصورة الثانية:

ما إذا علم إجمالا بترك السجدتين إمّا معافى ركعة، أو أحدهما في ركعة و الاخرى في ركعة اخرى، مثلا يعلم بتركهما، و لا يدرى أنّه تركهما معافى الركعة الاولى أو الثانية، أو ترك واحدة منهما في الاولى و الاخرى منهما في الثانية و حدث هذا العلم قبل مضى محل السهوى أى: قبل دخوله في ركوع الركعة

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 336

الثالثة، فحدث العلم بتركهما إمّا معافى الاولى، أو معافى الثانية، و إمّا إحداهما في الاولى و إحداهما في الثانية.

[في نقل كلام المحقّق العراقي ره]
اشارة

قال بعض أعاظم معاصرينا (العلّامة العراقي رحمه اللّه) في الفرض: بأنّه يجب قضاء سجدة واحدة و سجدتى السهو، و تصح الصّلاة، لأنّ قاعدة التجاوز في كل واحدة من السجدة الاولى و الثانية من الركعة الاولى، و السجدة الاولى و الثانية من الثانية لا تكون معارضة مع الاخرى حتّى يقال: بأن مع العلم الإجمالي بترك السجدتين من هذه السجدات الأربع تكون قاعدة التجاوز في كل سجدة منها معارضة مع الاخرى، فتسقط بالتعارض، فيكون أثره قضاء السجدة و إعادة الصّلاة، لأنّ إجراء قاعدة التجاوز في غير السجدة الاولى من الركعة الاولى يكون موقوفا على إجراء قاعدة التجاوز في السجدة الاولى من الركعة الاولى، لترتب غيرها من الثلاثة عليها فى الوجود، إذ مورد جريان قاعدة التجاوز في كل جزء هو وجود الاثر فيها بمعنى أنّه لو لا هذا الجزء المشكوك وجوده، أو صحته كانت الصّلاة باعتبار الأجزاء السابقة على هذا الجزء واجدة للصحة التأهلية، و لو فرض عدم قابلية الصّلاة للصحة مع قطع النظر عن هذا الجزء لكون وجود بعض أجزائها السابقة مقطوع العدم أو مشكوك الوجود و العدم، فلا تصل النوبة إلى إجراء قاعدة التجاوز في الجزء

اللاحق، فحيث يكون رتبة السجدة الاولى من الركعة الاولى مقدمة على السجدات الثلاثة الاخرى، فقاعدة التجاوز فيها غير معارضة مع قاعدة التجاوز في هذه الثلاثة، فتجرى فيها قاعدة التجاوز، و يحكم بوجودها بلا معارض.

و بعبارة اخرى وجود طبيعة السجدة متقومة بوجود السجدة الاولى من كل ركعة، و متى لا توجد الاولى لا توجد الطبيعة، فلو فرض وجود سجدة فهى تصير

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 337

الاولى قهرا، لأنّ الاولى هى الّتي يوجد صرف وجود الطبيعة بها، فلو فرض وجود سجدة ثانية، و لم تجد الاولى فالثانية هى الاولى، لأنّه لا يعقل الثانية وجودها بلا وجود الاولى، فمع الشّك في الاولى، و بعبارتنا مع الشّك في وجود أصل الطبيعة لا تصل النوبة إلى الوجود الثانى أى: السجدة الثانية، بل ترتيب الأثر على الثانية موقوف على الوجود الاولى، و بتعبيرنا على وجود الطبيعة، و بعد كون رتبة الاولى مقدمة على الثانية، و لم تكن الثانية في عرض الاولى، فكيف تكون قاعدة التجاوز في الثانية معارضة مع قاعدة التجاوز في الاولى.

فتصل من ذلك كله أن قاعدة التجاوز تجري في السجدة الاولى من الركعة الاولى بلا معارض.

و إذا صارت السجد الاولى محكومة بالوجود فنقول: بأن السجدة الثانية من الركعة الثانية لا تكون موردا لقاعدة التجاوز فى عرض السجدة الاولى من الثانية، لأنّ قاعدة التجاوز في السجدة الاولى غير معارضة مع قاعدة التجاوز فى الثانية بعين ما قلنا في السجدة الاولى مع الثانية في الركعة الاولى، لأنّ في مرتبة الشّك في السجدة الاولى لا أثر للسجدة الثانية حتّى تجري فيها قاعدة التجاوز، لأنّ مع في وجود الطبيعة يكون الشّك في الوجود الثانى من الطبيعة بلا أثر، لأنّه لو لم يوجد

الاولى أى: الطبيعة، فالثانية بلا أثر، لأنّ الثانية تتصف بالجزئية في طول الاولى، فلو فرض مفروغية المصلّى عن الاولى تصل النوبة إلى امتثال الثانية، و لو شك فيها يكون مجرى قاعدة التجاوز، و أمّا مع الشّك في الاولى فلا لتقدم رتبة الاولى على الثانية، بل لو فرض وجود الثانية بلا وجود الاولى، فتصير هى الاولى قهرا لأنّ وجود الأوّل من الطبيعة ينطبق على الاولى، و بعد عدم إجراء قاعدة التجاوز في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 338

الثانية من الركعة الثانية في عرض السجدة الاولى من الركعة الثانية، فنقول بأن قاعدة التجاوز في السجدة الثانية من الركعة الاولى و الاولى من الركعة الثانية تتعارضان ليس بينهما ترتب، فتتعارض قاعدة التجاوز في الثانية من الاولى مع قاعدة التجاوز في الاولى من الثانية باعتبار العلم الإجمالي في البين.

و حيث لا تجرى قاعدة التجاوز في السجدة الثانية من الاولى، و الاولى من الثانية للتعارض و في الثانية من الثانية لأجل عدم إحراز الأثر، فهذه السجدات الثلاثة مع الشّك محكومة بالعدم- بعد عدم امكان الحكم بوجودها ببركة قاعدة التجاوز- للعلم الإجمالي بعدم إتيان السجدتين، و بعد كونها محكومة بالعدم فبالنسبة إلى السجدتين من الركعة الثانية لا بدّ من أن يرجع من حال القيام، و يجلس، و يأتي بهما لعدم مضى محلهما السهوى، لعدم دخوله في الركوع من الركعة الثالثة، ثمّ يتم الصّلاة، و يأتي بسجدة واحدة بعنوان قضاء السجدة الثانية من الركعة الاولى. «1»

فتحصل أنّه على ما قال رحمه اللّه في الفرض ينهدم القيام، و يأتي بالسجدتين، يأتي بما بقى من الصّلاة، ثمّ يأتي بقضاء السجدة الثانية من الاولى، و السجدة الأوّل من الاولى صارت محكومة بالإتيان ببركة قاعدة التجاوز

الغير المعارضة مع شي ء، و لا يوجب ما قاله مخالفة قطعية للعلم الإجمالي.

[في ردّ كلام العراقي ره]

و فيه أن ما قال من أن قاعدة التجاوز في رتبة تشمل السجدة الاولى من الركعة الاولى لا تشمل السجدة الثانية من الاولى، و الاولى و الثانية من الثانية حتى يقع التعارض بين قاعدة التجاوز فيها مع قاعدة التجاوز السجدة الاولى من

______________________________

(1)- روائع الامالي في فروع العلم الاجمالي، ص 100 و 101.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 339

الركعة الاولى، غير تمام، لأنّ معنى عدم الاعتناء بالشّك في وجود جزء إذا تجاوز عنه، هو أن هذا الجزء لو خلى و طبعه محكوم بالإتيان.

و بعبارة اخرى الصّلاة من حيث هذا الجزء واجدة لما تصير واجدة له بوجوده، و هو أنّه لو ضمّ عليه الأجزاء السابقة عليه و اللاحقة به وجدت الصّلاة.

و بعبارة اخرى كل جزء من أجزاء الصّلاة أو شرائطها إذا أتى بها يكون واجدا للصحة التأهلية، بمعنى قابلية هذا الجزء للانضمام بأجزاء السابقة، و قابلية الأجزاء اللاحقة لانضمام بها بحيث لو حصل كل جزء في محله على ما هو عليه يأتلف منه المركب، و يحصل امتثال الأمر المتعلق بالمركب أى: الصّلاة، فعلى هذا فرض الترتيب بين الأجزاء- بحيث يعتبر وجود القراءة مثلا بعد تكبيرة الاحرام، و السورة بعد الحمد، و السجود بعد الركوع، و السجدة الثانية بعد الاولى، و الركعة الثانية بعد الركعة الاولى، و هكذا- لا يوجب ترتب بين هذه الأجزاء من حيث شمول قاعدة التجاوز، بل لسان قاعدة التجاوز بحسب إطلاقه أو عمومه يشمل الشك في كل جزء بعد المضى عنه بوزان واحد، و في عرض واحد، لا بنحو الترتب بحسب ترتب كل جزء على الجزء الاخر، فلو شك في حال

القيام من الركعة الثالثة في أنّه هل سجد في الركعة الاولى أو في الركعة الثانية أم لا، فقاعدة التجاوز عن كل منهما يقتضي كون كل من السجدات محكوما بالإتيان في عرض واحد، لا أنّه تجري قاعدة التجاوز في السجدة الاولى من الاولى، ثمّ بعد إجرائها فيها يحقق الموضوع و الأئر لقاعدة التجاوز في السجدة الثانية من الاولى، و السجدتين من الثانية، ففي المقام بعد العلم الإجمالي بعدم إتيان السجدتين إمّا من الاولى أو الثانية و إمّا إحداهما من الاولى و إحداهما من الثانية- بعد مضى محل الشّك أى: بعد القيام إلى الثالثة، قبل الدخول فى ركوعها- ففي كل من هذه السجدات الاربعة تجري قاعدة التجاوز في

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 340

عرض واحد، غاية الأمر بعد العلم الإجمالي بعدم إتيان اثنتين منهما يقع التعارض بين قاعدة التجاوز في كل منهما مع الاخرى، و لا يكون شمول دليل قاعدة التجاوز للسجدة الثانية من الاولى، و الاولى و الثانية من الثانية في طول شمول دليل القاعدة للسجدة الاولى من الركعة الاولى، حتّى تكون قاعدة التجاوز في السجدة الاولى من الاولى بلا معارض، فلا يتم ما قاله رحمه اللّه، فافهم.

[فى المسألة الخامسة عشرة من العروة]

اشارة

و قال السيّد رحمه اللّه: الخامسة عشر: إن علم بعد ما دخل في السجدة الثانية أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع، أو أنّه ترك سجدة من الركعة السابقة، أو ركوع هذه الركعة، وجب عليه الإعادة، لكن الأحوط هنا أيضا إتمام الصّلاة، و سجدتا السهو في الفرض الأوّل، و قضاء السجدة مع سجدتى السهو في الفرض الثانى، ثمّ الإعادة، و لو كان ذلك بعد الفراغ من الصّلاة فكذلك. «1»

[المفروض في المسألة صورتان]
اشارة

اعلم أن المفروض في المسألة صورتان:

الصورة الاولى:

أنّه بعد ما دخل المصلّى في السجدة الثانية من ركعة يعلم إجمالا بأنه إمّا ترك القراءة من هذه الركعة، أو ركوع هذه الركعة، فقال السيّد رحمه اللّه:

بوجوب إعادة الصّلاة، ثمّ قال: الاحوط إتمام الصّلاة و سجدتا السهو، و إعادة الصّلاة.

أمّا وجه ما قال من إعادة الصّلاة فلأنه بعد العلم الإجمالي بأحدهما لا تجرى قاعدة التجاوز في كليهما، بل تسقط بالتعارض قاعدة التجاوز في كل منهما مع الاخر، فلا يكتفى بهذه الصّلاة، لأنّه على فرض كون المتروك هو الركوع بطلت صلاته، و على فرض كون المتروك هو القراءة وجب عليه سجدتى السهو، لأنّ

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 649.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 341

السيد رحمه اللّه يقول: بوجوبهما لكل زيادة و نقيصة سهوية، فيدور أمره من وجوب سجدتى السهو عليه، و بين وجوب إعادة الصّلاة، فاكتفى أوّلا بإعادة الصّلاة فقط، لا بوجوب الإتمام ثمّ سجدتى السهو ثمّ الإعادة أمّا عدم وجوب الاتمام لعدم كون المضى في هذه الصّلاة مع العلم الإجمالي واجبا، و أمّا عدم وجوب سجدتى السهو، فلأن وجوبهما موقوف على فرض تحقق صلاة صحيحة، فإذا أتى بصلوة صحيحة و وقع فيها زيادة أو نقيصة سهوية يجب عليه سجدتى السهو.

ثمّ قال بعد ذلك الأحوط إتمام الصّلاة و سجدتى السهو، ثمّ الاعادة، و هذا الاحتياط مستحب، لأجل رعاية احتمال وجوب الإتمام، و وجوب سجدتى السهو، و لو مع عدم تحقق صحة الصّلاة، و الإعادة واجب لأجل العلم الإجمالي.

و لكن نحن قلنا في حاشيتنا (الاقوى صحة الصّلاة في الفرض الأوّل و لزوم الاحتياط المذكور في الفرض الثانى، و لا ينبغي تركه في الأوّل أيضا)، لأنّه على مختارنا لا تجب سجدتى السهو في

كل زيادة و نقيصة، ففي نسيان القراءة لا تجب سجدتى السهو و على هذا لا ينجز العلم الإجمالي، لأنّ شرط تنجيزه هو أن يوجب في كل طرف لإثبات تكليف و إلّا فالأصل في طرفى الآخر يصير بلا معارض ففي الفرض بعد عدم أثر لو كان المتروك القراءة، لعدم بطلان الصّلاة بتركها السهوى و لا وجوب سجدتى السهوى على تركه السهوى فلا أثر لإجراء القاعدة أى: قاعدة التجاوز فيها، فيكون قاعدة التجاوز في الركوع بلا معارض، و لا يوجب ذلك مخالفة قطعية للعلم الإجمالي نعم ينبغى الاحتياط و لا يجب.

و لا فرق بين طروّ هذا العلم الإجمالي، على مختارنا، في السجدة الثانية، أو في السجدة الاولى، لأنه على ما قلنا سابقا في محله بمجرد الدخول في السجدة الاولى مضى محل السهوى من الركوع، و لهذا فلو علم بتركه بعد دخوله في السجدة الاولى

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 342

تبطل الصّلاة، و لكن السيّد رحمه اللّه حيث اختار بأن المصلّى متى لم يدخل في السجدة الثانية لم يمض محل السهوى من الركوع، فرض طروّ العلم الإجمالي في السجدة الثانية.

ثمّ إنّه لا فرق في ما قلنا و لا في ما قال السيّد رحمه اللّه في هذه الصورتين طروّ العلم الإجمالي بعد تجاوز المصلّى عن محل السهو، أو بعد الفراغ من الصّلاة.

الصورة الثانية:

ما إذا علم إجمالا بعد الدخول في السجدة الثانية بأنّه إمّا ترك سجدة من الركعة السابقة و إمّا ترك ركوع هذه الركعة، فقال السيّد رحمه اللّه بوجوب إعادة الصّلاة عليه.

و وجهه ما قلنا من أنّ مقتضى العلم الإجمالي هو ترك أحدهما و أثره وجوب الإعادة، و لا يجب قضاء السجدة، و سجدتى السهو، لأنها متفرع على وجود

صلاة صحيحة، و فى الفرض مع احتمال ترك الركوع ما احرز صحة الصّلاة الّتي بيده، فيجب إعادة الصّلاة فقط، و وجوب الاتمام غير معلوم، لعدم معلومية وجوب المضى فى هذه الصّلاة، و الأحوط إتمام الصّلاة، و قضاء السجدة، و سجدتى السهو، ثمّ إعادة الصّلاة، و وجهه هو رعاية احتمال وجوب إتمام الصّلاة، و احتمال وجوب قضاء السجدة، و سجدتى السهو استحبابا، و ما يجب هو إعادة الصّلاة.

و لا فرق في الحكم بين طروّ هذا العلم بعد مضى محل السهوى من الركوع، و بين طروه بعد الفراغ من الصّلاة.

و على مختارنا لا فرق بين طروّ هذا العلم في السجدة الثانية، أو في السجدة الاولى، لأنّ بالدخول فيها مضى محل السهوى من الركوع.

[فى المسألة السادسة عشرة من العروة]

اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: السادسة عشرة، لو علم قبل أن يدخل في الركوع أنّه إمّا ترك

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 343

سجدتين من الركعة السابقة، أو ترك القراءة، وجب عليه العود لتداركهما و الإتمام، ثمّ الإعادة، و يحتمل الاكتفاء بالإيتان بالقراءة و الإتمام من غير لزوم الإعادة إذا كان ذلك بعد الإتيان بالقنوت بدعوى أنّ وجوب القراءة عليه معلوم، لأنّه إمّا تركها، أو ترك السجدتين، فعلى التقديرين يجب الإتيان بها، و يكون الشّك بالنسبة إلى السجدتين بعد الدخول في الغير الّذي هو القنوت و أمّا إذا كان قبل الدخول في القنوت، فيكفى الإتيان بالقراءة، لأنّ الشّك فيها في محلها، و بالنسبة إلى السجدتين بعد التجاوز، و كذا الحال لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه إمّا ترك السجدتين أو التشهد، أو ترك سجد واحدة أو التشهد، و أمّا لو كان قبل القيام فيتعين الإتيان بهما مع الاحتياط بالإعادة. «1»

اعلم أن العلم الإجمالي إمّا يطرأ

بعد الدخول في القنوت، و إمّا قبله.

أمّا لو طرأ بعد الدخول في القنوت، فقد يقال: بأنّه بعد تعارض قاعدة التجاوز فى السجدتين مع قاعدة التجاور في القراءة، لعدم إمكان إجرائها في كليهما للعلم الإجمالي، فكل من السجدتين و القراءة محكومة بالعدم، و حيث لم يمض محل السهوى منهما، لأنّه لم يدخل بعد في الركوع، فيجب عليه أن يجلس، و يأتي بالسجدتين، ثمّ القراءة، ثمّ يتم الصّلاة، و الاحوط استحبابا إعادة الصّلاة، لأجل احتمال وقوع زيادة السجدتين في هذه الصورة.

[الحقّ ان العلم الاجمالى ينحل الى علم تفصيلى و شك بدوي]

و لكن يمكن أن يقال، بل هو الحق: بأن العلم الإجمالي في المقام ينحل بالعلم التفصيلى و الشك البدوى، لأنّه يعلم تفصيلا بوجوب القراءة عليه إمّا لعدم إتيانها، و إمّا لأجل وقوعها في غير محلها، لأنّه لو ترك السجدتين وقعت القراءة في غير

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 650.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 344

محلها، فيعلم تفصيلا بوجوب القراءة عليه، فلا تجري فيها قاعدة التجاوز، فتكون قاعدة التجاوز في السجدتين بلا معارض للمضى عن السجدتين و دخوله في الغير، و هو القيام، لا أن يكون الغير هو القنوت كما قال السيّد رحمه اللّه.

و أمّا لو كان قبل الدخول فى القنوت، فلا إشكال في وجوب الإتيان بالقراءة، لعدم مضى محله، فلا تجرى فيها قاعدة الفراغ، و يكون الشّك بالنسبة إلى السجدتين بعد التجاوز لدخوله في الغير و هو القيام، فافهم. «1»

[فى المسألة التاسعة عشرة من العروة]

اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: التاسعة عشرة، إذا علم أنّه إمّا ترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد من هذه الركعة فان كان جالسا، و لم يدخل في القيام، أتى بالتشهد و أتم الصّلاة و ليس عليه شي ء، و إن كان حال النهوض إلى القيام، أو بعد الدخول فيه، مضى و أتمّ الصّلاة و أتى بقضاء كل منهما مع سجدتى السهو، و الأحوط إعادة الصّلاة أيضا، و يحتمل وجوب العود لتدارك التشهّد و الإتمام، و قضاء السجدة فقط

______________________________

(1)- أقول لم يتعرض مد ظله العالى لفرعين آخرين من هذه المسألة، و هو ما إذا علم إجمالا بأنّه إمّا ترك السجدتين أو التشهد، أو علم إجمالا بأنّه إما ترك سجدة واحدة أو التشهد، فان كان قبل القيام إلى الثالثة، فيجب عليه الإتيان بالسجدتين و التشهّد في الصورة الاولى، و

السجدة الواحدة و التشهد في الصورة الثانية، لأنّ الشّك فيهما قبل التجاوز.

و لو علم بعد الدخول في القيام فقال السيّد رحمه اللّه: بأن ذلك يوجب الإتيان بالتشهد فقط في كل من الصورتين، لأنّه يعلم تفصيلا بوجوب التشهّد عليه إمّا لتركه، أو لترك السجدة أو السجدتين الموجب لعدم وقوع التشهّد في محله، فينحل العلم الإجمالي بالعلم التفصيلى و الشك البدوى.

و لكن هنا إشكال من جهة أنّه بعد علمه التفصيلى بعدم سقوط أمر التشهّد و لزوم إتيانه، فما تحقق التجاوز الموضوع لقاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدتين في الصورة الاولى، و السجدة في الثانية، فمع عدم التجاوز فمقتضى كون الشّك في شي ء لم يتجاوز محلّه هو إتيان السجدتين في الصورة الاولى، و السجدة في الثانية، ثمّ التشهد، فتأمّل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 345

مع سجود السهو، و عليه أيضا على الأحوط الإعادة أيضا. «1»

[للمسألة صورتان]
اشارة

اعلم أن للمسألة كما قال رحمه اللّه صورتين:

الصورة الاولى:

أن يعلم إجمالا بترك السجدة من الركعة السابقة، و التشهد حال الجلوس، فحيث لم يمض محل إتيان التشهد، و لم يتجاوز عنه بل يكون فيه في شي ء لم تجزه فتكون قاعدة التجاوز في السجدة الواحدة من الركعة الرابعة بلا معارض، و مثل حال الجلوس ما إذا طرأ العلم الإجمالي بترك أحد الامرين إذا نهض إلى القيام إلى الثالثة، لعدم تحقّق التجاوز إلا بالقيام لا بالنهوض إلى القيام، كما قال السيّد رحمه اللّه.

الصورة الثانية:

ما إذا طرأ العلم الإجمالي إمّا بترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد في حال القيام في الركعة الثالثة.

قد يقال، كما قال السيّد رحمه اللّه أولا: بأنّه مضى و يتمّ الصّلاة، و يأتي بقضاء كل من السجدة و التشهد مع سجدتى السهو.

و وجهه هو أنّه يعلم بترك أحدهما و مضى محل تداركهما، فلا بد من قضاء كل منهما بعد الصّلاة بمقتضى العلم الإجمالي مع سجدتى السهو.

و قد يقال: بوجوب العود لتدارك التشهد، و الإتمام، و قضاء السجدة فقط مع سجود السهو، ذكر هذا القول السيّد رحمه اللّه على سبيل الاحتمال، و قال: بأن الأحوط الإعادة أيضا، و نحن قلنا في حاشيتنا بأن (هذا هو المتعين، و لكن لا تجب الاعادة على الأقوى) و وجه كون ذلك القول هو المتعيّن هو أن المصلّى في هذه الصورة يشك في وجود التشهّد كما يشكّ في وجود السجدة من الركعة السابقة، و حيث إنّه لا

______________________________

(1)- العروة الوثقى، ص 651.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 346

يمكن الحكم له بإتيان كل منهما بقاعدة التجاوز لكون قاعدة التجاوز في كل منهما معارضة مع قاعدة التجاوز في الاخر، فيكون كل من السجدة و التشهّد محكوما بالعدم، غاية الأمر حيث مضى المحل

السهوى من السجدة من الركعة السابقة لدخوله فى الركوع من الركعة اللاحقة لا يمكن تداركها بل يجب قضائها، و لكن التشهّد حيث لم يمض محل السهوى لعدم دخوله في ركوع الركعة الثالثة يكون محل تداركه باقيا فيجب ان يجلس و يتشهّد ثمّ يأتى بما بقى من الصّلاة.

و بعبارة اخرى، بعد عدم اجراء قاعدة التجاوز في السجدة و التشهد للتعارض للعلم الاجمالى بترك احدهما، فمقتضى استصحاب عدم اتيان التشهّد هو وجوب اتيانه، لانّ مفاد الادلة كما عرفت في محله هو انّه لو ترك التشهّد الأوّل و تذكر تركه قبل ركوع الركعة الثالثة يجب العود الى الجلوس و اتيان التشهّد، و ان كان التذكر بعد ركوع الركعة الثالثة يجب قضاء التشهّد و بعد عدم اتيانه بحكم الاستصحاب فيكون الواجب عليه اتيانه لتذكر تركه قبل الركوع فيجلس و ثمّ يتم الصّلاة و يأتى بقضاء السجدة الواحدة مع سجدتي السهو.

[في اشكال و دفعه]

ان قلت: ان استصحاب عدم اتيان التشهّد أيضا معارض مع استصحاب عدم اتيان السجدة فلا تجرى الاستصحابين حتّى يقال بان التشهّد محكوم بالعدم بحكم الاستصحاب، فلا بد من اتيانه قبل مضى محله السهوى للعلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة فى احدهما، فلا يجوز ترك التشهّد لا بالوجدان و لا بالاصل حتى يكون مورد الادلة الدالة على اتيانه لو تذكر تركه قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة.

قلت: ان هذا يصح بناء على الالتزام بكون نفس العلم موجبا لعدم اجراء الاصول في اطرافه و لو لم يوجب لمخالفة تكليف منجز في البين الثابت بالعلم

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 347

الاجمالى، و لكن المبنى فاسد، بل نحن قوينا في محله بان الاصول لا تجرى في اطراف العلم الاجمالى اذا صار اجرائها موجبا للمخالفة

القطعية للتكليف المنجز الثابت بالعلم الاجمالى، و فى المقام لا يوجب اجراء الاستصحابين مخالفة عملية للعلم الاجمالى، لانّ العلم الاجمالى يقتضي بحكم العقل اتيان كل من السجدة و التشهد، و نحن نقول بذلك، غاية الامر اتيان التشهّد اداء لعدم مضى محله السهوى و اتيان السجدة قضاء لمضى محله السهوى.

ان قلت: ان هذا يصح في ما يعلم اجمالا اما بترك السجدة الواحدة من الركعة السابقة، و امّا بترك التشهّد مع احتمال ترك كل منهما أيضا، و في هذه الصورة يصح ما قلت: من أن إجراء الاستصحاب لا يوجب لمخالفة عملية للعلم الإجمالي، و أمّا لو علم بترك أحدهما مع العلم بوجود أحدهما أيضا ففي هذه الصورة لا مجال لاجراء استصحاب عدم كل منهما، للعلم الإجمالي بوجود أحدهما، و مع العلم بوجود أحدهما فيعلم بانتقاض الحالة السابقة، فيكون كل من الموردين من قبيل الشبهة المصداقية لقوله (لا تنقص) فلا يشمل عموم لا تنقص للموردين.

قلت: أولا هذا خارج عن فرض الكلام، لأنّ المفروض صورة علم بترك أحدهما فقط، لا العلم بعدم أحدهما، مع العلم بوجود أحدهما، و ثانيا قلنا نحن: إنّ الأصل لا يجرى في أطراف العلم الإجمالي في ما يوجب لمخالفة عملية. «1»

______________________________

(1)- أقول في جوابه مد ظله العالى عندى تامل، لأنّ الإشكال ليس من حيث العلم الإجمالي، بل من حيث كون إجراء الاستصحاب في الموردين من قبيل التمسك بعموم (لا تنقص) في الشبهة المصداقية، فتأمّل و لكن يمكن أن يقال في المقام: بأنّه يجلس، و يتشهد، و يتم الصّلاة، و يقضى السجدة كما اختاره مد ظله العالى، لا من باب استصحاب عدم إتيانه، بل

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 348

ثمّ إنّه على ما قلنا لا يرى وجها

لاحتياط السيّد رحمه اللّه بالإعادة في صورة الرجوع إلى الجلوس، و التشهد، و إتمام ما بقي من الصّلاة، فافهم.

و أمّا لو علم ترك أحدهما بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة، فقد مضى محلّ السهوى من السجدة و التشهد، فلا بدّ من قضاء كل منهما مع سجدتى السهو بعد الفراغ عن الصّلاة للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما.

[فى المسألة الحادية و العشرين من العروة]

اشارة

قال السيّد رحمه اللّه: الحادية و العشرون، إذا علم أنّه إمّا ترك جزء مستحبا كالقنوت مثلا، أو جزء واجبا سواء كان ركنا أو غيره من الأجزاء الّتي لها قضاء كالسجدة و التشهد، أو من الأجزاء الّتي يجب السهو لأجل نقصها، صحت صلاته و لا شي ء عليه، و كذا لو علم أنّه إمّا ترك الجهر أو الاخفات في موضعهما، أو بعض الأفعال الواجبة المذكورة، لعدم الاثر لترك الجهر و الاخفات، فيكون الشّك بالنسبة إلى الطرف الاخر بحكم الشّك البدوى. «1»

اعلم أنّه إذا علم إجمالا بأنّه إمّا ترك جزء واجبا، أو جزء مستحبا كالقنوت، فتارة يعلم بذلك قبل المضى من الجزء المستحبى- مثلا حال القيام في الركعة الثانية بعد القراءة، يعلم إجمالا بأنّه إمّا ترك السجدة من الركعة الّتي قام عنها، أو القنوت- فحيث إنّه لم يمض محل القنوت فيأتى به، و تكون قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة بلا معارض.

[فى الاشكال و دفعه]

إن قلت: إنّه لا تجري قاعدة التجاوز للمستحبات.

قلت: لا فرق بين كون الجزء المشكوك وجوده بعد التجاوز عنه جزء واجبا

______________________________

من باب الاشتغال به فذمته مشغولة به، و ما مضى محل إتيانه، فلا بدّ من إتيانه، و لا أصل به يحرز الإتيان، لعدم إجراء قاعدة التجاوز فيه لما عرفت. (المقرّر).

(1)- العروة الوثقى، ص 652.

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 349

أو مستحبا في شمول قاعدة التجاوز لأنّ عمومها أو اطلاقها يشمل كل منهما (خصوصا مع كون المذكور في بعض روايات قاعدة التجاوز الأذان و الاقامة مع كونهما مستحبين، فيكون الشّك في القنوت في شي ء لم يجزه، و يكون الشّك في السجدة بعد التجاوز، فيكون مورد قاعدة التجاوز و تجري فيها القاعدة بلا معارض.

و تارة يعلم بذلك بعد مضى محل

تدارك كل منهما- مثل ما إذا دخل في السجود من الركعة الثانية، فعلم إجمالا إمّا بترك السجدة الواحدة من الركعة الاولى و إمّا بترك القنوت في الركعة الثانية بناء على استحباب قضاء القنوت لو تذكر في السجود تركه، أو علم إجمالا بترك أحدهما في الركوع أو بعده بناء على استحباب إتيان القنوت بعد الركوع لو تذكر نسيانه في محله، ففي هذا الفرض مضى محلهما، و تجاوز عن كل من السجدة و القنوت، فهل يكون للعلم الإجمالي أثر حتّى لا تجري قاعدة التجاوز في كل من السجدة و القنوت أولا؟

[حيث لا يكون العلم الاجمالى منجزا لا مانع من اجراء قاعدة التجاوز]

لا يخفى عليك أن في المورد حيث لا يكون العلم الإجمالي منجزا على كل حال، لأنّه لو كان المعلوم بالاجمال هو القنوت فلا تنجيز له لأنّ معنى التنجيز مصححية المثوبة و العقوبة، و في أحد طرفي العلم الإجمالي ليس هذا، لأنّ القنوت يجوز تركه فبعد عدم تنجيز العلم الإجمالي تجري قاعدة التجاوز في كل من السجدة و القنوت، لأنّ الاصل لا يجرى في أطراف العلم الإجمالي لاستلزامه لمخالفة التكليف الثابت بالعلم الإجمالي، و في المقام ليس تكليف منجز في البين لأنّ معلوم الترك إن كان هو القنوت، فلا يكون التكليف به منجزا، فلا يكون إجراء قاعدة التجاوز في كل منهما موجبا لمخالفة عملية للتكليف الثابت بالعلم (بل أقول: يمكن أن يقال: بأنّه لو قلنا بأن الاصل لا يجرى في أطراف العلم الإجمالي للزوم المناقضة و إن لم يوجب

تبيان الصلاة، ج 8، ص: 350

لمخالفة عملية فأيضا يجرى الأصل هنا، لأنّ المناقضة تلزم إذا كان العلم يقتضي تكليفا منجزا على خلاف الترخيص الثابت بالأصل، و هنا ليس كذلك، فتأمل) «1».

تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء الثمان من

كتاب تبيان الصّلاة

و هو اخر جزء منه و نشكره عزّ و جل لتوفيقنا بنشر

هذا السفر العلمي العظيم و الحمد للّه ربّ العالمين.

______________________________

(1)- أقول: ثمّ إن سيدنا الاستاد مد ظله العالى عطف عنان الكلام إلى بيان مطلب اخر، و هو أنّه يمكن أن يقال: بإجراء الاصول في أطراف العلم الإجمالي و إن كان العلم الإجمالي يثبت تكليفا، مثل ما إذا علم إجمالا بوجوب الواحد المردد بين الشيئين، فإنه لا مانع من إجراء الاصل المخالف في كل من الشيئين، مثلا إذا علم بوجوب الاجتناب عن المردد بين الإنائين، فلا مانع من إجراء اصالة الحلية في كل من الإنائين و محذور منافات ذلك مع العلم الإجمالي ليس إلا في الشبهة البدوية، لأنّ إجراء الأصل إن كان توجب المناقضة في أطراف العلم الإجمالي يوجب ذلك في الشبهة البدوية أيضا، غاية الأمر في الاوّل يوجب بناء على ما قيل للعلم بالمناقضة، و في الشبهة البدوية احتمال المناقضة، و احتمال المناقضة كالعلم بها.

و إن تمّ ما أفاده مدّ ظله العالى في هذا الموضع، فلا بدّ من ألا يفتى في بعض الفروع المتقدمة من مسائل العلم الإجمالي بالاحتياط، و على كل حال في المسألة- أى: في ما إذا دار الأمر بين ترك السجدة الواحدة و ترك القنوت- بعدم لزوم الاحتياط، و أنّه تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة، لأنّ العلم الإجمالي لا يوجب التنجيز في المقام.

و لم يتعرّض مدّ ظله للصورة الاخرى من المسألة، و هى ما إذا علم إجمالا إمّا بترك الجهر أو الإخفات، أو بعض الأفعال الواجبة مثل ترك السجدة الواحدة، فإنّ في هذه الصورة لا يتنجز العلم، لعدم أثر لترك الجهر أو الإخفات، و لا بدّ من

تأثير العلم في عدم إجراء الاصول في أطرافه من كونه منجزا على كل تقدير، فافهم. (المقرّر)

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.